الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجنة والنار أحوال ليست مواضع، ووصفها في القرآن يدل على ذلك بأن المراد به قوى داخلية يراها الإنسان في عينيه كما جاء عن النار:{نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}
(1)
.
ومعنى هذا أن الإنسان يشعر حزن الخسران وهمه في قلبه، والمقصود بالجنة هي شعور مسرة النجاح والغلبة على الفناء والهلاك" اهـ
(2)
.
وقال مهدي علي: "على كل من اعتقد اعتقادًا أن يعرض معتقده على وسيلة صادقة أو يختبره بآلة مفيدة ويحلل عناصرها بتحليل جيد حتى يتبين له الصدق من الكذب ويصل إلى علم اليقين ويتجنب من الأوهام والتخيلات الباطلة" اهـ
(3)
.
تحليل العبارة وتعيين الشبهة:
لقد اعترف السيد وإقبال وأمير علي بأن هناك عالم غيب ولكنهم لم يفهموا حقيقة هذا العالم كفهم السلف بأنه عالم قائم بذاته في مكان يحتله كما أخبره الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم من غير (تأويل) ولا زيادة ولا نقصان
(4)
.
فمفهوم الغيب عند هؤلاء المستغربين تصور خيالي يجده الإنسان في ذاته ليس بخارج منه وإن كان خارجا عن إدراكه، فسماه السيد القوى المختلفة في ذات الإنسان وهي خارجة عن إدراكه، وسماه أمير علي أصول الفطرة عند الإنسان، وسماه إقبال أحوالًا معنوية وكل هذا مخالف لفهم السلف.
إن تفاصيل عالم الغيب ستأتي في المباحث القادمة وهنا نجمل القول ونقول إن العوالم التي يتصورها الإنسان ثلاثة: العالم الدنيوي والعالم الأخروي والعالم البرزخي، ومنتهي وصول الإنسان بحواسه هو عالم الدنيا قال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
(1)
سورة الهمزة: 7.
(2)
تشكيل جديد لإقبال ص: 31.
(3)
تهذيب الأخلاق لمرتبه ملك فضل: 1/ 31.
(4)
ينظر شرح الطحاوية لأبي العز الحنفي: 374.
إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}
(1)
.
رغم كل المحاولات التي بذلها الإنسان في سبيل الاستطلاع على كل ما في هذا الكون مازال شيء كثير منه في الغيب عن إدراك الإنسان.
وأما عالم البرزخ وعالم الآخرة بجملتهما عالم الغيب فلا يعرف منه الإنسان إلا ما أخبر به الرسل، فلا سبيل إلى معرفة هذا العالم إلا بالإيمان بالنبوات، ولما أن الفكرة السائدة في الغرب عدم الاعتراف بالنبوات من كونها هبة من الله ومنَّة على الإنسان أنكر معظمهم عالم الغيب، فحاول السيد ومن سلك مسلكه تقريب عقيدة الإيمان بالغيب إلى أذهان أولئك الماديين، ولكن هذه المحاولة أخرجتهم من عقيدة السلف الصحيحة في الإيمان بعالم الغيب إلي عقيدة باطلة.
ومفهومهم لعالم الغيب كاد أن يوصلهم إلى الانكار كليًا لولا أنهم ارتكنوا إلى آراء الفلاسفة اليونانيين والمستشرقين الغربيين، فاختاروا مذهبهم ليتماشى مع ثقافة الغرب ومعطياتها.
فقد تأثر السيد برأي أفلاطون فقد قال: "اعلم أن فلاسفة اليونان المتقدمين مثل أفلاطون وغيره كانوا يقرون أن هناك أعيانا ثابتة غير مادية" اهـ.
وأما إقبال فقد نقل قول المستشرق "هوكنك"(Hocking) حيث قال: "شموليات الشعور الديني يمكن رؤيتها بالبصيرة العقلية" اهـ.
ومفهومهم هذا لعالم الغيب كان باعثًا قويًا لإنكارهم للمعاد الحسي
(2)
الذي اتفقت عليه الشرائع كلها كما قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى: "والحاصل أن هذا (المعاد الحسي) أمر اتفقت عليه الشرائع ونطقت به كتب الله عز وجل سابقها ولاحقها، وتطابقت الرسل أولهم وآخرهم ولم يخالف فيه أحد منهم وهكذا اتفق على ذلك أتباع جميع الأنبياء من أهل الملل، ولم يسمع عن أحد منهم، أنه أنكر ذلك قط،
(1)
سورة الرحمن: 33.
(2)
وسيأتي الكلام عن إنكارهم للمعاد الحسي إن شاء لله، ينظر ص: 513 في هذا البحث.