الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأضاف قائلا: "علماء الإسلام كعادتهم القديمة فسروا هذه الآيات مطابقة لما جاء في الروايات الإسرائيلية والنصرانية، وقالوا معنى الآيات أن عيسى كان يمنح الأعمى عينين ويشفي المريض، ويحيي الموتى، فهذا غير صحيح.
بل إنما معنى الآيات أن عيسى قد نادى مناداة في الناس أن كلا من الأبرص والأعمى والمريض والصحيح والأعرج والسليم لا يحرم منهم أحد من رحمة الله، ولا يمنع أحد منهم من ممارسة أعلى العبادات في حين كان الناس يمنعون المرضى والمعوقين من دخول المعابد وتقديم الأضاحي. فكان هذا هو معنى تبرئة المرضى في الأناجيل
…
وموت الإنسان كفره بالله، فأقام عيسى عليه السلام توحيد الله في الخلق وهداهم إلى أحكام الله فكان هذا هو إحياء الموتى" اهـ
(1)
.
وفسر أيضا قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}
(2)
بقوله: "إن الناس قد حسبوا أن أصحاب الكهف كانوا من آيات الله العجيبة، وفي الواقع أنهم لم يكونوا آية عجيبة، فلا عجب فيه ولا كرامة، إنما هم سبعة أشخاص من فلاسفة النصارى، وكانوا من فرقة قد أنكرت عقيدة التثليث فعاتبهم الملك دقيانوس، وهم لم يكونوا نائمين إنما قد ماتوا وترممت أجسامهم في الغار غير أن جثثهم كانت تُرى من خارج الغار كأنهم أجسام كاملة، فحسب الناس أنهم نائمون غير ميتين" اهـ
(3)
.
تحليل العبارات وتعيين الشبهات
إنكار المعجزات والكرامات من الأمور التي اضطرّ إليه السيد عندما سلك المنهجية الجديدة المتأثرة بالاستشراق، وهو مما غطى مساحة كبيرة من كتاباته الدينية،
(1)
تفسير القرآن للسيد: 2/ 159 - 163.
(2)
سورة الكهف: 9.
(3)
تفسير القرآن للسيد: 2/ 159 - 163.
وهذا الذي ذكرناه قليل من الكثير الذي نجده في كتبه من هذا الباب، فقد أوردنا هنا نماذج من تلك التحريفات خوفا من الإطالة.
ولإنكار الآيات البينات سببان عند السيد، وهما مبدءان من مبادئ التأثر بالمنهجية الغربية الاستشراقية.
السبب الأول: الإيمان بحتمية قوانين الطبيعة مع إنكار كل ما يخالفها أو إنكار كل ماله ارتباط بالغيبيات.
والثاني: اعتماده على كتابات المستشرقين في شرح معتقدات إسلامية.
ففي ضوء المبدأ الأول نسأل السيد، فهل المعجزات خارقة للطبيعة التي فطر الله عليها كل شيء؟
ومما لا شك فيه أن المعجزات خارقة للعادة أو الفطرة أو الطبيعة التي أطلعنا الله عليها، ولكنها لا تخرج ولن تخرج من قانون الفطرة الذي قال الله فيه:{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} فهي السنة الكونية. مثلا: من العادة أن تكون للشاة أربع أرجل وعينان في طرفي رأسها، ولكن قد تولد شاة لها عين على جبهتها أو لها خمس قوائم، فهل معنى ذلك أنها خرقت الفطرة التي فطر الله عليها كل شيء؟
الجواب لا ولن تجد لسنة الله تبديلا، فلا بد من أن يكون هناك قانون لهذه الشاة العجيبة الخلق، ونحن لم نطلع عليها، وكذلك الآيات والمعجزات والكرامات فلا بد من أن يكون لها قانون فطري أو السنة الكونية، ونحن لم نطلع عليها، وعلى هذا الأساس قلنا إن الآيات والمعجزات خارقة للعادة
(1)
.
والسيد نفسه معترف بهذا الأساس فيقول: "ومما لا شك فيه أن قوانين القدرة جميعها غير معلومة عندنا، والقدر الذي نعلمه من قوانين الفطرة قليل جدّا
…
ولذلك إذا رأينا غرابة في أمر ما، وثبت وقوعه بالأدلة، ووقوعه إذا لم ينطبق مع القانون
(1)
ينظر تفسير ثنائي للأمرتسري ص: 735.
المعلوم لدينا، علمنا أنه ليس فيه خداع ولا مكر من الثبوت، فلا بد من أن نسلم أن هناك قانون القدرة لوقوع هذا الأمر ونحن لا نعلم كنهه" اهـ
(1)
.
