الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 -
النظر في بعض مسائل الإمام الهمام أبي حامد محمد الغزالي 1889 م:
(1)
.
13 -
تفسير الجن والجان على ما في القرآن 1891 م
(2)
.
14 -
والدعاء والاستجابة 1892 م:
(3)
.
15 -
أزواج مطهرات 1898 م:
(4)
.
فهذه من أهم الكتب التي نبين من خلالها منهجيته الجديدة لدراسة العقيدة الإسلامية.
(ب) منهجه:
سبق أن ذكرنا أن السيد كان نقشبنديًا في النشأة وكان يقبل الهدايا والنذور عند مقبرة شيخ أبيه ميرزا يوم مولده، وينظم هو وإخوانه مجالس اللهو والسرور على قبر جده من أمه الخواجه فريد وكان هذا منهج غالبية الأشاعرة الماتريدية في بلاد
=
بالجهاد إلا في ظروف قاهرة واعتذر عن المسلمين، وحاول إلغاء فكرة الجهاد عن قلوب المسلمين قاصدًا إلى تخيفف وطأة الحكام على المسلمين (ينظر سير سيد أحمد خان لثريا حسين ص: 165 - 169).
(1)
هي مجموعة ثمانية موضوعات في النقد والتعليق على ما كتبه الإمام الغزالي في الفلسفة وعلم الكلام، والأمر الذي كان يجمع بين الغزالي والسيد هو عرض الأمور العقدية على الأدلة العقلية (ينظر سير سيد أحمد خان: لثريا حسين ص: 169 - 171).
(2)
: أنكر أن يكون هناك خلق خلقوا من النار، وأوَّل جميع الآيات التي تتكلم عن الجن إلى أنهم أناس وحشيون عاشوا في الجبال (ينظر كتابه الجن والجان على ما في القرآن لسيد أحمد خان مطبع مفيد عام آكره الهند سنة 1309 هـ).
(3)
أوَّل الدعاء إلى التوجه والنداء، والاستجابة أوَّلها إلى طمأنينة القلب فقط، وألغى جميع معان أخرى للاستجابة (ينظر كتابه الدعاء والاستجابة مطبع مفيد عام آكره الهند 1892 م).
(4)
آخر كتاب كتبه قبل موته بتسعة أيام ردًا على ما أورده أحد المستشرقين من اتهامات وشبهات حول أمهات المؤمنين رضى الله عنهن، وقد طبع هذا الكتاب بعد وفاته في عليكره انستيتيوت كزت الهند.
الهند. إلا أن السيد لم يتعمق في دراسة هذا المنهج ولم يهتم بدراسة الدين، وكان ميله إلى تعلم الرياضيات وعلم الهيئة والطب وشبَّ على ذلك
(1)
.
ويعتبر السيد من أولئك الرجال الذين تعلموا العلم بعد أن كبِروا بجهدهم الخاص من رياضة عقلية وتفكر دائب، وبعد أن اطلع على كتب بعض المحققين أمثال: الشاه ولي الله المحدث الدهلوي انطلق في خط المنهج السلفي، ولكن كثيرًا ما أوقفه عبارة قرأها عند الشاه ولي الله الدهلوي هي:" .... وأن الشريعة المصطفوية أشرقت في هذا الزمان على أن تبرز في قمص سابقة من البرهان" اهـ
(2)
.
ومما لا شك فيه أن في العبارة إشارة إلى ضرورة إيجاد علم كلام جديد ومنهج جديد بمقابل المناهج الثابته القديمة عند المسلمين، إلا أن السيد اتخذ هذه الفكرة نقطة تحول الأولى إلى فكرة التحور العقلي الذي لا حدود له
(3)
. تحرير العقل والنفس من التقاليد الشخصية والتعصب الأعمى من واجبات المسلم، ولكن هناك مرحلة بعد التعصب هي مرحلة التمسك بالكتاب والسنة وفهم السلفى الصالح لهما، ولكن السيد قد تجاوز هذه المرحلة، وغض النظر عنها، فحرر نفسه عن قيد فهم السلف للكتاب والسنة بل عن نصوصهما، قد ساعده على ذلك البيئة التي عاش فيها من انبهاره بثقافة الغرب واشتغاله بنقل دراسات المستشرقين ومناهجهم ونظرياتهم إلى لغة أبناء الوطن.
