الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب) منهجه:
قد سبق أن ذكرنا أن شبليًّا كان على منهج المعتزلة في باب العقيدة، واعتبر علم الكلام من مصادر المعلومات الصحيحة، وعده وسيلة إلى تطوير العلوم القديمة
(1)
، واعتبر الغزالي قمة في علم الكلام واتبع آراءه وأفكاره، ورفض كل تصور إسلامي لم يبن على أساس العقل السليم وإن ثبت بالنقل الصحيح، هذا في ظنه، ولكن الحقيقة خلاف ذلك، فلا تعارض بين العقل والنقل، كما أثبتناه عند ذكر المنهج السني
(2)
، ورأى مثل الغزالي امتزاج الشريعة والطريقة، وأيقن إيقانًا جازمًا بأن كل من قال "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وآمن بها فهو مسلم، ولا يخرجه من الملة انحرافه في جزئيات العقيدة مهما كان هذا الانحراف شديدًا
(3)
. يقول تلميذه الوفي الشيخ سليمان الندوي "وإذا نظرنا إلى مؤلفاته الكلامية القديمة وجدناه يعتقد في الحشر والنشر والبعث بعد الموت وفي الجنة والنار أنها روحانية فقط وأما اعتقاده في الملائكة فكان يؤمن بوجودها، إلا أنه كان يقول: إن لفظة الملائكة قد تطلق على الملكات النبوية والملكات البشرية أيضًا
(4)
.
مع إنكاره الشديد على المستشرقين الغرب لوجود التيار المخالف في كتاباتهم كان شبلي أول مؤرخ هندي استحسن جهودهم واعترف بفضلهم في تحقيق المخطوطات الإسلامية وجمعها وترتيبها وتطبيقها على العلوم الجديدة، فتأثر بمناهجهم في منهجيته الجديدة، وأيد خطتهم لإخراج دائرة المعارف الإسلامية، وكان معجبا بمؤتمراتهم العالمية، وحاول الحضور في مؤتمر المستشرقين العالمية المنعقدة في روما سنة 1899 م ولكنه لم يتمكن من ذلك
(5)
.
(1)
وصنف في ذلك علم لكلام نشرت دار المصنفين أعظم كره 1922 م.
(2)
ينظر ص: 45 في هذا البحث.
(3)
ينظر كتاب الغزالي لشبلي النعماني أعظم كره دار المصنفيين 1922 م ص: 121 - 124.
(4)
ينظر موج كوثر للشيخ محمد إكرام، تاج كمبني، دلهي، الهند، ص: 222 - 223.
(5)
ينظر ندوة العلماء كي كانكريس مين بهلا حصة 1895 م، ورسائل أمرتسر 1911 م ص: 1 - 36.
لم يكن شبلي في منهجيته الجديدة مثل صاحبه السير سيد أحمد خان معتزليًا جديدًا ورافضا للمناهج القديمة. بل جمع بين المنهج اليوناني الكلامي القديم والمنهج الاستشراقي الجديد. واعتبر علم الكلام القديم والعقلية الجديدة شيئين مترادفين، رغم كونه يقبل نتائج الفلسفة الغريبة الحديثة المعتمدة على العلوم الجديدة، اعتقد بأن ذلك الجزء من علم الكلام الذي كان ساريًا في القرن العاشر الهجري إلى الثالث عشر الهجري فلا بد من تأثيره إلى هذا اليوم وأصرَّ على استخدامه في دراسة العقيدة، إذ أن امتداد الزمن على منهج ما لا يحدث التغيير في عمليته، إلا أنه لا بد من تجديد تصورات علم الكلام الكلاسيكية بمصطلحات تفهم في هذا الزمن.
وقسّم علم الكلام إلى قسمين: قسم وجد نتيجة مقاومة الفلسفة اليونانية، وآخر وجد نتيجة مناظرات بين الفرق الإسلامية المختلفة، فاهتم بالقسم الأول ليفيد به في مقاومة التيار الاستشراقي
(1)
.
