الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم كتب كتبه المختصرة في الدعوة إلى الإسلام، كان لها أثر كبير في أوساط المسلمين، وقد عرّف بهذه الكتب الأوربيين بالإسلام ومحاسنه، إذا لم يكونوا يسمعون عن الإسلام إلا من مستشرقين، ولكن بأسلوب اعتذاري متأثر بالاستشراق، فقال المستشرق هاملتون جيب (Hamilton Gibb):" مؤلفات الهندي السيد أمير علي ولا سيما كتابه "روح الإسلام" يحتل حتى في مصر مكانًا بارزًا بين كتب التجديد، رغم أنه كُتب من قبلٍ شيعيٍ ونُشر باللغة الإنكليزية.
وقد قدمت هذه المؤلفات المواد والحجج أكثر من المقالات والكراسات والمحاضرات، وأنه لكثير الاحتمال أن يكون أغلب الكتاب مولعين مباشرة على مؤلفاته وجاهلين جهلًا تامًا بأصول فرضياتهم. ولكن السيد أمير علي عمل أكثر من أي شخص آخر ليعطي للمفهوم الجديد المتحرر للإسلام مظهرًا ملموسًا وجوهريًا، وليس من شك في أن هذا المفهوم قد لاقى تأييدًا متحمسًا لدى المسلمين المتعلمين الذين ينفرون من كتابات المحافظين بنسب مختلفة، والذين تريهم الأهمية البالغة التي يعلقونها على الصيغة النهائية والإلزامية للنظم التقليدية في حيرة كبرى، وقد نجح في بلوغ غرضه، والأدهش من ذلك أنه دفع علماء الدين المحافظين على تقبل بعض موقفه وعلى تأييده" اهـ
(1)
.
(ب) منهجه:
سبق أن ذكرنا أن سيد أمير علي قد نشأ نشأة اثنا عشرية وكان راسخًا في عقيدته ومتشددًا في تمسكها إلا أنه رزق بقلب رحب فلم يظلم بتاريخ أهل السنة بل مجّده وأبرز معاله، وأثنى على الخليفتين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما ومدحهما
(1)
دعوة تجديد الإسلام للمستشرق هاملتون جب، دار الوثيقة دمشق ص:91.
كثيرًا
(1)
بخلاف الروافض الهنود الذين يعادونهما ويسبونهما، إلا أنه يعتقد بأن الأمر في توصية علي رضي الله عنه وتوليته للخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كان واضحًا جدًا من تعليمات الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقسم الخلافة إلى قسمين: خلافة إمامية وخلافة رسولية وبعبارة أخرى رياسة روحية ورياسة تنفيذية، وقد يسمى الأولى الإمامة والثانية الخلافة وهما وظيفتان متلازمتان قد قامتا جنبًا بجنب وعملتا في خطين متضادين إلا أن الأولى كانت مشيرة للثانية، وبهذا الاعتقاد يصدق أمير علي نظرية أهل السنة بأن عليًا كان مشيرًا للخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويرى أن عليًا قد تنازل عن حقه نظرًا لمصلحة المسلمين وتوحيد كلمتهم، وأصبح معاونًا لأبي بكر رضي الله عنه ولما تولى الخلافة اجتمع في شخصيته جملة خصائص الإمامة والخلافة
(2)
.
ويرى أن فكرة الرفض كانت نتيجة رد الفعل للعهد الأموي، وبعد أن رأى أن الخلافة الراشدة استمرت إلى الخلفاء الأربعة (632 - 661)، وخلافتهم كانت نموذجًا للرياسة الإسلامية المثالية، اعتقد بأن لب الحضارة وعصارته كان كامنًا في خلق علي المستمدة من الإنسانية، وهذا الاعتقاد يربطه بالمنهج المعتزلي العقلي المادي ويمهد له طريقًا إلى رفض المنهج السني وسانده على ذلك كونه شيعيًا
(3)
.
