الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"وما بُني هدا الزعم إلّا على نظرية التطور (الداروينية) التي قال بها المشككون في الدين حيث زعموا أن الإنسان بدأ حياته لا يفقه منها شيئًا ولم يزل عقله ينمو ويتطور إلى أن بلغ أشده" اهـ
(1)
.
ليته وقف إلى هذا الحد ولكنه بعد ختم النبوة واستقرار العقل فتح مجالًا للشطحات الصوفية فقال: " .. فتصور الخاتمية هي قوة نفسية تقضى على ادعاء النبوة ويفتح طريقًا إلى الواردات الباطنية والأحوال الصوفية" اهـ.
وبعد هذا التحليل العلمي يمكننا أن نعين الشبهة في العبارة التالية وهي: أن العقل الاستقرائي يسد مسد النبوات والرسالات.
تفنيد الشبهة:
تفنيد شبهة كون العقل الاستقرائي يسد مسد النبوات والرسالات
.
ويكون الردّ على الزعم السابق بوجهين:
أولًا: إن انقطاع الوحي لن يكون أبدًا بسبب بلوغ النوع الإنساني أو العقل البشري أشده، لأن الوحي السماوي لمَّا انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زالت معظم الدنيا في جاهلية ووثنية.
فعملًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ليبلغ الشاهد الغائب"
(2)
حمل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين هذه الأمانة إلى كل أفق من آفاق الدنيا، فانتشر نور الإسلام حتى لم يبق في الدنيا بيت مدر ولا وبر إلّا دخله هدى الإسلام، ثم عادت البشرية إلى جاهلية عمياء بسب غربة الإسلام مصداقا بقول الرسول صلى الله
(1)
منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لـ د. فهد بن عبد الرحمن الرومي ص: 492.
(2)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح 1/ 157 - 158 (67).
عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء" اهـ
(1)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" اهـ
(2)
.
فكلما اهتدت البشرية بنور الإسلام تطورت وارتقت، وكلما خفي نور الإسلام عادت إلى جهلة جهلاء، وإذا كان الأمر هكذا فكيف يسد العقل الاستقرائي مسد النبوات والرسالات؟
ثانيًا: إن ختم الرسالة والنبوة ثابت في الكتاب والسنة وفيهما كفاية لكل مؤمن يؤمن بالله ورسوله، ولا يحتاج إلى التكلف بإتيان أدلة عقلية، وإذا لزم المقام إلى إتيان الأدلة العقلية فهناك أدلة عقلية، وهى أكثر دلالة من أدلة إقبال المشتبهة، وقد لخصها الأستاذ الدكتور محمود ماضي في كتابه "نبوة محمد" صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وخلاصته كما يلي:
إن الله تعالى لا يرسل نبيا بعد نبي إلّا لأحد الأسباب الآتية
(4)
:
1 -
أن لا يكون قد جاء في أمةٍ رسولٌ لهدايتها وتعليمها وكانت الحجة تقتضي مجيئه بموجب عموم القاعدة المذكورة في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}
(5)
.
وقد ارتفع هذا السبب بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأن نبوته صلى الله عليه وسلم لم تكن منحصرة في أمة دون أمة، أو زمن دون زمن، وإنما "أرسل إلى العالم كافة، بينما كانت رسالات غيره محدودة، كل رسول (أرسل) لأمة واحدة خاصة، وهكذا كانت كتبهم المنزلة، كل كتاب لشعب معين، أما النبي محمد صلى
(1)
صحيح مسلم مع الشرح: 1 - 2/ 536 (232).
(2)
صحيح البخاري مع الفتح: 4/ 93 (1876).
(3)
ينظر ص: 144 - 147.
(4)
الإيمان بالله والملائكة للشيخ المودودي دار الخلافة للطبع - ودار الأنصار بالقاهرة، ص: 190 - 198 نقلا من كتاب "نبوة محمد" ص: 144 - 145، وينظر ختم نبوت (ختم النبوة) للمودودي ص:9.
(5)
سورة الرعد: 7.
الله عليه وسلم فكانت رسالته عالمية" اهـ
(1)
مصداقا لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}
(2)
.
2 -
أن يكون قد جاءها رسول ولكن اندثرت آثار رسالته ووقع التحريف والتبديل في تعليمه وكتابه المنزل عليه من الله وانمحت معالم سيرته وأعماله حتى لم يعد بوسع الناس أن يتبعوه ويتأسوا بحياته ويقتدوا بهداه.
وقد ارتفع هذا السبب بحفظ الله تعالى لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فإن تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم حية باقية مصداقا لقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
(3)
، ونعلم أي هداية وأي شرع جاء به من عند الله، وما هي السبل التي جاهد بها ليدفع عن هديه وشرعه. فإذا كان هذا كله حيًا في متناول الأيدي والفكر، فلا حاجة إلى نبي آخر يجددها ويعرضها مرة أخرى على الناس إذ كل رسالة بعد ذلك قول معاد ليس فيه جديد يستفاد" اهـ
(4)
.
3 -
أن يكون تعاليم الرسول السابق أو الرسل السابقين ناقصة أو بحاجة إلى التكميل والزيادة.
وقد ارتفع هذا السبب بشرع محمد صلى الله عليه وسلم إذ جاء شرعه صلى الله عليه وسلم كاملا مكتملا شاملا لجميع احتياجات الإنسان إلى قيام الساعة، وليس في شرع محمد صلى الله عليه وسلم نقص أو قصور ينبغي أن يأتي نبي آخر لتلافيه، مصداقا لقول الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}
(5)
.
(1)
دائرة المعارف البريطانية: 5/ 11.
(2)
سورة سبإ: 28.
(3)
سورة الحجر: 15.
(4)
محمد الرسالة والرسول لـ د. نظمي لوقا ص: 101 نقلا من كتاب "نبوة محمد) ص: 145.
(5)
سورة المائدة: 3.
وهكذا قد ارتفعت الأسباب الثلاثة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وانتهت النبوات إلى قيام الساعة مصداقا لقول الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}
(1)
، فلا يزال -وسيظل- بأيدينا من الوسائل ما نعلم به في كل وقت وفي أي وقت، والحمد لله.
(1)
سورة الأحزاب: 40.