الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: منهجية سيد أحمد خان
(ألف) حياته العلمية:
سيد أحمد خان (1232 هـ -1315 هـ / 1817 م-1898 م): هو أحمد ابن المتقي بن الهادي من مواليد دهلي من أسرة صوفية نقشبندية، فقد كان أبواه مبايعين الشاه غلام علي صاحب المقبرة المشهورة اليوم في دهلي، بعد أن أكمل قراءة القرآن الكريم نظرا، تعلم الفارسية فقرأ الكتابين: كلستان وبوستان لسعدي علي الشيرازي على المولوي حميد الدين، ثم توجه إلي اللغة العربية ودرس فيها شرح ملا، وشرح التهذيب، والميبُذي، ومختصر والمطول المعاني وغيرها من الكتب، فدرسها دراسة غير مهتم بها، واشتاق إلي علم الرياضيات وعلم الهيئة فدرسهما علي يد خاله النواب زين العابدين خان، وتعلم الطب ومارسه عند الحكيم غلام حيدر خان، وترك دراسته وعمره تسع عشرة سنة
(1)
.
بعد أن تُوفي والده سنة 1838 م رغب السيد في أن يتوظف وظيفة حكومية، فتعلم إجراءات المحكمة والقانون الإنكليزي حتي تعين كاتبا في مكتب العدل عند المستشرق "روبرت هاملتون"(Robert Hamiton) الذي كان قاضيا في آكره، فكان هذا أول ارتباط بالمستشرقين، ثم ترقى السيد إلي أن أصبح قاضيا سنة 1841 م.
وألف السيد "آثار الصناديد"
(2)
، وكان هذا الكتاب كشافا للمستشرقين لتوضيح المخططات الرامية إلي استعمار البلاد، فتلقته الجمعية الآسوية الملكية في لندن بقبول، وكتب إليه سكرتير الجمعية خطابا سنة 1864 م وقال فيه: "قد نال كتابكم
(1)
ينظر حياة جاويد لألطاف حسين لحالي، ترقي أردو بورد دهلي 1995 م، ص: 54 - 56.
(2)
في وصف مباني الدهلي الإسلامية وشاه جهان آباد وذكر فيه تراجم مشاهير أهل دهلي من العلماء والشعراء والأطباء والمجذوبين والقراء والكتاب والرسامين وغيرهم، وقد طبع في 1847 م.
آثار الصناديد إعجابا كبيرا في أوربا، واتفق أعضاء اللجنة علي منحكم عضوية شرف للجمعية على هذا الجهد" اهـ
(1)
.
ومن الكتب التي أفاد به السيد المستشرقين والمستعمرين كتاب "آئين أكبري" للملك أكبر المغول
(2)
يقول المستشرق "ايج بلاك"(H.Blake) الذي نقله إلي الإنكليزية سنة 1873 م "هذا الكتاب لا نظير له في الكتب التي كتبت عن تاريخ المسلمين في الهند وهو في الواقع يعطينا تقريرا عن المملكة التي قامت في عهد أكبر، فصار لنا مرجعا في إدارة الحكم (Administration) ومخططات ذلك العهد
(3)
.
وأبدى طاعته وإخلاصه للحكومة الإنكليزية أيام الثورة وكتب ثلاثة كتب في هذا الموضوع: تاريخ بجنور (1858) وأسباب بغاوت هند (أسباب ثورة الهند)(1858) وهندوستان كي وفادار مسلمان (المسلمون الهند الأوفياء)
(4)
وبهذه الكتب الثلاثة اشتهر أمره بأنه يريد الإصلاح بين المسلمين الهنود والمستعمرين الإنكليز، ومنذ سنة 1868 م بدأ يعيش علي الطراز الغربي، ونادي في كتاباته بأن الثقافة الغربية هي الملجأ الذي يجب علي مسلمي الهند الالتجاء إليه إذا أرادوا حقا حفظ كيانهم، وليس في الأخذ بالثقافة الغربية أي ضرر، وليس في ذلك كفر أو مهانة، وليس في مخالطة الأوربيين معصية، وليس في ارتداء ملابسهم أي حط من قدر القيم والتقاليد الإسلامية
(5)
.
(1)
حياة جاويد لألطاف حسين لحالي ص: 64 - 68.
(2)
يصف فيه حكمه ومخططاته السياسية لبلاد الهند.
(3)
ينظر حياة جاويد لألطاف حسين لحالي ص: 75.
(4)
قد جمع فيه سير أولئك المسلمين الذين شاركوا في حماية المستعمرين وقدموا تضحيات في الدفاع عنهم، وزكر مجازاة الحكومة لهولاء الأوفياء من قطع الأراضي وتوزيع جوائز ثمينة.
(5)
M 0 DRN ISLAM IN INDIA BY W.C. SMITH LONDON 1940 P: 17
وكان يستهدف بذلك كله إلى إيجاد التقارب بين الحاكم والمحكوم وتخفيف وطأة الحكام على المحكومين المسلمين، وتخفيف تهيج المسلمين على الحكام المستعمرين.