(1)
حياة جاويد لحالي ص: 56 - 60.
(2)
حجة الله البالغة، للشاه ولي الله أحمد الدهلوي، تحقيق: محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية بيروت ط/1 - 1415 هـ 1/ 6.
(3)
ينظر هند وباك مين إسلامي جديديت لـ د: عزيز أحمد ترجمة د. جميل جالبي، ايجو كيشنل ببلشنك هاؤس دهلي 1990 م ص:71.
ليته اكتفى بنقل الكتب في التاريخ والاقتصاد والعلوم الحديثة ولكنه قد ظن أن الثقافة التي نقلها إلى لغة المسلمين ستولّد مشاكل في فهم الدين وتطبيقه
(1)
، فأراد أن يغير منهجية النظر في الدين، فوضع أصولًا وقواعد يبين فيها منهجه الجديد، وأبدا آراءًا تخالف عقيدة الإسلام الصحيحة، وهذا كان نتيجة معايشته لكتب الغربيين عامة وكتابات المستشرقين خاصة عندما نقلها إلى الأردية.
ولكن التحول الكبير الذي حصل له في منهجه العقدي بعد سفره إلى إنكلترا وهذا الفرق الواضح تجده عند تتبع كتبه قبل السفر وبعده.
يقول ألطاف حسين حالي رحمه الله "عندما كتب سيد أحمد خان كتابه في السيرة النبوية "الخطبات الأحمدية" لم يصل به تحقيقه إلى التحرر من ضوابط الشرع مثل ما يبدو ذلك في منهجه عندما ألف تفسيره "تفسير القرآن وهو الهدى والفرقان" فلم نجد في الخطبات شيئا يعارض مع الأصول الثابتة المعروفة في الإسلام إلا في موضوع أو موضوعين
(2)
قد خالف الجمهور، وهذا دأب عامة المحققين عندما اختلفوا في مئات من المسائل، فحمل السيد قصة المعراج على الرؤيا كما ذهب إليه بعض الصحابة
(3)
وكذلك قصة شق الصدر ومركب البراق أدخلها في الرؤيا وسلك هذا المسلك في غيرها من المسائل
(4)
.
(1)
وقد أشار إلى هذا الدافع عندما وضع منهجه الجديد لتفسير القرآن في خمسة عشر أصلًا وستأتي خلاصته (ينظر تحرير في أصول التفسير في مقدمة تفسير القرآن الكريم وهو الهدى والفرقان لسيد أحمد خان، خدا بخش اورنتيل ببلك لا ئبريرى بتنة الهند 1995 م ص 1/ 5 - 24).
(2)
هذا في نظر تلميذه ألطاف حسين حالي، ولكن الحقيقة كما نعرف أن السيد قد عارض الأصول الثابتة عند أهل السنة ليوافق عمله مع مفاهيم الغرب في كثير من المواضع من هذا الكتاب، ولكن نسبته قليل جدًا إذا قارناه بتأليفاته المتأخرة كتفسير القرآن والجن والجان وغيرها من الكتب.
(3)
قال ابن القيم رحمه الله: وقد نقل ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما أنهما قالا: إنما كان الإسراء بروحه، ولم يُفقد جسده ونقل عن الحسن البصري نحو ذلك، ولكن ينبغي أن يعلم الفرق بين أن يقال كان الإسراء منامًا، وبين أن يقال: كان بروحه دون جسده، وبينهما فرق عظيم .... إنما أرادوا أن الروح ذاتها أسري بها وعرج بها حقيقة .... ومعلوم أن هذا أمر فوق ما يراه النائم .... (زاد المعاد 3/ 40).
(4)
حياة جاويد لحالي ص: 465.
