الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نكلسون (R.A. Nicholson)، فترجم إلى الإنكليزية "أسرار خودي" و "رموز بيخودي"، وتشكلت في ألمانيا وإيطاليا مجامعُ وهيئات باسم إقبال لدرس شعره وفلسفته، وله كتاب صدر أخيرا باسم "تاريخ التصوف"
(1)
.
ومن الموضوعات التي اهتم بها إقبال في محاضراته: العلم الحديث والمشاهدات الدينية، والمعايير الفلسفية للمشاهدات، والمكاشفات الدينية، وتصور الذات الإلهي والدعاء، ومعرفة الذات، والجبر والقدر، والحياة بعد الممات، وروح الثقافة الإسلامية، والاجتهاد في الشريعة الإسلاميةِ، وهل الدين من الممكنات؟ ، وغيرها من الموضوعات ذات الطابعة العقدية
(2)
.
(ب) منهجه:
قد سبقت الإشارة إلى أن الشاعر محمد إقبال نشأ نشأة صوفية فقد كان ينتسب إلى الطريقة القادرية، ثم شبّ على ثقافة غربية بدءا من التقائه بالمستشرق الإنكليزي آرنولد (Arnold) أيام دراسته الجامعية في لاهور إلى أن حصل على الدكتوراه في الجامعات الغربية، مع إنكاره الشديد على الحضارة الغربية في شعره المؤثر في الناس فقد تأثر بمبادئ المنهج الاستشراقي في بعض كتاباته وبخاصة في مجال العقيدة، وتخصصه في الفلسفة جعله يؤمن ببعض المصطلحات الفلسفية حقائق ثابتة مثل: الحركة والقوة والحرية والتطور الأخلاقي، وحاول ربط هذه المعاني بالتعليمات القرآنية.
ويبدو أن إقبالًا كان متأثرا جدّا في منهجيته الجديدة بنظرية الحركة (Dynamism)
(3)
عند نيتشه (Nietzche)، وبالمذهب الحيوي (Vitalism)
(4)
عند
(1)
رتبه صابر كلوروي ونشرته مكتبة تعمير إنسانيت لاهور 1985 م.
(2)
ينظر تشكيل جديد إلهيات إسلامية لإقبال ص: 3 - 4.
(3)
المذهب الدينامي: نظرية تفسر الكون بلغة القوى (المورد لمنير البعلبكي دار العلم للملايين 1985 ص: 299).
(4)
المذهب الحيوي: مذهب يقول بأن الحياة مستمدة من مبدأ حيوي وأنها لا تعتمد اعتمادا كليا على العمليات الفيزيائية الكيميائية (الورد للبعلبكي ص: 1033).
برجسون (Borson)، واستفاد كثيرا من الفيلوسوفين المسلمين الجيلي
(1)
والرومي
(2)
إلا أنه رأى برجسون في صورة الجيلي ورأى نيتشه في صورة الرومي، وحاول ربط التيارين المتضادين، التيار الفلسفي الغربي والتيار الصوفي الشرقي، وبمزج هذين المنهجين اخترع لنفسه منهجا جديدا معتمدا على عناصر المنهج الاستشراقي الغربي الوافد، ويعرض الدين على الفلسفة معتقدا بأن الفلسفة تتضمن تحقيقا حرا وتكشف عن جوانب الدين الكامنة
(3)
.
والحركة عند إقبال أساس الحياة والكون في مظهريهما الفردي والجماعي، فيرى أن هناك ارتباطا وثيقا بين حركة الإنسان وحركة الكون، والإنسان عندما يصل إلى ذروة هذه الحركة الارتقائية يتمكن بقواه الطبيعية من تسخير العالم، وعدم الحركة أو الجمود عنوان الهلاك للإنسان، والإنسان في سعيه المستمر بين الحياة والطبيعة، ولا ينبغي له الهروب من هذا السعي بحجة القدر أو الجبر، لأن القدر من حيث هو مسلّم، ولكنه ليس أمرا مبرما محتما سابقا، إنما قضاء الله وقدره يدور في دائرة تتسع لإمكانات متبادلة، فالإنسان ليس فقط حرّا في أن يختار ويسلك، بل إن له كذلك القدرة الكاملة على الخلق، ولذا وصف الله عز وجل نفسه بأنه {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} مما يعني وجود خالقين آخرين بجانب الله أنه الإنسان
(4)
.
(1)
الجيلي (471 - 561 هـ) هو أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح عبد الله الجيلي الحنبلي الصوفي (سير أعلام النبلاء للذهبي 20/ 439 - 451).
