الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
الحلول والاتحاد بين الخالق والمخلوق.
2 -
إثبات المكان اللطيف للرب في الكون دون العرش.
تفنيد الشبهات:
الشبهة الأولى: الحلول والاتحاد بين الخالق والمخلوق
.
وللرد على تخبطات إقبال السابقة ومن على شاكلته نقول:
أولا: إن وصف الله بالاختلاط والمشاركة في المكان من أبطل الباطل، وأشد النقص لله عز وجل، والله عز وجل ذكر المعية والقرب ..... عن نفسه ممتدحًا أنه مع علوه على عرشه، فهو مع الخلق وإن كانوا أسفل منه، فإذا جعلوا الله في الأرض، فهذا النقص.
إذا جعلوا الله نفسه مع الإنسان في كل مكان والإنسان يدخل الكنف، هذا أعظم النقص، ولا نستطيع أن نقوله ولا لملك من ملوك الدنيا: إنك أنت في الكنف! لكن كيف نقوله لله عز وجل؟ وهل هذا إلا أعظم النقص والعياذ بالله!
(1)
.
ثانيا: أنه قد ثبت في الحديت الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" اهـ
(2)
.
فإذا كان هذا التفاوت الكبير بين مخلوقاته فالتفاوت الذي بين الخالق والمخلوقات ضرورة يكون فوق التصور ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: "ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم" اهـ
(3)
.
(1)
ينظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن العثيمين 1/ 409 بتصرف.
(2)
قد سبق التخريج.
(3)
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن آل الشيخ تصحيح الشيخ ابن باز، دار الفكر 1409 هـ ص:522.
فإذا كان حلول الإنسان في الخردلة من الممتنعات والمحالات فبأولى وأجل بطلانًا حلول الخالق في المخلوق ولله المثل الأعلى.
ثالثًا: "أنه يلزم على قول المخالطة هذا أحد أمرين لا ثالث لهما وكلاهما ممتنع: إما أن يكون الله متجزئا كل جزء منه في مكان، وإما أن يكون متعددًا، يعني كل إله في جهة ضرورة تعدد الأمكنة" اهـ
(1)
.
رابعا: "أن يقال (للاتحادية والحلولية): كل موجودين فإما أن يكون أحدهما قائمًا بنفسه أو قائمًا بالآخر، فإن كان قائمًا بالآخر امتنع قيام الآخر به ضرورة، وإن كان قائمًا بنفسه فحقيقته خارجة عن حقيقة الآخر ضرورة والإلزام اتحادهما، وإذا كانت حقيقة خارجة عن حقيقة الآخر كان مباينًا له بالضرورة، هذا برهان ضروري لا يقدح فيه إلا ما يقدح في سائر الضروريات" اهـ
(2)
.
خامسا: "أن يقال للمعطلة (والاتحادية والحلولية): تنزيهكم له سبحانه عن كونه مباينًا لخلقه تنزيه له عن غناه ووجوده، تنزيهكم له عن استوائه على عرشه تنزيه له عن كماله، والمثبت لو شبهه بخلقه بافترائكم وكذبكم عليه تعالى الله عن ذلك لكان قد أثبت موجودًا قائمًا بنفسه مباينًا لخلقه، له الكمال المطلق مع نوع تشبيه، وهذا خير من تنزهكم، وأقرب إلى العقول والفطر فكيف (يكون فيه نوع من التشبيه) وهو مع ذلك يثبت أنه لا يماثل خلقه ولا يشابههم" اهـ
(3)
. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(4)
.
(1)
المصدر السابق: 1/ 409.
(2)
الصواعق المرسلة لابن القيم: 4/ 1311.
(3)
المرجع السابق: 4/ 1314.
(4)
سورة الشورى: 11.
سادسا: أن يقال (لهم): هل للرب تعالى ماهية متميزة على سائر الماهيات يختص بها لذاته أم تقولون لا ماهية له، فإن قلتم: بالثاني كان هذا إنكارًا له سبحانه وجحودًا وجعله وجودًا مطلقًا لا ماهية له، وإن قلتم: بل له ذات مخصوصة وماهية متميزة عن سائر الماهيات قيل لكم: ماهيته وذاته سبحانه غير متناهية بل ذاهبة في الأبعاد إلى غير نهاية أم متناهية، فإن قلتم: بالأول لزم منه محالات غير واحدة
(1)
، وإن قلتم: بالثاني بطل قولكم، ولزم إثبات المباينة والجهة وهذا لا محيد عنه
(2)
.
سابعًا: أنه ليست كل معية تقتضي المخالطة والمصاحبة بل المعية لها ثلاث إطلاقات:
الأول: معية تقتضي المخالطة مثل أن يقال اسقوني لبنًا مع ماء أي مخلوطًا بماء.
الثاني: معية تقتضي المصاحبة في المكان مثل أن يقال وجدت فلانًا مع فلانٍ أي يمشيان جميعًا وينزلان جميعًا.
الثالث: وهناك معية لا تقتضي الاختلاط ولا المشاركة في المكان، مثل أن يقال فلان مع جنوده، وإن كان هو في غرفة القيادة إنما يوجههم ولا يشاركهم في المكان
(3)
.
ثامنا: إن التفسير الصحيح الوارد عن السلف في فهم وشرح النصوص الدالة على القرب والمعية
(4)
نفسه أكبر دليل على بطلان استدلال الحلولية والاتحادية.