ويعتبر السيد من المفكرين الذين لعبت بهم مناهج المستشرقين وتأثيراتهم إلى حد كبير، فتأثروا تأثرًا كاملًا، بل هو أول من شق الطريق إلى المدرسة العقلانية الجديدة في الهند وكانت ضالة سيد أحمد خان هي محاولة التوفيق بين العلم الحديث والدين، وتفسير أحكام الدين تفسيرًا (في نظره) تقضيه مطالب العصر واحتياجات المجتمع في العصر الحديث وبهذا يعتبر سيد خان أول رائد من رواد نزعة التغريب في التاريخ الحديث للوجود الإسلامي في الهند
(1)
.
وإن المنهج العقدي الجديد المتأثر بالاستشراق عند سيد أحمد خان يسير على خطين أساسين:
أولًا: تبني المنهج العقلي في فهم وتفسير المبادئ التي تتصل بالعقيدة.
ثانيًا: التوسع في فهم التشريع الإسلامي بشكل تحرري.
ورغم الصعوبات التي قابلته بالنسبة للخط الأول فإن حظه من التوفيق كان واضحًا بالنسبة للخط الثاني بشكل أثر على التفكر الإسلامي بشكل عام والتفكير الإسلامي الهندي بشكل خاص
(2)
.
أكثر ما نجد في إحالات السيد أحمد خان أنه أشار إلى الشاه ولي الله، ولم يتكلم كثيرًا إلا عن الشاه نفسه، لكنه أخذ كثيرًا عن مصادر غير مأثورة عن السلف، وتعرض بنظريات المعتزلة وإخوان الصفا إلا أنه في بعض تصوراته يلمح إلى أثر انبثق عن إيمانه العميق بعقيدة التوحيد، ويعتقد أن الدين نظام يستهدف إلى إيجاد الخلق الحسن في الإنسان أو إلى البحث عن الحق الذي يميز به المنهج السليم من غيره، وأما
(1)
ينظر slamic modernism: Ahmed Aziz P.37
(2)
جوانب من التراث الهندي الإسلامي الحديث: لـ د. خليل عبد الحميد عبد العال مكتبة المعارف الحديثة 1979 م مصر ص: 44.
العقيدة فهي جزء من أجزاء تركيبية لهذا الجوهر، والصدق يدركه الإنسان بالنظر إلى الطبيعة وقوانينها، وهو يتمثل فيها، ومنها يتعين نظام حدوث ظواهر مادية وغير مادية، وقوانين الطبيعة تقررًا معيارًا للأخلاق يقوم على أساسه أخلاق المجتمع الإنساني ومنطق قوانين الطبيعة يلزمنا بالقول إن هناك سببًا أساسيًا ومحركًا أولًا وهو الله تعالى
(1)
.
وحاول السيد أن يربط بين المنهج العقلي والمنهج الطبيعي وهذا منهج عامة الفلاسفة في القرن الثامن عشر لأن الكشوفات العلمية الحديثة والمعارف الجديدة ألزمتهم أن لا يقبلوا شيئًا إلا إذا عقلوه وجربوه في ضوء قوانين الطبيعة، فالعقل والطبيعة قوتان متبادلتان فعالتان معًا عندهم،
(2)
واستند السيد في منهجه الطبيعي إلى أساس إسلامي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" ثم يقول أبو هريرة رضى الله عنه واقرؤا إن شئتم
(3)
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}
(4)
.
ولكن السيد لم يتقيد في فهم كلمة الفطرة بفهم السلف: هو "بأن كل مولود يولد متهيئًا للإسلام فمن كان أبواه أو أحدهما مسلمًا استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا .... " اهـ
(5)
بل استبدل معنى كلمة الفطرة وأراد بالفطرة هي الأسباب والنتائج الحَتْمية المتسلسلة أو تلك قوانين الطبيعة التي قام عليها نظام الحياة والكون والخلق، بل يتوسع أكثر عندما يعبر الفطرة ويفسرها ويجعلها مصدر كل علم، وهو متأثر في هذا المنهج بالمستشرق الإنكليزي "لوك"(Lock) الذي عاش في القرن الثامن
(1)
ينظر خطبات أحمدية لسيد أحمد خان 1870 م 1/ 1 - 5.
