الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: ملامح عامة لمنهج الماتريدية والأشعرية في تلقي العقيدة:
1 - تقسيم أصول الدين بحسب مصدر التلقي إلى عقليات وسمعيات:
قسمت الماتريدية والأشعرية أصول الدين حسب مصدر التلقي إلى عقليات وسمعيات، وما سموه عقليات فمصدر التلقي فيه عندهم هو العقل، والعقل أصل والنقل تابع معارض له، وهذا جار في معظم أبواب التوحيد والصفات. وما سموه سمعيات فمصدر التلقي فيه عندهم النقل، والعقل تابع له كعذاب القبر والصراط والميزان وأحوال الآخرة
(1)
.
وهم قد وافقوا أهل السنة في معظم أبواب السمعيات، ومن ثم هم أهل السنة فيما وافقوهم، وليسوا على منهج أهل السنة فيما خالفوهم.
2 - استخدام المقدمات الكلامية والمنطقية لتحديد المصطلحات العقدية، والإحالة عليها عند عرض ما يتعلق بموضوعات العقيدة:
يكاد لا يخلو كتاب من كتب الماتريدية والأشعرية المؤلفة في علم العقيدة من أثر علم الكلام والمنطق والفلسفة، فقد ألف الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله كتابه "كتاب التوحيد"، وذكر فيه القدمات الكلامية الطويلة حيث يشعر القارئ أنه يقرأ
(1)
ينظر على سبيل المثال: كتاب المسايرة مع شرحها المسامرة للكمال ابن أبي شريف، والمسايرة للكمال ابن الهمام، مع حاشية زين الدين قاسم على المسايرة، مطبعة الساعادة مصر، ط/2، 1347 م، من أول الكتاب إلى ص: 249 ذكر عقليات ثم بدأ في السمعيات، وكتاب العقائد النسفية مع شرحها للتفتازاني طبعة الإمدادية الهند من أول الكتاب إلى ص: 97 ذكر عقليات ثم بعد ذلك بدأ في سمعيات.
كتاب فلسفة ومنطق وكلام، وكما وضع تفسيرا بعنوان "تأويلات أهل السنة" وهو أيضا مليئ بالمصطلحات الكلامية وتعطيل كثير من الصفات وتأويل النصوص.
وسموا علم التوحيد بعلم الكلام خلافا لما جرى عليه السلف وأئمتهم من تسميته بعلم السنة والشريعة والاعتقاد والتوحيد.
قال التفتازاني
(1)
: "فإن مبنى علم الشرائع والأحكام وأساس قواعد الإسلام هو علم التوحيد والصفات الموسوم بـ "الكلام" المنجي من غياهب الشكوك وظلمات الأوهام" اهـ
(2)
.
وأما الأشاعرة فقد تبلغ مقدماتهم الفلسفية والكلامية أكثر من ثلثي الكتب قبل أن يدخل المؤلف في موضوع كتابه
(3)
.
ومن ناحية أخرى حرص كثير منهم على نسبة أعلام الصحابة والسلف إلى علم الكلام، فذكر عبد القاهر البغدادي
(4)
عليا بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعمر بن عبد العزيز، وزيد بن علي بن الحسين، الحسن البصري،
(1)
التفتازاني (712 هـ - 791 هـ): هو مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني ولد بتفتازان إحدى قرى نس، تتلمذ على الإيجي، ومن أهم كتبه: المقاصد في علم الكلام، والتهذيب في المنطق. (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر تحقيق محمد سيد جاد الحق دار الكتب الحديثة 4/ 350، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد دار إحياء التراث العربي بيروت 6/ 31، البدر الطابع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني دار المعرفة بيروت 2/ 303).
(2)
شرح العقائد النسفية للتفتازاني طبعة قريمي يوسف ضياء، 1326 هـ ص: 2 - 3، و 5 - 6.
(3)
ينظر على سبيل المثال: التمهيد للباقلاني تحقيق الشيخ عماد الدين حيدر مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت 1407 هـ 1987 م ص: 17 وما بعده، وأصول الدين لعبد القاهر البغدادي دار الكتب العلمية بيروت ط / 1، 1346 هـ -1928 م ص: 12 وما بعده.
(4)
عبد القاهر البغدادي (ت: 429): هو أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الشافعي الأشعري الأصولي، وهو أكبر تلاميذ أبي إسحاق الإسفرائيني (سير أعلام النبلاء للذهبي 17/ 572).
والزهري، والشعبي، وجعفر الصادق، وأبا حنيفة، والشافعي، وأبا يوسف رحمهم الله، وزعم بأنهم كانوا من متكلمين
(1)
.
ودافع القشيري
(2)
عن علم الكلام، ورأى أن القول بأنه بدعة صفة الحشوية الذين لا تحصيل لهم
(3)
.
فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ..... ولهذا يوجد في كلام هذا (الرازي) وأبي حامد ونحوهما من الفلسفة ما لا يوجد في كلام أبي المعالي
(4)
وذويه، ويوجد في كلام هذا (الرازي) وأبي المعالي وأبي حامد من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري، وقدماء أصحابه، ويوجد في كلام أبي الحسن من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه، ويوجد في كلام ابن كلاب
(5)
من النفي الذي قارب فيه المعتزلة
(1)
ينظر أصول الدين للبغدادي ص: 307 - 310.
(2)
القشيري (ت: 514 هـ): هو الشيخ الإمام، المفسر العلامة، أبو نصر عبد الرحيم بن الإمام شيخ الصوفية أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري، النحوي المتكلم
…
كان أحد الأذكياء، لازم إمام الحرمين، حصل على طريقة المذهب والخلاف، وعظم قدره، واشتهر ذكره، وحج، فوعظ ببغداد، وبالغ التعصب للأشاعرة، والغض من الحنابلة .... (سير أعلام النبلاء للذهبي 19/ 424 - 426).
(3)
ينظر الشكاية للقشيري 43 - 49.
(4)
أبو المعالي (505 - 578): شيخ الشافعية رأى أبا نصر القشيري، ودرس بالمدرسة النظامية في نيسابور نيابة عن الجويني، كما درس في دمشق وحلَب (سير أعلام النبلاء للذهبي 21/ 106).
(5)
ابن كلاب: هو أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان البصري رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه، صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة، وربما وافقهم. وصفه ابن حزم في الفصل بأنه شيخ قديم للأشعرية، توفي بعد الأربعين ومائتين بقليل (سير أعلام النبلاء للذهبي 11/ 174، والفصل في الملل لابن حزم 5/ 77).