الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد تبين بما تقدم أن الله عز وجل قد أيد رسله وأنبياءه بالأدلة المتنوعة الكثيرة الدالة على صدقهم، ومن هذه الدلائل الكثيرة الآيات والمعجزات التي سبق ذكرها، وأتباع الأنبياء يؤمنون بهذه المعجزات إيمانا جازما، وهو شرط من شروط الإيمان بالرسل، ولكن المنهجية الجديدة المتأثرة بالاستشراق الغربي نظرت إلى المعجزات الحقة نظرة مادية بحتة، فرفضت أن يكون هناك شيء يخرق النظام الطبيعي أو العادة الكونية، فسيرى القارئ في الصفحات التالية شبهة هؤلاء والرد عليها.
أقوال المتأثرين بالاستشراق
قال سيد أحمد خان في تفسير الآية: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}
(1)
: "يقول العرب للبلاد الجبلية "الحجر" مثل قولهم عرب الحجر، و "الضرب" معناه الذهاب فمعنى الآية: يا موسى اصعد الجبل مستعينا بعصاك، فتجد وراء (هذا) الجبل اثنتي عشرة عينا" اهـ
(2)
.
وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}
(3)
: "قد جاء في القرآن ذكر انفلاق البحر لموسى في ثلاث آيات، الأولى: آية في سورة البقرة كما مرت معنا آنفا. والثانية: في سورة الشعراء: قالى تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}
(4)
. والثالثة: في سورة طه: قال تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا
…
}
(5)
.
(1)
سورة البقرة: 60
(2)
تفسير القرآن للسيد: 1/ 91 - 95.
(3)
سورة البقرة: 50.
(4)
سورة الشعراء: 63.
(5)
سورة طه: 77.
ثم أضاف قائلا: "ليس في الآية الأولى ما يدل على أن البحر افترق لموسى خارقا للعادة الطبيعية (قانون الطبيعة)، وجل اعتماد المفسرين على الآية الثانية، وهي {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْر} ، فقالوا إن الله أمر موسى أن يضرب بعصاه البحر فافترق البحر، لأن في الجملة شرطا وجزاءا، فالشرط علة والجزاء معلول، وضرب العصا كان سببا في افتراق البحر.
ولكن هذا الاستدلال غير صحيح لأن الفعل هنا في الزمن الماضي، والقاعدة العربية تقول: إذا وقع الفعل الماضي جزاءا للشرط فله حالتان:
الحالة الأولى: أن يخرج الفعل الماضي عن معناه، ويبقى معلولا للشرط، فلا تدخل عليه الفاء.
الحالة الثانية: أن يبقى الفعل الماضي على معناه ولا يكون معلولا للجزاء، فتدخل عليه الفاء، مثلا: إن أكرمتني فأكرمتك أمس.
ففي هذا المثال: لم يقع الجزاء معلولا للشرط إنما قد حصل الجزاء أمس قبل أن يقع الشرط، وهكذا الافتراق قد حصل للبحر قبل أن يضرب موسى بعصاه، فالافتراق ليس معلولا للضرب" اهـ
(1)
.
وأضاف قائلا: "والحقيقة أن اليهود كانوا يرون أن موسى لما ضرب بعصاه البحر افترق البحر، وظهرت الأرض ولما ضرب بها الحجر تفجرت منه الماء، فعلماؤنا المتقدمون في تفاسيرهم وبخاصة في قصص بني إسرائيل كانوا على عادة تقليد اليهود، فأوّلوا الآيات القرآنية ومقاصدها موافقة بروايات اليهود، وفسروا الضرب على الحقيقة بمعنى الضرب، وحولوا المعجزة الساذجة إلى معجزة خارق للعادة، وخارجة من قانون الطبيعة" اهـ.
ثم قال: "وفي هذا المقام الضرب بمعنى المشي أو الإسراع في المشي كما يقول العرب ضرب في الأرض، وكما جاء في موضع آخر من القرآن: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ
(1)
تفسير القرآن للسيد: 1/ 91 - 95.