(2)
ينظر مجلة "فكر ونظر" العدد الخاص بـ سيرسيد أكتوبر 1992 م ص: 10 - 11.
(3)
صحيح مسلم مع شرح النووي كتاب القدر باب معنى كل مولود ..... 8/ 446 رقم (2658).
(4)
سورة الروم: 30.
(5)
حاشية صحيح مسلم مع شرح النووي 8/ 449.
عشر، وأصرَّ على كون الطبيعة مصدر كل علم لأن الظروف التي عاشها "لوك" حددت له هذا المعنى
(1)
.
فمصطلح الطبيعة أو الفطرة عند السيد يطلق على المفهوم نفسه الذي كان عند علماء العلم الحديث في القرن التاسع عشر
(2)
: "هو نظام جامع منضبط بقوانين الطبيعة الحتمية غير المتغيرة لا استثناء فيها ويوضح هذا المفهوم "ب. أ. دار (B.A Dar) ويقول: "مشاهدة الطبيعة الإلهية الخالصة أو المشتركة قد وضع أساسها على غير الإلهيات التشريحية ولا يجوز قطعًا أن تتحول المشاهدة الميكانيكية إلى الغائية التي لها غاية وقصد
(3)
.
انطلاقًا من المنهج الطبيعي والمنهج العقلاني نظر السيد في تفاسير القرآن وجدها مليئة بالروايات المأثورة والمسائل الثانوية التي لا فائدة فيها (في نظره) في هذا الزمن، ومن المسائل التي عدها ثانوية لا فائدة فيها: علاقة القرآن بعلم الكلام (العقيدة) وعلم الفقه وعلاقته بالإيجاز والإعجاز، فأراد إلغاء هذا التراث الطويل والاستبدال به التفسير الطبيعي العقلاني، الذي يقوم على أساس اللغة وتعبيراتها، والذي يبين التسلسل التاريخي للقرآن ويعطي حلولًا للمسائل المستجدة في الساحة ويزيل الشبهات من أذهان الجيل الجديد
(4)
.
فوضع لتفسيره الطبيعي منهجًا يقوم على خمسة عشر أصلًا وخلاصتها
(5)
: "إن الله خالق الكون وهو أحد صمد لم يلد ولم يولد واجب الوجود حي لا يموت وهو علة العلل لجميع المخلوقات على ما كانت وعلى ما تكون وإن الله أرسل الرسل
(1)
ينظر مجلة "فكر ونظر" العدد الخاص بـ سيرسيد أكتوبر 1992 م ص: 13.
(2)
ينظر الخطبات الأحمدية لسيد أحمد خان ص: 287، وتفسير القرآن له 3 صفحات متفرقة.
(3)
هذا المفهوم يؤدي إلى الدهرية بأن كل شيء في الكون تلقائي لا غرض له ولا غاية ينظر Religiuos thought of Sayed Ahmed Khan 19: 10 - 152.
(4)
ينظر تحرير في أصول التفسير للسيد في مقدمة تفسير القرآن له، خدا بخش أورنتيل ببلك لائبريري ببتنة الهند 1995 م ص: 1 - 2.
(5)
ينظر لتفاصيلها تحرير في أصول التفسير للسيد في مقدمة تفسير القرآن له ص: 2 - 20.
لهداية البشر وإن محمدًا آخر الرسل، وإن القرآن كلام إلهي نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم أو أوحي إليه بملكة النبوة التي عبِّر عنها بالروح الأمين أو جبرئيل، وإن القرآن حق ليس فيه شيء على خلاف الواقع وإن الصفات الإلهية الثبوتية والسلبية الثابتة في القرآن حق، هي عين الذات لا حدود لها ولا قيود يفعل ما يشاء.
