الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا قد أراد المتأثرون بالاستشراق تضييق الفجوة بين المسلمين وأعدائهم في هذه العقيدة عقيدة الوحي، فجاؤوا بتعريفات للوحي وشروحات للوحي لكي لا يكون بينها وبين نظريات الأعداء ذلك الصدام الواقع.
إذن الشبهة واسعة الأطراف، فيها إنكار اللوح المحفوظ الذي فيه كلام الله، وفيها إنكار بيت العزة الذي نزل فيه القرآن جملة وأحدة، وفيها إنكار جبريل الأمين الذي كان واسطة بين الله ورسله، فيمكن إجمال هذه المزاعم كلها في شبهة وهي:
شبهة الوحي النفسي
.
تفنيد الشبهة
شبهة الوحي النفسي:
وللرد على هذه الشبهة نقول:
أولا: قول السيد "يسمع النبي كلامه النفسي بأذنيه" يرده قول النبي صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق والمصدوق- حيث سئل كيف يأتيك الوحي فأجاب: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّ عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول
…
" اهـ
(1)
.
ومن ذلك قوله تعالى -ومن أصدق من الله قيلا-: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}
(2)
.
ثانيا: أما قول السيد: "إن النبي صلى الله عليه وسلم يرى أمامه شخصا خياليا عند نزول الوحي كفاقد العقل" اهـ يرده قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " .... حتى جاءه الحق وهو في غار
(1)
صحيح البخاري مع الفتح: 1/ 18 (2).
(2)
سورة النساء: 164.
حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ ...... فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق .... " اهـ
(1)
.
ومن ذلك قوله تعالى -وهو أصدق القائلين-: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}
(2)
.
ثالثا: ولا ندري كيف ساغ للسيد أن يشبه النبي صلى الله عليه وسلم بفاقد العقل، وحالته صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي كحالة المجنون، فكيف تجرأ لهذه الفرية وهو السيد الذي يقول عن نفسه:"إنني لما رأيت اتهامات "وليم ميور" على جدي صلى الله عليه وسلم احترق قلبي من شدة الحزن" اهـ
(3)
.
ومن المعروف أن فاقد العقل إذا رأى شيئا خياليا، يرى هو وحده دون غيره، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يرى جبريل قد يراه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين كما جاء في حديث جبريل:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرف منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ..... (حتى قال: ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" اهـ
(4)
.
رابعا: أما قول إقبال: "فإذا تقوّى هذا الوجدان يصل بنا إلى حقائق ما وراء الحواس، وإفاداته لا تخطئ أبدا" اهـ فنرد عليه ونقول: لو كان تربية الوجدان وسيلة إلى معرفة حقائق ما وراء الحواس لصار كل منا نبيا، ولتعطلت رسالات الله من
(1)
صحيح البخاري مع الفتح: 1/ 23 (3).
(2)
سورة النجم: 12 - 15.
(3)
ينظر خطوط سير سيد للسيد ص: 38.
(4)
صحيح مسلم مع الشرح: 1 - 2/ 273 - 274 (8).
السماء، ولم تعد لها فائدة على البشر، إذ أن بعض النفوس قد تستيقن ما تجد من عرفان بأنه من عند الله، وما هو من عند الله بل هو من الشيطان، فما الوسواس الذي يجده الموسوسون في نفوسهم في الأمر الديني إلّا اعتقادا منهم بأنه تنبيه إلهي لهم، بتقصيرهم في الوضوء مثلا، فيعيدونه مرات ومرات وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وما ذلكم الوسواس إلّا من الشيطان، قال تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}
(1)
(2)
.
قال ابن تيمية رحمه الله: "كل من خالف الرسول لا يخرج من الظن، وما تهوى الأنفس، فإن كان ممن يعتقد ما قاله، وله فيه حجة يستدل بها كان غايته الظن الذي لا يغني من الحق شيئا كاحتجاجهم بقياس فاسد، أو نقل كاذب أو خطاب ألقي إليهم اعتقدوا أنه من الله، وكان من إلقاء الشياطين" اهـ
(3)
.
خامسا: قد أورد إقبال قصة ابن صياد وقال قد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم مكاشفاته واختبره
…
فالسؤال هنا: لماذا اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الواردات عند ابن صياد؟ وفي الجواب إذا ذهبنا إلى ما ذهب إليه علماء الإسلام بأن النبي صلى الله عليه وسلم اختبره لإزالة الظن التي ظنه بعض الناس بأنه الدجال الذي حذر عنه كل نبي مرسل لأنه كان ممسوحة عينه والأخرى طالعة ناتئة، فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الدجال، فذهب إليه وحقق أمره وبين أنه ليس بالدجال المحذر منه
(4)
، يقول إقبال: هذا فهم قاصر، وإذا كان فهم المحدثين قاصرا، فهل فهم أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم كامل؟
(1)
سورة الناس: 1 - 6.
(2)
ينظر منهج المدرسة العقلية لفهد الرومي ص: 487.
(3)
مجموع الفتاوى لابن تيمية: 13/ 67 - 68.
(4)
ينظر فتح الباري لابن حجر: 6/ 172 - 175.