الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اقتصادية ولا بيان أصول الفقه وشرحها، ومما لا شك فيه أنه قد جاء فيها بعض الأمور المدنية والسياسية، ولكنها تتعلق بأمور قد ساء استخدامها في ذاك الزمن، مثلا تعدد الزوجات، والطلاق، واستعباد الرجال والنساء، فجاء القرآن وأنكر هذه المنكرات وغيرها من العادات القبيحة" اهـ
(1)
.
وقال جراغ علي أيضا: "إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك لنا ضابطا قانونيا ولا دينيا، ولم يأمر أحدا من أتباعه بترتيب ذلك، وهذا الأمر يدل على أنه خَيَّر أمته في ترتيب نظام من عندهم مطابقا للمقتضيات السياسية والاجتماعية التي تحيط بهم في كل زمان ومكان" اهـ
(2)
.
تحليل العبارة وتعيين الشبهة
انطلق كل من أمير علي وجراغ علي فى العبارات السابقة من مبدأ التطور والارتقاء في الإسلام ردًّا على الدعوى القائمة من قبل بعض المسشرقين: أن القرآن فيه جمود ولا يمكن أن ينتفع به الناس مع تقدم الزمن وتتطور الحياة، فالعمل بالقرآن هو إرجاع الناس سياسة واجتماعا إلى صورة المجتمع البدائي، ولا انفكاك بين العقيدة وقوانين الاجتماع البدائي.
كما قال "وليم ميور"(W.Muir): " إن القرآن قد ربط الدين في غلاف قواعد ذلك المجتمع وتقاليد ذلك الزمن إذ لا يمكن الفرار منه، فإذا تمزق هذا الغلاف ذهب معه أصل الحياة" اهـ
(3)
.
قلت: وكان الحل البسيط لهذه المعضلة عند هؤلاء المستغربين هو الفصل بين الدين والدولة، فزعموا أن القرآن لم يعلمنا قواعد السياسة وقوانين المدنية، إنما أتى
(1)
أعظم الكلام في ارتقاء الإسلام لجراغ علي: 1/ 15.
(2)
المرجع السابق: 1/ 47.
(3)
ينظر خلافتِ راشدة اور اسلام كي ترقي (الخلافة الراشدة وتطور الإسلام) لـ سير وليم ميور ص: 26، نقلا عن ارتقاء الإسلام لجراغ علي 1/ 18.
القرآن ليعلم الناس الأخلاق الفاضلة ولينهاهم عن العادات الرذيلة، كسابقه من الأديان مثل النصرانية واليهودية.
كما أشار إلي ذلك جراغ علي في العبارة التالية فقال: "إن النصارى حاولوا أن يوسعوا سيطرة الدين على الأمور الاجتماعية اليومية، ولكنهم فشلوا في هذه المحاولة، فلم يمض زمن وجيز إلا وهم فصلوا بين الدين والدولة، وفصلوا الأخلاق من الدين في القرن السابع عشر" اهـ
(1)
.
ثم أضاف قائلا: "والمسلمون قلدوا النصارى في هذا الصدد وطبقوا تعاليم القرآن على الحياة اليومية بقدر ما استطاعوا رغم كون القرآن لم يستهدف إلى هذا، ولم يؤتنا ضابطا في السياسة والمعاشرة، إنما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعهم خلقوا الأحاديث، والآثار، ثم الذين جاؤوا من بعدهم رفعوها إلى منزلة القداسة كما فعل النصارى بأناجيلهم" اهـ
(2)
.
وقال أيضا: "إن المستشرقين أمثال: "ميور" و"آسبرين" و"هيو" و "سيل" عندما يذكرون الأحاديث يتناسون الضابط الذي تقرر عند المسلمين: أن الأحاديث -أصلا وعقيدة لا سيما الآحاد كلها- لا يجب على المسلمين اتباعها إذ أن الفقهاء قالوا إن الآحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين، وأما القرآن -وهو غير شامل لكل ما يحتاجه الإنسان- فهو أيضا لا يجب عليهم اتباعه حرفيا" اهـ
(3)
.
ثم استحسن جراغ علي في هذا قول المستشرق "أوستين لي لين بول" حيث يقول: "إذا أراد الإسلام أن يتقوى في المستقبل يجب على المسلمين الفصل بين الدين والدولة، إذ أن البشرية لم تتطور حضارتها ولم يتبين نقصها في اجتماع، ولكن الآن
(1)
ينظر تاريخ تهذيب انكلستان لـ بيكل، لندن 1878 هـ ص: 425 نقلا عن أعظم الكلام في ارتقاء الإسلام: 1/ 18.
(2)
أعظم الكلام لجراغ علي: 1/ 19.
(3)
المرجع السابق: 1/ 20.
أهل الشرق يزعمون أنهم يتساوون أهل الغرب، ويسعون في تقليد آداب ومراسيم الغرب، وإذا أرادوا الانتساب إلى حضارتنا فعليهم أن يغيروا أحوال المرأة عندهم.
ولكن المشكلة كلها تكمن في أن القرآن يربط بين الدين والدولة، ولا يمكن الفصل بينهما، والحل الوحيد لهذه المعضلة القضاء عليهما جميعا والتغيير في النظر إلى الوحي والإلهام، ترك الاعتقاد بأن كل حرف من حروف القرآن وحي من الله، والتقريب بين العام والخاص العارض والمستقل، وهذا التمييز لا يحصل إلا بقوة الأخلاق وعليهم أن يفكروا في أن تعاليم الرسول معظمها وإن كان قد أفاد في زمنه، ولا يناسب الظروف الحالية وأيضا كان علمه جزئيا وقد يخطئ، وبالإضافة إلى أن قوة الأخلاق يمكن تعلمها كقوة الذهن، ولذلك الخلق الذي كان فاضلا في القرن السابع الميلادي قد يتحول إلى خلق دني في القرن التاسع عشر ويعتبر ضربا وهلاكا للمجتمع.
فقد قال رسول الإسلام (صلى الله عله وسلم): إذا أمرتكم بشيء من الدين فاقبلوه وإذا أمرتكم بشيء من الدنيا فإنما أنا بشر.
وكان يدرك جيدا أنه سيأتي زمان يحتاج أحكامه الجزئية إلى إعادة النظر فيه، وقال رسول الإسلام أيضا:"أنتم في زمن إذا تركتم معشار ما أمرتكم هلكتم، ولكن سيأتي زمان لو عمل الناس فيه بمعشار ما أمرتم يغفر الله لهم" اهـ
(1)
.
وعلق جراغ علي على هذه الشبهة الطويلة العريضة بقوله: "إن الإسلام من حيث الدين منفصل عن الدولة والحضارة، وليس للإسلام أي ارتباط بسياسة المسلمين وحضارتهم، وإن كان المسلمون قد ربطوا المدنية بالقرآن كما فعل اليهود والنصارى الذين خلطوا بين الأناجيل، ولكن هذا ليس معضلة لا تنحلّ حتى نقضي على الدين والحضارة القرآنيين أو تحتاج إلى تغيير إلى الوحي والإلهام" اهـ
(2)
.
(1)
انتخاب القرآن لـ تروب، تركي مشرقي سي ريز: لندن 1879 م، رقم 7 ص: 95، نقلا عن أعظم الكلام 1/ 31 - 32.
(2)
أعظم الكلام لجراغ علي: 1/ 33.