الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أمير علي: "ولا نزاع أن هناك آيات أخرى تشير إلى السيطرة الإلهية على الإرادة البشرية ولكن هذه السيطرة مرتبطة بالإرادة البشرية، فالعون الإلهي للإنسان معلق على طلب الإنسان نفسه لهذا العون فالله لا يعطي العون إلا لمن يطلبه" اهـ
(1)
.
وقال إقبال: "اللوح المحفوظ هو الكل الذي فيه جميع العلوم التي ليس فيها تعيين لإمكاناتها، وهي كحقيقة مستحضرة منذ بدايتها، وهي في الزمن التسلسلي تُظهر تصور المتناهي في صورة متواترة، نراها كأنها تنضم إلى وحدة كانت مضمرة فيها" اهـ
(2)
.
الشبهة الثانية: الإنسان خالق لأفعاله وخارق لقضاء الله وقدره:
لما أن الشبهة في صيغتها وفي معناها قديمة جدا، وقد استوفى في ردها العلماء المتقدمون، فنكتفي بردهم على هذه الفرية ونقول:
أولا: زعمهم هذا مخالف لإجاع الصحابة والتابعين وما عليه أهل السنة والجماعة من أن أفعال العباد خيرها وشرها، طاعاتها ومعاصيها مخلوقة لله تعالى، فهو سبحانه خالقهم وخالق حركاتهم وعباداتهم وإراداتهم، متفرد بخلقه ذلك، لا خالق سواه
(3)
.
وقد نقل الإمام اللالكائي رحمه الله إجماع الصحابة التابعين والخالفين لهم من علماء الأمة على أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله عز وجل طاعاتها ومعاصيها
(4)
.
ثانيا: زعمهم هذا مخالف لما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال سلفنا الصالح رضوان الله عليهم:
(1)
روح الإسلام لأمير علي: 2/ 295 - 296.
(2)
تشكيل جديد لإقبال ص: 9 - 10.
(3)
مجموع الفتاوى لابن تيمية: 2/ 115 - 116
(4)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للآلكائي: 3 - 4/ 534.
قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}
(1)
. قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا عموم لا يخرج ولا يستثنى منه شيء من العالم، أعيانه وأفعاله وحركاته وسكناته، وليس مخصوصا بذاته وصفاته، فإنه الخالق بذاته وصفاته وما سواه مخلوقة له" اهـ
(2)
.
وذكر البيهقي رحمه الله قول الله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
(3)
. ثم قال: "فنفى (الله) أن يكون خالق غيره، ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت الأفعال غير مخلوقة لكان الله سبحانه خالق بعض الأشياء دون جميعها وهذا خلاف الآية، ومعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان، فلو كان الله خالق الأعيان والناس خالقي الأفعال لكان خلق الناس أكثر من خلقه ولكانوا أتم قوة منه وأولى بصفة المدح من ربهم سبحانه" اهـ
(4)
.
وفي الآية "ما" موصولة أي والله خلقكم وخلق معبوداتكم التي عملتموها بأيديكم، فهي مخلوقة له وليست شريكة معه، فأخبر أنه خلق معمولهم وقد خلق عملهم وصنعهم، ولا يقال: المراد مادته، فإن مادته غير معمولة لهم، وإنما يصير معمولا بعد عملهم" اهـ
(5)
.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يصنع كل صانع وصنعته" اهـ
(6)
.
(1)
سورة الزمر: 62.
(2)
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر لابن القيم: دار التراث، القاهرة ص:117.
(3)
سورة الرعد: 16.
(4)
الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي: عالم الكتب، بيروت، ط/1، ص:91.
(5)
شفاء العليل لابن القيم ص: 120.
(6)
خلق أفعال العباد للبخاري: 42 (117)، صحيح الحاكم: 1/ 31 - 32 وصححه الحاكم.
ثالثا: " .. إن أصل ضلال القدرية والجبرية (في هذا الباب) من عدم اهتمامهم إلى الفرق بين فعله سبحانه وتعالى وفعل العبد، فالجبرية جعلوا التعادي والتباغض فعل الرب دون المتعادين ومتباغضين، والقدرية جعلوا ذلك محض فعلهم الذي لا صنع لله فيه ولا قدرة ولا مشيئة" اهـ
(1)
.
التحقيق ما عليه أئمة السنة وجمهور الأمة من الفرق بين الفعل والمفعول، والخلق والمخلوق. فأفعال العباد مستندة إليهم وهم الفاعلون لها حقيقة وأنها تنسب إليهم، وتضاف إليهم، وهي مفعولة لله حقيقة ومخلوقة له، وليست فعلا له ولا يتصف بأنه فاعلها، لأن هناك فرقا بين الفعل والمفعول والخلق والمخلوق، فهي فعل العباد ومفعولة له سبحانه وتعالى" اهـ
(2)
.
كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}
(3)
، فالتسيير فعله، والسير فعل العباد، وهو أثر التسيير وكذلك الهدى والإضلال فعله والاهتداء والضلال أثر فعله، وهما أفعالنا قائمة بنا، فهو الهادي، والعبد الهتدي وهو الذي يضل من يشاء والعبد الضال، وهذا حقيقة وهذا حقيقة، الطائفتان (القدرية والجبرية) عن الصراط المستقيم ناكبتان" اهـ
(4)
.
رابعا: من جمع النصوص واستقرأها واتبع المنهج الصحيح الذي عليه أهل السنة والجماعة اهتدى إلى سواء السبيل، ومن نظر إلى مذهب الجبرية وحده أو إلى مذهب القدرية وحده فقد ضل، كما فعل إقبال فنظر إلى النصوص التي فيها حرية الإرادة للعبد فمال إلى قول المعتزلة القدرية، ومذهبهم في أفعال العباد يتضمن الإشراك
(1)
شفاء العليل لابن القيم ص: 128.
(2)
ينظر مجموع الفتاوى لابن تيمية: 2/ 116.
(3)
سورة يونس: 22
(4)
شفاء العليل لابن القيم ص: 128.
والتعطيل لأنه يتضمن إخراج بعض الحوادث أن يكون لها فاعل، وإثبات فاعل (خالق) مستقل غير الله والتعطيل والشرك من شعب الكفر
(1)
والعياذ بالله.
(1)
ينظر المنتهى من منهاج الاعتدال لابن تيمية والذهبي: تحقيق محب الدين الخطيب، دار الافتاء، 1409 هـ:156.