المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

.

اختيار الشيخ: اختار أن المتسحر يأكل ويشرب إذا كان شاكا في طلوع الفجر حتى يتيقن، فقال عند حديث:«إذا سمع النداء أحدكم فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» (1) ، وكان قد ذكر ست معاني لهذا الحديث، ثم ختم قائلا:"والراجح عندي هو المعنى الثالث ثم الرابع ثم الثاني"(2).

والمعنى الثاني الذي ذكره ورجحه: "هو محمول على من سمع الأذان وهو يشك في طلوع الفجر وبقاء الليل ويتردد فيهما، فيجوز له الأكل والشرب؛ لأن الأصل بقاء الليل حتى يتبين له طلوع الفجر الصادق باليقين أو بالظن الغالب"(3).

تحرير محل الخلاف: اتفق الفقهاء أن من أكل أو شرب أو جامع قبل طلوع الفجر فصيامه صحيح (4).

واختلفوا في من أكل أو شرب وهو شاك في طلوع الفجر على قولين.

القول الأول: من شك في طلوع الفجر ثم أكل أو شرب لم يجب عليه القضاء.

وبه قال: الحنفية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7)، والظاهرية (8)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: من شك في طلوع الفجر لزمه الإمساك عن الأكل والشرب وجميع المفطرات، فإن لم يمسك وجب عليه القضاء.

وبه قال: المالكية (9).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم سببان والله أعلم:

(1) سيأتي تخريجه إن شاء الله ص (335).

(2)

مرعاة المفاتيح 6/ 470.

(3)

المصدر السابق 6/ 469.

(4)

الإقناع لابن القطان 1/ 231، ومراتب الإجماع ص 39، والكافي لابن عبد البر 1/ 351، والإنصاف للمرداوي 3/ 330.

(5)

بدائع الصنائع 2/ 105، المحيط البرهاني 2/ 373، البناية 4/ 105، تبيين الحقائق 1/ 342.

(6)

الحاوي 3/ 416، حلية العلماء 3/ 161، البيان 3/ 500، المجموع 6/ 306.

(7)

مسائل أحمد رواية أبي داود ص 134، المغني 3/ 147، الفروع 5/ 30، الإنصاف 3/ 330.

(8)

المحلى 4/ 366.

(9)

المدونة 1/ 266، الكافي 1/ 351، القوانين الفقهية ص 81، منح الجليل 2/ 134.

ص: 335

السبب الأول: اختلافهم في معنى قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (1)، هل هو باقي على عمومه أو هو مخصوص؟ (2).

والسبب الثاني: هل يستصحب حال إباحة الأكل والشرب أو يستصحب حال وجوب الصيام؟ (3).

أدلة القول الأول: القائلين بأن من شك في طلوع الفجر ثم أكل أو شرب لم يجب عليه القضاء.

الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (4).

وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى قد مد الأكل والشرب إلى غاية التبين، ومن أكل أو شرب وهو شاك؛ فقد أكل قبل أن يتبين له الخيط الأبيض، فكان المعنى: جواز اتصال الأكل والشرب بطلوع الفجر (5).

الدليل الثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» ، ثم قال: وكان رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت. (6).

وجه الاستدلال: أن في الحديث جواز الفطر إلى طلوع الفجر، وبالتالي جواز الأكل مع الشك في طلوعه؛ لأن الأصل بقاء الليل (7).

الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» (8).

(1) سورة البقرة: آية: 187.

(2)

ينظر: مناهج التحصيل 2/ 106.

(3)

ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه 2/ 703.

(4)

سورة البقرة: آية: 187.

(5)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 496 - 532، الاستذكار 3/ 345، المغني 3/ 148.

(6)

أخرجه البخاري 1/ 127 رقم 617، في الصوم، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، واللفظ له، ومسلم 2/ 768 رقم 1092، في الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل

(7)

ينظر: المسالك شرح الموطأ 2/ 339، وشرح الزرقاني للموطأ 1/ 289.

(8)

رواه أبو داود 2/ 304 رقم 2350، في الصوم، باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده، وأحمد 16/ 368 رقم 10629، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 115:"إسناده حسن صحيح".