واتبع المنهج الطبيعي المتأثر بالاستشراق في إنكار المعجزات بحجة أنها لا ترغب في الإيمان بالوحي الإلهي إنما تكره المرء على الإيمان بهذا الدين، ورأى أن الروح يعمل عمل الوحي ويميز بين الخير والشر وترتقي وتتطور بالأخلاق الحسنة ويشير في ذلك كله إلى أنه يقلد جلال الدين الرومي
(2)
.
ولعل شبليًا أول عالم إسلامي حاول أن يجعل فلسفة الرومي التطوري بمقابل المنهج التطوري الدارويني، واكتشف أن هناك عناصر مشتركة بين فلسفة الرومي والعلوم الجديدة وهي كما بينها: المادة، القوة، العقل، وقانون الثقل والموت في جسم الخلايا الحيوانية وأفعال الاستبدال في الاتحاد
(3)
.
(1)
ينظر علم الكلام لشبلي النعماني ص: 4 - 30، 3 - 31، 59 - 60.
(2)
ينظر سوانح مولانا رومي (حياة جلال الدين الرومي) لشبلي النعماني دار المصنفين أعظم كره 1938 م ص: 120 - 123، وينظر لترجمة الرومي ص: 633 في هذا البحث.
(3)
ينظر سوانح مولانا رومي (حياة جلال الدين الرومي): لشبلي النعماني دار المصنفين أعظم كره 1938 م ص: 174 - 175.
وبالجملة يعتبر شبلي من أولئك المفكرين الذين جمعوا بين القديم والحديث، وعرضوا الأمور العقدية الجديدة في القالب القديم والتتزموا بالمصطلحات القديمة لترويج المعاني الجديدة المتأثرة بالفكر الاستشراقي الغربي.
يقول الشيخ أبو الخير محمد إسماعيل السلفي ما معناه "شبلي والسير سيد أحمد خان من أولئك العقلانيين المتأثرين بالاستشراق الغربي الذين أنكروا كل شيء لم تدركه عقولهم، واختاروا طريق التأويل البعيد وأسموا هذه العملية بالمنهج الطبيعي أو الفطري أما شبلي فسماها دراية، فقد راج المصطلح الأول في أوساط المثقفين بثقافة غريبة ولكن وجد النفور عند علماء الدين، وأما المصطلح الثاني الذي اختاره شبلي والذي كان مقبولًا في القديم فقد تلقى في هذا العصر قبولًا عند الجميع.
والدراية عنده ليست كما فهمها السلف
(1)
إنما الدراية عنده النظر العميق في كل حادث يروى حتى يحصل منه العلم اليقين، مثلا: أن هذا الحادث هل تتوافق مع طبيعة الحال، وخصائص الزمن وما نسبته مع صاحب الحادث، هل لديه قرائن عقلية تؤيد وقوعه وغير ذلك من الضوابط اخترعها لنفسه" اهـ
(2)
.
واختار لنقد الروايات الحديثة القواعد المتأثرة بالمنهج الاستشراقي الغربي والتي قد وضعها السير سيد أحمد خان، فرجح درايته على الرواية وفتوى عقلية لعالم من العلماء على الحديث الثابت الصحيح، واهتم بمتن الحديث في النقد أكتر من نقده للرواة وعددهم، ورفض على هذا الأساس بعض الأحاديث الثابتة سندًا: منها ما رأى مخالفًا للعقل أو مخالفًا لدرايته الطبيعية أو مخالفًا لمشاهدته الجغرافية أو مخالفًا لنص القرآن في الظاهر أو مخالفًا للإجماع المزعوم عند الفقهاء أو مخالفا لما تعاهد عليه الناس من الطب والعلاج أو ما رأى مخالفًا لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم في زعمه
(3)
.
(1)
ينظر لمفهوم الدراية عند السلف ص: 632 في هذا البحث.
(2)
ينظر مقدمة كتاب حسن البيان فيما في سيرة النعمان لأبي الخير محمد إسماعيل السلفي ص: 29 - 32، والكتاب للشيخ عبد العزيز المحمدي رحيم آبادي، فيه رد على شبلي فيما أورده على الحديث وأصحابه مكتبة مولانا ثناء الله الأمرتسرى إكيدمي 1984 م / 1404 هـ، ط / 4.
(3)
ينظر سيرة النبي لشبلي النعماني: 1/ 44 - 47، 57 - 58.