المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

.

اختيار الشيخ: اختار عدم انعقاد النذر وعدم صحته، فقال:"والراجح عندي في المسألة الأولى هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد من عدم انعقاد النذر وعدم صحته"(1).

تحرير محل الخلاف: أجمع العلماء على تحريم صيام عيد الفطر، وعيد الأضحى، سواء صيما عن نذر، أو تطوع، أو كفارة، أو غير ذلك (2). واختلفوا في من نذر صيامهما لعينيهما أي: يقصدهما بالصيام، هل ينعقد نذره وعليه قضاؤه أم لا؟ على قولين:

القول الأول: لا يصح نذر صيام العيدين، ولا ينعقد، ويجب فطرهما، ولا يقضي.

وبه قال: أبو حنيفة في رواية محمد عنه (3) ، والمالكية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة في رواية (6)، والظاهرية (7)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: يصح نذر صوم العيدين ويجب فطرهما وقضاؤهما.

وبه قال: الحنفية في ظاهر الرواية (8) ، ورواية عند الحنابلة عليها أكثر الحنابلة (9).

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 68.

(2)

الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 232، شرح مسلم للنووي 8/ 15، الذخيرة 2/ 497، البيان 3/ 561، المغني 3/ 169، عمدة القاري 11/ 109.

(3)

الأصل للشيباني 2/ 242، المبسوط 3/ 95، البناية 4/ 113، النهر الفائق 2/ 39.

(4)

النوادر والزيادات 2/ 66، الكافي 1/ 460، الذخيرة 2/ 497، التوضيح لخليل 2/ 453. تنبيه: يذكر بعض أهل العلم عن المالكية في وجوب قضاء يوم النحر قولان، والذي حققه علماء المالكية أن خلافهم ذلك في من نذر صيام أيام ذي الحجة، فهل يقضي يوم النحر أم لا؟ . أما من نذر صيام يوم العيد بعينه فلا خلاف عندهم في أن نذره لا ينعقد، وأنه لا يقضي. ينظر: المعلم 2/ 60.

(5)

نهاية المطلب 18/ 454، العزيز 12/ 380، روضة الطالبين 3/ 319، تحفة المحتاج 2/ 204.

(6)

شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 640، الفروع 11/ 82، المبدع 8/ 131، الإنصاف 11/ 134. عند الحنابلة في هذه الرواية: اختاروا أن عليه الكفارة، وإن لم يجب عليه القضاء. ينظر المغني 10/ 23.

(7)

المحلى 4/ 450.

(8)

المبسوط 3/ 95، بدائع الصنائع 5/ 83، النهر الفائق 2/ 39. وعندهم: إن صام في يوم العيد يخرج عن العهدة؛ لأنه أداه كما التزمه، وإن كان صيامه محرما. ينظر: البحر الرائق 2/ 316.

(9)

الفروع 11/ 82، منتهى الإرادات 5/ 253، الإنصاف 11/ 135، المنح الشافيات 2/ 765. واختلفت الرواية عنه: هل يكفر مع القضاء أم لا يكفر؟ . ينظر: المبدع 8/ 131.

ص: 492

سبب الخلاف: قال الحافظ ابن حجر: "وأصل الخلاف في هذه المسألة: أن النهي هل يقتضي صحة المنهي عنه"(1).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه لا يصح نذر صيام العيدين ولا ينعقد ويجب فطرهما ولا يقضي.

الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر» (2).

الدليل الثاني: عن أبي عبيد مولى ابن أَزْهَر (3) قال: شَهِدتُ العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: «هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر: تأكلون فيه من نسككم» (4).

وجه الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: حديث أبي سعيد يدل على المنع من صيام يومي العيد، ويقتضي ذلك عدم صحة صومهما بوجه من الوجوه، لا عن نذر ولا عن غيره (5).

الوجه الثاني: قوله في حديث عمر رضي الله عنه: «يوم فطركم من صيامكم» ، يدل على أنه من نذر صوم ذلك اليوم لم يلزمه صيامه، ولا قضاؤه؛ لأن هذا كالتعليل لوجوب الإفطار فيه، وقد وُسِم هذا اليوم بيوم الفطر، والفطر مضاد للصوم؛ ففي إجازة صومه إبطال لمعنى اسمه (6).

(1) فتح الباري 4/ 239.

(2)

رواه البخاري 3/ 42 رقم 1991، في الصوم باب صوم يوم الفطر، واللفظ له، ومسلم 2/ 799 رقم 1138، في الصيام باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

هو: سعد بن عبيد الزهري، أبو عبيد المدني، مولى عبد الرحمن بن أَزْهَر، ويقال مولى ابن عمه عبد الرحمن بن عوف، روى عن: عمر، وعلي، وعثمان، وأبي هريرة رضي الله عنهم، وغيرهم، وعنه: الزهري، وسعد بن خالد، وجماعة، قال ابن سعد: كان من القراء، وأهل الفقه ثقة، مات بالمدينة سنة 98 هـ. ينظر: الطبقات 5/ 86، تهذيب التهذيب 3/ 478، تاريخ الإسلام 2/ 1206.

