الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: طبيعة المنهج الكلامي بالهند
.
قد عرضنا فيما سبق الملامح العامة للمنهج العقدي السني وهنا نشير إلى طبيعة المنهج الكلامي الذي كُتب له الانتشار بالهند كغيرها من البلاد الإسلامية، وهو المنهج الكلامي المتمثل في الماتريدية
(1)
والأشعرية
(2)
، فإن السلطان شهاب الدين الغوري لما فتح الهند حاول جمع الناس على هذا المنهج، ونظرا لقوة السلطة الإسلامية آنذاك صار هذا المذهب هو السمة الغالبة على مسلمي الهند.
يقول الشيخ عبد الحي اللكهنوي رحمه الله: "ولما ملك السلطان شهاب الدين الغوري (الهند) قاتل الإسماعيليين
(3)
ثم أخرجهم إلى بلاد "غجرات"، فصار الناس متفقين على كلمة واحدة على مذهب الأشاعرة، والسلطة الإسلامية كانت قوية الشوكة لا يستطيع أحد أن يتفوه بأمر يخالف الأشاعرة إلا في نواحي الهند" اهاهـ
(4)
ويقول أيضا: "كان منهجهم في تلقي العقيدة يتردد بين منهجين منهج الأشاعرة و (منهج) الماتريدية، وكان مسلكهم في الأحكام أو الفروع مسلك الأحناف، وسلكوا مسالك عديدة في السلوك، بل جمعوا بين سلاسل الصوفية وطرقهم كلها، والكتب التي كانت تدرس في مجال العقيدة كالتالي: "شرح العقائد النسفية" للسيد محمد يوسف
(1)
هم أتباع أبي منصور الماتريدي الحنفي الجهمي (333 هـ)(ينظر للتفاصيل الماتريدية لـ د. شمس الدين السلفي الأفغاني 1/ 205 - 376).
(2)
هم أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري (324 هـ) في دوره الثاني وهم الكلابية نسبة إلى ابن كلاب (240 هـ)(ينظر للتفاصيل موقف ابن تيمية من الأشاعرة لـ د. عبد الرحمن المحمود 1/ 435 - 471).
(3)
هم الإسماعيلية فرقة باطنية، انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، ظاهرها التشيع لآل البيت، وحقيقتها هدم عقائد الإسلام، تشعبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر، وتأسست في الهند سنة 1946 م "الجمعية الإسماعيلية"، ونشرت في الهند ومصر كثيرا من مؤلفاتها ومخطوطاتها (الموسوعة الميسرة ص: 45).
(4)
الثقافة الإسلامية عبد الحي ص: 212 - 213.
الحسيني، و"شرح الفقه الأكبر" للسيد يوسف الحسيني الدهلوي، و"شرح التجريد للأصفهاني" للشيخ وجيه الدين العلوي، و"شرح العقائد العضدية" للدواويني للشيخ عبد النبي الغجراتي، و"شرح العقائد النسفية" للتفتازاني وغيرها من الكتب" اهـ
(1)
وكانت الماتريدية والأشعرية من حيث الاستدلال على أمور العقيدة على منهج واحد، ويمكن تسميته بالمنهج الكلامي نظرا لاستدلالهم بالكلام في كثير من الأمور العقدية، وإنما كان الاختلاف في بعض النتائج.
يقول الشيخ عبد الحق الحقاني الدهلوي رحمه الله: "عند الاختلاف في بعض المسائل العقدية تمسك الشافعية بما ذهب إليه الإمام أبو الحسن الأشعري
(2)
فسُمُّوا بالأشعرية، وتمسك الحنفية بما ذهب إليه أبو منصور الماتريدي
(3)
فسُمُّوا بالماتريدية" اهـ
(4)
.
(1)
الثقافة الإسلامية عبد الحي ص: 212 - 213.
(2)
الأشعري (260 - 324 هـ): هو علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق ابن سالم بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. ولقد مر الأشعري في اعتقاده ثلاث مراحل: المرحلة الاعتزالية: حينما كان ملازما لشيخه وزوج أمه أبي علي الجبائي المعتزلي المشهور. وتبتدئ المرحلة الثانية الكلابية عندما التقى بابن كلاب، وقد يمثل هذه المرحلة كتابه اللُمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، فقد أثبت الصفات الذاتية ونفى ما يتعلق منها بالمشيئة، والأشعرية تعد هذه المرحلة آخر مراحل أبي الحسن الأشعري، فينتسبون إليه ويعتقدون باعتقاده الكلابي. وأما المرحلة الأخيرة فيمثلها كتابه "الإبانة" الذي بين في مقدمته أنه ينتسب إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في الاعتقاد. (سير أعلام النبلاء للذهبي 15/ 85، وتبيين كذب المفتري فيما نسب إلى أبي الحسن الأشعري لابن عساكر الدمشقي، دار الكتاب العربي بيروت ط/3، 1404 هـ -1983 م ص: 36 - 37).
