الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشيخ الحكمي: حال البرزخ من الرتبة الثانية وليس هو في الدنيا ولا في الآخرة بل حاجز بينهما
(1)
.
فحياة الإنسان منقسمة إلى ثلاث: الحياة الدنيا، الحياة البرزخية، والحياة الآخرة، فقد أجمل العلماء القول عن الحياة البرزخية وما بعدها في قولهم: هو اليوم الآخر، يدخل فيه كل ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أن يكون بعد الموت إلى أن يدخل أهل الجنةِ الجنةَ لينعموا من نعيمها وأن يدخل أهل النارِ النارَ ليتعذبوا بما فيها من العذاب.
يقول سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: "أما
الايمان باليوم الآخر
فيدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وعذابه ونعيمه، وما يكون يوم القيامة من الأهوال والشدائد والصراط والميزان والحساب والجزاء ونشر الصحف بين الناس، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، ويدخل في ذلك أيضًا الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالجنة والنار، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتعظيمه إياهم، وغير ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان بذلك كله وتصديقه على الوجه الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم" اهـ
(2)
.
الإيمان باليوم الآخر:
هو ركن من أركان الإيمان الستة المذكورة في حديث جبرئيل عليه السلام: عند ما سأل جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله
(1)
معارج القبول للحكمي: 2/ 110.
(2)
العقيدة الصحيحة وما يضادها للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز طبع ونشر الرئاسة العامة الرياض 1983 م 1403 هـ ص: 13.
وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره" اهـ هذا هو الركن الخامس من أركان الإيمان وهو الإيمان باليوم الآخر وما يدخل فيه
(1)
.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}
(2)
وقال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}
(3)
وقال تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
(4)
وقال تعالى: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}
(5)
والآيات في ذلك كثيرة.
وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، بل نطقت به كتب الله عز وجل وسابقها ولاحقها، وتطابقت عليه الرسل أولهم وآخرهم ولم يخالف فيه أحد منهم، وهكذا اتفق على ذلك أتباع جميع الأنبياء من أهل الملل حيث يقرون بأن هناك يومًا يبعث الناس فيه ويجازون
(6)
.
من الإيمان باليوم الآخر الإيمان بأمارات الساعة: قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}
(7)
.
ومن أمارات الساعة: خروج دابة الأرض تكلم الناس
(8)
، وخروج يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون
(9)
، ومنها إتيان الدخان المبين من السماء
(10)
، ومنها
(1)
ينظر معارج القبول للحكمي: 2/ 82.
(2)
سورة البقرة: 4.
(3)
سورة البقرة: 177.
(4)
سورة المائدة: 69.
(5)
سورة البقرة: 232.
(6)
ينظر إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات لمحمد بن علي الشوكاني ص: 14، وينظر شرح الواسطية لابن العثيمين: 1/ 68.
(7)
سورة الأنعام: 58.
(8)
ينظر سورة النمل: 82.
(9)
ينظر سورة الأنبياء: 96.
(10)
سورة الدخان: 10.
زلزلة الأرض
(1)
، ومنها طلوع الضمس من مغربها
(2)
، وفتنة الدجال
(3)
، ونزول عيسى عليه السلام
(4)
، وغيرها من الآيات.
ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بأن ملك الموت يتوفى الأنفس
(5)
، وبأن كل نفس ذائقة الموت
(6)
، ومنه الإيمان بفتنة القبر من سؤال الميت، وعذاب القبر ونعيمه
(7)
، ومنه الإيمان بالبعث والنشور
(8)
، وكيفية البعث بأن الله ينزل من السماء ماء وهم ينبتون من عجب الذنب
(9)
، ومنه الإيمان بالنفخ في الصور
(10)
، فيحشر العباد حفاة عراة غرلًا
(11)
، والكافر يمشي على وجهه
(12)
، ومنه الإيمان على الشفاعة
(1)
سورة الحج: 1.
(2)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح: كتاب الرقاق، باب لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها: 11/ 352.
(3)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح: كتاب الفتن باب ذكر الدجال: 13/ 89، وصحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال وباب صفة الدجال وباب في الدجال وهو أهون وباب خروج الدجال ومكثه وباب قصة الجساسة وباب في بقية من أحاديث الدجال: 17 - 18/ 272 - 298.
(4)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح كتاب الأنبياء باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام: 6/ 490.
(5)
سورة السجدة: 11.
(6)
سورة آل عمران: 185.
(7)
ينظر سورة الغافر: 46، وصحيح البخاري مع الفتح كتاب الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر: 3/ 231.
(8)
ينظر سورة التغابن: 7، وسورة المؤمنون: 15 - 16.
(9)
ينظر جامع الأصول لابن الأثير: 10/ 421 (7941).
(10)
ينظر سورة الزمر: 68.
(11)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرقاق باب الحشر: 11/ 377 (6525).
(12)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرقاق باب الحشر 11/ 377 (6523).
العظمى
(1)
، وبالشفاعة لأهل الكبائر وأنها لا تصيب إلا أهل التوحيد
(2)
، ومنه الإيمان بموازين القسط
(3)
.
ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالميزان الذي توزن به الأعمال، قال ابن حجر: "قال أبو إسحاق الزجاج: أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة وأن الميزان له لسان وكفتان يميل بالأعمال، أنكرت المعتزلة وقالوا: هو عبارة عن العدل
(4)
.