فالتفسير الصحيح كما يلي:
(1)
كما قال الرازي: "وإن كان غير متناهٍ فهذا محال لأن القول بإثبات بعد لا نهاية له باطل بالبراهين اليقينية .... (التفسير الكبير للرازي 7/ 12).
(2)
الصواعق المرسلة لابن القيم: 4/ 1322.
(3)
ينظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن العثيمين: 1/ 408.
(4)
قد سبق أن ذكرنا النصوص بالتفصيل في مقدمة هذا المطلب، وهنا نذكر تفسيرها الصحيح.
قول الله تعالى في سورة المجادلة: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ...... }
(1)
.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "وعني بقوله: {هُوَ رَابِعُهُمْ} بمعنى أنه شاهدهم بعلمه وهو على عرشه. كما حدثني عبد الله ابن أبي زياد قال حدثني نضر بن ميمون المضروب، قال: ثنا بكير بن معروف عن مقاتل ابن حبان عن الضحاك في قوله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} إلى قوله {هُوَ مَعَهُمْ} قال: هو فوق العرش وعلمه معهم" اهـ
(2)
.
وقال ابن كثير رحمه الله: "حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى ولا شك في إرادة ذلك، ولكن سمعه أيضًا مع علمه بهم وبصره نافذ فيهم، فهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه لا يغيب عنه من أمورهم شيء، ثم قال تعالى: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقال الإمام أحمد: افتتح الآية بالعلم واختتمها بالعلم" اهـ
(3)
.
وأما آية سورة يونس
(4)
فجاء فيها ذكر العلم والشهادة فلا استدلال فيها ولا تمسك فيها لمن ذهب إلى الاختلاط والحلول.
وفي سورة "ق" قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}
(5)
.
يقول الطبري في معناه: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما تحدث به نفسه، فلا يخفى علينا سرائره وضمائر قلبه ..... " اهـ
(6)
.
(1)
سورة المجادلة: 7.
(2)
جامع البيان للطبري 14/ 12 - 13.
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 4/ 345.
(4)
وما تكون من شأن ...... الآية (سورة يونس: 61).
(5)
سورة ق: 16.
(6)
جامع البيان للطبري: 13/ 157.
وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}
(1)
فقال بعضهم معناه: نحن أملك به وأقرب إليه في المقدرة عليه، وقال آخرون: بل معنى ذلك: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} بالعلم بما توسوس به نفسه" اهـ
(2)
.
وقال القرطبي رحمه الله: "أي نحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه، وليس على وجه قرب المسافة، وقيل أي ونحن أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه، وقيل: أي ونحن أعلم بما توسوس نفسه من حبل وريده الذي هو من نفسه، لأنه عرق يخالط القلب فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب، روي معناه عن مقاتل: الوريد عرق يخالط القلب، وهذا القرب قرب العلم والقدرة، وأبعاض الإنسان يحجب البعض البعض ولا يحجب علم الله شيء" اهـ
(3)
.
وأما في قوله تعالى في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
(4)
فبعد أن ذكر استواءه على العرش بدأ بذكر العلم واختتم بذكر البصر، إذًا معنى القرب فيها قرب العلم والبصر، يقول ابن جرير الطبري رحمه الله في قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}:"وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم وهو على عرشه فوق سماواته السبع" اهـ
(5)
.
وأما الحديث القدسي فقال في شرحه ابن حجر رحمه الله: "قد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره الخ؟ والجواب من أوجه:
أحدها أنه ورد على سبيل التمثيل، والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري، فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح.
(1)
سورة ق: 17.
(2)
جامع البيان للطبري: 13/ 157.
(3)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 17/ 9.
(4)
سورة الحديد: 4.
(5)
جامع البيان للطبري: 13/ 216.
ثانيها: أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به.
ثالثها: المعنى أجعل له مقاصده كأنه يناله بسمعه وبصره الخ.
رابعها: كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه.
خامسها: قال الفاكهاني وسبقه إلى معناه ابن هبيرة هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف، والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل استماعه، وحافظ بصره كذلك الخ.
سادسها: قال الفاكهاني: يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله، وهو أن يكون معنى سمعه مسموعة، لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان أملى مأمولى، المعنى أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابي ولا يأنس إلا بمناجاتي ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاي ورجله كذلك.
والاتحادية زعموا أنه على حقيقة وأن الحق عين العبد .... (ولكن) على الأوجه (السابقة) كلها فلا متمسك فيه للاتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة لقوله في بقية الحديث .. ولئن سألني، ولئن استعاذني فإنه كالتصريح في الرد عليهم" اهـ
(1)
.
قد يحتج بعض أهل التعطيل على أهل السنة، ويقول أنتم تمنعون التأويل وأنتم تؤولون في المعية.
فنقول: إن المعية حق على حقيقتها، وأن كونه معنا حق على حقيقة وكلام السلف ليس تأويلًا للمعية إنما تفسير لمقتضى المعية، فمن فسرها من السلف بالمقتضى، فلحاجة دعت إلى ذلك وهو الرد على أهل الحلول والجهمية الذين ينكرون العلو كما تقدم، والقرآن يفسر بالمطابقة وبالمفهوم وبالاستلزام والمقتضى وغير ذلك من
(1)
فتح الباري لابن حجر العسقلاني: 11/ 344 - 345.