(2)
ينظر لترجمة الرومى ص: 634 في هذا البحث.
(3)
ينظر تشكيل جديد إلهيات إسلامية لمحمد إقبال ص: 93 - 94، وينظر هند وباك مين إسلامي جيديت لـ أ. عبد العزيز ص: 212 - 213.
(4)
ينظر أسرار خودي لمحمد إقبال، لاهور 1915 ص: 26 - 29، 50 - 54، وبال جبريل لاهور 1942، ص: 29 - 40، 51 - 81.
ومن المعروف أن إنكار القدر السبق وجعل الإنسان خالقا مع الله من الأمور التي قد توصل الإنسان إلى الشرك الأكبر (العياذ بالله)، فسيأتي الرد على هذا الفكر المنحرف في الفصول القادمة إن شاء الله
(1)
.
وكلامه الشعري مع فكره الفلسفي قد يهيم به في كل واد حتى مدح الشيطان بأن لديه قوي متحركة، وهو في سعيه المستمر، وينبغي للإنسان أن يكسب حظا ونصيبا من هذا السعي المستمر
(2)
.
ويذهب في تعريف الدين مذهب المستشرق وايت هيد (whitehead) بأنه عبارة عن سلسلة من حقائق، إذا قبلها المرء وصدّقه وفهمه حق الفهم تتغير به حياته وسلوكه، ومن ثم يري إقبال أنه إذا كان هذا هو تعريف الدين فليكن الدين على أساس عقلي أقوي وحقائق أعلى من حقائق العلم الحديث
(3)
.
ويستحسن المنهج العقلاني ويمدح الغزالي بأنه استخدم هذا المنهج وقلده كانت (Kant) فعرض الدين على المنهج العقلاني في القرن الثامن عشر الميلادي، ويستخدم إقبال هذا المنهج في إثبات الحياة بعد الممات (البعث بعد الموت)، فيري أن في هذا العصر المادي لا تطمئن النفس مع الأدلة الغيبية، فلا بد من الاحتجاج بالأدلة العقلية، فمن هذه الأدلة ما قدمه كانت الذي يرى أن يكون هناك يوم يجد فيه المرء العدل الكامل.
ثم يثير إقبال -بعد هذا الاعتراف باليوم الآخر- بعض التساؤلات حول هذه العقيدة: لماذا هذا الزمن غير المنتهي للمجازاة بالسعادة والسرور على الأخلاق الفاضلة؟ وكيف يمكن الله أن يوجد اتصالا بين هذه التصورات المتبادلة؟ ثم يبحث
(1)
ينظر ص: 237 في هذا البحث.
(2)
ينظر جاويد نامة لمحمد إقبال لاهور 1935 ص: 157 - 158، وبيام مشرق لمحمد إقبال لاهور 1923، ص: 97 - 98، وبال جبريل لاهور 1935، ص: 192 - 194.
(3)
ينظر تشكيل جديد لإقبال ص: 203.
عن الجواب على هذه التساؤلات المبتدعة عند وليم جيمز (William James) ونيتشه Nietzche))
(1)
.
ونهج المنهج المادي متأثرا بالمستشرق جوته (Goethe) عند ما يرى أن الإسلام نتيجة تصادم قوتين: هما الروحانية والمادية، ويستدل على ذلك بأن الإسلام جامع بين الروح والمادة
(2)
.
ويبدو أن منهجه الطبيعي ممتزج بالفكر الصوفي إذ ذهب به إلى الاعتراف بأن هناك في القلب وجدانا أو نورا سماه القرآن بالفؤاد، فيرى أن هذا الوجدان إذا ربيناه يتقوى، وإذا تقوى يصل بنا إلى حقائق ما وراء الحواس، وأن اطلاعاته لا تخطئ أبدا، ومن ثم يرى أن هذا وسيلة من وسائل العلم يُعتمد عليها كاعتمادنا على المشاهدة، وتسميتها بالعلم الباطني أو العلم الصوفي أو خارق العادة لا تقلل عن قدرها، إذ أن الإنسان اعتاد أن يعبر مدركاته ومحسوساته عند الضرورة حتى وصل إلى التعرف على الطبيعة التي هي معروفة لدينا اليوم
(3)
.
ويرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اهتم بهذه المشاهدات والكاشفات في قصة ابن الصياد
(4)
وعلى هذا الأساس يعترض إقبال على الماديين عامة بأنهم افترضوا -بدون تحقيق وتفحص- أصلا يقول: إن العلم علم إذا أدركه الحواس الخارجية، وإذا تسلمنا صحة هذا الأصل يلزمنا الإنكار لذواتنا وأنفسنا، ثم يستدل على ذلك بقول المستشرق هاكنغ (Hacking)، الذي قال:"مشمولات الشعور الديني يمكن رؤيتها بالنظرة أو الرؤية العقلية" اهـ
(5)
.
