المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

؟ .

اختيار الشيخ: اختار وجوب القضاء فقال: "الراجح عندي هو الوجه الأول فيجب عليه القضاء، والله تعالى أعلم"(1).

تحرير محل الخلاف: أجمع أهل العلم على أن لا شيء على الصائم فيما يبتلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على الامتناع منه (2).

تحرير المسألة: تأتي هذه المسألة عند الفقهاء ولها شقان:

الشق الأول: من توضأ وهو صائم، فغلبه الماء في المضمضة والاستنشاق دون أن يبالغ فيهما، وهذه المسألة ليست معنا؛ لأن الشيخ لم يرجح فيها شيئا.

الشق الثاني: من توضأ وهو صائم، فغلبه الماء عند المضمضة والاستنشاق بسبب أنه بالغ فيهما، أو زاد على الثلاث، وهذه المسألة هي التي رجح فيها الشيخ ما ذُكِر في اختياره (3).

وقد اختلفوا فيها على قولين:

القول الأول: يفسد صومه، ويمسك وعليه قضاء ذلك اليوم.

وبه قال: الحنفية (4)، والمالكية (5) ، والشافعية في الصحيح (6)، والحنابلة في رواية (7) ، وهو اختيار الشيخ رحمه الله.

(1) مرعاة المفاتيح 6/ 531. انظر الحاشية رقم ثلاثة.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 49، الإشراف له 3/ 134، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 237.

(3)

نقل الشيخ كلام الموفق في المغني 3/ 124، حيث قال: "فأما إن أسرف فزاد على الثلاث أو بالغ في الاستنشاق فقد فعل مكروها

فإن وصل إلى حلقه فقال أحمد يعجبني أن يعيد الصوم، وهل يفطر بذلك؟ على وجهين

". فقال الشيخ مرجحا: "قلت: الراجح عندي هو الوجه الأول فيجب عليه القضاء والله تعالى أعلم". مرعاة المفاتيح 6/ 531.

(4)

المبسوط 3/ 66، بدائع الصنائع 2/ 91، تحفة الفقهاء 1/ 354، رد المحتار 2/ 401. وعندهم: إذا لم يكن ذاكرا لصومه وغلبه الماء فلا قضاء عليه وصيامه صحيح. تنظر المصادر السابقة.

(5)

المدونة 1/ 271، الإشراف 1/ 437، الذخيرة 2/ 508، التاج والإكليل 3/ 350. ولا فرق عندهم: بين أن يكون ذاكرا لصومه أو ناسيا في إيجاب القضاء، ولكنهم يوجبونه في الفرض دون النفل.

(6)

مختصر المزني 8/ 154، الحاوي الكبير 3/ 457، المجموع 6/ 327، كفاية النبيه 6/ 322.

(7)

الهداية ص 158، المغني 3/ 124، المحرر 1/ 229، المنح الشافيات 1/ 329.

ص: 570

القول الثاني: لا يفطر وهو باقي على صيامه.

وبه قال: الشافعية في قول (1)، والحنابلة في المذهب (2) ، والظاهرية (3).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم -والله أعلم-: هل من تعمد المبالغة في الاستنشاق والاستنثار أو من زاد عن الثلاث في الوضوء، يضمنُ ما ترتب عن فعله أو لا يضمن؟ .

أدلة القول الأول: القائلين يفسد صومه، ويمسك وعليه قضاء ذلك اليوم.

الدليل الأول: عن لَقِيط بْن صَبِرَة (4) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««بالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائما» (5).

وجه الاستدلال: أن النهي عن المبالغة التي فيها كمال السنة عند الصوم دليل على أن دخول الماء في حلقه مفسد لصومه (6).

قال الكاساني: "ومعلوم أن استثناءه حالة الصوم للاحتراز عن فساد الصوم؛ وإلا لم يكن للاستثناء معنى"(7).

الدليل الثاني: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: هششت فقَبَّلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما، قَبَّلت وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم» ، قلت: لا بأس به، قال:«ففيم؟ » (8).

(1) الحاوي الكبير 3/ 457، التنبيه ص 66، المجموع 6/ 326، كفاية النبيه 6/ 32.