بعد أن ترك المناهج الثابتة القديمة اختار أمير علي لنفسه منهجًا جديدًا مستمدًا من مبادئ المنهج الاستشراقي الغربي مستهدفًا ليجعل الإسلام غربيًا أو مشابها لما في الغرب من الأديان فقال: "إننا إذ استثنينا عقيدة الأبوة الإلهية بعيسى عليه السلام، لم نجد خلافًا أساسيًا
(1)
ينظر على سبيل المثال كتابه روح الإسلام (The Sprit Of Islam) ترجمة أمين محمود الشريف المطبعة النموذجية 1961 م، : 1/ 214، 2/ 180.
(2)
ينظر روح الإسلام لأمير علي: 2/ 210 - 211.
(3)
ينظر المرجع السابق: 2/ 190 - 191، 248 - 249، و Short History Of Saracens لأمير علي، لندن، 1961 م ص: 70 - 79.
بين المسيحية والإسلام فهما في جوهرهما دين واحد، وكلاهما وليد القوى الروحية المتشابهة في الإنسانية" اهـ
(1)
.
وناسبه المنهج العقلاني والمنهج الطبيعي لتفسير العقيدة الإسلامية، فأنكر جميع المغيبات من الملائكة والجن والجنة والنار، واعتبرها قوى طبيعية، وقال: إن السلف قد سموها بهذه الأسماء المعروفة، ونحن نسميها بأصول الطبيعة
(2)
.
ونهج المنهج التاريخي في تفسير بعض الأحكام، فيرى أن التاريخ الزمني تسببب في إصدار أحكام معينة، فبانتهائه تنتهي الأحكام فهناك أحكام عارضة موقتة وأحكام دائمة عامة، فلا بد من التفرقة بينهما
(3)
.
ومال إلى المنهج التطورى عندما رأى أن الشريعة المحمدية حلقة من حلقات التطور الديني وهي في ذاتها ترتقى وتتطور استجابة لدواعى التطور البشري ومطالب التقدم الزمني
(4)
، ومن ثم قال بتطور الوحي المكي والمدني فالسور المكية تشتمل على الأوصاف الجميلة المادية في شأن الفردوس، ولكن بنمو الوعي الديني على مر السنين، وبارتقاء المسلمين في إدراك المعاني الروحية بالمدنية اصطبغت المعاني التي اتخذت مظهرًا ماديًا في البداية بصبغة روحية
(5)
.
ومن أهم الإسهامات التي أسهم بها أمير علي في بيان المنهجية الجديدة منهج مقارنة الأديان، فيعقد المقارنات بين الديانتين النصرانية والإسلام، ويقارن بين شخصية محمد صلى الله عليه وسلم وشخصية عيسى عليه السلام، فيرى أن عيسى لم يكسب ثقة من أتباعه حتى عشيرته لم يؤمنوا به، بينما محمد صلى الله عليه وسلم قد كسب ثقة تامة عند معاصريه ولو بعد حين، ومن الأسباب التي ذكرها لضعف ثأثير عيسى عليه السلام على أقربائه تضارب
(1)
روح الإسلام للأمير علي: ص 2/ 180.
(2)
المرجع السابق: 2/ 57.
(3)
المرجع السابق: 2/ 56.
(4)
ينظر المرجع السابق: 2/ 56 - 57، 2/ 180.
(5)
ينظر المرجع السابق: 2/ 74.
التعاليم العيسوية نفسها، فلم يكن أتباعه راسخين في العقيدة بل كانوا متذبذبين، وعلى عكس ذلك فإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على استقامة ثابتة وعلى عقيدة غير متزلزلة، وهذا أسمى شهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بصدقه وإخلاصه، ونجاحه في رسالته
(1)
.
ودلل على كون رسالة عيسى عليه السلام ناقصة غير كاملة بالإشارة إلى المؤتمرات المنعقدة والمجامع المسكونية لتقرير أصول الدين وعقائده الجديدة، ثم لا تصمد هذه الأصول أمام تعقل بسيط أو تحرر يسير، ومن هنا يتأكد الأمر بأن حياة عيسى عليه السلام القصيرة لم تكتمل فيها الرسالة، وهي بحاجة إلى رسالة جديدة ومعلم جديد، ألا وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فرسالته متممة ومكملة لرسالة عيسى عليه السلام وهي تتم مكارم الأخلاق
(2)
.
