الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منسقة، وقد جاء قرار إنشاء هذه الجمعية في سنة 1324 هـ / 1906 م، وقد انضم إليها فطاحل العلماء السلفيين، وكبار الشخصيات البارزة المعنية بإصلاح حال المسلمين، وبرفع مستواهم الديني والعلمي" اهـ
(1)
.
موقفهم من الاستشراق:
وخلاصة القول إن أهل الحديث انطلاقا بالمنهج العقدي السني الذي سبق أن بينا قواعده في المطلب الأول أسسوا مراكز علمية ومدارس دينية
(2)
، وألفوا كتبا قيمة دفاعا عن العقيدة الصحيحة والمنهج السني
(3)
، ولما ظهر الاستشراق في الهند بكل وسائله، وحاول تشكيك المسلمين بدينهم بتغيير الطرق المنهجية التي ينظر بها إلى الدين وأحكامه بل ونصوصه، كان لأهل الحديث موقف متميز عن غيرهم من
(1)
جمعية أهل الحديث المركزية بالهند نشأة - تاريخ - نشاط - أهداف - مكتبة جمعية أهل الحديث دهلي الهند ص: 19.
(2)
وقد بلغ عدد المدارس سنة 1395 هـ حوالي ألف مدرسة منتشرة في أقطار الهند الواسعة من أشهرها مدرسة الشيخ نذير حسين الدهلوي بدهلي، ودار الحديث الرحمانية بدهلي، ورياض العلوم بدهلي، والمدرسة الأحمدية السلفية بدربهنكا في ولاية بهار، وجامعة دار السلام بعمرآباد في ولاية مدراس، والجامعة السلفية ببنارس في ولاية أتر برديس وغيرها من المدارس القديمة التي يسود فيها المنهج السني في التدريس وهناك مدارس جديدة لم نذكرها خوفا من الإطالة. (ينظر لمحة عن الحركة السلفية في الهند ص: 51 - 56).
(3)
ومن هذه الكتب "العقيدة الحسنة" بالعربية للشاه ولي الله الدهلوي، والمقدمة السنية بالعربية له، وهداية المؤمنين للشاه عبد العزيز الدهلوي، وتقوية الإيمان بالأردية للشاه إسماعيل الدهلوي، والصراط المستقيم بالفارسية له، وهداية المؤمنين بالأردية لأولاد الشيخ حسن القنوجي، وإثبات التوحيد بالأردية للشيخ محمد الكوندلوي، وعقائد الإسلام للشيخ أبي سعيد محمد حسين البتالوي، وقطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر بالعربية للنواب صديق حسن خان، والاحتواء على مسألة الاستواء بالعربية له، وغيرها من الكتب يطول ذكرها. (ينظر لمحة عن الحركة السلفية في الهند، وكتاب أهل حديث كي تصنيفي خدمات (خدمات أهل الحديث في مجال التأليف)).
الجماعات، وبرز لهذه المهمة الشاقة علماء أجلاء منهم الشيخ ثناء الله الأمرتسري
(1)
والشيخ أبو الكلام آزاد
(2)
، فوضعوا أسسا وضوابط لمقاومة الاستشراق ونقد آثاره عند المسلمين، ومن هذه الأسس ما أشار إليه الشيخ أبو الكلام آزاد رحمه الله، وخلاصته ما يلي:
1 -
أنه لا ينبغي للعالم المسلم التسارع إلى الفتن والشبهات بحجة المقاومة، لأن المقاوم هو أول من ينجرح بأسلحة الشكوك والشبهات، كما حدث ذلك للمعتزلة القديمة، عندما قاوموا الفلسفة اليونانية، فلا بد من التريث والتأني في مقاومة (الاستشراق) الفلسفة الأوربية الجديدة
(3)
.
2 -
أنّنا لسنا بحاجة إلى إحداث علم كلام جديدا لمقاومة الاستشراق، لأن علم الكلام القديم لم يُفد شيئا في مقاومة شبهات الفلسفة اليونانية القديمة، بل جرّ إلى الأمة فتنة الاعتزال، فينبغي أن نستخدم أسلحة الكتاب السنة، فتجمع الشبهات بدون التفريق بين الجديد والقديم، ثم ينظر فيها بالسبر والتقسيم، فهل من جديد في أصولها، أو هي كما قال الله تعالى:{بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ}
(4)
(5)
.
