الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحق الذي نراه ونعتقده أن كل حديث صحيح تلقته الأمة بالقبول من غير نكير منها عليه، أو طعن فيه، فإنه يفيد العلم واليقين، وسواء كان في أحد الصحيحين أو في غيرهما. وأما ما تنازعت الأمة فيه، فصححه بعض العلماء وضعفه آخرون فإنما يفيد عند من صححه الظن الغالب فحسب، والله تعالى أعلم" اهـ
(1)
والسلف لم يفرقوا إذا صح الحدث بين الأخذ به في العقائد والأخذ به في الأحكام، يقول ابن القيم نقلا عن ابن تيمية رحمهما الله: "وهذا التفريق باطل بإحماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العمليات، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات
…
لم تزل الصحابة والتابعون، وتابعوهم، وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله وأسمائه، وصفاته، فأين سلف المفرِّقين بين البابين؟ " اهـ
(2)
.
6 - تأويل النصوص وتعطيل الصفات:
قد ضيقت الماتريدية والأشعرية دائرة الإثبات في الصفات فأثبتت الماتريدية ثماني صفات فقط وهي: الحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والتكوين
(3)
. والأشعرية قد أثبتت سبعا منها ما عدا صفة التكوين
(4)
.
(1)
الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ص: س.
(2)
مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم 2: 412.
(3)
ينظر إشارات المرام من عبارات الإمام، لكمال الدين أحمد البياضي الحنفي، تحقيق يوسف عبد الرزاق مكتبة مصطفى البابي الحلبي القاهرة ط / 1، 1436 هـ -1949 م، ص: 107 - 114.
(4)
ينظر المسائل الخمسون في أصول الدين للرازي ص: 45 - 51.
وبعد هذا الاتفاق والتقارب في الإثبات وهم عطلوا الباقي من الصفات إما بالتأويل في النصوص أو تفويض معناها وكيفيتها إلى الله تعالى.
قال البزدوي
(1)
رحمه الله: "ليس الله على المكان لا على العرش ولا على غيره وهو ليس فوق العرش وليس له جهة من الجهات" اهـ
(2)
.
ثم يستدل على ذلك فيقول: "الدليل على أنه ليس لله تعالى مكان بل هو على الصفة التي كان عليها قبل خلق المكان: أنّا لو قلنا إنه صار بعد خلق العالم على المكان، وهو العرش حصل في ذاته التغير، وهو الانتقال منها إلى المكان، والقديم لا يتصور عليه التغير والانتقال لأنه واجب الوجود بجميع صفاته، ولأن الانتقال إلى المكان والاستقرار عليه من صفات الأجسام، وقد ذكرنا أنه ليس بجسم" اهـ
(3)
.
وبهذه التأويلات الكلامية والفلسفية عطلوا كثيرا من صفات الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة وأولوها إلى غير معانيها مثل صفات العلو والاستواء والنزول والوجه واليد والغضب والرضى ونحوها
(4)
.
(1)
البزدوي (421 - 493): هو أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين النسفي، البزدوي، هذا هو صاحب كتاب أصول الدين، وأخوه أبو الحسن فخر الدين البزدوي -علي بن محمد-، ونسبتهما إلى بزدة، قلعة على بعد ستة فراسخ من نَسَفٍ. (سير أعلام النبلاء للذهبي 19/ 49).
(2)
أصول الدين للبزدوي تحقيق د. هانز بيتر لينس مطبعة البابلي مصر ص: 28.
(3)
أصول الدين للبزدوي ص: 29.
(4)
ينظر كتاب التوحيد للماتريدي ص: 70 - 72، والبداية من الكفاية في الهداية لنور الدين الصابوني تحقيق د. فتح الله خليف دار المعارف مصر: 45 - 47، شرح العقائد النسفية للتفتازاني ص: 4، ونبراس المهتدي للكوثري مكتبة الأزوار مصر ص: 178 - 179، وشرح المواقف لعلي بن محمد الجرجاني عالم الكتب بيروت: 8/ 20 - 22، ومدارك التنزيل وحقائق التأويل لحافظ الدين =
وسلكت الأشعرية مسلك الماتريدية في تعطيل الصفات وتأويل النصوص، فقالوا: الله ليس فوق العرش أو تحته أو يمينه أو شماله أو أمامه أو خلفه ولا خارج العالم ولا داخله
(1)
، وعللوا على ذلك بتعليلات كلامية وفلسفية فقالوا: إثبات علو الله تعالى واستوائه على عرشه إثبات المكان له، وكل ما كان له مكان فإما أن يكون أكبر منه أو أصغر منه أو مساويا فيكون جسما، والمستوي على الشيء يكون محتاجا إليه
(2)
، ورتبوا على هذا منع الإشارة إليه.
وأما الصفات التي أثبتوها لله عز وجل عللوا على ذلك بقولهم: لا لكونها ثابتة في الكتاب والسنة، وإنما أثبتناها لأن الذات لا يتصور بدون هذه الصفات السبع أو الثماني، فيقول البزدوي رحمه الله: "فإنه لا يتصور ذات الله تعالى بدون العلم والقدرة ولا علم بلا قدرة ولا قدرة بلا حياة ولا علم بلا ذات ....
(3)
.
وبالجملة إن الماتريدية والأشعرية ليسوا على منهج أهل السنة في باب الأسماء والصفات، لأنهم إما يؤولون النصوص أو يفوضون الأمر إلى الله تعالى في المعنى والكيفية
(4)
.
= النسفي دار الكتاب العربي بيروت 1/ 6، 209، إشارات المرام لأحمد البياضي ص: 189، إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين للزبيدي، دار الفكر 2/ 107 - 1 - 8.
(1)
ينظر المواقف في علم الكلام للجرجاني دار الطباعة العامرة الآستانة 1311 هـ، ص:272.
(2)
ينظر أساس التقديس للرازي ص: 28.
(3)
أصول الدين للبزدوي ص: 35 - 36.
(4)
مثلا: في صفة اليد، قالوا إن المراد باليد القوة تأويلا، أو قالوا لا نعرف معناها تفويضا، والحق أن يقال: إن اليد معناها معروف والكيف مجهول يعني مفوض إلى الله عز وجل.