ص: 336

وجه الاستدلال: أن الحديث محمول على من سمع الأذان وهو يشك في طلوع الفجر وبقاء الليل ويتردد فيهما فيجوز له الأكل والشرب؛ لأن الأصل بقاء الليل حتى يتبين له طلوع الفجر الصادق باليقين أو بالظن الغالب (1).

الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفجر فجران: فأما الأول فإنه لا يُحَرِّم الطعام، ولا يُحِلّ الصلاة، وأما الثاني، فإنه يُحرِّم الطعام، ويُحِلّ الصلاة» (2).

الدليل الخامس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: «إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا» (3).

الدليل السادس: أن رجلا قال لابن عباس رضي الله عنه: متى أدع السحور؟ فقال رجل: إذا شككت، فقال ابن عباس:«كل ما شككت حتى يتبين لك» (4).

الدليل السابع: عن ابن عباس رضي الله عنه أنه أرسل رجُلين ينظران إلى الفجر فقال أحدهما: أصبحت، وقال الآخر: لا، قال:«اختَلَفتُما، أرني شرابي» (5).

وجه الاستدلال: أن قول ابن عباس أرني شرابي جار على الأصل أنه يحل الشرب والأكل حتى يتبين الفجر، ولو كان قد تبين لما اختلف الرجلان فيه؛ لأن خبريهما تعارضا فتساقطا؛ والأصل بقاء الليل (6).

الدليل الثامن: ولأن الليل متيقن منه، والنهار مشكوك فيه، فلا يترك هذا اليقين إلا بيقين مثله (7).

(1) ينظر: مرعاة المفاتيح 6/ 469، وينظر: معالم السنن 2/ 106.

(2)

رواه ابن خزيمة في صحيحه 2/ 928 رقم 1927، باب الدليل على أن الفجر هما فجران

، والحاكم في المستدرك 1/ 587 رقم 1549، وقال:"حديث صحيح الإسناد"، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 364 رقم 8003، كتاب الصيام، باب الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم، وصححه الألباني في الصحيحة 2/ 307 رقم 693.

(3)

رواه ابن أبي شيبة 2/ 288 رقم 9066، كتاب الصيام، في الرجل يشك في الفجر طلع أم لا.

(4)

رواه البيهقي في الكبرى 4/ 374 رقم 8038، كتاب الصيام، باب من أكل وهو شاك في طلوع الفجر.

(5)

رواه البيهقي في الكبرى 4/ 374 رقم 8039، كتاب الصيام، باب من أكل وهو شاك في طلوع الفجر.

(6)

ينظر المجموع 6/ 306، كشاف القناع 2/ 331.

(7)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 105، والمحيط البرهاني 2/ 373، درر الحكام 1/ 204، والبيان 3/ 500، الحاوي الكبير 3/ 416، المغني 3/ 148، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 496.

ص: 337

أدلة القول الثاني: القائلين بأن من شك في طلوع الفجر لزمه الإمساك عن الأكل والشرب وجميع المفطرات، فإن لم يمسك وجب عليه القضاء.

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (1).

وجه الاستدلال: أن الآية مخصصة بالعادة التي ركب الله تعالى عليها بني آدم؛ وذلك أن أكثرهم لا يقدرون على إدراك أوائل الفجر؛ لأن ذلك مما يدِقّ ويَرِقّ، ولا يكاد يدركه إلا آحادٌ من الناس، وفي ذلك تَغرير بالصوم. والعبادات تتنزه عن الإغرار والأخطار؛ لأنها في الذِمَّة بتَيَقّن، فلا تبرأ إلا بيقين. ومقارنةُ النية بالفجر محل الخطر، فيُحمَل قوله تعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ} ، على القرب (2).

الدليل الثاني: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» ، وكان رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت (3).

وجه الاستدلال: أن الحديث مؤول، ومعناه: قاربتَ الصباح (4).

وتأويل مقاربة الصباح موجودة في الأصول، بدليل قوله تعالى:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (5) ، وهذا معناه قارَبن بلوغ أجلهن؛ ولو بلغن أجلهن لم يكن لأزواجهن إمساكهن بالمراجعة لهن وقد انقضت عدتهن (6).

الدليل الثالث: أنهم متفقون على أن الصائم إذا أكل أو شرب شاكا في غروب الشمس أن عليه القضاء، فوجب أن يتفقوا على أن من أكل أو شرب شاكا في طلوع الفجر أن يجب عليه القضاء؛ بعِلَّة: حصول الأكل والشرب في وقت شك، هو ليل أو نهار (7).