ونهج أمير علي المنهج المادي الخالص عندما نسب بعض الأحكام إلى أسباب مادية، مصطنعة، وتجاهل عن أسبالب حقيقة معنوية، فيقول في ذكر سبب اتجاه المسلمين إلى الكعبة:"أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن تظل ذكرى المكان الذي شهد مولد الإسلام حية في أذهان العالم الإسلامي، فأمر المسلمين أن يولوا وجوههم في الصلوة شطر مكة باعتبار كونها المركز المجيد الذي أشرقت منه شمس الدين الجديد، ورأى بنور النبوة ما ينشأ عن التضامن بين المسلمين إذا اتخذت نقطة مركزية تلتف حولها قلوب أمته في كل زمان، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم أن يتجه المسلمون في جميع أنحاء الأرض إلى مكة" اهـ
(3)
.
وكما يبدو من العبارة السابقة أن أمير علي انطلق من منطلق أن القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نسب الأمر إلى ذات النبي صلى الله عليه وسلم وعلقه بنور النبوة وفراسة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من عند الله، وسيأتي الرد على مثل هذه الافتراءات في الفصول القادمة إن شاء الله.
(1)
ينظر روح الإسلام لأمير علي: 1/ 99 - 100.
(2)
ينظر المرجع السابق: 1/ 42.
(3)
المرجع السابق: 2/ 38.
ومنهج الأثر والتأثر ظاهرة في كتاباته عندما يرى أن عقيدة القضاء والقدر من عقائد جاهلية أخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأضاف إليها بعض الإصلاحات
(1)
، والطهارة قبل الشروع في العبادة كانت عادة قديمة قد مارسها المصريون واليهود وكهنة الديانات الوثنية في الشرق والغرب فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والفعلية لأنها كانت مفيدة
(2)
.
وبعد أن أقرّ بأن الاشتغال بالعلوم الطبيعية دليل على حرية الفكر عند الأمة
(3)
نهج المنهج الطبيعي فيقول فيه: "إن المراد بمعنى كلمة القدر في كتير من هذه الآيات هو القانون الطبيعي فالنجوم والكواكب لها مسار معلوم، وهكذا كل شيء في الخليقة، فحركات الأجرام السماوية وظواهر الطبيعة والموت والحياة، كل يخضع لقانون (طبيعي) معلوم" اهـ
(4)
.
وبالجملة إن سيد أمير علي كغيره من المتأثرين بالاستشراق، استخدم في منهجيته الجديدة معظم مسالك الغرب ليجعل الإسلام مقبولًا عند الغرب، ومنهجيته هذه أوقعته في أخطاء جسيمة من رفض السنة الثابتة إلى حد كبير، وتقسيم أحكام القرآن إلى وقتية ودائمية، فالأحكام التي يعتبرها مؤقتة يقبلها ويعدّها من التاريخ والأحكام التي فيها جزء خفيف من روح العقيدة وجوهرها فينتخبها ويعتبر دائمية
(5)
.
ويعترف بالإجماع ويعدّه من منابع الفقه الإسلامي الصحيحة، إلا أنه لم يفهم الإجماع كمفهوم عام وهو إجماع المجتهدين في عصر من العصور، إنما الإجماع عنده إجماع العامة، ويرى أن هذا الإجماع يعطى الحكام دستورًا أصوليًا وضابطًا قانونيًا لاحيدة عنه
(6)
. وسوف نتناول بعض آثار منهجه الجديد نقدًا وتفنيدا في الفصول القادمة (إن شاء الله).
(1)
ينظر روح الإسلام لأمير علي: 2/ 293.
(2)
ينظر المرجع السابق: 2/ 38.
(3)
ينظر المرجع السابق: 2/ 287.
(4)
ينظر المرجع السابق: 2/ 56.
(5)
ينظر المرجع السابق: 2/ 165 - 166.
(6)
المرجع السابق: 2/ 251، 278.