الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) منهج الأثر والتأثر
المفهوم المستقيم لهذا المنهج هو: تبادل الآراء قديمًا وحديثًا، والتفاعل والتأثير والتأثر بين الناس وبين العلماء، هي سنة اجتماعية لا يمكن إنكارها، ومن طبيعة الفكر البشري أنه يؤثر ويتأثر وذلك لمحدودية المعرفة البشرية المحصورة في الحس والعقل وأما ما وراء الحس والعقل والذي جاء به الوحي الإلهي يؤثر ولا يتأثر باعتباره مصدرا إلهيا فهو معرفة فوق الزمان والمكان مؤثر غير متأثر
(1)
.
وقد استخدم هذا المنهج علماؤنا الأقدمون أمثال ابن حزم والشهرستاني رحمهما الله لدراسة الفرق الضالة والديانات المحرفة لمعرفة منابع ظهور العقائد الضالة عندها
(2)
، وبواسطة هذا المنهج قد أثبتوا حقائق منها قولهم: إن الصوفية الغالية مأخوذة من الرهبانية المعروفة عند الهندوس والنصارى، وإن فكرة الأقانيم الثلاثة في النصرانية مأخوذة من الديانة الهندوسية القديمة
(3)
.
وأما العقيدة الإسلامية الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة فهي وحي إلهي مكتمل من قبل منزله ومهيمن على الأديان كله مؤثر غير متأثر، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}
(4)
.
وقد أخذ المستشرقون هذا المنهج من العلماء المسلمين، ولكنهم استخدموه في غير ما استخدم فيه المسلمون، وأصرُّوا على أن العقيدة الإسلامية الصحيحة كذلك
(1)
ينظر الوحي القرآني لـ د. محمود ماضي.
(2)
ينظر الفصل والملل والأهواء والنحل لابن حزم دار الجيل بيروت 1405 هـ -1985 م 2/ 274، فقد أثبت ابن حزم في هذا المقام أن الإسماعيلية والقرامطة مأخوذتان من الفرس، وقائلتان بالمجوسية المحضة.
(3)
ينظر اليهودية والمسيحية لـ د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي مكتبة الدار المدينة المنورة ط/ 1، 1409 هـ - 1988 م ص:299.
(4)
سورة الفتح: 28.
مأخوذة ومتأثرة من الديانات السابقة أو من البيئات المجاورة، ومن ثم ادعوا أن الوحي القرآني والسنة النبوية والتوحيد الإسلامي والفقه الإسلامي كل هذا مستمد من عوامل خارجية مارست عليها قواعد الأثر والتأثر فعلها، وكأن هذه الحضارة مجتمعة نابعة من تطبيق هذا المنهج الذي ينفي كل أصالة للدين الإسلامي، ويقضي على العقيدة الإسلامية قضاءً مبرمًا
(1)
.
وبعد أن استخدم جولدتسهير منهج الأثر والتأثر لدراسة العقيدة الإسلامية وصل إلى نتيجة يقول فيها: "فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجًا منتخبًا من معارف وآراء دينية، عرفها واستقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها التي تأثر بها تأثرًا عميقًا، والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة دينية حقيقية عند بني وطنه، وهذه التعاليم التي أخذها عن تلك العناصر الأجنبية كانت في رأيه كذلك ضرورية لتثبيت ضرب من الحياة في الاتجاه الذي تريده الإرادة الإلهية، لقد تأثر بهذه الأفكار تأثرًا وصل إلى أعماق نفسه، وأدركها بإيحاء قوته التأتيرات الخارجية، فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه، كما صار يعتبر هذه التعاليم وحيًا إلهيًا -فأصبح- بإخلاص على يقين بأنه أداة لهذا الوحي" اهـ
(2)
.
ومن البواعث على استخدام المستشرقين هذا المنهج لدراسة العقيدة الإسلامية البيئة نفسها التي نشأ فيها المستشرق إذ أن البيئة الأوربية تخضع ثقافتها للأثر والتأثر، ومن المعروف أن الحضارة الأوربية نشأت بالبعث اليوناني في أوائل عصر النهضة، وإحياء التراث العقلي القديم لإنقاذها من قطعية اللاهوت وسلطان الكنيسة، فظن المستشرق بانطباعاته الثقافية وتكوينه الفكري أن اليونان هم مصدر كل حضارة، وكذلك لما توالدت المذاهب الفلسفية في الغرب بعضها من البعض الآخر، وتأثر
(1)
ينظر الظاهرة الاستشراقية لـ د. ساسي الحاج 1/ 203.
(2)
العقيدة والشريعة لـ جولدتسيهر ص: 12.