الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتحدث عن صفات الله تعالى كما وردت، ومن غير تأويل لها أو تعطيل أو تشبيه، ويرون أن هذا تصور خشن للربوبية
(1)
وأنه يجعل الإله بعيدا عن مدار البشر مقارنة بتصور الإله في النصرانية
(2)
ولعل أمير علي مال إلى هذا الرأي الاستشراقي.
فالشبهة إذا هي: هل عقيدة التوحيد من الأمور التي يأبى قبولها العقل البشري؟ وسيأتي الرد بعد قليل إن شاء الله.
ثالثًا: قول أمير علي:
هناك مرحلتان مر بهما الإسلام مرحلة: "القابلية" ومرحلة: "الفاعلية" أو مرحلة: "الإيمان" ومرحلة: "العقل":
قبل الخوض في تفاصيل التحليل والمناقشة يتعين علينا أن نحدد معنى القابلية والفاعلية عند أمير على: وبالنظر في العبارة السابقة يظهر لنا أنه يقصد بالقابلية قوة التأثر وبالفاعلية قوة التأثير، لأنه ذكر أولًا حرية النظر العقلي في الإسلام، ثم شرح مرحلتي القابلية والفاعلية بمرحلتي الإيمان والعقل، ثم ذكر المرحلة المتوسطة التي مرت بها النصرانية، والمرحلة المتوسطة يقصد بها مرحلة الصراع بين الدين والعلم التي مرت بها النصرانية.
فكأنه يريد أن يقول إن الإسلام كان ناقصًا منحصرًا على بعض الإيمانيات، ولكن كانت عنده صلاحية التأثر من كل جديد فأكمل نفسه آخذًا من كل ما أحدثه العقل البشري والعلم الحديث، حتى أصبح قوة فعالة تؤثر في النظريات الأخرى، خلافًا للنصرانية التي لم تكن عندها صلاحية القبول للجديد فظلت منحصرة على بعض الإيمانيات المخالفة للعقل ثم تعرضت للصراع الطويل حتى أصبحت صالحة لقبول معطيات العقل البشري والعلم الحديث.
(1)
ينظر العقيدة والشريعة لجولدتسيهر، ص:108.
(2)
ينظر دائرة معارف الدين والأخلاق: 6/ 300.
قد أراد أمير علي مدح الإسلام بالفكرة السابقة إلا أنه قد وقع في أخطاء عدة من حيث لا يشعر، لأن تقسيم الإسلام إلى مرحلتين منفصلتين يثير تساؤلات كثيرة:
- هل كان الإسلام غير فعال في مرحلة القابلية؟
- هل كان الإسلام ناقصًا حتى احتاج إلى قبول معطيات أخرى؟
- هل كان الإسلام غير معقول أو غير محتاج إلى العقل في مرحلة الإيمان قبل أن يصل إلى مرحلة العقل؟
- هل فقد الإسلام قوة الإيمان عندما وصل إلى مرحلة العقل؟
وغير ذلك من التساؤلات.
فنظرة التطور من مرحلة التأتر إلى مرحلة التأثير نشأت عند أمير علي عندما درس الإسلام بمنظور المنهج التطوري التاريخي المتأثر بالمنهج الاستشراقي الغربي، فقد أشار إلى ذلك المنهج بقوله:"أن الشريعة الإسلامية حلقة من حلقات التطور الديني وهي في ذاتها ترتقي وتتطور استجابة لدواعي التطور البشري ومعطيات التقدم الزمني" اهـ
(1)
.
وهذا ما قاله المستشرق جولدتسيهر: "إن الإسلام كما يبدو عند اكتمال نموه، هو نتيجة تأثيرات مختلفة تكون بعضها باعتباره تصورًا وفهمًا وأخلاقيًا للعالم وباعتباره نظامًا قانونيًا وعقديًا حتى أخذ شكله السني" اهـ
(2)
.
وأما تقسيم الإسلام إلى مرحلة الإيمان ومرحلة العقل فليس هذا إلّا شرح لمرحلتي القابلية والفاعلية عند أمير علي، ومما لا شك فيه إن هذا التقسيم كان نتيجة المنظور التطوري حيث يرى هو ومن معه من المتأثرين بالاستشراق أن العقيدة كانت تقليدية قديمًا، وأما اليوم فهي اجتهادية وعقلية
(3)
.
(1)
ينظر روح الإسلام لأمير علي: 2/ 56 - 57، 2/ 180.
(2)
العقيدة والشريعة لجولدتسيهر ص: 10.
(3)
قد ذهب إلى هذا الرأي مهدي علي في كتابه تهذيب الأخلاق 1/ 3، والدكتور إقبال في كتابه تشكيل جديد ص:136.