وكان الله مختارًا فيما وعد وفيما قننَّ من قوانين الطبيعة التي بني عليها الكون المندرس والموجود والذي سيحدث، وهو لا يخلف الميعاد فيما وعد وفيما قنن، بل محال عليه الإخلاف ما دامت قوانين الطبيعة قائمة، وإذا حصل التخلف في الوفاء بالوعد وفي تنفيذ قوانين الطبيعة فهو نقص في كمال قدرته المطلقة عن القيود والحدود. وأما المعجزات فقد ثبت بالقرآن أنه عليه الصلاة والسلام لم يدَّع بها إنما قال: إنما أنا بشر مثلكم، لأن المعجزات يتعارض وقوعها بقوانين الطبيعة الحتمية التي لا استثناء فيها.
والقرآن مصون ومحفوظ بالتواتر وترتيب آياته توقيفي ولا نسخ فيه ولم ينزل القرآن دفعة واحدة إنما نزل منجمًا، وموجودات العالم ومصنوعات الكون، وما قيل فيها في القرآن يتطابق مع الواقع، وصنع الله وقوله يتطابقان، ويتوافقان لا محالة ولا يختلفان أبدًا
(1)
.
وبالنسبة لما ورد في القرآن من ذكر الملائكة والجن والشياطين اختار فيه المنهج التأويل البعيد في ضوء المعارف الحديثة وأنكر حقيقتها وعدَّها من القصص الخرافية التي آمن بها أصحاب الجاهلية واليهود والمجوس وقد بلغ به منهج التأويلات البعيدة إلى إنكار جميع القصص القرآنية والإنجيلية والتوراتية وعدَّها من المفروضات التاريخية
(2)
.
(1)
انتهي خلاصة ما كتب في أصول التفسير
(2)
ينظر تفسير الجن والجان على ما في القرآن لسيد أحمد خان، مفيد عام آكره الهند 1309 هـ ص: 1 - 19، وتفسير القرآن له 3/ 59 - 69، 5/ 115.
وقد اعتمد السيد في منهجه الجديد على نظرية التطور الدارويني، وربما هو أول مفكر مسلم يحاول التوفيق بين أفكار داروين في التطور وبين مبادئ الإسلام، خاصة فيما يتصل بقصة الخلق وارتقائه عند ربط نوع بآخر من الكائنات يذكر السيد أنه قد عبِّر عنه في القرآن بالمني، وهو كناية عن ركيزة الحياة وأشير إلى المني إلى مبدأ الخلق، وأما اللفظ الصريح الدال على خلق آدم وهبوطه من الجنة فهو للتقريب إلى أذهان الناس، وهذا أسلوب الكتب الإلهية ولفظة آدم كناية عن مظهر الإنسانية
(1)
.
واعتبر الدين مجرد وسيلة لبث الأخلاق الفاضلة في الإنسان واعتبر الوحي جزءًا بسيطًا من حواس الطبيعة الإنسانية وعلاقة الإنسان بالوحي مُعضلة لا تنحل إلا أن الإنسان اجتماعي الطبع من بين أكثر الحيوانات ونظام الاجتماع من أساسياته الفطرية ضابطة الأخلاق وبدونها لا يتصور المجتمع، والعقل والقانون الملهم وتطابقها من ضروريات الحياة الإنسانية، والإدراك الشعوري يؤدي إلى التجسس وراء العلم الحديث، ويعمل عمل الإلهام الطبيعي، وهذا الشعور يجعل الإنسان يتصور الإله، ويميز بين الخير والشر ويؤمن بالحشر والجزاء بعد الموت، وكلما يتقدم المجتمع تاريخيًا تُنقش هذه الجبلية الإلهية على ذهن الإنسان في صورة التماثيل
(2)
.
