الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}
(1)
وقال تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}
(2)
.
وهذه الدعوة تخدم الهدف نفسه الذي تخدمه الماسونية وشبيهاتها من الجمعيات التي تقف من ورائها الصِهْيَونية العالمية، وكلها تهدف إلى إزالة العصبيات الدينية، حتى لا يبقى في وجه الأرض سوى العصبية اليهودية، وللقارئ أن يتدبر قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُور
…
}
(3)
إلى قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}
(4)
.
(5)
.
بعد هذا التحليل العلمي لعبارات السيد تتعين الشبهة في النقطة التالية: إن الشهرة تخرج الكتب السابقة من كونها محرفة إلى كونها معتبرة وصحيحة.
تفنيد الشبهة:
شبهة قاعدة الشهرة:
ويكون الرد على الزعم من وجوه:
أولا: إننا لسنا بحاجة إلى اختراع قاعدة "الشهرة" في الرد أو القبول لما ورد عن أهل الكتاب من أقوال منسوبة إلى كتبهم المحرفة، بل تكفل الله ورسوله ببيان قاعدة القبول والرد، حيث تضمن بحفظ القرآن وفوض أمر كتبهم إلى علمائهم، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
(6)
وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا
(1)
سورة هود: 118.
(2)
سورة البقرة: 251.
(3)
سورة المائدة: 44.
(4)
سورة المائدة: 48.
(5)
ينظر الإسلام والحضارة الغربية لمحمد حسين: في الهامش ص: 165.
(6)
سورة الحجر: 9.
هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}
(1)
.
وبين الله من صفات علماء أهل الكتاب التحريف والكذب، قال تعالى:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}
(2)
(3)
.
ولما كانت هذه الكتب غير معصومة عن التحريف والتبديل، ولما كان من صفة علمائهم التحريف والكذب، فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم المنهج الواضح وقال: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
…
} الآية
(4)
.
قال ابن حجر رحمه الله: "أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلًا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه، أو كذبا فتصدقوه، فتقعوا في الحرج ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه" اهـ
(5)
.
أما أن تكون الشهرة ميزانا، بها يعرف الحق من الباطل، فلم نعرف أحدا قال به إلّا السيد، ويبدو أنه متأثر بفلاسفة مذهب المنفعة الذين جعلوا الرأي العام هو المعيار على القيم الأخلاقية.
ثانيا: بين العلماء في ضوء ما سبق من الآيات والأحاديث المنهج الصحيح لقبول روايات أهل الكتاب وردها، فقسموا رواياتهم كلها إلى ثلاثة أقسام:
الأول: مقبول، والثاني: مسكوت عنه، والثالث: مرفوض
(6)
.
(1)
سورة المائدة: 44.
(2)
سورة النساء: 46.
(3)
سورة البقرة: 79.
(4)
صحيح البخاري: 8/ 170 (4485).
(5)
فتح الباري لابن حجر: 8/ 170.
(6)
ينظر مقدمة تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1/ 19 كما سبق ذلك بالتفصيل في المبحث السالف.
فهذا هو المنهج السني السليم في قبول روايات أهل الكتاب وكتبهم أو ردها، فأين منهج السيد -الذي يقول بقبول جميع الكتب المشهورة- من هذا المنهج الصحيح الذي فيه التوازن والعدل.
ثالثا: وقد ثبت تحريف التوراة بأدلة قاطعة، وقد بين ابن حزم رحمه الله كيف تم هذا التحريف تاريخيا بسبب رِدَّاتِهم، وبعد أن سرد هذا التاريخ قال:"فاعلموا الآن أنه كان منذ دخلوا (أي اليهود) الأرض المقدسة إثر موت موسى عليه السلام إلى ولاية أول ملك لهم وهو "شاول"، المذكور سبع ردّات، فارقوا فيها الإيمان وأعلنوا عبادة الأصنام، فأولها: بقوا فيها ثمانية أعوام، والثانية: ثماني عشرة عاما، والثالثة: عشرين عاما، والرابعة: سبعة أعوام، والخامسة: ثلاثة أعوام وربما أكثر، والسادسة: ثماني عشرة عاما، والسابعة: أربعين عاما.
فتأملوا! ! أي كتاب يبقى مع تمادي الكفر ورفض الإيمان هذه المدد الطوال في بلد صغير مقدار ثلاثة أيام في مثلها فقط، ليس علي دينهم واتباع كتابهم أحد على ظهر الأرض غيرهم" اهـ
(1)
.
رابعا: إن علماء بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا، وأبقى الله بعضها حجة عليهم كما شاء، وبدل علماء النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}
(2)
(3)
.
خامسًا: وإن قيل إن عيسى كانت عنده التوراة كما نزلت وكان عنده الإنجيل كما نزل، نعم إن المسيح بلا شك كانت عنده التوراة المنزلة كما أنزلها الله تعالى، وكان عنده الإنجيل المنزل، قال الله تعالى:{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}
(4)
إلّا أنه عرض في النقل عنه بعد رفعه عارض
(1)
الفصل في الملل لابن حزم: 1/ 290.
(2)
سورة الأنبياء: 23.
(3)
ينظر الفص في الملل لابن حزم: 1/ 314 - 315.
(4)
سورة آل عمران: 48، 49.
أشد وأفحش من العارض في النقل إلى موسى عليه السلام، فلا كافة في العالم متصلة إلى المسيح عليه السلام أصلا، والنقل إليه راجع إلى خمسة فقط وهم:"متى"(Matthew) و"باطرة بن نونا" و "يوحنا بن سبذاي" و "يعقوب" و "يهوذا" و "أبناء يوسف" فقط.
ثم لم ينقل عن هؤلاء إلّا ثلاثة فقط، وهم:"لوقا الطبيب"(Doctor Luke) الأنطاكي و "مرقس الهاروني"(Mark Antony) و "بولس البنياميني"(Benjamin Pauls)، وهؤلاء كلهم كذّابون ....... وكل هؤلاء مع ما صح من كذبهم وتدليسهم في الدين، فإنما كانوا مستترين بإظهار دين اليهود، ولزوم السبت بنص كتبهم، ويدعون إلى التثليث سرًّا، وكانوا مع ذلك مطلوبين حيث ما ظفروا بواحد منهم ظاهرا قتل، فبطل الإنجيل والتوراة لرفع المسيح عليه السلام بطلانا كليا" اهـ
(1)
.
سادسًا: أما استشهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوراة في أمر رجم الزاني المحصن وضرب ابن سلام رضي الله عنه يد "ابن صوريا" إذ جعلها على آية الرجم فحق وهو مما قلنا آنفا: إن الله تعالى أبقاه خزيا لهم وحجة عليهم .. أما قول الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}
(2)
فحق لا مرية فيه، وهكذا نقول ولا سبيل لهم إلى إقامتهما أبدا لرفع ما أسقطوا منهما، فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل
…
وأما قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
(3)
فنَعَمْ إنما هو في كذب كذبوه ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم زائدا على الكذب الذي وصفه أسلافهم في توراتهم فبكّتهم عليه السلام في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين فظهر كذبهم" اهـ
(4)
.
(1)
الفصل في الملل لابن حزم: 1/ 312 - 313.
(2)
سورة المائدة: 68.
(3)
سورة آل عمران: 93.
(4)
الفصل في الملل لابن حزم: 1/ 315 - 316.