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}
(1)
، فمعناه الواضح أن الله عز وجل قال لموسى: امش في البحر مستعينا بعصاك تجده منفلقا ومفترقا بسبب المد والجزر، وكما جاء في الآية من سورة طه حيث قال الله عز وجل:{أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا}
(2)
، أي امش في طريق يابس، والمعجزة في هذا أن الله عز وجل قد أنجى موسى وقومه من بطش فرعون عند ما انجزر البحر وأراد فرعون أن يسلك في هذا الانجزار فامتدّ البحر فانغرق هو وقومه" اهـ
(3)
.
وفسر السيد قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ}
(4)
بقوله: "لا يثبت من النص القرآني أن عيسى تكلم وهو طفل في عمر لا يتكلم فيه الأطفال حسب الفطرة، لأن الله قال حكاية عن اليهود {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}
(5)
فيه فعل "كان" يدل على أنه لم يكن في المهد حين تكلم بل كان في المهد قبل التكلم، والمعنى كيف نكلم من كان في الأمس طفلا، أو كما يقال كيف نناظر من لم يجف من شفتيه آثار الرضاعة، والآية التي بعدها تشير إلى أنه كان نبيا حين تكلم" اهـ
(6)
.
ثم أضاف قائلا: "والمعنى كما هو واضح أن عيسى دعاهم إلى عقائد لم يألفوها، فغضب القوم عليه، وجاؤوا إلى أمه مريم يطلبون منها أن تكف ابنها عما يدعو إليه، فقالوا يا مريم إن أباك وأمك كانا من الصالحين، وكيف أنجبت طفلا عجيبا ينقد عقائدنا، قالت مريم سلوه، قالوا هذا طفل صغير كيف يخاطبنا ونخاطبه؟
(1)
سورة النساء: 101.
(2)
سورة طه: 77.
(3)
تفسير القرآن للسيد: 1/ 65 - 80.
(4)
سورة آل عمران: 41.
(5)
سورة مريم: 29.
(6)
تفسير القرآن للسيد: 2/ 31 - 32.
فأحضرته أمه فقال إني رسول الله، وهذا أمر قد وقع مطابقا لطبيعة الإنسان وفطرته، كما يحدث اليوم فيأتي الناس ويشكون من ولد شرير عند أمه ويقول أمه سلوه
…
" اهـ
(1)
.
وقال أيضا: "إن عيسى عليه السلام لما كان طفلا كان يلعب مع أطفال في سنه، ويقول لهم كما قال تعالى حكاية عنه:{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي}
(2)
.
.... فيكون تقدير الكلام هكذا: قد مرّ بعض الناس على عيسى عليه السلام وهو يصنع الطيور من الطين فقالوا له: ماذا تصنع؟ قال مجيبا لهم إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير، كما ثبت ذلك في التاريخ ....
ثم أضاف قائلا: "والسؤال هنا: فهل كان هذا معجزة؟ وهل يدل النص القرآني على أن الطير كانت حية؟ فجواب كافة علماء الإسلام والمفسرين "نعم" ولكن جوابنا "لا" وهذا جواب كل عاقل شريطة أن يخلي ذهنه من كل تقليد وأن يحرر عقله من كل قيد، وأن يترك ما ورد في الروايات الواهية النصرانية، وأن يفكر في القرآن الكريم بنظر التحقيق والتمحيص" اهـ
(3)
.
وفسر السيد قوله تعالى: {وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى
…
}
(4)
بقوله: "وهذا الموضوع قد جاء في سورة آل عمران بلسان عيسى عليه السلام قال تعالى حكاية عن عيسى: {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}
(5)
.
(1)
تفسير القرآن: 2/ 32 - 33.
(2)
سورة المائدة: 110.
(3)
تفسير القرآن للسيد: 2/ 151.
(4)
سورة المائدة: 110.
(5)
سورة آل عمران: 49.