الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال المتأثرين بالاستشراق في حقيقة العرش والاستواء
قال سيد أحمد خان: "الآن أعرض قضية بكل أدب في خدمة أولئك المشايخ الذين يرون المراد بالعرش في آيات الاستواء الملك والسلطة، فلماذا لا يرون هذا المعنى نفسه عند ذكر "رب العرش" أو "رب العرش العظيم" أو "ذو العرش" أو "رب العرش الكريم" أو "ذو العرش المجيد"؟ لأنه إذا أريد به العرش العريض الموجود في الخارج الذي لم يستو عليه الرب ولن يستوي عليه أبدًا، بل لا يمكن أن يستوي عليه، فما فائدة مثل هذا العرش؟ إذن المراد بالعرش في كل مكان "الملك والسلطة" ولا غير" اهـ
(1)
.
وقال أيضًا: "وأنا أتعجب من أولئك العلماء الذين يرون استواء الرب على العرش من الممتنعات، ثم يثبتون العرش على حقيقة مع كل مستلزمات الجلوس عليه" اهـ
(2)
.
تحليل العبارة وتعيين الشبهة:
قد ذكر أحمد خان عقيدة عامة المعطلة والجهمية والأشاعرة في العرش، واستغرب من إنكارهم تارة وإثباتهم أخرى، ومما لا شك فيه أن هذا أكبر الحجج على بطلان عقيدتهم، وبعد هذا الاستغراب ليته تمسك بعقيدة السلف وهي إثبات العرش والاستواء في كل موضع ذكر فيه العرش من الكتاب والسنة، ولكن منهجه المادي المتأثر بالاستشراق الغربي جعله منكرًا لكل ما وراء هذا الكون من الغيبيات، فأنكر العرش العظيم، وأورد جميع الآيات القرآنية التي فيها ذكر العرش، ثم أولها إلى أن المراد بالعرش فيها الملك والسلطة
(3)
.
(1)
تفسير القرآن لسيد أحمد خان: 3/ 128.
(2)
المرجع السابق: 3/ 133.
(3)
ينظر جمعه للآيات وتأويله إياها في تفسير القرآن له من 3/ 123 إلى 3/ 135.
وأكبر دليل قدمه السيد لزعمه بأن العرش معناه السلطة والملك: أن الرازي وغيره من أئمة أهل الكلام أخذوا هذا المعنى في آيات الاستواء فعليهم أن يأخذوا هذا المعنى نفسه عند كل موضع ذكر فيه العرش، إذ أن حقيقة العرش بدون الاستواء لا فائدة فيها، فالعرش والاستواء ليسا على حقيقتهما.
ثم قال: قد يتعارض دعوانا مع أربع آيات في القرآن الكريم، وقد يقال فيها إنها تتضمن للعرش وصفًا يجبرنا القول بأنه مثل سرير الملك موجود في الخارج، والآيات الأربع هي: في سورة الزمر آية: 75، وفي سورة الحاقة آية: 17، وفي سورة غافر آية: 7، وفي سورة هود آية:7.
فآية الزمر قد ذكرت فيها عظمة الله وجلاله على سبيل التصوير التمثيلي، وقد ذهب إلى هذا المعنى بعض المفسرين كصاحب الكشاف
(1)
، قال تعالى {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}
(2)
فمن المعروف بداهة ليس لله قبضة ولا يمين إنما هو تصوير تمثيلي أو استعارة أو مجاز.
وأما آية الحاقة فقد جاء فيها ذكر يوم القيامة وما يحدث فيها من أهوال فقال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا}
(3)
(1)
ينظر على سبيل المثال قول الزمخشري تحت قول الله تعالى {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ .... } : "وإنما ضحك أفصح العرب صلى الله عليه وسلم، وتعجب لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من تصور إمساك ولا إصبع ولا هز ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أول شيء ولآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة. (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل لمحمود بن عمر الزمخشري، دار الريان للتراث ط/3، 1407 - 1987: 4/ 143).
(2)
سورة الزمر: 67.
(3)
سورة الحاقة: 13 - 17.
فالذي يسمع هذه الأهوال يتساءل إذا هلك كل شيء فعلى أي شيء يكون ملك الله وسلطته يوم القيامة؟ أو ينتهي كل الملك؟ فأزيلت هذه الشبهة بقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}
(1)
.
لفظة "حمل" استخدمت استعارة كما وردت في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا}
(2)
، ولفظة "ثمانية" ذكرت كفصاحة الكلام ففيها غاية البلاغة، ولا يراد بها عدد مخصوص حيث حذفت مضاف إليه. وإلى غير ذلك من التأويلات.
وأما آية المؤمن (غافر) فهي تتطلب منا نظرة عميقة قال الله تعالى في بدايته: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ}
(3)
فمن المراد بـ "الذين"؟ قال المفسرون: إن فيها إشارة إلى حملة العرش وهم الملائكة ..... فلا يستقيم به المعنى، لأن المقصود من هذه الآيات واضح جدًا، بعد أن جاء ذكر الكفار الذين يجادلون في آيات الله جاء ذكر المؤمنين الذين يحملون العرش أي يتحملون مسئولية ملك ربك وسلطته.
وأما آية هود فورد فيها ذكر خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم قال: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
(4)
وهذا لا يحتاج إلى بحث طويل إنما المقصود منه بيان اعتقاد اليهود حيث كانوا يعتقدون أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، كذلك كانوا يعتقدون بأن عرشه كان على الماء" اهـ
(5)
.
إنكار السيد للعرش واضح في العبارات السابقة، وتضمن إنكاره للعرش إنكاره لحقيقة الاستواء، بل قد صرح إنكاره لحقيقة الاستواء معترفًا وموافقًا لما ذهب إليه
(1)
سورة الحاقة: 17.
(2)
سورة الجمعة: 5.
(3)
سورة غافر: 7.
(4)
سورة هود: 7.
(5)
ينظر تفسير القرآن لسيد أحمد: 3/ 132 - 135.