(2)

الهداية ص 158، الكافي 1/ 443، الشرح الكبير 3/ 44، المحرر 1/ 229.

(3)

المحلى 4/ 349، 435.

(4)

هو: لَقِيط بن عامر بن صَبِرة بن عبد الله بن المنتفق، له صحبة، روى عنه: وكيع بن عدس، وابنه عاصم بن لقيط، روى له البخارِي في الأدب، والباقون سوى مسلم. ينظر: الاستيعاب 3/ 1340، الإصابة 5/ 508، وتهذيب الكمال 24/ 248، وتهذيب التهذيب 8/ 456.

(5)

رواه أبو داود 2/ 308 رقم 2366، في الصوم، باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق، والترمذي 3/ 146 رقم 788، في الصيام، باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم، وابن ماجه 1/ 142 رقم 407، في الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/ 241.

(6)

ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 66، والمعتصر من المختصر 1/ 12، وشرح العمدة كتاب الصيام 1/ 469.

(7)

بدائع الصنائع 2/ 91.

(8)

سبق تخريجه صفحة (269).

ص: 571

وجه الاستدلال: أنه صلى الله عليه وسلم شَبَّه القُبلة بالمضمضة، ووجه الشبه: أنه إذا قَبَّل فأنزل، بطل صومه؛ فكذلك إذا تَمَضْمَض فوصل إلى جوفه، بطل صومه، ويقاس الاستنشاق عليها (1).

قال ابن تيمية: "فشَبَّه القُبلة بالمضمضة في أن كُلّا منهما مقدمة لغيره، فإذا لم يحصل ذلك الغير لم يؤثر، فيجب إذا حصل ذلك الغير أن يؤثر. والمضمضة مقدمة الأكل، والقُبلة مقدمة الإنزال، ولولا أنهما مُستوِيان في الموضعين لَما حسُن قياس أحدهما بالآخر"(2).

الدليل الثالث: أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثم قال:«هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظَلَم» (3).

وجه الاستدلال: أن من توضأ، فزاد على الثلاث في المضمضة والاستنشاق، فاعل لما نُهِي عنه بنص هذا الحديث، فإذا غلبه الماء في الرابعة، لم يُضمَن ما ترتَّب عن فِعله؛ لأنه ارتكب ما لم يؤذَن له فيه، فكان ضامنا لما أفسده (4).

الدليل الرابع: ولأن المُبالَغة منهي عنها في الصوم، وما نَتَج عن سبب منهي عنه فهو كالمباشر لذلك السبب، والدليل عليه: أنه إذا جرح إنسانا فمات، جُعِل كأنه باشرَ قَتْلَه (5).

الدليل الخامس: ولأن وصول الماء إلى الجوف وهو ذاكرٌ لصومه -وإن أَخطأَ في الفِعل-، ليس إلا لتقصير في الاحتراز، فيُناسِب الفساد؛ إذ فيه نوع إضافة إليه، بخلاف النسيان (6).

الدليل السادس: ولأن الماء وصل بفعل منهي عنه، فأشبه التعمد (7).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يفطر وهو باقي على صيامه.

(1) ينظر: كفاية النبيه 6/ 322، والحاوي الكبير 3/ 458.

(2)

شرح العمدة 1/ 469.

(3)

رواه النسائي 1/ 88 رقم 140، في الطهارة باب: الاعتداء في الوضوء، وابن ماجه 1/ 146 رقم 422، في الطهارة باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه، وأحمد 11/ 277 رقم 6684، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 6/ 1196:"هذا إسناد حسن".

(4)

ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 469، وبدائع الصنائع 2/ 91.

(5)

ينظر: المجموع 6/ 326، كفاية النبيه 6/ 323.

(6)

ينظر: فتح القدير لابن الهمام 2/ 329.

(7)

ينظر: المغني 3/ 124، والشرح الكبير 3/ 44.

ص: 572

الدليل الأول: لأن فعله ذلك كان بغير اختياره؛ فكان مغلوبا عليه. ولأن الماء وصل إلى حلقه من غير قصد؛ فأشْبَه غبار الطريق إذا وصل إلى حلقه (1).

