الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد أن أثار شبهات حول الحياة بعد الممات يتساءل إقبال: لماذا هذا الزمن غير المتناهي؟ وكيف يمكن لله أن يوجد اتصالًا بين هذه التصورات .... ؟ يبحث الجواب عند "وليم جيمز" و"نيتشه" فهذا يدل دلالة واضحة على أن إقبالًا تنازل عن الحقائق المذكورة في القرآن والسنة عن حياة الآخرة، وسلك في فلك فلاسفة الغرب في تصوره عن الحياة البرزخية والحياة الآخرة.
وبعد هذا التحليل العلمي يمكن أن نجمل الشبهات التي أثارها كل من السيد وإقبال وأمير علي في جملة واحدة وهي أن المعاد روحاني وليس جسمانيًا.
تفنيد الشبهة
تفنيد شبهة كون المعاد روحانيا وليس جسمانيا:
والرد على هذه الفرية من وجوه:
أولًا: إن الدور ثلاث دار الدنيا، دار البرزخ ودار القرار، وقد جعل الله لكل دار أحكامًا تخصها، وركّب هذا الإنسان من بدن ونفس وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعًا لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبعًا لها، فإذا جاء يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم، صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعًا، فإذا تأملت هذا المعني حق التأمل ظهر لك كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من النار مطابقًا للعقل وأنه حق لا مرية فيه
(1)
.
ثانيًا: "ولا عجب ولا استغراب ممن ألحدوا في أسماء الله وصفاته وجحدوا ما صرح به تعالى في محكم آياته، وردّوا ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات، وحكموا العقل في الشرع، وعارضوا الوحي الرحماني بالحدس الشيطاني، وقدموا الآراء السقيمة عن السنن المستقيمة وآثروا الأهواء الذميمة على المحجة القويمة، فليس بعجيب ولا غريب ممن هذا شأنهم أن ينكروا عذاب القبر
(1)
شرح الطحاوية لأبي العز الحنفي: 355.
وغيره من أنباء الغيب التي لا يشاهدونها وما لهم لا ينكرون ذلك وهم لا يعرفون الإنسان إلا هذا الجسم الذي هو الجلد واللحم والعظم والعرق والأعصاب والشرايين ونحوها مما يمتلئ بكثرة الطعام والشراب فيه ويخلو بقلتهما فيه، وما لهم لا ينكرون ذلك وهم لا يقرون الموجود إلا مسموعًا متكلمًا به مبصرًا مشمومًا ملموسًا، وما لهم لا ينكرون ذلك وطريقتهم في النصوص أبدًا تأويل الصريح وتضعيف الصحيح وأنها آحاد ظنية لا تفيد اليقين وليست بأصل بزعمهم عند المحققين" اهـ
(1)
.
ثالثًا: إن النصوص من الآيات القرآنية والأحاديث الثابتة الصحيحة بل نصوص التوراة والإنجيل مستفيضة كثيرة تدل على أن المعاد يكون جسمانيًا ونفسانيًا، فالملذات النفسانية التي ذكرت في بعض النصوص لا تنافي حصول الملذات الجسمانية التي ورد ذكرها في كتب الله عز وجل وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم والقادر الذي أوجد المعاد النفساني أو الروحاني فهو القادر أيضًا على إيجاد المعاد الجسماني في تلك الدار.
رابعًا: إن لذة الطعام والشراب والجماع المذكورة في النصوص لا تقتصر على الملذات النفسانية بل هي لذات جسمانية ونفسانية، ولكن من أين يلزم أنه لا لذة طعام وشراب ونحوهما في تلك الدار الآخرة كما أشار إليه بعضهم.
"فإن كان بالشرع، فكُتبُ الله عز وجل جميعا ناطقة بخلاف ذلك،
(2)
وفي القرآن الكريم العظيم مما يكثر تعداده، ويطول إيراده وهو لا يخفى مثله على أحد من المسلمين الذين يقرؤون القرآن لبلوغه في الكثرة إلى غاية يشترك في معرفتها المقصر والكامل.
وإن كان بالعقل فليس في العقل ما يقتضي إثبات اللذة النفسانية ونفي اللذة الجسمانية، بل لا مدخل للعقل ها هنا ولا يتعول عليه أصلًا.
(1)
معارج القبول للحكمي بتصرف: 2/ 108.
(2)
ينظر النصوص الواردة في ذلك من التوراة والإنجيل التي جمعها الإمام الشوكاني في كتابه إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع 11 - 14.
وإن كان لا يعتبر عقل، ولا شرع، بل لمجرد الزندقة والمروق من الأديان كلها، والمخالفة لما ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى، فبطل ذلك مستغن عن البيان" اهـ
(1)
.
خامسا: وكفي لمن أنكر المعاد الجسماني خطأً وضلالًا تقليدهم في ذلك لذلك اليهودي الملعون الزنديق موسى بن ميمون الأندلسي ومن هو شبيه به من أهل الإسلام كابن سيناء وغيره من الفلاسفة الضلال، ومن غير أهل الإسلام كـ "هلم هولتس"(Helm Holtz) و"وليم جيمز"(William Jams) و"نيتشه" وغيرهم الكفار، وكفاهم خطأ وضلالًا خرق إجماع الأمة قاطبة بل اتفاق الشرائع كلها.
(1)
إرشاد الثقات للشوكاني: 18.