وفي تصوره للنبوة سلك مسلك غالبية المستشرقين النصارى واليهود ويرى أن العقل وإلهاماته ليس على مستوى واحد عند كل إنسان وهناك أناس قد توجد هذه الملكة فيهم على مستوى راقٍ، وهؤلاء هداة الإنسانية في صورة الفلاسفة والساسة والمدبرين والفقهاء، والصوفيين المتميزين والحلقة الراقية الأخيرة لهذه السلسلة الأنبياء، وتمثلت فيهم هذه الملكة في أرقى صورها، وسميت المكاشفات المصادفة في الشرع بأسماء متعددة منها جبرئيل، والنبي قد يكون صادقًا وقد يكون كاذبًا، فالنبي الحق يهدي أتباعه إلى الخير والنبي الكاذب يسوق أتباعه إلى الكذب
(3)
.
(1)
ينظر تفسير القرآن للسيد 3/ 76.
(2)
ينظر المرجع السابق: 3/ 11 - 12.
(3)
ينظر المرجع السابق: 3/ 14 - 13، 16/ 37 - 36.
واعتمد السيد في دراسته لمصادر العقيدة الإسلامية وبخاصة لدراسة الأحاديث النبوية على منهج الأثر التاريخي، ويرى أن امتداد الزمن قد أوجد أحاديث روايات موهومة لا حقيقة لها في الوجود، وهو لا يختلف كثيرا في استنباط النتيجة هذه عن جولدتسيهر (Goldziher) وشاخت (Schacht)، فيثير شبهات حول الكتب الستة وغيرها، ويرى أن من أسباب الوضع أن يفقد الارتكاز مع امتداد الزمن وقبول الوقائع الخارقة للعادة بحسن الاعتقاد.
واعترض على منهج المحدثين القدامى بما فيهم البخاري ومسلم، فنظر إلى منهج المحدثين نظرة المستشرقين الذين جاؤوا بعده فيرى أن الأحاديث قبلت وصححت اعتمادا على السند فقط لم ينظر في تصحيحها إلى المتن ودرايته
(1)
.
ووضع لنفسه أصولا وشروطا لقبول السنة وخلاصتها كما يلي:
1 -
أن يكون الحديث المروي قول الرسول صلى الله عليه وسلم حقا أو أن توجد هناك شهادة على أن الألفاظ التي أتى بها الراوي هي الكلمات النبوية بعينها، وأن لا تكون للألفاظ الواردة في الحديث معان سوى ما ذكرها الراوي.
2 -
وأن لا يكون مخالفا لما ورد في القرآن من أقوال وأحكام وأحداث.
3 -
وأن لا يكون مخالفا لما ورد في التاريخ المحقق.
4 -
وأن لا يكون فيه شيء يدل على خارق العادة والطبيعة أو يخالف العقل.
واتهم المحدثين عامة بأنهم قد ذكروا بعض هذه القواعد ولكنهم لم يطبقوها على كتب السنن،
(2)
وأنكر في ضوء الضوابط التي اختارها لنفسه كثيرًا من الأحاديث الثابتة الصحيحة في الصحيحين وغيرها من كتب السنة وفرَّق بين أحاديث قالها الرسول بحيث إنه رسولًا وبين أحاديث تكلم بها بحيث إنه بشر
(3)
.
(1)
ينظر خطبات أحمدية للسيد ص: 353.
(2)
ينظر مضامين سر سيد ترتيب: مولنا إسمعيل مجلس ترقي أدب لاهور ط /2 - 1984 م 1/ 23 - 35.
(3)
ينظر خطبات أحمدية للسيد 2/ 334.
ومن أهم الإسهامات التي أسهم بها السيد في الطرق المنهجية منهج مقارنة الأديان، فقد ألف كتابه المشهور "تبيين الكلام في تفسير التوراة والإنجيل على ملة الإسلام" 1862 م، ويرى الباحثون أنه قد بدأ الدراسة المقارنة بين الأديان سنة 1857 م للاطلاع على عقيدة الحكام أولًا والرد على اتهامات المستشرقين والمنصرين ثانيًا، واختار لهذا الهدف طريق التفاهم والتعاطف، مع أنه حاول أن يتعلم اللغة العبرية ليفهم التوراة بلغتها الأصلية إلا أنه اعتمد كثيرًا على ترجمة فارسية للكتاب الذي يسمى المقدس
(1)
.
