المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

؟ .

اختيار الشيخ: اختار جواز الاعتكاف في المساجد الثلاثة وغيرها، فقال:"فيصح الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة"(1).

تحرير محل الخلاف: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف جائز في المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسجد بيت المقدس (2).

واختلفوا في الاعتكاف في ما سِواها من المساجد على قولين:

القول الأول: يجوز الاعتكاف في المساجد الثلاثة وغيرها من المساجد.

وهو قول جمهور أهل العلم من: الحنفية (3) ، والمالكية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة (6)، والظاهرية (7)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: لا يجوز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسجد بيت المقدس.

وهو قول: حذيفة بن اليمان رضي الله عنه (8).

سبب الخلاف: سبب اختلافهم: معارضة العموم الوارد في الآية، الذي يقتضي جواز الاعتكاف في جميع المساجد، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم من تخصيص صحة الاعتكاف بالمساجد الثلاثة (9).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه يجوز الاعتكاف في المساجد الثلاثة وغيرها من المساجد.

الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (10).

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 166.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 50، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 242، بدائع الصنائع 2/ 113.

(3)

بدائع الصنائع 2/ 113، الهداية 1/ 129، تحفة الفقهاء 1/ 373، درر الحكام 1/ 212.

(4)

الرسالة ص 63، الكافي 1/ 353، التلقين 1/ 76، مواهب الجليل 2/ 455.

(5)

الأم 2/ 118، العزيز 3/ 262، البيان 3/ 589، روضة الطالبين 2/ 398.

(6)

الهداية ص 166، الكافي 1/ 455، شرح الزركشي 3/ 7، منتهى الإرادات 2/ 45.

(7)

المحلى 3/ 428.

(8)

الإشراف لابن المنذر 3/ 160، الاستذكار 3/ 385، المغني 3/ 189، المسالك 4/ 25.

(9)

ينظر: بداية المجتهد 2/ 77.

(10)

سورة البقرة: آية: 187.

ص: 671

وجه الاستدلال: أن لفظ المساجد في الآية جاء عاما، يتناول كل المساجد (1).

قال الإمام مالك: "فَعَمَّ الله المساجد كلها، ولم يُخَصِّص منها شيئا"(2).

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «السُنَّة على المعتكِف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع» (3).

وجه الاستدلال: أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذكرت أن السُنَّة الاعتكاف في كل مسجد جامع، ولم تَخُصَّ الاعتكاف بالمساجد الثلاثة.

الدليل الثالث: عن شداد بن الْأَزْمَع (4)، قال: اعتكف رجل في المسجد الأعظم، وضرب خيمة فَحَصَبَه (5) الناس، فبَلَغ ذلك ابن مسعود رضي الله عنه:«فأرسل إليه رجلا، فكفَّ الناس عنه، وحَسَّن ذلك» (6).

وجه الاستدلال: أن ابن مسعود رضي الله عنه حَسَّن اعتكاف هذا الرجل في مسجد الكوفة، ولم ينكر عليه فعله ذلك.

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه لا يجوز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسجد بيت المقدس.

استدل أصحاب هذا القول بما جاء عن حذيفة أنه قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: عُكوفٌ بين دارك ودار أبي موسى، لا تُغَيِّر؟ ، وقد عَلِمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا اعتكاف إلا

(1) ينظر: تفسير الرازي 5/ 276، المحلى 3/ 428.

(2)

الموطأ 3/ 450 رقم 1113، كتاب الاعتكاف، باب ذكر الاعتكاف، وينظر: الاستذكار 3/ 386.

(3)

سبق تخريجه صفحة (627).

(4)

هو: شداد الْأَزْمَع بن أبي بُثَيْنَة بن عبد الله، الوادعي الكوفي، وكان هو وأخوه الحارث بن الأزمع شريفين بالكوفة، وسمع شداد من: عبد الله بن مسعود، وعمرو بن العاص، روى عنه: قيس بن أبي حازم، وعلي بن الأقمر، توفي شداد بالكوفة في ولاية بشر بن مروان، وكان ثقة قليل الحديث. ينظر: الطبقات الكبرى 6/ 196، التاريخ الكبير 4/ 225، طبقات خليفة ص 251.

(5)

الحَصْبُ: رميُك بالحَصْباء أي صغار الحَصى أو كبارها. ينظر: كتاب العين 3/ 123.

(6)

رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 347 رقم 8015، كتاب الاعتكاف، باب لا جوار إلا في مسجد جماعة، وابن أبي شيبة في المصنف 2/ 337 رقم 9671، كتاب الصيام، من قال: لا اعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 302، رقم 9512.

ص: 672

في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومسجد بيت المقدس» ، قال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا، وأخطأت وأصابوا (1).

وفي رواية: جاء حذيفة إلى عبد الله رضي الله عنه فقال: «ألا أعجبك من قومك عُكوفٌ بين دارك ودار الأَشْعَري» يعني: المسجد؟ . قال عبد الله: «ولعلهم أصابوا وأخطأتَ» ، فقال حذيفة:«وما أُبَالي أَعْتَكِف فيه أو في سوقِكم هذه» (2).

وفي رواية: «وكان الذين اعتكفوا، فعاب عليهم حذيفة في مسجد الكُوفة (3) الأكبر» (4).

وجه الاستدلال: أن حذيفة ¢ أنكر على من اعتكف في غير المساجد الثلاثة، ونسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الاعتكاف لا يصح إلا فيها. وجعل الاعتكاف في سوى المساجد الثلاثة مساويا للاعتكاف في السوق.