الدليل الرابع: ولأن الصائم يلزمه اعتراف طرفي النهار، وذلك لا يكون إلا بتقدم شيء وإن قَلَّ من السحر وآخر شيء من الليل (8).

(1) سورة البقرة: آية: 187.

(2)

ينظر: مناهج التحصيل 2/ 106.

(3)

سبق تخريجه صفحة (335).

(4)

ينظر: الاستذكار 1/ 405، ومناهج التحصيل 2/ 106، وإكمال المعلم 4/ 28.

(5)

سورة البقرة: آية: 231.

(6)

ينظر: الاستذكار 1/ 406، التمهيد 10/ 63.

(7)

ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 441، والمغني 3/ 148.

(8)

ينظر: الاستذكار 3/ 345، وشرح العمدة كتاب الصيام 1/ 533، والإقناع للماوردي ص 74.

ص: 338

الدليل الخامس: ولأن الأصل بقاء الصوم في ذمته، فلا يسقط بالشك، فيلزمه القضاء (1).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول أنه يجوز للصائم الأكل والشرب وإن شك في طلوع الفجر؛ لقوة أدلتهم، ولصحة دلالتها على المطلوب؛ ولأن الآية واضحة في جواز الأكل والشرب حتى طلوع الفجر، لأن الغاية في قوله:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} داخلة في المغيَّا؛ لأنها محدودة بحرف (حتى). فيكون المعنى جواز اتصال الأكل والشرب بطلوع الفجر (2).

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بالآية: فقد مضى وجه الاستدلال الصحيح منها في أدلة القول الأول، فلا حاجة لإعادته هنا.

ثانيا: وأما قولهم: في حديث ابن أم مكتوم أن الحديث مؤول ومعناه قاربت الصباح، فيجاب عنه:

أنه قد جاء ما يقطع العذر، ويرفع الاحتمال، ويسد باب التأويل؛ وهو ما أخرجه البخاري في هذا الحديث من الزيادة:«فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» (3) ، وهذا نص في الباب (4).

ثالثا: وأما قياسهم من أكل شاكا في طلوع الفجر على من أكل شاكا في غروب الشمس، فيجاب عنه: أنه قياس غير صحيح؛ لأن الأصل بقاء النهار، فإذا أكل قبل أن يعلم الغروب، فقد أكل في الوقت الذي يُحكَم بأنه نهار، وإذا أكل قبل أن يتبين الفجر، فقد أكل في الوقت الذي يُحكَم بأنه ليل. ولأن الله سبحانه قال:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، فمن أكل وهو شاك، فقد أكل قبل أن يتبين له الخيط الأبيض. ولأن الأكل مع الشك في طلوع الفجر جائز، والأكل مع الشك في الغروب غير جائز. وإذا فعل الجائز، لم يفطر (5).

(1) ينظر: شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب 1/ 173، عيون المسائل له ص 215.

(2)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 532.

(3)

رواه البخاري 3/ 29 رقم 1918، كتاب الصوم، باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«لا يمنعنّكم من سحوركم أذان بلال» .

(4)

ينظر: مناهج التحصيل 2/ 106، وشرح الموطأ للزرقاني 1/ 291.

(5)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 496، والمغني 3/ 148، وبدائع الصنائع 2/ 106.

ص: 339

رابعا: وأما قولهم: إن الصائم يلزمه اعتراف طرفي النهار، وذلك لا يكون إلا بتقدم شيء وإن قَلَّ من السحر وآخر شيء من الليل، فيجاب عنه:

أن هذا التزام لصوم ما لم يأمر الله بصيامه، مع مخالفة الآثار في تعجيل الفطر وتأخير السحور وهي متواترة صحاح (1).

خامسا: وأما قولهم: بإيجاب القضاء على من أكل شاكا، فيجاب عنه:

أن إيجاب القضاء إيجاب فرض فلا ينبغي أن يكون إلا بيقين، ومن أكل شاكا لم يتبين له أنه قد أكل بعد طلوع الفجر (2). والله أعلم.

(1) ينظر: الاستذكار 3/ 345.

(2)

ينظر: الاستذكار 3/ 345، وتبيين الحقائق 1/ 342، وبدائع الصنائع 2/ 105.

ص: 340