وبعد انتهاء الثورة سنة 1859 م أصدرت الملكة مرسوما تعلن فيه العفو العام للمسلمين في الهند، فاجتمع 15 ألف مسلم في ميدان عند مقبرة الشاه بلاقي خارج مدينة مراد آباد في 28 يوليو سنة 1859 م ليشكروا الملكة على قرار العفو، وكان السيد زعيم الحشد، فخاطبهم، وعرض نفسه قائدًا لقوم قد قاوموا الجديد بالقديم فانهزموا، وليس أمامهم طريق إلا أن يخضعوا للمستعمرين ويقبلوا طاعتهم ويقلدوهم في كل صغير وكبير لأنهم أصحاب حضارة فعالة وهم أئمة عدل وإنصاف، ودعا الله أن يديم حكومتهم على مسلمي الهند
(1)
.
بعد أن آمن إيمانًا جازمًا بأن الرقيّ لا يمكن إلا بتقليد الغرب وأن النجاح لا يمكن حصوله إلا برفض القديم والإقبال على الجديد أصبح داعيًا إلى ما يعتقده بكل حماس، وبدأ خطته بإنشاء جمعية أدبية علمية في عليكره
(2)
حيث كان قاضيًا سنة 1861 م، وكان الغرض منها نشر الآراء الحديثة في التاريخ والاقتصاد والعلوم، وترجمة أهم الكتب الإنجليزية في هذه الموضوعات إلى اللغة الأردية، وقد كان يرى أن تعلم هذه العلوم باللغة الإنجليزية لا يكفي .... إنما الذي يفيد فائدة كبرى نقل هذه العلوم إلى لغة البلاد حتى يشترك في فهمها والاستفادة منها أكبر عدد ممكن
(3)
.
ثم ازداد إعجابه وتأثره عندما قام برحلة إلى إنكلترا سنة 1869 م -1870 م وكان معه ابناه سيد حامد وسيد محمود، ومن الأسباب التي دفعته إلى هذه الرحلة.
أنه أراد أن يطلع على تطور الحضارة الغربية بأم عينيه وإفادة أبناء وطنه بنتائج سفره،
(1)
ينظر حياة جاويد لحالي ص: 97 - 101.
(2)
هذا تعريب لاسمه الأصلي عليكره أي حصن علي.
(3)
زعماء الإصلاح في العصر الحديث لأحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية القاهرة 1965 م ص:127.
فكتب أثناء إقامته في إنكلترا سلسلة مقالات يصف فيه أحوال سفره باسم "سفرنامه لندن" فأبدى فيه فرحًا بما رأى من تطور حياتهم وحزن حزنًا شديدًا على تخلف المجتمع الهندي، وأقام في العاصمة وزار المراكز الثقافية والمجامع العلمية، واطلع على المشاريع التعليمية والفنية ولقي أعيان الحكومة وقابل الملكة "فكتوريا"(Queen Victoria)، واعتنت به الدوائر الرسمية ورحبت به إلى الحفلات الرسمية والاستقبالات الملكية
(1)
.
ومن المجالس العلمية التي شارك فيها السيد مجالس "الجمعية الآسوية الملكية" إذ كان عضو شرف فيها، كما كان شرف في نادى "إيتهيم" أيضًا، وكان يعتز كثيرًا بهذا الشرف لأنه من الأمور النادر الحصول عليها، وقابل عددًا من المستشرقين، وكان المستشرق الفرنسي غارسون دتاسي حريصًا ومشتاقًا إلى المراسلة معه وإلى اللقاء به، وهناك اطلع على المعارف والعلوم الحديثة، وصنف كتابه المشهور "الخطبات الأحمدية" في الرد ما أورده المستشرق "سير وليم ميور" على السيرة النبوية من الاتهامات، وقرأ المخطوطات الموجودة في مكتبة المكتب الهندي ومكتبة المتحف البريطاني واطلع على التصانيف العربية في السيرة النبوية، وجمع التفاسير النادرة باللغة اللاتينية
(2)
.
ومما لا شك فيه أن السيد كان صادقا في قصده ومتحمسًا لدينه ومبصرًا في طلبه إلى حد كبير، فقد ميز بين منصف من المستشرقين للإسلام وغير منصف له، واستفاد من المنصفين المعتدلين ورد على المغالين وحزن حزنًا شديدًا عندما اطلع على اتهاماتهم على الإسلام، ومما يدل على حماسه الشديد للدين الحنيف قوله عندما اطلع على كتاب المستشرق وليم ميور " The Life of Mohammed"(حياة محمد) يقول فيه "قد تمزق قلبي حينما رأيت كتاب وليم ميور حياة محمد "صلى الله عليه وسلم
(1)
ينظر حياة جاويد لحالي ص: 148 - 160، ونزهة الخواطر وبهجة المسامع والمناظر: عبد الحي الحسني، مطبعة مجلس المعارف الإسلامية، حيدر آباد، الهند 1378 هـ: 8/ 37.