قال الماوردي: "أنه مغلوب على هذا الفعل؛ فصار بمثابة من أُكرِه على الأكل. ولأنه واصل إلى جوفه من غير قَصدِه، فوجب أن لا يفطر؛ أصله الذباب إذا طار إلى حَلقه"(2).

الدليل الثاني: ولأن الشرع أَذِن له في السبب -الذي هو المضمضة والاستنشاق في الوضوء- فلم يؤاخذه بما نَتَج عنه، (كالسِراية)(3) عند إقامة الحدود؛ فإنها غير مضمونة (4).

الدليل الثالث: ولأن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف، وتارة بما ينفصل عنه. ثم تقرر أن ما ينفصل عنه بلا اختيار كالقيء والإنزال لا يفطر؛ فكذلك ما وصل إليه من المضمضة والاستنشاق بالاختيار لا يفطر (5).

الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أنه يفطر وعليه قضاء ذلك اليوم؛ لصحة أدلتهم، ولدلالتها على المطلوب، وحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه واضح الدلالة على ذلك؛ لأن استثناءه صلى الله عليه وسلم المبالغة حال الصوم من أجل الاحتراز عن فساد الصوم، وإلا لم يكن للاستثناء معنى كما قرَّره الكاساني (6).

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما قولهم: إن فعله ذلك كان بغير اختياره، فكان مغلوبا عليه. ولأن الماء وصل إلى حلقه، من غير قصد، فيجاب عنه:

(1) ينظر: المغني 3/ 124، المنح الشافيات 1/ 329، المحلى 4/ 349، المجموع 6/ 326.

(2)

الحاوي الكبير 3/ 458.

(3)

قال في المصباح المنير 1/ 275: "قول الفقهاء سرى الجرح إلى النفس، معناه: دام ألمه حتى حدث منه الموت. وقطع كفه فسرى إلى ساعده، أي: تعدى أثر الجرح. وسرى التحريم، وسرى العتق، بمعنى التعدية. وهذه الألفاظ جارية على ألسنة الفقهاء وليس لها ذكر في الكتب المشهورة".

(4)

ينظر: شرح العمدة 1/ 466 - 467.

(5)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 458.

(6)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 91.

ص: 573

أن الماء لا يسبق الحلق في المضمضة والاستنشاق عادةً إلا عند المبالغة فيهما، والمبالغةُ منهي عنها في حق الصائم، فكان في مبالغته متعديا فلم يُعذر (1).

ثانيا: وأما قولهم: إن الشرع أذن له في السبب -الذي هو المضمضة والاستنشاق في الوضوء- فلم يؤاخذه بما نتج عنه، كالسراية عند إقامة الحدود، فإنها غير مضمونة، فيجاب عنه:

أن فِعله هذا نَتَج عن فعل منهي عنه، فكان كالمباشِر للفِعل؛ بدليل: أنه لو جَرَح إنسانا فمات، لم يُعذر، وكان فِعله ذلك كمباشرَة قَتْله (2).

ثالثا: وأما قولهم: إن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف، وتارة بما ينفصل عنه. ثم تقرر أن ما ينفصل عنه بلا اختيار كالقيء والإنزال، لا يفطر، فكذلك ما وصل إليه من المضمضة والاستنشاق بالاختيار لا يفطر، فيجاب عنه:

أن هذا الدليل قد يكون لصالح أصحاب القول الأول، فيقال: إن الفطر يقع تارة بما يصل إلى الجوف، وتارة بما ينفصل عنه. ثم تقرر أن ما ينفصل عنه باختيار كالاستقاء والاستمناء يُفَطِّر، فكذلك ما وصل إليه من المضمضة والاستنشاق بالاختيار يُفَطِّر؛ وذلك أن المستقيء والمستمني قد باشرا السبب المنهي عنه الذي بسببه كان الفطر، والمُبالِغ في المضمضة والاستنشاق أيضا قد باشر السبب المنهي عنه الذي بسببه كان الفطر. والله أعلم.

(1) ينظر: بدائع الصنائع 2/ 91، تحفة الفقهاء 1/ 354.

(2)

ينظر: كفاية النبيه 6/ 322.

ص: 574