(1)
ينظر تشكيل جديد لإقبال ص: 7، 16 - 17.
(2)
ينظر المرجع السابق ص: 13.
(3)
ينظر المرجع السابق ص: 23 - 24.
(4)
ينظر المرجع السابق: ص: 23 - 24.
(5)
ينظر المرجع السابق: ص: 28 - 31.
بعد أن آمن بجميع الغيبيات وبعد أن ادعى بإمكان رؤيتها روية عقلية في المكاشفات الصوفية اختار منهج التأويل البعيد فجعل الغيبيات كلها معنوية، ورفض أن يكون لها وجود مادي أو مكان يحتل به، فيرى الجنة والنار والحياة بعد الممات
(1)
حتى آدم وحواء وهبوطهما
(2)
أشياء خيالية ولها معان متغايرة ومخالفة لفهم السلف، إلا أنه ذهب مذهب العراقي في إثبات مكان لطيف لله يليق بجلاله، وبعد هذا الإثبات خالف منهج السلف في اعتقاده بأن الله عز وجل متصل بمخلوقاته كاتصال الروح بالجسد
(3)
غير متباين عن خلقه
(4)
.
ومنهج التأويل البعيد قد ذهب بإقبال إلى البحث عن أعذار شرعية لدعاوى الكفر عند الصوفية، فيرى أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم "تخلقوا بأخلاق الله" اهـ
(5)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد يتقرب إليه" اهـ
(6)
وغيرهما من الأقوال التي دفعت الصوفية إلى المشاهدات والواردات والكشوفات، فحصل لهم التقرب والاتصال، وعبروا عن هذا الاتصال بقولهم "أنا الحق" أو "أنا الدهر" أو "أنا القرآن الناطق"
(7)
أو "سبحاني ما أعظم شأني"
(8)
وهذه مراتب عليا من التصوف الإسلامي وما كان قصدهم من هذا الاتحاد والتقرب أن الذات المتناهي انجذب إلى
(1)
ينظر تشكيل جديد لإقبال ص: 185 - 186.
(2)
ينظر المرجع السابق ص: 127 - 128.
(3)
ينظر المرجع السابق ص: 208.
(4)
وسيأتي الرد بعد ذكر أقوله في ذلك بالتفصيل في الفصول القادمة. ينظر ص: 271.
(5)
قال الشيخ الألباني: "لا نعرف له أصلا في شيء من كتب السنة"(شرح الطحاوية مع تخريج الألباني، المكتب الإسلامي بيروت ط/5 - 1399 هـ ص: 123).
(6)
أخرجه البخاري كناب الرقاق، باب التواضع (6502) 11/ 340 - 341.
(7)
نسبت الشيعة هذا القول إلى علي رضي الله عنه وأصله: هذا كتاب الله الصامت وأنا كتاب الله الناطق (الفصول المهمة في أصول الأئمة لمحمد بن حسن ص: 235).
(8)
قاله الصوفي المشهور ببايزيد البسطاني.
الذات غير المتناهي وتلاشى فيه (أفنى فيه نفسه) وإنما كان قصدهم أن غير المتناهي (الله) نفسه قد سقط في حجر حب المتناهي (العبد)
(1)
.
واختار المنهج التحليلي المادي في نظرته إلى عقيدة القدر، فيرى أن الإيمان بالقدر والاحتجاج به من إضافات بني أمية إلى الدين الإسلامي حيث ستروا مظالمهم في كربلاء وغيرها تحت هذا الستار وقالوا:"ما شاء الله فعل"، ولما بلغ ذلك إلى الإمام حسن البصري قال:"قد كذب أعداء الله"، فانتشرت هذه العقيدة المذمومة رغم التنكير الشديد عليها من العلماء
(2)
هذا في رأي إقبال ولكن الحقيقة كما نعلم أن القضاء والقدر عقيدة ثابتة بكل أركانها ومراتبها في القرآن والسنة.
وانطلق من منطلق استشراقي بأن النبوة هي عبارة عن أحوال وكشوفات مثل مكاشفات الصوفية، إلّا أن الصوفي معراجه لذة الاتحاد، وأما الأنبياء فهم يجدون في أنفسهم قوى مستيقظة يمكن بواسطتها (بها) قلب الدنيا كلها وتغيير الحياة الإنسانية بأكملها، فالنبي أكبر تمنياته أن تتحول أحواله إلى قوة حية يسيطر بها على جميع العالم
(3)
.
