الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: مفهوم القضاء والقدر
سبق أن ذكرنا معنى القضاء والقدر لغة وشرعا، وبينا مراتبه التي هي بمثابة الأركان الأربعة للقدر: وهي علم الله المحيط لكل شيء، وكتابه الذي لم يفرط فيه من شيء، ومشيئته النافذة في كل شيء، وخلقه الذي لا يخرج منه شيء. وهنا سنبين مدلولات مختلفة لكلمتي القضاء والقدر التي وردت في الكتاب والسنة، ثم نأتي إلى مفهوم شرعي لهاتين الكلمتين، مع بيان العلاقة بين الكلمتين من ناحية، وبيان العلاقة بين المفهوم اللغوي والمفهوم الشرعي من ناحية أخرى.
لقد وردت كلمة القضاء في الكتاب والسنة في معان عديدة ويمكن حصر مدلولها فيما يلي:
1 -
فصل الأمر قولا أو فعلا كقوله تعالى: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
(1)
وقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}
(2)
.
2 -
الشيء الذي تم تنفيذه كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا}
(3)
.
3 -
الفراغ من الأمر كقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}
(4)
.
4 -
الحكم الحتمي كقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}
(5)
وكقوله تعالى: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}
(6)
(7)
.
(1)
سورة البقرة: 117.
(2)
سورة فصلت: 12.
(3)
سورة الأنعام: 2.
(4)
سورة الأحزاب: 23.
(5)
سورة الإسراء: 23.
(6)
سورة مريم: 71.
(7)
ينظر معجم مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني ص: 421 - 422 مادة "ق ض ي".
ولم تخرج مدلولاتها في الأحاديث النبوية عن هذه المدلولات كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي" اهـ
(1)
.
يلاحظ من المدلولات السابقة عموما أن كلمة "القضاء" تنحصر في معنى واحد وهو الحكم حتمي التنفيذ، أو الفراغ من الأمر ذو النتيجة الحتمية
(2)
.
وكلمة القدر له مدلولات عديدة وردت في الكتاب والسنة فمن هذه المعاني:
1 -
القضاء والحكم كقوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ}
(3)
.
2 -
القضاء النافذ كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ}
(4)
.
3 -
تحديد واقع الشيء ومبلغه كقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}
(5)
.
لعل هذا المدلول هو المقصود في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فاقدُروا له" اهـ
(6)
.
فيلاحظ في النصوص السابق الاستشهاد بها تداخل بين مدلول كلمة "القضاء" وبعض استعمالات كلمة "القدر"، وإن كان هناك فرق بينهما في بعض الاستعمالات من حيث اللغة، ولكن عند استخدامهما شرعا وبخاصة كركن من أركان الإيمان نتقيد في بيان معانيهما بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
صحيح البخاري مع الفتح: 6/ 287 (3194).
(2)
وإلى هذه النتيجة نفسها تقريبا وصل الدكتور سعيد إسماعيل (ينظر كشف الغيوم عن القضاء والقدر لـ د. سعيد إسماعيل، 1417 هـ ص: 6 - 8).
(3)
سورة الحجر: 60، ينظر هذا المعنى عند الطبري في تفسيره: 8/ 41.
(4)
سورة يونس: 5، ينظر هذا المعنى عند الطبري في تفسيره: 7/ 86.
(5)
سورة الحجر: 21، ينظر هذا المعنى عند الطبري في تفسيره: 8/ 18.
(6)
صحيح البخاري مع الفتح 4/ 119 (1906).