الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرفع الإنسان فوق منزله، وجعله خالقا ولو لأعماله، لا شك هذا تأثر من تأثرات المنهج الوافد الغربي الاستشراقي.
بعد هذا التحليل العلمي يمكن تعيين الشبهة في النقطتين:
أولًا: ما الطريقة التي تبدأ بها قوة الله الخالقة في الخلق؟
ثانيًا: هل للإنسان نصيب في صميم القدرة الإلهية الخالقة؟
تفنيد الشبهات:
الشبهة الأولى: ما الطريقة التي تبدأ بها قوة الله الخالقة في الخلق
؟
وللإجابة عن هذا السؤال كان واجبًا على الدكتور محمد إقبال الرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، لأن الكتاب والسنة هما العمدة في معرفة ذات الله ومعرفة صفته الخلاقة، وهما مشتملان على أصول الدين دلائله ومسائله كما أثبتنا ذلك في المنهج العقدي السني عند ذكر القاعدة الثالثة
(1)
، فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على بداية الخلق وكيفية بدايته كثيرة جدًّا، فذكرنا بعضًا منها في بداية هذا المطلب، وفيه كفاية، وقد اتضح من خلال تلك النصوص أن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق شيئا فيقول له كن فيكون، وقد بدأ الخلق بالقلم وكتب به المقادير وكان عرشه على الماء، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم خلق السماوات والأرض، وأنه خلق كل حي بماء وخلق أول الإنسان من طين ثم جعل نسله من ماء مهين.
فالنصوص واضحة جلية في الموضوعات المذكورة، فإذا كان السؤال عن بداية الخلق فالجواب: أول ما خلق الله القلم، وإذا كان السؤال عن مادة الخلق فالجواب:
(1)
ينظر ص: 6 في هذا البحث.
الله خلق كل دابة من ماء، وإذا كان السؤال عن كيفية الخلق فالجواب:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، وبقية النصوص تدل على تفاصيل الخلق.
إن الله له الخلق وله الأمر يخلق ما يشاء وكيف يشاء ومهما يشاء سواء خلق الجوهر أم خلق العرض، بل هو مبدع الجوهر والأعراض من عدم، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وهذا الذي من أبلغ الإبداع أنه يخلق من الشيء ما لا يكون مجانسًا له، ولا يكون الأصل مشتملًا على ما في الفرع من الصفات، فهذه الأمور المخلوقة التي لم تكن موجودة في أصلها ولا كامنة فيه هي مبدعة بعد العدم، لا منقولة من وصف إلى وصف ولو كان منقولة فنفس الصفات القائمة بها مبدعة بعد العدم فقد شهدنا إبداع الجواهر والأعراض بعد عدمها
(1)
.
وهذا إذا سلمنا أن نظرية الجوهر والعرض لها حقيقة مقبولة عند السلف وأئمتهم ولكنهم قد ذموا كلام المتكلمين في الجواهر والأعراض وبناءهم علم الدين على ما ذكروه من هذه المقدمات.
قال الإمام أبو المظفر السمعاني
(2)
"والأصل الذي يؤسسه المتكلمون، والأصل الذي يجعلونه قاعدة علومهم: مسألة العرض والجوهر وإثباتهما، وأنهم قالوا إن الأشياء لا تخلو من ثلاثة أوجه: إما أن تكون جسمًا أو عرضًا أو جوهرًا فالجسم ما اجتمع من الافتراق، والجوهر ما احتمل الأعراض، والعرض ما لا يقوم بنفسه وإنما يقوم بغيره وجعلوا الروح من الأعراض وردوا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم التي لا توافق نظريتهم على حدسهم وظنونهم، وما يؤدي إليه نظرهم وفكرهم ثم يعرضون عليه الأحاديث فما وافقه عليه فقبلوه وما خالفه ردوه، وأما أهل السنة سلمهم الله تعالى
(1)
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية أو نقض تأسس الجهمية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تصحيح محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ط/1 مطبعة الحكومة، مكة المكرمة 1392 هـ: 1/ 87.
(2)
عبد الكريم بن منصور السمعاني: من العلماء برجال الحديث له معجم في تاريخهم ثمانية عشر مجلدًا (الرسالة المستطرفة ص: 103).