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن الاعتكاف جائز في المساجد الثلاثة وفي غيرها من المساجد؛ وذلك لصحة ما استدل به أصحاب هذا القول؛ ولأن الآية جاءت عامة ولم تخصص مسجدا من غيره.

وأما الجواب عن حديث: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» ، فيكون بأربعة أجوبة:

الجواب الأول: أن قول ابن مسعود لحذيفة رضي الله عنهما عندما استدل بالحديث -إن ثبت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «لعلك نسيتَ وحَفِظوا، وأَخطأتَ وأصابوا» ، يدل على أن ما ذكره حذيفة ¢ كان ابن مسعود ¢ يعلمه؛ لكنه قد نُسِخ.

(1) رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار 7/ 201 رقم 2771، بيان مشكل ما روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المساجد التي لا يجوز الاعتكاف إلا فيها، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 519 رقم 8574، كتاب الصيام، باب الاعتكاف في المسجد، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 2786:"وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين".

(2)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 337 رقم 9669، كتاب الصيام، من قال: لا اعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه.

(3)

الكُوفَة: هي: المصر المشهور بأرض بابل من أرض العراق، سمّيت الكوفة لاستدارتها أو لاجتماع الناس بها، وقيل غير ذلك. أَسَّسها سعد بن أبي وقاص سنة 17 للهجرة. ينظر: مراصد الاطلاع 3/ 1187، معجم البلدان 4/ 491، معجم المعالم الجغرافية ص 267.

(4)

رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 347 رقم 8014، كتاب الاعتكاف، باب لا جوار إلا في مسجد جماعة، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 301 رقم 9510.

ص: 673

فمعنى كلام ابن مسعود ¢: فلعلهم قد حَفِظوا عن النبي صلى الله عليه وسلم إباحةَ ذلك، بعد أن كان جوازُه مقصورا على المساجد الثلاثة، ولعلهم أصابوا في فِعلهم ذلك، وأخطأت في إنكارك عليهم.

قال الطحاوي: "فتأملنا هذا الحديث، فوجدنا فيه: إخبار حُذَيفةَ ابنَ مسعودٍ أنه قد عَلِمَ ما ذَكَرَه له عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وَتَرْكُ ابنِ مسعودٍ إنكارَ ذلك عليه، وجَوابُه إياه بما أجابه به في ذلك مِن قوله: (لعلهم حَفِظوا) نَسَخ ما قد ذَكَرْتَهُ من ذلك، وأصابوا فيما قد فَعلوا "(1).

الجواب الثاني: يُحمَل حديث حذيفة -وهذا أيضا على القول بصحة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، على أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل وأعظم أجرا من الاعتكاف في غيرها؛ لما لها من الفضل الكبير (2).

قال الشيخ ابن عثيمين: "وإن صح هذا الحديث فالمراد به: لا اعتكاف تام، أي أن الاعتكاف في هذه المساجد أتم وأفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، كما أن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في المساجد الأخرى"(3).

الجواب الثالث: أن الراجح أن هذا الكلام من قول حذيفة رضي الله عنه وليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يُبيِّنه ما يلي:

أولا: أن أكثر الرواة رووه موقوفا على حذيفة رضي الله عنه، وهم أوثق ممن رفعه (4).

ثانيا: وقوع الشك في الرواية المرفوعة ففي رواية: «إلا المسجد الحرام» . وفي رواية: «إلا المساجد الثلاثة» . وفي رواية: «مسجد جماعة» (5).

وهذا الشك يضعف الاحتجاج بالحديث؛ لأن الشك لا يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) شرح مشكل الآثار 7/ 201.

(2)

ينظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 295، وبدائع الصنائع 2/ 113.

(3)

الشرح الممتع 6/ 502.

(4)

رواه عبد الرزاق في المصنف موقوفا 4/ 348 رقم 8016، كتاب الاعتكاف، باب لا جوار إلا في مسجد جماعة، وابن أبي شيبة 2/ 337 رقم 9669، كتاب الصيام، من قال لا اعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه، والطبراني في الكبير 9/ 302 رقم 9511.

(5)

تنظر الروايات بالشك في: السنن الكبرى للبيهقي رقم 8574، كتاب الصيام، باب الاعتكاف في المسجد، والمحلى 3/ 431.

ص: 674

قال ابن حزم: "قلنا: هذا شك من حذيفة أو ممن دونه، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك، ولو أنه عليه السلام قال: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» لَحَفِظَه الله تعالى علينا، ولم يدخل فيه شَكّ. فَصَحَّ يَقينا أنه عليه السلام لم يَقُلْه قَطّ"(1).

الجواب الرابع: وإذا كان قول حذيفة رضي الله عنه هذا موقوف عليه -وهو الراجح كما سبق-، فيكون إنكار ابن مسعود رضي الله عنه عليه؛ لِعِلْمٍ عنده بجواز هذا الفعل الذي أنكره حذيفة، فلذلك قال له:«لعلهم حَفِظوا ونَسيتَ وأصابوا وأخطأتَ» ، فَأَوْهَنَهُ في الرواية والحُكم.

فيكون ما ذكره حذيفة رضي الله عنه إنما هو اجتهاد منه، وقد خالفه فيه ابن مسعود رضي الله عنه، ولا مسوغ لترجيح اجتهاد حذيفة رضي الله عنه على اجتهاد غيره دون دليل. والله أعلم.

(1) المحلى 3/ 431.

ص: 675