(4)

رواه البخاري 3/ 42 رقم 1990، كتاب الصوم، باب صوم يوم الفطر، ومسلم 2/ 799 رقم 1137، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.

(5)

ينظر: إحكام الأحكام 2/ 35.

(6)

ينظر: معالم السنن 2/ 127 - 128.

ص: 493

الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين» (1).

الدليل الرابع: عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «النذر نذران: فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويُكَفِّره ما يُكفِّر اليمين» (2).

وجه الاستدلال: أن النذر الذي يجب الوفاء به هو نذر الطاعة دون المعصية، وصيام هذين اليومين معصية؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه. فالنذر لا ينعقد فيه، ولا يصح؛ كما لا يصح من الحائض لو نذرت أن تصوم أيام حيضها (3)، وتعويض يوم آخر ليس من مقتضى لفظ نذره، فلا معنى لإلزامه إياه (4).

الدليل الخامس: ولأنه تعمد نذر المعصية، فلم ينعقد نذره، ولم يوجب قضاء كسائر المعاصي (5).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يصح نذر صوم العيدين ويجب فطرهما وقضاؤهما.

الدليل الأول: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: إني نذرت أن أصوم يوما، فوافق يوم أضحى أو فطر، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:«أمر الله تعالى بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم» (6).

(1) رواه أبو داود 3/ 233 رقم 3292، كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، والترمذي 4/ 103 رقم 1525، أبواب النذور والأيمان، باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نذر في معصية، وقال:"هذا حديث غريب"، والنسائي 7/ 26 رقم 3835، كتاب الأيمان والنذور باب كفارة النذر، وابن ماجه 1/ 686 رقم 2125، كتاب الكفارات باب النذر في المعصية، وصححه الألباني في إرواء الغليل 8/ 214 رقم 2590.

(2)

رواه النسائي 7/ 28 رقم 3845، والبيهقي في الكبرى 10/ 121 رقم 20071، كتاب الأيمان باب من جعل فيه كفارة يمين، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 863 رقم 479.

(3)

ينظر: معالم السنن 2/ 128.

(4)

ينظر: المعلم للمازري 2/ 60.

(5)

ينظر: المغني 10/ 23، وينظر: البيان 3/ 562، المبسوط للسرخسي 3/ 96.

(6)

رواه البخاري 3/ 43 رقم 1994، في الصوم، باب صوم يوم النحر، ومسلم 2/ 800 رقم 1139، في الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، واللفظ له.

ص: 494

وجه الاستدلال: أن النهي لا ينفي مشروعية الأصل؛ وبيانه: أنه لو كان صوم يوم العيد ممنوعا منه لعينه ما توقف ابن عمر في الفتيا (1).

الدليل الثاني: أن من نذر صيام يوم العيد قد نذر صوما مشروعا في ذاته، وبيانه: أن صيامه ذلك هو كَفّ للنفس -التي هي عدو الله- عن شهواتها، ولا فرق في ذلك بين يوم ويوم، فكان من حيث حقيقته حسنا مشروعا، والنذر بما هو مشروع جائز. وما روي من النهي فإنما هو لغيره، وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى؛ لأن الناس أضياف الله تعالى في هذه الأيام. وإذا كان النهي لغيره لا يمنع صحته من حيث ذاته، فيجب الفطر؛ لئلا يصير معرضا عن ضيافة الكريم. ويجب القضاء باعتبار ذاته، ويجزئه إن صام فيها؛ لأنه أداه كما التزمه؛ فإن ما وجب ناقصا يجوز أن يؤدى ناقصا مع ارتكاب الحرمة الحاصلة من الإعراض (2).

الدليل الثالث: وقياسا على الصلاة في البيت المَغْصُوب (3): فكما أن الصلاة في البيت المَغْصوب تَصحّ، فكذا الصيام في يوم العيد يصح، وإن كان محرما (4).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أنه لا يصح نذر صيام العيدين، ولا ينعقد، ويجب فطرهما، ولا يقضي؛ لأنه نذر معصية، والنذر إنما يكون في الطاعة دون المعصية، فلا ينعقد هذا النذر، ولا يصح؛ كما لا يصح من الحائض لو نذرت أن تصوم أيام حيضها. ولم يأمر الله تعالى قط بالوفاء بنذر المعصية، وعليه فلا يشرع قضاؤه (5).