ومنه الإيمان بالصراط وهو الصراط على متن جهنم يمر عليه الناس على أحوال متفاوتة بقدر كسبهم في الحياة الدنيا من الأعمال من إحسان وإساءة أو تخليط، فمنهم بين مجتاز عليه إلى الجنان وهم المؤمنون على تفاوت درجاتهم ومراتبهم في البطء والإسراع، ومسرف على نفسه يكب في النيران فلا ينجو" اهـ
(5)
(6)
، وجاء وصفه في الحديث
(7)
، ومنه الإيمان بأن المؤمنين يرون
(1)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرقاق باب صفة الجنة والنار: 11/ 417 (6565).
(2)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح كتاب العلم باب الحرص على الحديث 1/ 193 (99)، ومسند الإمام أحمد: 5/ 326، 4/ 416.
(3)
سورة الأنبياء: 47، سورة المؤمنون: 103 - 104، ينظر صحيح البخاري مع الفتح: كتاب التوحيد باب قول الله عز وجل {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 13/ 537.
(4)
فتح الباري لابن حجر: 13/ 538.
(5)
معارج القبول 2/ 221 - 222.
(6)
سورة مريم: 71 - 72.
(7)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرقاق باب الصراط جسر جهنم 11/ 444.
ربهم بعد دخولهم الجنة
(1)
، ومنه الإيمان بحوض الكوثر
(2)
، ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك، ولا يشرب منه إلا أهل التوحيد والسنة
(3)
.
ومنه الإيمان بالجنة والنار ومعناه "التصديق الجازم بوجودهما وأنهما مخلوقتان الآن، وأنهما باقيتان بإبقاء الله لهما لا تفنيان أبدًا، ويدخل في ذلك كل ما احتوت عليه هذه من النعيم وتلك من العذاب" اهـ
(4)
.
فأهل الجنة ينعمون فيها بما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين
(5)
من فاكهة ولحم طير وخمر ولبن وعسل ونون وثور
(6)
، ويلبسون فيها بلباس فاخر من حرير ومن سندس خضر واستبرق
(7)
، ويتزينون فيها بأنواع الحلي من الذهب والفضة واللؤلؤ
(8)
، ويتناكحون فيها بحور عين
(9)
، ويعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل من الجماع
(10)
.
(1)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرقاق باب الصراط جسر جهنم 11/ 444، وكتاب التوحيد باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة: 13/ 419.
(2)
ينظر سورة الكوثر: 1.
(3)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرقاق باب في الحوض 11/ 463، صحيح مسلم كتاب الفضائل باب إثبات حوض 7/ 65.
(4)
أعلام السنن المنثورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة للحافظ بن أحمد الحكمي، تحرير وتعليق: مصطفى الشلبي مكتبة السوادي المملكة ط / 6 - 1995 م 1416 هـ ص: 115.
(5)
سورة الزخرف: 71.
(6)
ينظر صحيح مسلم مع الشرح كتاب الحيض باب بيان صفة مني الرجل والمرأة .... : 3 - 4/ 230 - 231 (315).
(7)
ينظر سورة الحجر: 23، وسورة الكهف:31.
(8)
ينظر سورة فاطر: 33، وسورة الإنسان:21.
(9)
ينظر سورة الدخان: 54، وسورة الواقعة:21.
(10)
ينظر مشكاة المصابيح مع تخريج الألباني: 3/ 90 (5636) قال المحقق الشيخ الألباني إسناده حسن بل صحيح لأن له شواهد منها عن زيد بن أرقم عند الدارمي بسند صحيح.
وأفضل ما يعطى أهل الجنة في الجنة رضوان الله عز وجل
(1)
، والنار لها دركات كما للجنة درجات
(2)
، وأهل النار متفاوتون في العذاب إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى ترقُوَته
(3)
.
وقد تعرض شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لبيان أنواع المكذبين بالبعث والنشور من اليهود والنصارى والصائبة ومنافقي هذه الأمة فقال:
"الذين كفروا من اليهود والنصارى ينكرون الأكل والشرب والنكاح في الجنة، ويزعمون أن أهل الجنة إنما يتمتعون بالأصوات المطربة والأرواح الطيبة مع نعيم الأرواح، وهم يقرّون مع ذلك بحشر الأجساد مع الأرواح ونعيمها وعذابها.
وأما طوائف من الكفار وغيرهم من الصائبة والفلاسفة ومن وافقهم فيقرّون بحشر الأرواح فقط، وأن النعيم والعذاب للأرواح فقط، وطوائف من الكفار والمشركين وغيرهم ينكرون المعاد بالكلية، فلا يقرّون لا بمعاد الأرواح، ولا الأجساد، ورد على الكافرين والمنكرين لشيء من ذلك، بيانا تاما غاية التمام والكمال.
وأما المنافقون من هذه الأمة الذين لا يقرون بألفاظ القرآن والسنة المشهورة فإنهم يحرفون الكلام عن مواضعه، ويقولون هذه أمثال ضربت لنفهم المعاد الروحاني، وهؤلاء مثل القرامطة الباطنية الذين قولهم مؤلف من قول المجوس والصائبة، ومثل المتفسلفة الصائبة المنتسبين إلى الإسلام، وطائفة ممن ضاهوهم: من كاتب، أو متطبب، أو متكلم، أو متصوف، كأصحاب "رسائل إخوان الصفا" وغيرهم، أو منافق، وهؤلاء كلهم كفار يجب قتلهم باتفاق أهل الإيمان" اهـ
(4)
.
(1)
ينظر سورة القيامة: 23، وجامع الأصول لابن الأثير (10/ 560).
(2)
ينظر سورة النساء: 145، والتذكرة للقرطبي ص:382.
(3)
صحيح مسلم مع الشرح كتاب الجنة وباب في شدة حر نار جهنم
…
: 17 - 18/ 185.
(4)
مجموع الفتاوى لابن تيمية 4/ 313.