(2)
ينظر حياة جاويد لحالي ص: 148 - 161.
ومازلت أقرأ ويحترق قلبي، ولما رأيت تعصبه واتهامه على الإسلام أصبت بأسى وحزن شديدين، وعزمت على الرد على ما أورده من الاتهامات بتأليف كتاب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبالي ما يكلفني هذا العمل من مصاريف السفر وتكاليف النشر، وإن صرت فقيرًا وصعلوكًا افتخر واعتز بأن يُدعى هذا المسكين الفقير أحمد يوم القيامة بالفقير الذي قد أفلس في سبيل الرد في الدفاع والذب عن جده
(1)
محمد صلى الله عليه وسلم
(2)
. فسافر إلى إنكلترا وكتب كتابه المشهور "الخطبات الأحمدية"
(3)
.
ومن المستشرقين الذين عدّهم السيد من المستشرقين المتعصبين الغالين دانيال (Daniel) ولوتر (Luther) وملائك ثن (Melancthon) وسيبال هيم (Spanheim) ودي هربلوت (De Herblot) ولم يعثر السيد على مؤلفات هؤلاء المستشرقين فقد درسهم عند من نقل أقوالهم، فلم يجد في كلامهم إلا الشتم والسب والتحامل على الإسلام
(4)
.
ومن المستشرقين الذين عدهم السيد من المصنفين المعتدلين واعترف بفضلهم واستفاد منهم وتأثر بهم واستدل بكلامهم للرد على اتهامات المستشرقين الآخرين: جون ديون بورت (John Daven Port)
(5)
وجوتة (Goethe) وأنامارى (Anna Marie) ونولدكه (Noldeke) ودوزى (Dozy)
(6)
وهغينز (Godfrey)
(7)
.
(1)
يقول هذا لأنه من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
رسائل سرسيد (خطابات سيد أحمد خان) التي أرسلها إلى محسن الملك، نظام بريس بدايون ط /2 - 1931 م ص:38.
(3)
طبع هذا الكتاب أولًا بالإنكليزية بعنوان: Series of essay on The life of Mohammed في برويز ايند كمبني لندن 1870 م، ثم بالأردية بعنوان: الخطبات الأحمدية في العرب واليسيرة النبوية في نول كشور سيتم بريس لاهور باكستان.
(4)
ينظر الخطبات الأحمدية لسير سيد أحمد خان نول كشور سيتم بريس لاهور باكستان ص: 12.
(5)
ذكر كلامه في الخطبات الأحمدية ص: 20.
(6)
مدحهم السيد في المرجع السابق ص: 15.
(7)
قال عنه السيد: له كتاب في الإسلام أحسن من كتاب جان ديوز بورت.
Higgins وإدورد غبّن (Edward Gibbon)
(1)
والسير توماس كارليل Thomas Carlyle))
(2)
.
عاد سيد أحمد خان من إنكلترا، وهو عاقد العزم على إصلاح المسلمين في الهند عقلًا ودينًا ولغة وخلقًا على طراز الغرب .... فجعل من أول خططه لهذا الغرض أن ينشئ في الهند جامعة تكون للمسلمين كأكسفورد وكامبرج في إنكلترا وحدد لها أهدافًا ثلاثة:
1 -
أن يتعلم المسلمون الثقافة الغربية والشرقية في غير تعصب ولا جمود.
2 -
أن يُعني فيها بحياة الطلبة الاجتماعية فيجدوا فيها سكنًا يقيهم شرور المدن ومفاسدها، فيطمئن الآباء حين يرسلون أبنائهم إليها ......
3 -
أن يُعنى بنظام الكلية بتنمية العقل وتربية البدن وتهذيب الخلق معًا وبعبارة يكون الغرض منها "التربية" لا التعليم فقط.
لقد تم بناء مباني الكلية واستقبلت طلبتها لتعلمهم على المنهج الذي خططه السيد فنجح بإنشاء جيل من المسلمين جديدًا
(3)
.
ومن أهم خِططه التي نفذها السيد في ترويج الفكر الغربي بين أبناء المسلمين وتغيير الطرق المنهجية التي يدرس بها الدين أن أصدر مجلة باسم "تهذيب الأخلاق" على طراز الجرائد الغربية التي كانت تصدر في القرن الثامن عشر في إنكلترا أمثال مجلة "سبكتيتر"(Spectator) التي أصدرها إيديسون (Edison) ومجلة "تاتلير"(Tatler) التي أصدرها استيل (Steil) وقد نشر فيها الموضوعات نفسها التي نشرتها المجلتان المذكورتان بعد أن ترجمها إلى اللغة الأردية، فكان فيها نظريات قامت على نظريات
(1)
استدل بكلامه على أن الدين الإسلامي دين عقلاني قائم على التوحيد (ينظرا لمصدر السابق ص: 21).
(2)
ذكر تأسفه على اتهامات المستشرق على الإسلام (ينظر المرجع السابق ص: 31).
(3)
زعماء الإصلاح لأحمد أمين مكتبة النهضة المصرية 1965 م ص: 130.