الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلق الأفعال، كما -تسمية الضد بضده وصف هذا الفريق بالقدرية لأنهم يضيقون القدر، بينما وصف خصومهم "أنصار الإكراه الأعمى" أي الجبر بالجبرية، وهذا كان أقدم افتراق أو خلاف عقدي في صدر الإسلام القديم" اهـ
(1)
.
بعد هذا التحليل العلمي للعبارات السابقة تتعين الشبهة في النقطتين التاليتين:
أولا: معنى القدر في القرآن قانون طبيعي أو ما يقع حينا بعد حين.
ثانيا: الإنسان خالق لأفعاله وخارق لقضاء الله وقدره.
تفنيد الشبهة:
الشبهة الأولى: معنى القدر في القرآن قانون طبيعي أو ما يقع حينا بعد حين فقط:
فيكون الرد على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: إن المتأثرين بالاستشراق بعد أن حادوا عن معنى القدر الحقيقي الشامل لعلم الله وكتابته ومشيئته وخلقه، لم يتفقوا على شيء فقال أحدهم معنى القدر: ما يقع حينا بعد حين، وقال ثانيهم معناه: القانون الطبيعي، وقال ثالثهم هو التخمين، إلّا أنهم اتفقوا على إنكار قدر الله وقضائه في أفعال العباد الذي جاء تفصيله في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: أن ما قاله السيد وأتباعه من المعاني قد تشملها كلمة القدر، ولكن ليست هي كل القدر، لأن الشارع قصد به معنى أشمل وأوفى كما سبق بيانه في تمهيد هذا المبحث، فالقدر له جوانب عديدة من أهمها جانب أعمال العباد وهو المراد في قوله عليه الصلاة السلام:"وبالقدر خيره وشره"
(2)
، واهتم به النبي صلى الله عليه وسلم من أول يوم، وبين معالمه بأقواله وأفعاله، ونهى أمته من الخوض في هذا
(1)
العقيدة والشريعة لجولدتسيهر: 95.
(2)
من حديث جبريل: صحيح مسلم مع الشرح 1 - 2/ 272 (21).
الجانب لكيلا يلعب بهم الشيطان فيضلهم، ولكن قد وقع ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم صار هذا موضع الخلاف بين الملل، وقد وفق أهل السنة فيه بالقول الوسط الحق بين الفرق، فإخراج هذا الجانب من معنى القدر هذا هو الضلال المبين.
ثالثا: إن هؤلاء المتأثرين بالاستشراق، والمنهزمين أمام تحديات المستشرقين استهدفوا بهذا الإنكار أن يجعلوا الإنسان حرّا طليقا فيما يفعله بل خالقا لأفعاله، وخارقا لقدر الله، فأرادوا إطلاق الإنسان من قضاء الله الخالق الحكيم، ولكنهم قيدوه في سجين الطبيعة والقانون الطبيعي من حيث لا يشعرون، حتى قال أحد رؤوس الماديين العصريين بوخفير الألماني:"إن الحرية الإنسانية التي اعتبرها الروحييون مبدأ للاختيار والإرادة وهم باطل، فإن الإنسان في ذاته حادث طبيعي محكوم بالطبيعة التي كوّنته، والمناخ الذي رباه والوسط الذي أقله والجنس الذي نشأ منه والتربية التي غرست فيه من صغره" اهـ
(1)
.
رابعا: إن الإيمان بالقدر خيره وشره من الله الخبير، قد اعترف بحقيقته هؤلاء المتأثرون بالاستشراق في أماكن أخرى ولكنهم يسمونه بتسميات أخرى، إذ أن محتوى القدر عندهم لا يشمل كل التفاصيل التي جاء ذكرها في الأحاديث النبوية الثابتة الصحيحة، لأنهم في شك في ثبوت السنة عن صاحبها صلى الله عليه وسلم.
فمن اعترافاتهم بأن أعمال العباد من قدر الله وقضائه قول محمد علي اللاهوري: "أما كون الإنسان سعيدا أو شقيا فهو علم الله ولا يقال له قدر الله وقضاؤه" اهـ
(2)
.
(1)
منهج المدرسة العقلية في التفسير لفهد الرومي: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1407 هـ ص:538.
(2)
بيان القرآن لمحمد علي: 2/ 982.