الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الدليل من عدة وجوه وخلاصته كما يلي:
1 -
أنه دليل مبتدع في دين الله لم يدع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من بعده ولا أئمة السلف، وإنما هو قول مبتدع حدث بعد المائة الأولى وانقراض عهد التابعين.
2 -
أنه دليل طويل، كثير المقدمات التي لا يفهمها كثير من الناس.
3 -
أنه يلزم عليه لوازم فاسدة، من نفي صفات الله، ونفي قدرته على الفعل، والقول بأنه فعل بعد أن كان الفعل ممتنعا عليه وأنه يرجح أحد المقدورين على الآخر بلا مرجح، وكل هذا خلاف المعقول الصحيح، وخلاف الكتاب والسنة.
4 -
أن هذا أوجب تسلط الفلاسفة على المتكلمين في مسألة حدوث العالم إلى غير ذلك من الوجوه
(1)
.
4 - تقديم العقليات على السمعيات، واستقرار القانون العقلي عند توهم تعارض العقل والنقل، ويلجأون إليه على أنه قانون مسلم عندما يواجهون بالنصوص:
قد ساق التفتازاني رحمه الله عددا من آيات الصفات، ثم ذكر قانونا كليا في الجواب عنها، فقال: "والجواب: أنها ظنيات سمعية في معارضة قطعيات عقلية، فيقطع بأنها ليست على ظاهرها، ويفوض العلم بمعانيها إلى الله، مع اعتقاد حقيقتها، جريا
(1)
وقد تناول شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الوجوه بالشرح في كتبه. ينظر مجموع الفتاوى 5/ 541 - 545، ودرء التعارض 1/ 97 - 99، 105، 308، 7/ 71، 245، 242، 9/ 170 - 171، 10/ 135، ومنهاج السنة 2/ 199 - 212.
على الطريق الأسلم ...... أو تؤول تأويلات مناسبة موافقة لما عليه الأدلة العقلية على ما ذكر في كتب التفسير، وشروح الأحاديث، سلوكا للطريق الأحكم" اهـ
(1)
.
وأما الأشاعرة فموقفهم من الأدلة العقلية لا يختلف عن موقف الماتريدية، فيقررون بأن الاستدلال بالنقل متوقف على حكم العقل بالجواز وإلى هذا الموقف ذهب أئمة الأشاعرة أمثال الغزالي
(2)
، والباقلاني
(3)
، والجويني
(4)
، والرازي رحمهم الله.
فيقول الرازي: "قيل الدلائل النقلية لا تفيد اليقين: لأنها مبنية على نقل اللغات، ونقل النحو والتصريف، وعدم الاشتراط، وعدم المجاز، وعدم الإضمار، وعدم النقل، وعدم التقديم والتأخير، وعدم التخصيص، وعدم النسخ، وعدم المعارض العقلي، وعدم هذه الأشياء مظنون لا معلوم، والموقوف على المظنون مظنون، وإذا ثبت هذا ظهر أن الدلائل النقلية ظنية وأن العقلية قطعية، والظن لا يعارض القطع" اهـ
(5)
.
وخلاصة هذه القاعدة عندهم: أن العقل أصل والنقل تبع ولا يستدل بالنقل إلا إذا أجازه العقل، وعند التعارض يقدم العقل على النقل، إذ أن ما ثبت بالعقل قطعي
(1)
شرح المقاصد للتفتازاني الطبعة القديمة الحجرية الهندية 2/ 50، وينظر هذا المعنى في شرح العقائد النسفية للتفتازاني ص: 5، 42، 316 - 317.
(2)
ينظر الاقتصاد في الاعتقاد لتقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي تحقيق أسعد تميم، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت 1405 هـ ص: 103، وينظر لترجمة الغزالي ص: 633 في هذا البحث.
(3)
ينظر التمهيد للباقلاني ص: 38، 152 - 153.
(4)
ينظر الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد للجويني تحقيق محمد علي موسى، علي عبد الحميد مكتبة الخزانجي مصر 1369 هـ 1950 م ص: 358 - 359.
(5)
معالم أصول الدين للرازي تحقيق طه عبد الرؤف سعد دار الكتاب العربي بيروت 1404 هـ 1984 م ص: 24، وينظر المطالب العالية من العلم الإلهي للرازي تحقيق أحمد حجازي السقا دار الكتب العربي، بيروت ط / 14071 هـ -1987 م 9/ 113 - 118.
وما ثبت بالنقل ظني، والظني مصيره إما تأويل أو تفويض، ولا شك هذا المنهج العقلي لم يكن عند السلف، بل كان هذا سمة المعتزلة.
يقول أبو المظفر السمعاني رحمه الله: "اعلم أنه فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعا للمعقول، وأما أهل السنة فقالوا الأصل في الدين الاتباع، والمعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغني المخلوق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء ولو كان الدين بني على المعقول وجب أن لا يجوز للمؤمنين أن يقبلوا أشياء حتى يعقلوا" اهـ
(1)
.
وأما أهل السنة فجعلوا للعقل مع الشرع ثلاث حالات:
الأولى: أن يدل على ما دل عليه الشرع، فيكون شاهدا ومؤيدا ومصدقا، فيحتجون حينئذ بدلالة العقل على من خالف الشرع، وفي القرآن من هذا النوع أي من الأدلة العقلية شيء كثير، فأدلة التوحيد والنبوة والمعاد، فتلك الأدلة هي عقلية شرعية.
الثانية: أن لا يدل على ما دل عليه الشرع لا نفيا ولا إثباتا فحكم العقل إذن جواز ما جاء به الشرع.
الثالثة: أن يدل العقل على خلاف ما جاء به الشرع فيكون معارضا له، فهذا ما لا يكون مع صحة النقل، ولهذا قال أهل السنة إن العقل الصريح لا يعارض النص الصحيح، وقالوا إن الرسل جاءوا بمجازات العقول لا بمحالات العقول، أي أن الرسل لا يخبرون بما يحيله العقل ولكن يخبرون ما يجيزه العقل ويَحارُ فيه، هذا تحديد موقف أهل
(1)
صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام للسيوطي برواية السمعاني تحقيق علي سامي النشار، وسعاد عبد الرزاق، من إصدارات مجمع البحوث الإسلامية سلسلة إحياء التراث الإسلامي ط / 2، 1389 هـ ص:182.