الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحليل العبارة وتعيين الشبهة:
بعد أن رفض السيد ومن ذهب مذهبه كون أعمال العباد من قدر الله، بدءوا في تأويل الآيات التي فيها معنى القدر فقال السيد: القدر هو ما يقع حينا بعد حين وقال أمير علي: القدر هو قانون طبيعي، وانطلاقا من هذا المبدأ يرى إقبال: أن القدر ليس أمرا محتما، فالإنسان حر مختار في أن يختار ويسلك بل إن له كذلك القدرة الكاملة على الخلق.
قلت: ومن المحتمل جدّا أن السيد وأتباعه قد أرادوا بهذه العبارات السابقة بث روح النشاط والعمل في الأمة من ناحية، ومن ناحية أخرى أرادوا الرد على مزاعم المستشرقين حول قضية القدر، ولكن لا ينبغي أن يكون هذا على حساب المفاهيم الثابتة عند المسلمين بالكتاب والسنة والإجماع، لأن الغاية لا تبرر الوسيلة.
فقد رفض السيد المفهوم القديم بقوله الصريح وقال: "إن الإيمان والتوكل على قضاء الله وقدره والشكر له كان من واجبات المؤمن في الأصول القديمة ولكن المنهجية الجديدة قد غيرت هذا المفهوم إلى .... " اهـ
(1)
، وغلب أمير علي جانب القانون الطبيعي على جانب الاعتقاد بقضاء الله وقدره في أعمال العباد.
فالمقصود بالأصول الجديدة عند السيد هي المنهجية الجديدة المتأثرة بالدراسات الغربية الاستشراقية والمقصود بالآيات السابقة عند أمير علي هي الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة "القدر" مثل قوله تعالى: { .. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}
(2)
، وقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}
(3)
، وقوله تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}
(4)
.
(1)
سر سيد كي إسلامي بصيرت لجمال خواجه: 54.
(2)
سورة الفرقان: 2.
(3)
سورة الحجر: 21.
(4)
سورة القمر: 41.
فهذه وغيرها من الآيات الدالة على قدر الله المسبق وقضائه المبرم أولها المتأثرون بالاستشراق إلى مفهوم جديد خوفا من هجمات استشراقية على عقيدة القدر، مثل قول "سورديل" (Sordel):" الواضح أن القدرة الإلهية تسيطر على الوحي القرآني إلى حد أنه تخنق الحرية البشرية" اهـ
(1)
.
أمام هذه المزاعم أرادوا أن يجعلوا الإنسان وأعماله خارجة عن إطار قدر الله فأنكروا قضاء الله فيما يفعله الإنسان، كما صرح بهذا القصد (الإنكار بعقيدة القدر) محمد علي اللاهوري القادياني
(2)
في تفسيره "بيان القرآن" فقال عند تفسير الآية: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}
(3)
: "
…
التقدير له مفهومان لا ثالث لهما أحدها قدّر أي أعطاه القدرة والثاني: قدّر بمعنى أنه خلقه بقدر تقتضيه حكمة الله، والخروج من هذين المعنيين إلى معنى ثالث غير صحيح ..... فالتقدير معناه التخمين الذي جاء من عند الله لكل شيء حيث يستحيل أن يخرج ذلك الشيء من هذا الإطار، ولم تطلق كلمة القدر في القرآن لأعمال الإنسان، وكون الإنسان شقيا وسعيدا فهو علم الله، ولا يقال له قدر الله وقضاؤه" اهـ
(4)
.
وشبهة إنكار قدر الله السابق المحتم قد أثارها المعتزلة قديما، وتناولها المستشرقون حديثا ببثها بين أبناء المسلمين، فيقول جولدتسيهر: "إن هذه الأفكار التقية قد أدت بالعلماء إلى الاعتقاد بأن الإنسان في نشاطه الشرعي والأخلاق لا يمكن أن يكون عبدا لقدر لا يتغير، بل الأولى به أن يخلق بنفسه أفعاله ليكون هو نفسه علة خلاصه وسلامته أو شقائه وهلاكه، وهكذا عرفت فيما بعد نظرية هذا الفريق بنظرية
(1)
الإسلام لدمينك سورديل: 36.
(2)
هو أحد رجالات القادنية، وكان يعد نفسه من تلامذة سيد أحمد خان، ولذا أوردنا قوله هنا وسيأتي التفاصيل عن حياته في الفصول القادمة. ينظر ص: 621 في هذا البحث.
(3)
سورة القمر: 49.
(4)
بيان القرآن لمحمد علي اللاهوري: أحمديه أنجمن إشاعت إسلام لاهور الطبعة الرابعة، 1401 هـ: 2/ 982.