الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوحي عند النصارى:
وأما الوحي عند النصارى فقد عرفوا الوحي بقولهم: "الوحي هو إبلاغ الحق الإلهي للبشر بواسطة بشر، وهو عمل روح الله، أو بعبارة أدق عمل روح القدس، فروح القدس يعمل في أفكار أشخاص مختارين في قلوبهم، ويجعلهم أداة للوحي الإلهي" اهـ
(1)
.
وبالجملة قد عرفنا مما سبق من تعريف الوحي أن النظرية اليهودية والنصرانية قد اتفقت مع النظرية الإسلامية في حدوث الوحي لأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، إلّا أنهم خلطوا في تعريف الوحي بين الإلهام الناشئ عن طريق الوحي الرباني، وبين الإلهام الآخر، كإلهام الخواطر للإنسان النقي الفطرة أو الإلهام الغريزي، ولا يخلط مثل هذه الأمور بوحي الله تعالى لمن اصطفاهم بالنبوة، واختصهم بالرسالة إلّا من اتخذ إلهه هواه
(2)
.
وبعد هذا العرض السريع لتعريف الوحي عند المسلمين واليهود والنصارى نأتي إلى
أقوال المتأثرين بالاستشراق
في مفهوم الوحي لنعرف مدى تأثرهم بالمعطيات الغربية.
أقوال المتأثرين بالاستشراق
قال سيد أحمد خان: "لا توجد واسطة بين الله والنبي لإيصال الوحي إليه إلّا هذه الملكة، وهي التي يقال عنه الناموس الأكبر، وفي لسان الشرع جبريل. فقلب النبي هو المرآة التي تتراءى له فيها التجليات، وتلك المضغة المجسدة هي التي تسمع تلك النبرات غير الصوتية، ومن ذلك القلب يخرج الوحي كخروج الماء من النافورة، وعليه ينزل، ويرى صاحبه صورة الوحي فيه، فيخرج عنها بالإيحاء والإلهام دون أن يكلمه
(1)
قاموس الكتاب المقدس لنخبة من ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين ص: 1020.
(2)
ينظر شبه المستشرقين حول النبوة والدعوة لمحمد الطشو ص: 110.
أحد، بل يتكلم من نفسه ويقول عن نفسه، وما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى.
هذه الحوادث والأمور الواردة على القلب فطرة بشرية لا يتخلف قانونها أبدا، ويسمع النبي كلامه النفسي بإذنيه الخارجيتين كأن شخصا يخاطبه من الخارج، ويرى بعينيه الخارجيتين كأنه شخص يقف أمامه .... ، ومع فارق التشبيه نثبت أن آلافا منا من رأى حالات فاقدي العقل فهم يسمعون أصواتا دون متكلم، ويرون أشخاصا في الخارج مع انفرادهم عن البشر .... ، وتلك كلها أوهام من أوهامهم لارتكاز كل قواهم واتجاهها إلى شيء معين" اهـ
(1)
.
وقال إقبال: "إن هناك في القلب وجدانا أو نورا سماه القرآن بالفؤاد، فإذا ربَّيْنَا هذا الوجدان يتقوَّى، فإذا تقوَّى يصل بنا إلى حقائق ما وراء الحواس، وإفاداته لا تخطئ أبدا، فهذه وسيلة من وسائل العلم يعتمد عليها كاعتمادنا على المشاهدات، وتسميتها بالعلم الباطني أو العلم التصوفي أو خارق العادة لا يقل عن قيمتها وقدرها، إذ أن كل المشاهدات كانت بدايتها شيئا ما فوق العادة فبدأ الإنسان التعبير عن مدركاته، ومحسوساته عند الضرورة حتى وصل إلى التعرف على الطبيعة التي هي معروفة لدينا اليوم، .... والنبي صلى الله عليه وسلم قد اهتمّ لهذه المشاهدات والمكاشفات في قصة ابن صياد المذكورة في صحيح البخاري بكل تفاصيلها
(2)
، فالكيف الوجداني الذي كان عند ابن صياد الشاب اليهودي قد لفت نظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه فحقق تنبآته، واختبره وراقبه في أحوال متعددة قد نقلها المحدثون في كتبهم، إلّا أن فهمهم لهذه القصة قد تقاصر فشرحوها لوجهات نظرهم الساذَجة.
وتناول هذه القصة المستشرق "ماكدونالد"(Macdonald)، وتمتع بها ولكنه كان ممن لم يدرك حقيقة الفرق الأساسي بين شعور النبوة وشعور الولاية" اهـ
(3)
.
(1)
مقالات لسيد أحمد خان: 13/ 68، 138، وينظر تفسير القرآن له: 3/ 17.
(2)
ينظر صحيح البخاري مع الفتح 6/ 171 (3055).
(3)
تشكيل جديد لإقبال: 23 - 24.