الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) المنهج التحليلي
التحليل من "حلل العقدة يحللها و-- الشيء: رجّعه إلى عناصره يقال: حلل الدم، وحلل البول، ويقال حلل نفعسية فلان أدرك أسباب عللها" اهـ
(1)
.
والمنهج التحليلي في ذاته منهج مثمر يحتاج إليه كل باحث للكشف عن البناء الكلي لظاهرة ما، ولإدراك أسباب علل ظهورها، ففي تراثنا القديم نماذج كثيرة لمثل هذه التحليلات القيمة، بل التراث معظمه قائم على نظرة التحليل، ومن أمثال ذلك، تحليل الوحي إلى مراحل، وتحليل العقائد إلى أصول، وتحليل أصول الفقه إلى أدلة، ففي علم أصول الفقه نفسه تحليل الشعور التاريخي، وتحليل مناهج الرواية، وتحليل الألفاظ، وتحليل الأحكام
(2)
.
إذن الظاهرة الفكرية كسائر الأشياء المحسوسة مركبة من عناصر تركيبًا صناعيًا يمكن تحليلها إلى عناصرها الأولية ثم إرجاعها إلى أماكنها الأصلية حتى يتم توضيحها وفهمها. وهذا التحليل هو التحليل التكويني الذي يكشف عن البناء العام أو التحليل الارتقائي الذي يبين مراحل التكوين.
وأما المنهج التحليلي الذي طبقه المستشرقون على العقيدة الإسلامية "فهو عبارة عن تفتيت الظاهرة الفكرية إلى مجموعة من العناصر يتم التأليف بينها في حزمة لا متجانسة من العوامل أو الوقائع التي أنشأها" اهـ
(3)
.
بعد أن فعل المنهج التاريخي فعلته من إرجاع الظاهرة الفكرية الإسلامية إلى أسباب مادية واستبدال واقعة مادية بالظاهرة الفكرية يأتي دور المنهج التحليلي فيسهل للمستشرق بواسطة هذا المنهج تفتيت الظاهرة وردها إلى عناصر مادية خالصة
(1)
المعجم الوسيط 1/ 193 (خ ل م).
(2)
ينظر التراث والتجديد لـ د. حسن حنفي ص: 750.
(3)
التراث والتجديد لـ د. حسن حنفي ص: 73، وينظر الظاهرة الاستشراقية لـ د. سالم الحاج 1/ 201.
كالظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية كما فعله معظم المستشرقين العلمانيين والملحدين أو إلى عناصر دينية وغير دينة كما فعله معظم المستشرقين النصارى، ويصبح العنصر الديني مع أنه الدافع الحقيقي لتكوين الظاهرة عنصرًا ضعيفًا مساعدًا لبقية العناصر، ولا شك هذا من تأثر المستشرق بثقافته وبيئته ودينه الذي نشأ فيه.
"فالمسيحية (الديانة النصرانية) عندما يخضعها المستشرقون للمنهج التحليلي فإنها تبدو لهم منقسمة إلى عوامل دينية وأخرى غير دينية لأن الدين المسيحي
(1)
لا ينظم إلا الجانب الروحي ولا علاقة بالجانب الزمني
(2)
أو المادي الذي يخضع بدوره إلى عوامل الاقتصاد والسياسة والاجتماع ولكن إذا طبق هذا المنهج على دراسة العقيدة الإسلامية وكيفية نشأتها فإنه يحكم عليها طبقًا للمعايير السياسة والاقتصادية باعتبارها نشأت لهذا السبب وحده دون غيره، غير أن الحقيقة خلاف ذلك لأن الدين الإسلامي لا يفرق بين العامل الديني وغيره من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى
(3)
.
ومن أخطاء المنهج التحليلي الاستشراقي أن المستشرق يفتت الظاهرة إلي عناصر ثم لا يأخذها جميعها عند التحليل إنما يختار بعضها ويترك البعض حسب أهوائه، والأمثلة كثيرة على ذلك "فعديد من الدراسات عن المسائل الجزئية في علم الكلام
(4)
لا تعطي نظرة شاملة على أساس هذا العلم ولا تدرك جوهره فيمكن دراسة عدة جوانب من التوحيد كالتأليه أو التجسيم أو التشبهية أو التنزيه مع إعطاء مئات
(1)
الأحسن النصراني بدل المسيحي.
(2)
الزمني معتاد في اصطلاح النصارى الدنيوي وهو ترجمة للكلمة اللاتينية " Temporal"" لإثة حخقشم".
(3)
ينظر الظاهرة الاستشراقية لـ د. ساسي الحاج 1/ 202.
(4)
كذا في الأصل والأحسن أن نقول في علم العقيدة.
من الآراء عن كل منها، ولكن ذلك كله لا يجعلنا ندرك ماهية التوحيد أو عملية التوحيد أو عمليات الشعور التي وراء النظريات الجزئية" اهـ
(1)
.
ومن أخطائه أنه "قد يستعمل التحليل عمدًا للقضاء على الطابع الكلي الشامل، وهو أهم ما يميز الحضارة الإسلامية التي قامت أيضًا على وحي كلي شامل، فتفتيت الكل لا يُرى أحد الأجزاء المتناثرة، ومن ثم لا تختلف الحضارة الإسلامية عن الغربية في شيء. فكلاهما مجموعة متناثرة من الأجزاء، وقد يستعمل التحليل بطريق لا شعوري تعبيرًا عن رغبة دفينة في الهدم والقضاء على الموضوع، فالتحليل تفتيت وسحق، يحقق الباحث ما يريد من القضاء على الظاهرة إن أراد، وقد يستخدم التحليل حتى يمكن رد كل جزء إلى أجزاء شبيهة في حضارات معاصرة، ومن ثم يكون التحليل مقدمة لإثبات الأثر الخارجي وتفريغ الحضارة من مضمونها الأصيل" اهـ
(2)
.
فإن نظرة المستشرقين إلى هذا المنهج مفتاح الفكر الاستشراقي الغربي على أنه منهج عام وشامل، يمكن تطبيقه على أي دراسات إنسانية، كدراساتهم للإسلام، هذه النظرة أدت بهم إلى أخطاء جسيمة كإصدار أحكام عامة على الحضارة الإسلامية بالجدب وعلى الدين بالجمود وعلى الوحي بالاضطراب والاختلاط، وعلى التوحيد بالتجريد، وعلى عقيدة القضاء والقدر بالجبر وعلى الشعوب بالتخلف
(3)
.
(1)
التراث والتجديد لـ د. حسن حنفي ص: 73.
(2)
المرجع السابق ص: 74 - 75.
(3)
ينظر الوحي القرآني لـ د. محمود ماضي ص: 37 - 38، والتراث والتجديد لـ د. حسن حنفي ص:75.