ويقول الشيخ ثناء الله الأمرتسري رحمه الله: "المعجزة خارقة للعادة من العادة المعروفة، ولكنها في الحقيقة ليست خارقة للعادة الكونية، إذ أن لها ارتباط بالنبوة، كما أن للنبوة قانونا غير معروف لدينا، وبدون هذا القانون فلا يمكن أن تستمر سلسلة النبوة العظيمة، وكذلك لا بد من أن يكون للمعجزة قانون وكيفيته غير معروف لدينا.
فالمسلمون كلهم وفيهم سيد أحمد خان يعتقدون أن النبوة انتهت بنبوة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وكذلك ظهور المعجزات له ارتباط بقانون لا ندرك حقيقته، والمعجزات من لوازم النبوة، ويأتي هذا القانون عند رفض وإنكار المخالفين وإصرارهم على الرفض، فإذا جاء وقته أمر الله تعالى:{كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} فظهوره كان كظهور أمر الله تعالى: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} فلا فرق بينهما.
والنبي لا يعلم أنه سيكون نبيا قبل بعثته، والله يعلم حيث يجعل رسالته، وكذلك المعجزة لا يعلمها النبي متى تصدر منه بل لا يعلم حقيقتها إلّا عند صدورها أو إذا علّمه الرب إياها علمها، حيث خاف موسى على نفسه عند ما تحول العصا إلى حية تسعى، فال تعالى:{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}
(2)
.
فالمعجزة سميت معجزة لأن فيها إعجازا، فيعجز غير النبي عن صدور المعجزة على يديه، فالنبي يأتي بالمعجزات بإذن من الله، فقانون الفطرة الذي جاء على وفقه المعجزة لن يسمح لغير النبي أن يصدر منه المعجزة.
فإذا ثبت هذا: أن المعجزة لها قانون سيوافقنا السيد عند ما يقول: "المعجزات والكرامات إذا أريد بها أنها خارقة لقانون الفطرة فنحن ننكرها، وإذا أريد بها أنها تقع مطابقة لقانون الفطرة فنحن وأنتم لا نزاع بيننا إلّا نزاع لفظي، إذ أننا نقول بوقوع هذا
(1)
تفسير القرآن للسيد: 3/ 34.
(2)
سورة العنكبوت: 50.
الأمر ونسلم من صدر منه هذا الأمر ولا نسميها معجزة ولا كرامة، نعم الوفاق وحبذا الاتفاق مهما اختلفنا في الاسم اتفقنا في الموضوع" اهـ
(1)
.
وقد يكفيه ردّا هذا الاتفاق ولكن ذكرناه على سبيل المناقشة والتحليل، وسيأتي الرد مفصلا عند تفنيد الشبهة إن شاء الله.
وأما المبدأ الثاني: اعتماد السيد على كتابات المستشرقين فقد ثبت ذلك بما يلي: يقول السيد: "عند عبور بني إسرائيل البحر الأحمر لم يكن البحر عميقا جدّا كما نراه اليوم، ولم نجد خريطة البحر الأحمر القديم زمن بني إسرائيل، وقد وصل إلينا من حسن حظنا أقدم خريطة قد أعدّها المستشرق اليوناني بطلميوس (Ptolemy)
(2)
، فإذا نظرنا هذه الخريطة يظهر لنا أنه كانت في البحر الأحمر ثلاثون جزيرة، وأن المكان الذي عبر منه بنوا إسرائيل كان فيه مدّ وجزر. وهذا دليل على أن البحر الأحمر لم يكن قهّارا كما نراه اليوم، ويراه علماء الإسلام منذ اثنتي عشرة سنة" اهـ
(3)
.
وهنا نسأل السيد: فهل كان البحر سهلا ولم يكن قهارا لبني إسرائيل وقهارا لفرعون وجنوده؟ وظاهرة المد والجزر هذه مجرد افتراض بشري، فكيف بالسيد وهو يدعي الأعيان الأصح، كيف به يأخذ بالافتراض البشري ويترك الخبر الموثوق به خبر القرآن.
وكذلك نرى السيد عندما يستند إلى كتابات المستشرقين يتغافل عن أصول التحقيق، ومن المعروف عند المحدثين والمحققين أن أوثق الروايات رواية شهود العيان
(1)
تفسير القرآن للسيد: 3/ 38.
(2)
بطلميوس (Ptolemy): مستشرق يوناني الذي كتب جغرافية البحر الأحمر قد عاش في مصر في القرن الثانى الميلادي، وهذا العهد بعد عبور بني إسرائيل بألفين وسبعمائة سنة (تفسير القرآن للسيد: 1/ 86).
(3)
تفسير القرآن للسيد: 1/ 86.