الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب) منهجه:
نشأ سيد مهدي علي في بداية أمره نشأة اثنا عشرية، واستخدم ذكاءه واهتم بتعلم العلم المفيد من علم الحديث والتفسير واجتهد وجاهد وتفحص فتبين له الحق، وما إن وصل سن الرشد وهو سن الإدراك أعلن عن توبته من المذهب الاثنا عشري وتمسكه بالكتاب والسنة، وألف بعض التأليفات المفيدة التي سبق ذكرها في هذه الفترة.
فآمن إيمانًا جازمًا بأن كل معتقد أو مفهوم لا ينبغي الإيمان به إلا بعد الوصول إلى حقيقته والإدراك بكنهه بعرضه على الكتاب والسنة، وإذا لم يصل المرء إلى هذا التثبت يكون مثله كمثل الأعمى الذي يحاج إلى من يأخذ يده فإذا كان القائد مصيبًا أصاب وإذا كان مضلًا ضلَّ
(1)
.
فهذا صحيح في الأعيان المدركات ولكن كيف يصل الإنسان إلى كنه الغيبيات، ولذلك نراه أخطأ في بعض الأحيان عندما اتبع السيد وأيده في منهجه.
وكوّن مجلسًا كان من أهدافه حلّ المشاكل الدينية عند طلبة العلوم الطبيعية، فأصدر المجلس قرارًا بأن الطلبة ليسوا مقتنعين بعلم الدين الموروث فلا بد من إدخال موضوعات جديدة في المنهج، وهذه الإضافة توخذ مما كتبه علماء مصر والشام أمثال: محمد عبده ورشيد رضا وغيرهما من أصحاب مجلة "المنار" وبهذا يتحقق التوفيق والتطبيق بين الدين والعلم الحديث
(2)
.
ومنهجية مهدي علي الجديدة اهتم بها العلماء لأسباب منها:
أولًا: كان معتدلًا في منهجه إلى حد ما إذا قارناه بأصحابه: سيد أحمد خان وجراغ علي وغيرهما.
(1)
ينظر تهذيب الأخلاق لسيد مهدي علي 1/ 2 - 3.
(2)
ينظر هند وباك مين إسلامي جديديت للأستاذ عزيز أحمد ص: 105.
ثانيًا: قد ربط منهجه الجديد بالمناهج الثابتة القديمة عندما صاحب سيد أحمد خان ودرس الغزالي شق الطريق من التقليد إلى الاجتهاد، واعتقد بأن الدين الموروث الجامد قد يذهب بمسلمي الهند إلى الديانة الهندوكية، فحارب القديم وخرج يبحث عن جديد محاولًا للربط والتوفيق بينهما
(1)
.
بعد أن آمن بحتمية قوانين الطبيعة نقد صاحبه سيد أحمد بأنه لم يدرك معني الطبيعة، فوسّع في معني الطبيعة أو الفطرة وجمع الكلمتين في كلمة واحدة إنكليزية " Nature"، وذهب في تعريفها مذهب العالم الإنكليزي جون استوارت حيث قال "نيجر" (Nature) هي:"عبارة عن مجموعة قوي وخواص الأشياء ومظاهرها مع عللها التي خلقت منها، ويدخل فيها جميع الأشياء التي وقعت بالفعل والتي وقعت بالقوة" اهـ
(2)
.
واعترف بعض الاستثناءات من حتمية قوانين الفطرة اعتمادًا على المنهج التجريبي الاستشراقي، وهكذا ربط مهدي علي بين مناهج ثلاثة: المنهج الفطري والنهج العلمي والمنهج التجريبي
(3)
.
ونهج المنهج التطوري عندما رأى أن العقيدة كانت تقليدية قديمًا، وأما اليوم فهي اجتهادية وعقلانية، فقال: على كل من اعتقد اعتقادًا أن يعرض معتقده على وسيلة صادقة أو يختبره بآلة مفيدة، ويحلل عناصره بتحليل جيد حتى يتبين له الصدق من الكذب ويصل إلى علم اليقين، ويتجنب الأوهام والتخيلات الباطلة
(4)
.
ومن يتتبع كتابات مهدي علي يجده كان محقا في هذه الجزئية من المنهج، لأن قوله:"العقيدة قديما" يقصد به زمن التأثر اليوناني، ويقصد بـ "اليوم" زمن الكشوفات
(1)
ينظر تهذيب الأخلاق لسيد مهدي علي 1/ 218 - 242.
