الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والغيب اصطلاحًا:
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "كل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار .... هذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني عن الإيمان قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال: "صدقت" وذكر الحديث" اهـ
(1)
.
ثانيًا: أنواع الغيب
قال الإمام الرازي رحمه الله: "الغيب ينقسم إلى ما عليه دليل وإلى ما ليس عليه دليل، فالمراد من هذه الآية
(2)
مدح المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب الذي دل عليه دليل بأن يتفكروا ويستدلوا، فيؤمنون به، وعلى هذا يدخل فيه العلم بالله تعالى وبصفاته والعلم بالآخرة والعلم بالنبوة والعلم بالأحكام وبالشرائع ....
(3)
.
وقد قسم بعض العلماء المعاصرين تقسيما آخر للغيب، وهو أنه ينقسم إلى قسمين: غيب مغيَّب وغيب محضَّر، والغيب المحضَّر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: عام وخاص وأخص
(4)
. وهذا تقسيم جيد في ضوء الكتاب والسنة، لأنه يتضح فيه أنواع الغيب جلية لمن أراد أن يعرف حقيقة الغيب، فنذكر هنا كل نوع من هذه الأنواع مع ذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبيوية التي تؤيد لكل نوع من هذه الأنواع:
(1)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 163.
(2)
وهي: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (سورة البقرة: 3).
(3)
التفسير الكبير للرازي ص: 2 - 1/ 26.
(4)
ينظر قاموس الخواطر للشيخ سيف الرحمن الدهلوي رسالة غير مطبوعة: 120 - 121.
1 -
الغيب المحضَّر العام: يشمل جميع الإيمانيات والمسلمات والإخباريات الشرعية، وهو صفة المؤمنين في قوله تعالى:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}
(1)
.
2 -
الغيب المحضَّر الخاص: وهو قد يسمى العلم اللّدني، وهذا العلم يهدي الله إليه من يشاء من عباده كما قال تعالى:{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}
(2)
.
3 -
الغيب المحضَّر الأخص: وقد أوتي به خاتم النبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مثل ما رآه صلى الله عليه وسلم من أحوال الغيب يوم أسري به وعرج إلى السماء، قال الله تعالى:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}
(3)
.
4 -
الغيب المغيَّب فقد استأثره الله به في علم الغيب عنده كما ورد في الدعاء عند الهم والحزن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ..... أو استأثرت به في علم الغيب عندك ....
(4)
.
ومن هذا الغيب مفاتيح الغيب الخمسة
(5)
(6)
.
(7)
وقال
(1)
سورة البقرة: 3.
(2)
سورة الكهف: 65 - 66.
(3)
سورة النجم: 18.
(4)
مسند أحمد: 1/ 391، صححه الألباني.
(5)
راجع شرح الواسطة لابن العثيمين 1/ 194.
(6)
سورة الأنعام: 59.
(7)
سورة لقمان: 34.
(1)
.
وقد تبين مما سبق من تعريف الغيب وأنواع الغيب أن الإيمان بالغيب شامل لكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن أو في السنة الثابتة الصحيحة، ومن أهم أركانه التي أمرنا بالإيمان بها: الإيمان بالله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، والإيمان بالملائكة وأعمالهم، والإيمان بالكتب وما فيها من الهداية، والإيمان بالرسل وأخبارهم، والإيمان باليوم الآخر وأهواله والجنة ونعيمها والنار وعذابها.
هذا وقد سبق أن بينا أن المنهج السليم في كل مسألة من مسائل العقيدة النظر إلى جميع النصوص الواردة في الموضوع ليتضح الحق جليا، والاقتصار على بعض النصوص دون البعض الآخر هو من مناهج الفرق الضالة
(2)
.
يقول الدكتور عبد الرحمن الزنيدي: "إن المنهج السليم لفهم صحيح للنصوص في ميدان العقيدة أن يكون نظر المرء فيها ودراسته لمسائل الإيمان منطلقًا من النظرية الشاملة -الموضوعية والمنهجية-، ليقع كل عنصر من عناصر الإيمان في مقامه الصحيح، ويفهمه حسب وضعه في البنية الإيمانية المتكاملة.
إن يقين المسلم بأن في الوجود عالمين -وليس عالمًا واحدًا- هما عالم الغيب وعالم الشهادة، وأن لكل منهما حقائقه ونظامه الخاص.
ويقينه بأن قدرة الله سبحانه وتعالى لا تقف عند حدود العادة البشرية ولا تخضع للقوانين السببية.
ويقينه بأن النصوص الشرعية هي مصدر العقيدة الإسلامية لأنها من علم الله المحيط الحق.
ويقينه بأن البشر لا يمكن أن يحيطوا بذات الله ولا بصفاته علما، مهما أوغلوا في بحوثهم، وأن الصفات المتعلقة بالذات فالقول فيها كالقول في الذات.
(1)
سورة الأعراف: 187.
(2)
ينظر ص: 39 في هذا البحث.
ويقينه بأنه لا يملك حق التشريع لحياة الإنسان إلا الذي خلقه بيده مقاليد السماوات والأرض.
ويقينه بأنه تعالى ما أشهد خلقه على خلق السماوات ولا خلق أنفسهم .... إلخ، اليقينيات الضابطة لفكر الإنسان في دراسته للعقيدة.
مثل هذه اليقينيات إذا هيمنت على فكر الإنسان وقلبه، فإنها تحوطه عن جو النصوص الشرعية والكليات الإيمانية إلى تلك الجزئية ليدرسها لا العكس.
لقد كان السلف ابتداء بالصحابة رضي الله عنهم يعيشون في جو هذه الشمولية وبالتالي لم تكن الجزئيات الإيمانية مثار قلق وتقليب لديهم، سواء فهموا النصوص المتعلقة بها تماما أو وقف بعضهم عن الفهم التفصيلي لها، لأن تلك الشمولية تضفي عليها معنى عاما" اهـ
(1)
.
وكذلك قد أثبتنا سابقا أن من المنهج السني السليم التسليم لما جاء به الوحي مع إعطاء العقل دوره الحقيقي وعدم الخوض في الأمور الغيبية مما لا مجال للعقل فيه
(2)
.
فيقول الدكتور الزنيدي أيضا: "هذا بين الوحي والعقل المجردين -افتراضًا- فإذا حددنا ميدان العقيدة وهو الغيب الذي يتجاوز حدود طاقة العقل البشري المحدود بعالم الكون المحيط بالإنسان -عالم الشهادة فإن أدلة الوحي تكون أصدق وأرسخ، أما بالنسبة- لنا نحن المسلمين فإن الأمر لا يقف عند حد افتراض وحي إلهي صادق إذ هو واقع حي بين أيدينا، وحي إلهي موثوق النسبة إلى الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ألا يحتم المنطق السليم الذي ذكرناه أن لا يعدو هذا الوحي إلى المصادر البشرية فيما قرره- في ميدان العقيدة بالذات بصفته موضوع حديثنا -ألا يعني تعويل المسلم على غير الوحي من المصادر البشرية- في أمور قررها الوحي -الشك في صحته، أو في وفائه بكل مطالب الإنسان العقدية؟ ذلك هدم لإيمانه بهذا الوحي-
(1)
مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر. لـ د. عبد الرحمن الزنيدي، مركز الدراسات والإعلام، دار أشبيليا، الرياض ط / 1 - 1998 م / 1418 هـ ص: 427 - 428.
(2)
ينظر ص: 47 في هذا البحث.