(1)
ثناء الله الأمرتسري (1287 هـ -1367 هـ): هو أبو الوفاء ثناء الله بن محمد خضر الكشميري ثم الأمرتسري أحد الفضلاء المشهورين بالمناظرة واشتغل بالعلم أياما على مولانا أحمد الله الأمرتسري، ثم قرأ الحديث على الشيخ عبد المنان الضرير الوزير الآبادي، ثم سار إلى ديوبند ودرس على أساتذة المدرسة العالية بها، بعد إكمال دراسته رجع إلى أمرتسر واشتغل بالتصنيف والتذكير والمناظرة مع النصارى والآرية والفرق الباطلة من القاديانة والشيعة والقرآنية (منكري السنة)، وقد باهل المرزا غلام أحمد القادياني، وقال: إن الكاذب منهما يسبق إلى الموت ويسلط الله عليه داء مثل الهيضة والطاعون، وقد ابتلى المرزا بهذا الداء بعد مدة قليلة ومات، أما الشيخ ثناء الله فقد عاش بعد هذا أربعين سنة، فمن هنا لقّب الشيخ بفاتح القاديانية، وكان عاملا بالحديث، نابذا للتقليد (نزهة الخواطر ص: 5/ 67).
(2)
ينظر لترجة آزاد ص: 632 في هذا البحث.
(3)
ينظر تذكرة لأبي الكلام آزاد ساهتيه إكاديمي دهلي الجديدة ط / 3، 1985 ص: 239 - 240.
(4)
سورة المؤمنون: 81.
(5)
ينظر تذكرة لآزاد ص: 234.
3 -
أنه ما من شبهة صغيرة أو كبيرة أثيرت في هذا الزمن حول القرآن والسنة، وتعليمات الأنبياء عامة إلّا وقد سبقت إثارتها أصلا وفرعا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد فندها القرآن والسنة، ولقد صدق الحق فيما قال:{بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}
(1)
(2)
(3)
.
4 -
أن جميع الطوائف المتكلمة في مقاومة الفلسفة القديمة (اليونانية) قد فشلوا، وكذلك ليس باستطاعتهم أن ينتصروا في مقاومة (الاستشراق) الفلسفة الغربية الحديثة، فكانت الطائفة المنصورة في الماضي طائفة أصحاب الحديث، أصحاب طريقة السلف، وكذلك الحال اليوم فكل من أراد أن يتغلب على التيارات الهدامة الجديدة فعليه أن يسلك مسلك أصحاب الحديث ومنهج أهل السنة وطريقة السلف
(4)
.
5 -
أنه ليس للأشعرية والماتريدية أن يعيبوا المتأثرين بالاستشراق لأن الأولين أئمتهم فلاسفة اليونان
(5)
، والآخرين قادتهم فلاسفة الغرب، فالفكرتان من مشكاة
(1)
سورة المؤمنون: 81، 82.
(2)
سورة المؤمنون: 26، 27.
(3)
ينظر تذكرة لآزاد ص: 228 - 229.
(4)
ينظر المرجع السابق ص: 230 - 231.
(5)
ومما لا شك فيه أن في هذه العبارة مبالغة، إذ أن من الأشاعرة والماتريدية علماء أجلاء قد قاوموا الفكر اليوناني الوافد والمتمثل في فكرة الاعتزال وأبلوا في هذا المجال بلاء حسنا ولكنهم قد تأثروا به كما سيأتي في الفصول القادمة، إلّا أن الشيخ في معرض بيان قوة المنهج السني السلفي في المقاومة، فخاطب بهذه العبارة الشيخ شبلي النعماني ومن معه، ليدعوهم ويحثهم على التمسك بالمنهج السلفي في المقاومة، وذلك في سنة 1911 م، وكان آزاد يجلهم ويكرمهم. (ينظر تذكرة لآزاد ص: 232).
واحدة، بعيدتان عن منهج الكتاب والسنة، ومن ثم لا يمكن القضاء على آثار الاستشراق إلّا لمن اتبع المنهج السني الصحيح
(1)
.
6 -
أنه قد تكالب في هذا الزمن كل الفتن التي كانت موزعة على مدى تاريخ العقيدة الإسلامية الطويل، فأحسن وسيلة لمواجهة هذه الفتن كلها هي مؤلفات ومعارف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لأن فيها البراهين القاطعة من الأدلة النقلية والعقلية، ولكن هذه الخزائن من المعرفة، وكنوزها مدفونة منذ زمن طويل بل جحدت وتركت، وهذه ليست أول قارورة كسرت في الإسلام، وكم نوبةٍ قد رموا الحق والعلم عن قوس واحدة
(2)
.
وهكذا انطلق السلفيون (أهل الحديث) في الهند في مقاومة الاستشراق وأثره على عقائد المسلمين، فسوف نرى في الفصول القادمة مدى تأثيرهم وتأثرهم في المقاومة، إن شاء الله.
(1)
ينظر تذكرة لآزاد ص: 229 - 232.
(2)
ينظر المرجع السابق ص: 179 - 180.