الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما السيد فقد صرح في عبارأته بأنه متمسك بنظرية الداروين من أن الإنسان كان جُرثومة لما خلق، فكتب موضوعا بعنوان:(آدم كي سر كزشت) قصة آدم وذكر حكايته بلسانه، فبدأ فيه بسؤال لآدم من أبنائه:"من أنت؟ وما اسمك؟ (فأجاب آدم) لا أدري من أنا؟ ولكن اسمي آدم. (ثم قيل له) ما هي المراحل التي مررت بها؟ (قال): وَجدتُ نفسي في هذه الدنيا، ولكنّني لا أدري من خلقني؟ ..... (حتى قال): لما خرجت من الأرض لم أكن على هذه الصورة التي عليها الآن، وبالتدريج حصلت لي هذه الصورة التي ترونها، وإذا رأيتم تلك الهيئة التي كنت عليها عندما خلقتُ من الأرض لتعجبتم واستغربتم، كنت جرثومة أمتن من الشعر وأصغر من حبة خردل، وكل صفة من حسن وجمال وعقل وكمال كانت مختفية فيها، كما تكون أثمار الشجرة وأزهارها وأغصانها مختفية في نواتها" اهـ
(1)
.
وإن اختلف الرجلان في تعبيرهما فقد اتفقا في إنكارهما لحقيقة آدم عليه السلام وأبوَّته للبشر ونبوَّته لهم قبل الاختلاف، إذن تتعين الشبهة كالآتي: إن شخصية آدم لم تكن حقيقة إنما هو خيال تخيله البشر.
تفنيد الشبهة
شبهة أن شخصية آدم لم تكن حقيقة إنما هو خيال تخيله البشر
.
وللرد على هذه الفرية نقول:
أولا: قد خالف السيد وإقبال ومن ذهب مذهبهما إجماع الشرائع السماوية كلها على كون آدم أبا للبشرية كلها، وأيدا النظرية الداروينية التي تقول: إن بداية الإنسان كانت جرثومة من جراثيم حية تطورت من حال إلى حال تحت تأثير عوامل طبيعية، وهذا يكفي ضلالة وانحرافا عن جادة الطريق.
(1)
مقالات سير سيد ص: 217 - 218 المقال يحتوي على 18 صفحة تقريبا ص: 216 - 234.
ثانيا: إن نظرية داروين مردودة على صاحبها من كل وجه قد رد عليها زعيم المدرسة العقلية المعاصرة في الإسلام السيد جمال الدين الأفغاني.
"ففي نفس العام الذي توفي فيه داروين كان السيد جمال الدين الأفغاني في حيدرآباد في الهند يخط رسالته في الرد على الدهريين وأبطل في تلك الرسالة مذهب داروين فكتب يقول تحت عنوان "قول داروين إن الإنسان كان قردا" وعلى زعم داروين هذا يمكن أن يصير البرغوث فيلا بمرور القرون وكرّ الدهور، وأن ينقلب الفيل برغوثا كذلك. فإن سئل داروين عن الأشجار القائمة على غابات الهند والنباتات المتولدة فيها من أزمان بعيدة لا يحددها التاريخ إلا ظنا، وأصولها تضرب في بقعة واحدة وفروعها تذهب في هواء واحد وعروقها تسقى بماء واحد، فما السبب في اختلاف كل منها عن الآخر في بنيته وشكل أوراقه وطوله وقصره وضخامته ورقته وزهره وثمره وطعمه ورائحته وعمره فأي فاعل خارجي أثر فيها حتى خالف بينها مع وحدة المكان والماء والهواء؟ أظن لا سبيل إلى الجواب سوى العجز عنه
…
وإن قيل له: هذه أسماك بحيرة "أورال" وبحر "قزوين" مع تشاركها في المأكل والمشرب وتسابقها في ميدان واحد نرى فيها اختلافا نوعيا وتباينا بعيدا في الألوان والأشكال والأعمال فما السبب في هذا التباين والتفاوت؟ لا أراه يلجأ في الجواب إلّا إلى الحصر" اهـ
(1)
.
ثالثا: إن أكبر دليل قدمه السيد على دعواه قول بعض المفسرين وهو: "وما المقصود بـ "آدم" آدم وحده والله تعالى نفسه يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}
(2)
فضمير (كم) خوطب به كل الناس وأريد به جنس الإنسان" اهـ
(3)
.
(1)
ينظر رسالة الرد على الدهريين لجمال الدين الأفغاني -تحقيق: محمود أبو رية، دار الكرنك القاهرة، مكتبة العقائد ص: 44 - 45.
(2)
سورة الأعراف: 11.
(3)
تفسير القرآن لسيد أحمد خان: 1/ 48.
وهذا القول لا يكون دليلا على ما ذهب إليه السيد إذ أنه لم يُخرج آدم من جملة من خوطب به في الآية عندما قال الله عز وجل {لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} أي ليس المقصود بضمير المخاطبين آدم وحده بل آدم وأولاده، فلا إنكار لأحد إذا كان هذا هو المقصود عند السيد.
ولكن السيد يريد غير ذلك عندما قال: "ليس المراد بلفظة آدم ذلك الشخص الذي يسميه عوام الناس ومشايخ المساجد بالأب آدم
…
". فكيف يُخاطب بآدم وهو كان جرثومة عند ما خُلق على حد قول السيد
(1)
.
رابعا: إن القرآن الكريم قد خاطب البشر كلهم بأنهم بنو آدم في عدة آيات، فمثلا: قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}
(2)
.
ووردت كلمة آدم في السنة قرابة مائة مرة، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كل الناس من أولهم إلى آخرهم من أب واحد فقال:"يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلّا بالتقوى" اهـ
(3)
.
والأب الواحد هو آدم عليه السلام كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الناس بنو آدم وخلق آدم من تراب" اهـ
(4)
.
وكفى بالله شهيدا ومن أصدق من الله قيلا، وكفى بالرسول مبلغا وهو أصدق القائلين.
(1)
ينظر قوله في مقلات سير سيد: 217 - 218.
(2)
سورة يس: 60، وينظر كذلك سورة الإسراء: 70، وسورة الأعراف: 26، 27، 31، 35، 172.
(3)
مسند أحمد: 5/ 411.
(4)
مسند أحمد: 3/ 361، 524.