والذي يقوم بهذا الفعل، أعني: نذر صيام العيد بعينه، هو أحد رجُلين: إما جاهل فيُعلَّم، وإما مستهتر فيُؤدَّب، وعليه مع هذا كفارة يمين كما جاء مُبَيَّنا في حديث عائشة وعمران بن حصين رضي الله عنهما، كما مر معنا.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بأثر ابن عمر فيجاب عنه:

(1) ينظر: عمدة القاري 11/ 110، وفتح الباري 4/ 241.

(2)

ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 381، درر الحكام 4/ 211، والبحر الرائق 2/ 316.

(3)

الغَصْب: من غَصَبَه يَغْصِبه غَصْبا: أخذه ظُلما، وهو غاصب. ينظر: تاج العروس 3/ 484.

(4)

ينظر: حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 695.

(5)

ينظر: مرعاة المفاتيح 7/ 68.

ص: 495

أنه استدلال غير وجيه؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه لم يُسأل عن صوم يوم العيد بعينه، وإنما سئل عن من وافق نذره يوم العيد من غير قصد منه، وكان استدلالهم قد يكون وجيها لو سئل ابن عمر عن من تعمد صيام يوم العيد بعينه، ثم أجاب بما أجاب، أما والحال ما قد ذُكِرَ فلا وجه للاستدلال بأثر ابن عمر رضي الله عنهم.

والفرق بين الصورتين واضح: فالأول قصد بنذره صيام يوم محرم، فكان نذره غير منعقد. والثاني: قصد بنذره القربى بصوم يوم مباح، فوافق ذلك صيام يوم العيد، فأصل نذره صحيح، فافترقا، وهذه المسألة ستأتي معنا إن شاء الله (1).

ثانيا: وأما قولهم: إن هذا نذر بصوم مشروع، وما روي من النهي فإنما هو لغيره، فيجاب عنه:

أن أصل النذر في يوم العيد غير مشروع أصلا ولا ينعقد، ويبين ذلك ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يصلح الصيام في يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان» (2).

"وهذا كالنص على بطلان صوم العيدين، وإن يومي العيد ليسا بمحل للصوم شرعا؛ لأن حقيقة ذلك الخَبَرُ. فهو يُحمَل على حقيقته ما لم يَصرِف عنها صارف. فاقتضى ذلك إخبارا مِن النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذين اليومين لا يصلح فيهما الصيام، فلو بقي صائما مع إيقاعه الإمساك فيهما، لكان قد صلح الصيام فيهما من وجه. فثبت بذلك ما وقع من الإمساك ولو بنية الصوم من العبد في اليومين المذكورين، فليس بصيام عند الشرع؛ ليكون مخبره خبرا موجودا في سائر ما أخبر به. وهذا كله يُبطل القول بصحة نذر صوم العيد وإجزائه لو صام"(3).

ثالثا: وأما قياسهم صحة نذر صيام يوم العيد، على صحة الصلاة في البيت المغصوب، فيجاب عنه:

أن هذا قياس مع الفارق وبيانه: أن النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة ليس لذات الصلاة بل للإقامة وطلب الفعل لذات العبادة، بخلاف صوم يوم العيدين فإن النهي فيه لذات الصوم فافترقا (4).

(1) المسألة ستأتي صفحة (496).

(2)

رواه مسلم 2/ 799 رقم 1138، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

(3)

مرعاة المفاتيح، 7/ 68 - 69.

(4)

ينظر: فتح الباري 4/ 239.

ص: 496

علما أن الإمام أحمد في أشهر القولين عنه يرى أن الصلاة في الدار المغصوبة لا تصح (1).

وقد بَيَّن الإمام ابن دقيق العيد الفرق بينهما بأحسن بيان.

فقال: "بيانه: أن النهي ورد عن صوم يوم العيد، والناذر له معلق لنذره بما تعلق به النهي، وهذا بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة، -عند من يقول بصحتها-: فإنه لم يحصل التلازم بين جهة العموم، أعني: كونها صلاة، وبين جهة الخصوص، أعني: كونها حصولا في مكان مغصوب، وأعني بعدم التلازم ههنا: عدمه في الشريعة؛ فإن الشرع وَجَّه الأمر إلى مطلق الصلاة، والنهي إلى مطلق الغَصْب. وتلازُمهما واجتماعهما إنما هو في فعل المكلف، لا في الشريعة. فلم يتعلق النهي شرعا بهذا الخصوص. بخلاف صوم يوم العيد، فإن النهي ورد عن خصوصه، فتلازمت جهة العموم وجهة الخصوص في الشريعة، وتعلق النهي بعين ما وقع في النذر، فلا يكون قربة"(2).

وللإمام القرافي كلاما نفيسا في الفرق بينهما (3)، لم أورده خشية الإطالة. والله أعلم.

(1) ينظر: المغني 2/ 56، والمحرر للمجد 1/ 148.

(2)

إحكام الأحكام 2/ 35.

(3)

ينظر: الذخيرة 2/ 497، والفروق 2/ 183 - 184.

ص: 497