الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها كقوة جديدة سريعة، فهي تمحو الماضي، وتنكشف عليها سبل الهداية الجديدة
…
" اهـ
(1)
.
وقال أيضا: "إن النبوة عبارة عن أحوال وكشوفات مثل مكاشفات الصوفية إلا أن الصوفي معراجه لذة الاتحاد، وأما الأنبياء فهم يجدون في أنفسهم قوى مستيقظة يمكن بواسطتها قلب العالم كله وتغيير الحياة الإنسانية بكاملها، فالنبي من أكبر تمنياته أن تتحول أحواله إلى قوة حية يسيطر بها على جميع العالم" اهـ
(2)
.
تحليل العبارة وتعيين الشبهة
بعد أن عرف السيد مفهوم النبوة عند العلماء المتقدمين بأنها منحة إلهية، يمنحها الله لمن شاء من عباده، رفض هذا التعريف، واخترع لنفسه تعريفا جديدا للنبوة بأنها أمر فطري، والنبي نبي ولو كان في بطن أمه يوجد فيه هذه الملكة كفن من الفنون، فالإنسان مجبول عليه، وهو يطوّر هذه الجبلة بجهده الخاص، ثم جاء إقبال وبين لنا طريقة اكتساب النبوة وتطويرها عند الإنسان، وهي أن يمارس المكاشفات الصوفية، ويغوص في أعماق الذات الإلهية، حتى يتجاوز حدود الاتحاد، فيخرج كقوة حية تسيطر على جميع العالم.
فكل من السيد وإقبال قد اتبع المنهج الاستشراقي الغربي في بيان مفهوم النبوة خَشْية أن يوصف دينهما بمخالفة النظريات العلمية الحديثة، فوافق تعريفهما تعريفات اليهود والنصارى كما سبق ذكرها آنفا، إلا أن السيد سلك مسلك المادي البحت، وصرح بأنه يرفض مفهوم السلف للنبوة، وأما إقبال فعبر النبوة بلغته الفلسفية في أسلوب صوفي، ولم يتطرق إلى تعريفات العلماء المتقدمين، والنتيجة واحدة فكأنما يقولان كما قال الماديون عامة: "إننا لا نشك في صدق محمد صلى الله عليه وسلم في خبره عما رأى وسمع، وإنما نقول أن منبع ذلك من نفسه، وليس منه شيء جاء من
(1)
تشكيل جديد لإقبال ص: 190.
(2)
المرجع السابق ص: 167 - 168.
علم الغيب الذي يقال إنه وراء عالم المادة والطبيعة الذي يعرفه جميع الناس، فإن هذا الغيب شيء لم يثبت عندنا وجوده، كما أنه لم يثبت عندنا ما ينفيه، أو يلحقه بالمحال" اهـ
(1)
.
وهذا بعينه ما قاله أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم، فيقول المستشرق "لويس أميلي سيديو"(Louis Amelie Sedillot)
(2)
: " محمد الذي كان منظر الطبيعة غذاء لعقله، فعرف أن يسمو به إلى خالقه، شعر في نفسه ذلك الحس الديني لضرورة الإفصاح عما نضج في فؤاده من الفكر بأقوال وأفعال، فيجب على من يبغي إبلاغ دين أن يبدع، إذن رموزا مفطورة ظاهرة فذة، ما دعي إلى صنعه ذلك الذي يخاطب قوما تميزه من بقية الشعوب بأوصاف خاصة" اهـ
(3)
.
وقال المستشرق "ستودارد": "كان محمد أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يكن فيلسوفا، ولكنه لم يزل يفكر في هذا الأمر إلى أن تكونت في نفسه بطريق الكشف التدريجي المستمر عقيدة كان يراها الكفيلة بالقضاء على الوثنية" اهـ
(4)
.
وبالمقارنة بين آراء المستشرقين وأقوال المستغربين يظهر لنا حقيقة هؤلاء المتأثرين بالاستشراق، فإنهم أدركوا من بين مبادئ الإسلام منزلة النبوة والرسالة، وثبوتها وختامها إدراكا جيدا، ثم اطلعوا على شبهات المستشرقين في صورة صياغة
(1)
الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا: مطبعة المنار، مصر، ط/ 2، 1354 هـ، ص:75.
(2)
سديو (Sedillot)(1808 - 1875): ولد في باريس وهو الابن الثاني لجان جاك أمانويل سديو الذي كان مستشرقا وفلكيا. تعلم على يدي أبيه اللغات الشرقية والرياضيات، وحصل على الليسانس من جامعة باريس، وحضر محاضرات سيلفستر دي ساسي في الكوليج دي فرانس، ثم صار سكريتيرا له. وقد نشرت له عدة تأليفات ومن أهمها تاريخ العرب ويشمل بإيجاز تاريخ العرب من البداية حتى الأمير عبد القادر الجزائري (ينظر موسوعة المستشرقين للبدوي ص: 345).
(3)
تاريخ العرب لسديو ترجمة عادل زعيتر مطبعة عيسى التاجر أرسلان، دار الفكر بيروت، 1394 هـ/ 1973 م، ص:91.
(4)
حاضر العالم الإسلامي لـ ستودارد: تعليق شكيب أرسلان، دار الفكر بيروت، 1394 هـ/ 1973 م: 1/ 31.