(2)
المرجع السابق 1/ 334 - 335.
(3)
تناول موضوع الطبيعة وقوانينها بكل تفاصيله في تهذيب الأخلاق واستدل على ما ذهب إليه في هذا الشأن بأربعة عشر قولًا من أقوال المفسرين واللغويين. ينظر 1/ 333 - 368.
(4)
ينظر تهذيب الأخلاق: 1/ 3.
الحديثة، وأما استخدامه المنهج التطوري فكان في أسلوب دراسة العقيدة، ولا يقصد به التطور في العقيدة نفسها، ثم إنه استثنى من حتمية قوانين الطبيعة بعض الغيبيات اللازمة الإيمان بها، فكان معتدلا إلى حد ما.
واستدل على استثنائه من حتمية قوانين الطبيعة بوقوع المعجزات وحقيقة الملائكة والشياطين، ويرى أن هذا التوجيه أحسن بكثير من توجيه التأويلات العقلانية البعيدة التي فيها محاولة إدخال جميع الأشياء تحت حتمية قوانين الطبيعة بدون استثناء كما فعل ذلك سيد أحمد خان وجراغ علي ومن ذهب مذهبهما
(1)
.
وانطلق مهدي علي من المنهج التحليلي السليم ليعود بالعقيدة إلى حقيقتها. فيرى أن كل شيء له حقيقة وطبيعة، وإذا أدركنا حقيقة الشيء ثم وجدنا الطبيعة منقلبة فلا بد أن يكون هناك سبب قد اختلط بالعنصر الخارجي ودخل في طبيعة الشيء، وبعرضه على التحليل يمكن الوصول إلى السبب الأصلي
(2)
.
فيرى أن الأشياء التي تسمى اليوم بالإسلام هي ليست من الإسلام إنما هي مجموعة من عناصر كثيرة داخلية وخارجية، وإذا عرضنا هذه الكثافة من العناصر على الكتاب والسنة معتمدين عليها اعتمادًا كاملًا، فبإمكاننا أن نميز بين الإسلام الصحيح وغيره إذ أن كل دين في بداية أمره كان خالصًا
(3)
. ثم دخلت فيه توضيحات أخرى مستعارة من العناصر الخارجية، وكذلك في الإسلام بدأت الإضافات والإلحاقات منذ زمن التابعين، وازدادت مع مرور الزمن حتى تغيرت هيئة الإسلام، وصعبت معرفة الإسلام الصحيح من غيره.
ومن هذه الإضافات نسبة بعض العقائد والأعمال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كذبًا وزورًا للحصول على منفعة دنيوية، ومنها شروحات باطنية باطلة للإسلام الصحيح، ومنها الاهتمام الزائد بالإجماع الأصولي، ومنها الأخطاء الفكرية
(1)
ينظر تهذيب الأخلاق: 1/ 240 - 320، 344 - 349.
(2)
ينظر المرجع السابق: 1/ 1 - 3.
(3)
يقصد هنا بكل دين كل شريعة لأن الدين واحد والشرائع هي التي تتعدد.
لمؤسسي المذاهب الفقهية المشهورة التي استعيرت من الأديان الأخرى واعتبرت تطورا صحيحا للإسلام وغيرها من الإضافات، فلا بد من تجريد الإسلام من هذه الإضافات بمنهج تحليلي صحيح
(1)
.
واستنكر المناهج الخاطئة التي طبقت على القرآن، وأدت إلى ظهور التفاسير القائمة على التأويل البعيد، وهي غير صحيحة لأن فيها استشهاد بأحاديث غير مستندة وبقصص وروايات إسرائيلية، فهذا كله أدى إلى صعوبة في فهم الوحي وحقيقته، وهو من عيوب المناهج القديمة.
وأما المنهج الصحيح (في نظره) لدراسة القرآن فهو أن يدرس القرآن في ضوء العلم الحديث مراعيًا فيه القواعد العربية من النحو والأدب القرآني الإلهي، وهذا المنهج يصل بالمرء إلى تفسير سليم يتطابق مع العلم الحديث وحقائقه المتيقنة، وعلى هذا فالآيات المتشابهات هي من إعجاز القرآن وكانت سرًّا من الأسرار حين أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم في عصره، وقد جاء شرحها وتفسيرها في الأزمنة المتأخرة مع تطور علم الإنسان في ضوء العلم الحديث فأصبح تفسيره معقولًا ومفهومًا
(2)
.