وأما الوحي عنده فهو خاصة الحياة، ويمر بمراحل مختلفة يتطور ويرتقي، ومع هذا الرقي تتغير نوعيته، مثل أن تخرج شجرة رأسها بكل حرية من تحت الأرض، أو أن ينبعث عضو جديد لحيوان في بيئة جديدة أو أن يخرج من الإنسان نفسه من أعماق وجوده نور وضياء، فهي أشكال مختفة للوحي، بدأت تتغير نوعيته بتغيير أصحابه حسب ضرورياتهم ولما كانت البشرية في مراحلها الأولى أو في سن طفولته بدأت قوتها النفسية تنمو وتتطور حتى وصلت إلى شكل عبرنا عنه بشعور النبوة
(4)
.
(1)
ينظر تشكيل جديد لإقبال ص: 166.
(2)
ينظر المرجع السابق: ص: 167 - 168.
(3)
ينظر المرجع السابق ص: 189.
(4)
ينظر المرجع السابق: ص: 191 - 192.
وبالجملة إن إقبال يعتقد في القرآن بأنه المنبع الأول للفقه الإسلامي وفيه أصول ومبادئ تدعو الإنسان إلى التوسع في الفكر مع مراعاة الأحوال والأشخاص، قد استفاد بها الفقهاء الأولون واستنبطوا منها أنظمة قانونية متعددة، وليس في القرآن أي نوع من الحجر على الفكر الإنساني
(1)
.
وبعد أن اعترف بكون الحديث منبعا ثانيا من منابع الشريعة الإسلامية يتشكك (يتردد) في الاحتجاج به متأثرا بنظرية المستشرقين أمثال جولدتسيهر (Goldziher) والمستشرق أغانيديس (Aganides)، فوصل إلى نتيجة: أنه لا بد من التمييز بين أحاديث تدخل في إطار القانون وبين أحاديث ليس لها علاقة بالقانون، ثم لا بد من تمييز في القسم الأول بين تلك الأحاديث التي جاءت كعادات جاهلية وبين تلك التي ذكرت فيها أعراف وعادات جاهلية بعد تدخل شرعي من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه استصعب هذا الأمر لأن الفقهاء المتقدمين لم يشيروا إلى هذه الأعراف، ولا نعلم أأجاز الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأعراف بقوله الصريح أم تركها بدون أي تلميح؟ وغير ذلك من التساؤلات
(2)
.
وأما الإجماع عند إقبال فيرى أن له أهمية بالغة في نظام التقنين ولكن مما يؤسف له أن العلماء لم يهتموا به إنما تناقشوا نظريا حول هذا المنبع، ولم يطبقوه عمليا، ولم يقيموا له إدارة خاصة به في زمن من الأزمان، ويرى أننا إذا قلدنا الغرب في إقامة مجالس لوضع القوانين سيكون للإجماع شأن عظيم في المستقبل، فليشترك فيها المندوبون من كل مدرسة فقهية ثم يسلمون حقهم في التقنين إلى هذه المجالس التشريعية، وكذلك التطور المستقبل يسمح لغير العلماء الذين لهم نظرة غائرة في أمور التقنين حق الصوت في الإجماع
(3)
.
(1)
ينظر تشكيل جديد لإقبال: ص: 259.
(2)
ينظر المرجع السابق ص: 264 - 265.
(3)
ينظر المرجع السابق: ص: 267 - 268.
وأما القياس في نظره فكان رأيا شخصيا للفقهاء المجتهدين وبالتدريج أصبح منبع الحركة والحياة في الشريعة الإسلامية ولكن قد أضرّه المنطق الأرسطاطاليسي حتى أراد فقهاء العراق بناء نظام القانون الفقهي الكامل على العقل المحض، وأنكروا عليه فقهاء الحجاز إنكارا شديدا وبعد المناقشات والمناظرات أصبح القياس بشروط معيَّنة مرجعا إسلاميا للشريعة الإسلامية وتلقى القبول عند جميع المذاهب الفقهية
(1)
.
ثم دعا الفقهاء والعلماء إلى إعادة بناء جديد للفقه الإسلامي والتجرؤ في هذا الصدد كما دعاهم إلى إعادة بناء المفاهيم العقدية الإسلامية عامة
(2)
. وسنرى تفصيل ذلك مع الرد عليه في الفصول القادمة، إن شاء الله.
(1)
ينظر تشكيل جديد لإقبال: ص: 271 - 273.
(2)
ينظر المرجع السابق: ص: 275 - 276.