الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفيرها وإعداد الميرزا لها وتجميع الأسس والعوامل الكفيلة باكتسابها من قبله بحيث تكون قائمة فيه
(1)
.
صلتها بالاستشراق:
وأما صلتها بالاستشراق فتبرز في النقاط التالية:
أولًا: إن الخطة المرسومة التي سبق ذكرها لم تحصل للدوائر الاستعمارية إلا بعد دراسة أوضاع المسلمين من قبل المستشرقين الحاذقين كما أثبتنا ذلك في تمهيد هذا الباب.
ثانيًا: إن الدعوى المذكورة دعوى النبوة لم تأت إلى حيز الوجود بين عشيّة أو ضحاها، إنما جاءت بعد تخطيط المستشرقين منذ أمد بعيد، وإذا راجعنا الفصول السابقة في هذا البحث يظهر لنا أن المنهجية الاستشراقية قد صنعت رجالًا أمثال سيد أحمد خان وجراغ علي، وأمير علي، وإقبال. وهؤلاء الرجال هم الذين مهّدوا الطريق لكل مدّع للنبوة من الكذابين والدجالين، فعرّف السيد النبوة بقوله:"ليست النبوة منحة إلهية يعطيها الله لمن شاء من عباده، إنما النبوة أمر فطري .... لا اختصاص فيها كعدم اختصاص آلاف الصلات والملكات الكامنة في النفس البشرية، قد يكون الإنسان بمقتضى فطرته مالكًا لقوة في فن من الفنون، ويعتبر فيه إمامًا ونبيًا كالحداد فهو إمام ونبي في فنه" اهـ
(2)
.
وعرّف إقبال النبوة بـ: "أنها عبارة عن أحوال وكشوفات من مكاشفات الصوفية إلا أن الصوفي معراجه لذة الاتحاد وأما الأنبياء فهم يجدون في أنفسهم قوى مستيقظة يمكن بواسطتها قلب الدنيا كلها، وتغيير الحياة الإنسانية بكاملها
…
" اهـ
(3)
.
(1)
القاديانية والاستعمار الإنكليزي لعبد الله السامرائي ص: 54 - 55.
(2)
ينظر مقالات لسيد أحمد خان: 13/ 66 - 67.
(3)
ينظر تشكيل جديد لإقبال ص: 190.
فتعريف السيد يرتكز على كون النبوة أمرًا فطريًا، وعلى هذا قد اعتبر السيد "إيديسن"(Adison) و "سيتل"(Seattle) الإنكليزيين من الأنبياء
(1)
.
وأما تعريف إقبال فيلمح إلى أن النبوة أمر كسبي وعلى هذا الأساس شعر إقبال وجود شأن النبوة في الغزالي كما حصلت هذه المنزلة في نظره لـ "كانت"(Cant) في ألمانيا في القرن الثامن عشر الميلادي
(2)
.
سواءً كانت النبوة أمرًا فطريًا أو شيئًا كسْبيًا ففيه رفض لكون النبوة منحة إلهية، وكان هذا أكبر متمسك قد تمسك به الميرزا وجرّبه في حياته.
أضف إلى ذلك ما قاله إقبال في ختم النبوة: "ظهور الإسلام هو ظهور العقل الاستقرائي وفي الإسلام قد وصلت النبوة إلى عروجها وكمالها وأوجبت على نفسها الانتهاء" اهـ
(3)
.
قد ربط إقبال انتهاء النبوة بكمال العقل البشري أو العقل الاستقرائي فيتيبن من ذلك أن العقل البشري إذا ضعف عادت النبوة إلى وظيفتها.
فكانت هذه بعض المحركات والدوافع التي أوجدتها المنهجية الجديدة المتأثرة بالاستشراق، وهي أيضًا دفعت الميرزا إلى ادعائه بالنبوة.
ثالثا: إن الحالة الصحية التي كان يعانيها الميرزا المتنبئ من أمراض كثيرة وبخاصة منها مرض الهِسْتِيريا (Hysteria) أصيب بها في شبابه قد ناسبته، فكانت تصيبه النوبات العصبية العنيفة، وكان يغمى عليه في بعض هذه النوبات، وقد سبق أن ذكرنا أن سيد أحمد خان شبه هذه النوبات بالحالة التي أوحي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال: "ويسمع النبي كلام نفسه بأذنيه الخارجيتين كأن شخصًا يخاطبه من الخارج ويرى بعينيه الخارجتين، كأنه رأى شخصًا وقف أمامه .... مع فارق التشبيه نثبت أن الألوف منا من رأى حالات فاقدي العقل يسمعون أصواتًا دون متكلم
(1)
ينظر مقالات للسيد 13/ 19.
(2)
ينظر تشكيل جديد لإقبال ص: 7.
(3)
المرجع السابق ص: 192 - 193.