وفي أثناء دراسته للإنجيل وصل إلى نتيجة: أن الوحي هو رضى الله ومشيئته، قد ينكشف على بعض الناس، وقد يكون هذا الإلهام إلهام نبوي وغير نبوي، وإذا كان الثاني فيدخل فيه إلهامات الحواريين إلا أن إلهامهم غير كامل وقد يكون كاذبًا أيضًا
(2)
.
ويرى أن الإنجيل فيه روايات غير إلهامية، قالها الحواريون، وأما القرآن فكله كلام الله الملهم المسند، فمن أراد دراسة الإنجيل فعليه أن يعرضه على كلام الله غير المتنازع
(3)
وهو القرآن.
وقسَّم تعليمات التوراة إلى ثلاثة أقسام: قسم مفقود وقسم قد حذفه النصارى أو اليهود وقسم إلهامي حقيقي.
وقسَّم الإنجيل إلى قسمين: قسم إلهامي حقيقي وقسم حرفه الحواريون، قام بمنهج النقد التاريخي وقال بتأثير الامتداد الزمني بسبب كثرة مخطوطاتها وما فيها من الأخطاء ومسائل معضلة مرتبطة بالترجمات وهذه كلها تطرقت إلى التغيير في متن الإنجيل
(4)
.
(1)
ينظر حياة جاويد لحالي ص 256.
(2)
ينظر تبيين الكلام للسيد 1/ 2 - 16، 2/ 43 - 124.
(3)
ينظر المرجع السابق 1/ 22.
(4)
ينظر المرجع السابق: 1/ 22، 32 - 71، 2/ 96 - 248، وخطبات أحمدية ص: 581 - 593.
وحاول إخضاع الإنجيل لأصوله الخاصة التي شرح بها القرآن الكريم وقال بتوافق قوانين الطبيعة مع الوحي الإلهي، واعتمد على نظرية وحدة الأديان وتقريب الديانتين الإسلام والنصرانية حيث يرى أن التثليث لا وجود له في الإنجيل الأصلي، والقرآن قد أكد على بشرية عيسى عليه السلام، ووضح عقيدة النصارى وجعلها موافقة لقوانين الطبيعة، وقارن كلمة الأب بكلمة الرب وفسِّره بالربوبية، وأخذ هذه الفكرة نفسها أبو الكلام آزاد وغلام أحمد برويز في تفاسيرهم فيما بعد
(1)
.
وبالجملة إن السيد
أولًا: قد توغل بمنهجيته الجديدة إلى أمور عقدية دقيقة وطبق عليها المنهج العقلاني، وأعمل العقل في غير مجاله.
ثانيًا: فتح باب الاجتهاد على مصراعيه بدون أي ضابط شرعي، ففي الأول يبدو عليه الآثار النفسية والأعذار التي يمكن التجنب منها بسهولة، والنتائج العقلية التي حصلت من منهجه الجديد أوجدت التنافر له في أوساط الملتزمين بالمنهج السليم، وأما الاجتهاد في المسائل فإن لم يبدو فيها الجانب الاعتذاري إلا قليلًا فهو ينادي إلى فقه جديد يبني على حل القضايا المستجدة، مجانبًا المدارس الفقهية الأربع معتمدًا على توضيحات وتشريحات قرآنية جدلية في ضوء التعبيرات اللغوية والأسس العقلية، ونقد الأحاديث على أساس التشكيك التاريخي.
ثالثًا: رفض الإجماع الأصولي المعروف عند الفقهاء بأنه إجماع علماء الأمة فقط
(2)
.
فهذه المنهجية الجديدة قد تركت آثارًا سيئة على عقيدة المسلمين عامة وعلى عقيدة السيد خاصة وصدرت منه أقاويل منحرفة عن الإسلام الصحيح، وسندرس هذه الآثار بالتفصيل في الفصول القادمة (إن شاء الله).
(1)
ينظر تبيين الكلام للسيد: 1/ 4 - 2/ 4.
(2)
حياة جاويد لحالي ص: 256.