(3)
الماتريدي (ت: 333 هـ): هو محمد بن محمد بن محمود السمرقندي إمام الحنفية الماتريدية الجهمية المعطلة القريبة في أصولها الكلامية من مذهب الأشاعرة تفقه على أبي بكر الجوزجاني، له تصانيف رد فيها على المعتزلة والقرامطة والرافضة منها: التوحيد، والمقالات وأوهام المعتزلة، وله تأويلات أهل السنة بمثابة التفسير للقرآن الكريم. (الفوائد البهية في تراجم الحنفية لأبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي تصحيح: محمد بدر الدين مطبعة السعادة مصر ط/ 1، 1324 هـ ص: 195، وانظر للتفاصيل الماتريدية لـ د. شمس الدين 1/ 207 - 255).
(4)
عقائد الإسلام للحقاني أشرف بك دبو ديوبند الهند ص: 10.
وامتزجت الماتريدية والأشعرية بالصوفية لدى عامة المسلمين الهنود قبل الاستعمار
(1)
، وبعد الاستعمار دخل الاستشراق وافترق المسلمون على فرق، فالذين تمسكوا بهذا المنهج الكلامي، ووقاموا بالدفاع عنه هم "الديوبندية"
(2)
.
يقول الشيخ خليل أحمد السهارنبوري الديوبندي: "إنا -بحمد الله- ومشايخنا رضوان الله عليهم أجمعين وجميع طائفتنا مقلدون لقدوة الأنام وذروة الإسلام الإمام الهمام الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه في الفروع.
ومتبعون للإمام الهمام أبي الحسن الأشعري والإمام الهمام أبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما في الاعتقاد والأصول.
ومنتسبون من طرق الصوفية إلى الطريقة العلمية المنسوبة إلى السادة النقشبندية
(3)
، وإلى الطريقة الزكية المنسوبة إلى السادة الجشتية
(4)
، وإلى الطريقة البهية
(1)
ينظر دعوة تجديد الإسلام لـ جب ص: 46.
(2)
ينظر حركة الانطلاق الفكري لـ د. مقتدى الأزهري ص: 169.
(3)
فرقة صوفية منتسبة إلى خواجة بهاء الدين محمد بن محمد الأويسي، وقد انتشرت النقشبندية في العالم انتشارا واسعا، ولا سيما بلاد ما وراء النهر خراسان والترك والروم وأفغانستان والصين والهند وما ولاها. (جهود علماء الحنفية لـ د. شمس الدين الأفغاني 2/ 753).
(4)
هي فرقة صوفية منتسبة إلى الخواجة معين الدين الحسن بن الحسن السَّجزي الجشتي (627 هـ) وكان أصله من سجستان، وحج إلى قبر الهجويري (465 هـ) بلاهور، واعتكف على قبره، ثم اعتكف على قبر الزنجاني، ثم مات في أجمير، وله مشهد عظيم، وعلى قبره عمارة شامخة، وقبره وثن يعبده أهل الهند، ويحجون إليه. (جهود علماء الحنفية لـ د. شمس الدين 2/ 1141.
المنسوبة إلى السادة القادرية
(1)
، وإلى الطريقة المرضية المنسوبة إلى السادة السُّهروردية
(2)
رضي الله عنهم أجمعين
(3)
اهـ
(4)
.
وفيما يلي نذكر بعض السمات التي امتازت بها الماتريدية والأشعرية في منهجهما في الاستدلال على أمور العقيدة نقلا عن كتبهما الأصلية.
(1)
هي فرقة صوفية منتسبة إلى أبي محمد عبد القادر بن أبي صالح عبد الله الجيلاني الحنبلي شيخ بغداد (220 هـ -298 هـ)، وكان فقيها دينا خيّرا، وكان مثبتا للصفات، نسبت إليه أشياء كثيرة وهي كذب عليه. (سير أعلام النبلاء للذهبي 14/ 64 وينظر للتفاصيل جهود علماء الحنفية لـ د. شمس الدين 2/ 727).
(2)
هي الفرقة الصوفية المنتسبة إلى أبي حفص عمر بن محمد السهروردي الشافعي البغدادي الزاهد الصوفي، صاحب معارف العوارف (642 هـ)، وانتشرت طريقته الصوفية في الهند والسند (سير أعلام النبلاء للذهبي 22/ 373، وجهود علماء الحنفية لـ د. شمس الدين 1/ 28).
(3)
هكذا في الأصل، هذه العبارة خصصت بالصحابة، ولا ينبغي استخدامه لغيرهم.
(4)
المهند على المفند (عقائد علماء أهل سنت ديوبند) لخليل أحمد السهارنفوري ص: 10، بعد أن ذكر المؤلف هذه العبارة بدأ في شرح عقائدهم بالتفصيل، وأخذ على هذا التقرير تصديقات أكابر العلماء الديوبندية القدماء منهم والجدد، وقد بلغ عددهم مائة واثنين وثمانين عالما.