ويرون أشخاصًا في الخارج مع انفرادهم عن البشر، تلك كلها أوهام من أوهام لارتكاز كل قواهم واتجاهاته إلى شيء معين" اهـ
(1)
.
وهذا الذي قد أصر عليه المستشرقون ليسوَّوا بين وحي السماء وبين ما يصيبه لفاقد العقل في حالة الصرع حتى لا يبقى هناك فارق بين النبوة والادعاء بالنبوة.
يقول المستشرق "لوثروب ستودارد": "كان محمد أميا لا يقرأ ولا يكتب ولم يكن فيلسوفا ولكنه لم يزل يفكر في هذا الأمر إلى أن تكونت في نفسه بطريق الكشف التدريجي المستمر عقيدة كان يراها الكفيلة بالقضاء على الوثنية" اهـ
(2)
.
وقال أيضا: "إن سبب الوحي النازل على محمد صلى الله عليه وسلم والدعوة التي قام بها هو ما كان ينتابه من داء الصرع" اهـ
(3)
.
ويقول المستشرق "درمنغم": "وجعل (الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي ساعات طويلة
(4)
. جافيا في أطلال الغار، أو متقلبا تحت وهج الشمس، وسائرا بخطى واسعة في الشعاب، وكان كلما سار خيل إليه أن أصواتا تخرج من الحجارة
…
هذه الكواكب تكون في ليالي صيف الصحراء من الكثرة وشدة النور ما يخيل معه أنه يسمع صوتا لِلَمَعَانِهَا كما يسمع صوت نار موقد كبير" اهـ
(5)
. ولقد ناقشنا مسألة اكتساب النبوة وفندنا هذه الشبهة في الفصول الماضية، فلا حاجة لتكرارها.
(1)
ينظر مقالات لسيد أحمد خان 13/ 68، 138، وتفسير القرآن له 3/ 17.
(2)
حاضر العالم الإسلامي لـ لوثروب ستودارد، تعليق: شكيب أرسلان، ترجمة: عجاج نوبهز دار الفكر، بيروت 1394 هـ/1973 م، ط/ 1: 4/ 39.
(3)
المرجع السابق: 1/ 34.
(4)
وفي الأصل "طويل الساعات".
(5)
حياة محمد لأميل درمنغم ترجمة عادل زعينر، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1942 م ص:56.
وهكذا قد نجح الاستشراق في بثّ فكرة اكتساب النبوة المعروفة عند اليهودية والنصارى في أوساط المسلمين، وأنبتت شجرتها في شخصية الميرزا، وجنت ثمارها في صورة القاديانية.
ومن خلال هذه الدراسة التي كانت حول نشأة الفرقة القاديانية يتبين لنا التاريخ التسلسلي لهذه الفرقة هو: أن الاستشراق قد أوجد الفرقة النيجرية، والفرقة النيجرية كانت سببًا لبروز الفرقة القاديانية، لأنه قد ثبت أن هناك ارتباطا وثيقا بين الفرقتين.
يقول إحسان إلهي ظهير: "اجتمع حوله (الميرزا) أو جمع حوله أشخاصًا مثله طماعون غدرة. باعوا ضمائرهم بالجنيهات والدولارات .... هؤلاء هم الذين يمولون (يغذون) نبوة غلام أحمد القادياني، والغلام القادياني ما كان إلا مذياعًا يذيع كل ما يشيرون عليه بإذاعته عليه، ويتفوه بكل ما يريدون أن يتفوهوا به، وهذا لا نقوله دون سند أو برهان بل ننقله من المتنبئ نفسه، فها هو يطلب المعونة والعون لكتاب يريد تأليفه (فيقول وهو يخاطب جراغ علي): "وصلني كتابكم الكريم، وسررت جدًا بوصوله، ومن قبل كنت أتمنى أن أؤدي خدمة للإسلام ولكن كتابكم شجعني أكثر وأكثر
…
وإن وجد عندكم بعض المقالات فأرسلوها إليّ" اهـ
(1)
.
ويقول أيضًا: "لم يصلني مقالكم في إثبات النبوة بعد وقد انتظرت طويلًا، فلذا أكلفكم مرة أخرى أن ترسلوا مقالكم هذا عاجلًا" اهـ
(2)
.
ويدل على هذا الارتباط الوثيق بين الفرقتين أيضًا توافق عقائد الفرقتين، وبخاصة الفرقة القاديانية اللاهورية التي يتزعمها محمد علي اللاهوري كان يعتقد بكل ما يؤمن به سيد أحمد خان من إنكار المعجزات وإنكار عالم الغيب من الجنة والنار والجن والملائكة.
(1)
مكتوب الغلام إلى الأستاذ جراغ علي المندرج في سير المصنفين نقلا عن القاديانية لإحسان إلهي ص: 234.
(2)
المرجع السابق ص: 234.