المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

.

اختيار الشيخ: اختار استحباب قضاء اعتكاف النفل لمن اعتاده، فقال:"قلت في الحديث (1) دليل على أن من اعتاد اعتكاف أيام ثم لم يمكنه أن يعتكفها أنه يستحب له قضاؤها، فكان قضاؤه صلى الله عليه وسلم له على طريق الاستحباب"(2).

تحرير محل الخلاف: لا خلاف بين الفقهاء في قضاء الاعتكاف الواجب بالنذر إذا قطعه (3).

واختلفوا في قضاء الاعتكاف المندوب، على قولين:

القول الأول: يجب قضاء الاعتكاف المندوب إذا شرع فيه ثم قطعه.

وبه قال: الحنفية في رواية الحسن اللؤْلُؤِي (4) عن أبي حنيفة (5) ، والمالكية (6).

القول الثاني: يستحب قضاء الاعتكاف المندوب إذا شرع فيه ثم قطعه.

وبه قال: الحنفية في رواية الأصل (7) ، والشافعية (8) ، والحنابلة (9)، وهو اختيار الشيخ.

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يجب قضاء الاعتكاف المندوب إذا شرع فيه ثم قطعه.

الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية، فقال:«ما هذا» ؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال

(1) يعني حديث عائشة الآتي ذِكره في نفس الصفحة (657).

(2)

مرعاة المفاتيح 7/ 156.

(3)

ينظر: بداية المجتهد 2/ 82، بدائع الصنائع 2/ 117، المغني 3/ 196، فتح القدير لابن الهمام 2/ 400.

(4)

هو: الحسن بن زياد اللؤْلُؤِي، صاحب الإمام أبي حنيفة، نسبته إلى بيع اللؤلؤ، من أهل الكوفة، نزل ببغداد، أخذ عن: أبي يوسف القاضي، وغيره، توفي سنة 204 هـ، من كتبه: أدب القاضي؛ والخراج. ينظر: الجواهر المضية 1/ 193؛ والفوائد البهية ص 60؛ والأعلام 2/ 205.

(5)

بدائع الصنائع 2/ 115، تحفة الفقهاء 1/ 373، الجوهرة النيرة 1/ 146، البناية 4/ 125، رد المحتار 2/ 447.

(6)

المدونة 1/ 295، الرسالة ص 63، المعونة 1/ 495، جامع الأمهات ص 181.

(7)

بدائع الصنائع 2/ 115، تحفة الفقهاء 1/ 373، الجوهرة النيرة 1/ 146، البناية 4/ 125، رد المحتار 2/ 447.

(8)

المجموع 6/ 490، العزيز 3/ 259، روضة الطالبين 2/ 396، الغرر البهية 2/ 238.

(9)

الكافي 1/ 459، المغني 3/ 198، شرح الزركشي 3/ 13، المبدع 3/ 63.

ص: 660

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آلبر أردن بهذا؟ ! ما أنا بمعتكف» . فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال (1).

وجه الاستدلال: في هذا الحديث أن الاعتكاف يلزم إذا نوى المكلف الدخول فيه، فإذا دخل الإنسان ثم قطعه لزمه قضاؤه (2).

قال الإمام مالك: "والمتطوع في الاعتكاف، والذي عليه الاعتكاف، أمرهما واحد. فيما يحل لهما ويحرم عليهما. ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اعتكافه إلا تطوعا"(3).

قال الزرقاني -مُعلِّقا على كلام الإمام مالك-: "وقد قضاه لمّا قطعه للعذر؛ فَيُفيد وجوب قضاء الاعتكاف التطوع لمن قطعه بعد الدخول فيه"(4).

الدليل الثاني: ولأن المعتكِف التزم أداء عبادة، فوجب إتمامها؛ صيانةً للمؤدى عن البُطلان. ومَسَّت الحاجة إلى صيانة المؤدى ههنا؛ لأن القَدْر المؤدى انعقد قُربةً، فيحتاج إلى صيانةٍ، وذلك بالمضي فيه إلى آخر اليوم (5).

الدليل الثالث: وقياسا على من قطع حج النفل عمدا أو مُكرَها، فإنه يجب عليه قضاؤه؛ فكذا هنا (6).

الدليل الرابع: ولأنها عبادة لها تعلق بالمسجد، يَحرُم فيها الجِماع ويُبطِلها، فلزِمت بالدخول فيها كالحج (7).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يستحب قضاء الاعتكاف المندوب إذا شرع فيه ثم قطعه.

الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك

(1) رواه البخاري 3/ 51 رقم 2045، في الاعتكاف، باب من أراد أن يعتكف، ثم بدا له أن يخرج، واللفظ له، ومسلم 2/ 831 رقم 1172، في الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف.

(2)

ينظر: الاستذكار 3/ 398، شرح الزرقاني للموطأ 2/ 313.

(3)

الموطأ 1130/ 327.

(4)

شرح الموطأ 2/ 314.

(5)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 115، ورد المحتار 2/ 444، والمنتقى للباجي 2/ 84.

(6)

ينظر: الاستذكار 3/ 398، والمعونة 1/ 495.

(7)

ينظر: المعونة 1/ 495.

ص: 661

زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية، فقال:«ما هذا» ؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آلبر أردن بهذا؟ ! ما أنا بمعتكف» . فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال (1).

وجه الاستدلال: في الحديث جواز الخروج من نفل الاعتكاف، وأنه لا يجب قضاؤه إن تَرَكه، وأما قضاؤه صلى الله عليه وسلم فعلى طريق الاستحباب.

قال ابن قدامة: "إن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه، ولو كان واجبا لما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب أبنيتهن له، ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب، ولا أُمِرْن بالقضاء. وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم له لم يكن واجبا عليه، وإنما فعله تطوعا؛ لأنه كان إذا عمل عملا أثبته، وكان فعله لقضائه كفعله لأدائه، على سبيل التطوع به، لا على سبيل الإيجاب، كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر. فتَرْكُه له دليل على عدم الوجوب؛ لتحريم ترك الواجب، وفعله للقضاء لا يدل على الوجوب؛ لأن قضاء السنن مشروع"(2).

الدليل الثاني: ولأن الاعتكاف غير مقدر بالشرع، فأشبه الصدقة، وقد انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر، وشرع في الصدقة به، فأخرج بعضه، لم تلزمه الصدقة بباقيه، فكذا الاعتكاف (3).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يستحب قضاء الاعتكاف المندوب لمن شرع فيه ثم قطعه ولا يجب؛ لصحة أدلة هذا القول، ولأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنقَل عنهن أنهن قَضَيْن اعتكافهن، ولا أَمَرَهن النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجبا لأمرهن صلى الله عليه وسلم به (4)، ولأن القول بوجوب قضاء النفل مبني على القول بوجوب إتمام النفل بعد الشروع فيه، والراجح خلافه (5)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج من اعتكافه بعد أن شرع فيه لو كان واجبا بالشروع.

(1) سبق تخريجه صفحة (657 - 658).

(2)

المغني 3/ 187.

(3)

ينظر: المغني 3/ 187، والشرح الكبير 3/ 119 - 120.

(4)

ينظر: إرشاد الساري 3/ 442.

(5)

ينظر: فتح الباري 4/ 277.

ص: 662

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم في شوال ما تركه من اعتكاف في رمضان، -على وجوب قضاء اعتكاف النفل فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم لما تركه من الاعتكاف في رمضان كان على سبيل الاستحباب؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته، ولو كان القضاء واجبا لاعتكف معه نساؤه أيضا في شوال، ولم ينقل عنهنّ ذلك، ولا أَمَرَهنّ صلى الله عليه وسلم به (1).

الثاني: أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للاعتكاف بعد شروعه فيه دليل على عدم وجوبه بالشروع، وبالتالي عدم وجوب قضائه، وذلك لتحريم ترك الواجب؟ ! (2).

ثانيا: وأما قياسهم الاعتكاف على الحج والعمرة فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن الوصول إلى الحج والعمرة لا يحصل في الغالب إلا بعد كُلْفَة عظيمة، ومشقة شديدة، وإنفاق مال كثير، ففي إبطالهما تضييع لماله، وإبطال لأعماله الكثيرة. وقد نُهينا عن إضاعة المال، وإبطال الأعمال (3). وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع، ولا عمل يبطل، فإن ما مضى من اعتكافه، لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل (4).

الثاني: أن نُسُك الحج والعمرة يتعلق بالمسجد الحرام على الخصوص، والاعتكاف ليس مخصوصا به (5). والله أعلم.

(1) ينظر: المغني 3/ 187، وعون المعبود 7/ 99، وتحفة الأحوذي 3/ 434.

(2)

ينظر: المغني 3/ 187.

(3)

سورة الإسراءآية 29، وسورة محمد آية:33.

(4)

ينظر: المغني 3/ 187، والشرح الكبير 3/ 120.

(5)

ينظر: المغني 3/ 187، والشرح الكبير 3/ 120.

ص: 663