بعد أن اعترف بأن الحديث منبع من منابيع التشريع الإسلامي قال إن الحديث لا يقبل إلا بكل حيطة، وإن كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم معقولًا، ولكنه نقل إلينا بطريق الروايات اللسانية وهي من أضعف وسيلة، لأن المحدث عندما يتحدث بحديث قد يحذف أو ينسى فقرة ترجيحية أو وصفيه، ولأن الأحاديث منها دينية ومنها اجتماعية ومنها اتفاقية ومنها ما ليس لها أهمية، وإضافة إلى ذلك أن هناك قانون النسخ يعمل عمله في الحديث كما عمل في القرآن، فلا بد من النظر إلى
(1)
ينظر تهذيب الأخلاق لسيد مهدي علي: 1/ 4 - 5، 30 - 36.
(2)
ينظر المرجع السابق: 1/ 105 - 106 ، 157 ، 228 - 232.
مخترعات العلم الحديث في ترتيب الأحاديث التاريخي عند استخدامنا قانون النسخ في الحديث
(1)
.
وانطلق بمنطلق أن الفقه في العهد العباسي ابتعد كثيرًا عن الحديث النبوي، ومال إلى المنطق والعلوم العقلية اليونانية، فيرى أنه لا يمكن أن يأخذ الحديث مكانه في الفقه إلا إذا وضع معيارٌ جديدٌ لتوثيقه، ولكن مهدي علي لم يرتب هذا المعيار بل اتفق مع نظرية السيد أحمد خان إلى الحديث النبوي، وأعطى لكل شخص حرية الرد لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وأما الإجماع فلم ينكره من حيث كونه دليلًا شرعيًا إلا أنه استخف به وقلل من أهميته، فيرى أن حكم الإجماع ليس حكمًا حتميًا، ولا قطعيا ولا معصوما عن الخطأ، لأنه ليس حكم الرسول أصالة، إنما هو قياس تحليلي أو أقوال جماعة من العلماء أو عملهم، ويضاف إلى هذا أن الإجماع الذي يأتي بعده ينسخ الإجماع السابق، وهناك فرق بين نسخ الوحي بالوحي، ونسخ الإجماع بالإجماع إذ أن الإجماع متعرض دائمًا للنسخ والتغيير بخلاف الوحي. وفي العصر الحاضر لا بد من عرض الاجماع على التحقيقات الجديدة في علوم الطبيعة وعلى المعيار الجديد للأخلاق الإنسانية
(3)
.
وأما نظرته إلى الاجتهاد فيرى أنه يفتح آفاقًا جديدة في الإسلام، فإن الأمور الدنيوية لها ارتباط بالدين ويشترط أن يكون أسلوب الحياة مطابقًا بعقيدة، والحياة الدنيوية تتغير ومسائلها تتجدد، وإن لم نفتح باب الاجتهاد ضاقت حياتنا، فللسباق مع غيرنا ولتقنين قوانين جديدة لحياتنا حسب ما يقتضي كل زمن نجتهد، ونحن في
(1)
ينظر تهذيب الأخلاق لسيد مهدي علي: 1/ 58 - 59، 245 - 246، 250 - 252، 256 - 257، 320.
(2)
ينظر المرجع السابق: 1/ 63 - 65، 98 - 103.
(3)
ينظر المرجع السابق: 1/ 68 - 71، 159 - 264، 162، 320.
منهجنا وفلسفتنا هذه نتبع سنة خلفائنا الراشدين عامة وبعمر بن الخطاب رضي الله عنه خاصة
(1)
.
وبالجملة إن سيد مهدي علي في منهجيته الجديدة هذه كان معتدلا إلى حد ما إلّا أنه أخطأ حينما التمسى أعذارا لآراء سيد أحمد خان المنحرفة، وقدم لها توجيهات وتأويلات، وحاول التوفيق بينها وبين أقوال أصحاب المناهج السابقة على الاستشراق، وادعى بأنه ما من مسألة من مسائل سيد احمد خان إلا وقد سبق من قال بها من أصحاب الفرق المختلفة
(2)
، مع أنه لم يتفق هو نفسه مع السيد في كثير من المسائل بل خالفه في أكثرها، فسنذكر بعض الآراء التي أيد فيها سيده أستاذه وذهب مذهبه في الفصول القادمة مع الرد والمناقشة.
(1)
ينظر تهذيب الأخلاق لسيد مهدي علي: 6/ 1 - 7.
(2)
ينظر المرجع السابق: 1/ 330.