الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم
.
اختيار الشيخ: اختار أن القُبلة تجوز لمن يملك نفسه دون من لا يملك نفسه فقال: "وقد ظهر مما ذكرنا: أنّ أعدل الأقوال وأقواها هو ما ذهب إليه الشافعي ومن وافقه، من التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث المختلفة"(1).
تحرير محل الخلاف: اتفق الفقهاء أن من قَبَّل وهو صائم، فلم ينزل منه شيء، أنه لا قضاء عليه (2).
واتفق عامّتهم أن من قَبَّل فأنزل أن عليه القضاء (3).
ثم اختلفوا في حكمها للصائم الذي لم ينزل منه شيء؛ على خمسة أقوال:
القول الأول: جواز القبلة للصائم، إذا لم يخف منها أن تدعوه إلى غيرها، مما يمنع منه الصائم، فإن دعت إلى ذلك بأن حركت شهوته فهي مكروهة.
وبه قال: الحنفية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة في المذهب (6).
ورواية عند: المالكية (7).
وروي هذا القول عن: ابن عباس ¢ في رواية. وهو قول: مَكْحُول (8)(9).
(1) مرعاة المفاتيح 6/ 484.
(2)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 237، الاستذكار 3/ 295، المغني 3/ 127.
(3)
الاستذكار 3/ 295، المغني 3/ 127، اختلاف الأئمة العلماء 1/ 238، طرح التثريب 4/ 136. وخالف ابن حزم لأنه يرى أن القبلة مستحبة للصائم مطلقا، سواء صاحبَها أنزال أم لا. ينظر: المحلى 4/ 338.
(4)
المبسوط 3/ 58، بدائع الصنائع 2/ 106، تبيين الحقائق 1/ 324، رد المحتار 2/ 417.
(5)
الأم 2/ 107، الحاوي 3/ 439، نهاية المطلب 4/ 45، المجموع 6/ 355، طرح التثريب 4/ 137.
(6)
مسائل أحمد وإسحاق 3/ 1240 - 1241، الهداية ص 160، المحرر 1/ 229، الفروع 5/ 25.
(7)
الاستذكار 3/ 296، التنبيه على مبادئ التوجيه 2/ 716، التاج والإكليل 3/ 332.
(8)
ينظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 316، ومصنف عبد الرزاق 4/ 184، والإشراف لابن المنذر 3/ 136، والتمهيد 5/ 111، والمحلى 4/ 344، وطرح التثريب 4/ 136 - 137.
(9)
هو: مَكْحُول الشامي الدمشقي، أبو عبد الله الفقيه التابعي، مولى هذيل، عالم أهل الشام وإمامهم، روى عن: ثوبان، وأنس، وغيرهما، وعنه: الزهري، وأبو حنيفة، وخلق، توفي سنة 113 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 5/ 156، تاريخ دمشق 60/ 197، تهذيب التهذيب 10/ 292، الأعلام 7/ 284.
وهو قول: الثوري (1)(2)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: أن القبلة مباحة للصائم، لا تكره له مطلقا.
وقال به: الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وسَعِيد بن جُبَيْر (3)(4).
ورُوِي هذا القول عن: عائشة، وابن عباس -في الرواية الأخرى-، وأبي هريرة رضي الله عنهم (5).
القول الثالث: تكره القبلة للصائم مطلقا.
وهو: مشهور مذهب المالكية (6)، ورواية عند الحنابلة (7).
وهو قول: عمر، وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم. وقول: عروة بن الزبير (8) ، والنَّخَعي (9)(10).
(1) هو: سفيان بن سعيد بن مَسْرُوق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، كان رأسا في التقوى، حدث عنه: أولاده؛ وشعبة، وغيرهم. توفي سنة 161 هـ، من مصنفاته: الجامع الكبير، والجامع الصغير في الحديث. ينظر: سير أعلام النبلاء 7/ 229، تاريخ بغداد 10/ 219، الأعلام 3/ 104.
(2)
الإشراف لابن المنذر 3/ 137، مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 493، سنن الترمذي 2/ 98.
(3)
هو: سعيد بن جُبَيْر بن هشام الأسدي الوَالِبِيُّ مولاهم، الكوفي من كبار التابعين، أخذ عن: أبيه، وابن عباس، وغيرهما، وعنه: الأعمش، وسليمان الأحول، وخلق، قتله الحجاج صبرا سنة 95 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 6/ 256، سير أعلام النبلاء 4/ 321، تهذيب التهذيب 4/ 13.
(4)
تنظر أقوالهم في: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 314، الإشراف لابن المنذر 3/ 136، التمهيد 5/ 114، المحلى 4/ 346 - 347، طرح التثريب 4/ 135.
(5)
تنظر أقوالهم في: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 314، مصنف عبد الرزاق 4/ 183، 185، الإشراف لابن المنذر 3/ 136، التمهيد 5/ 114، المحلى 4/ 345 - 346، طرح التثريب 4/ 135.
(6)
المدونة 1/ 268، المنتقى 2/ 46، الذخيرة 2/ 504، مختصر خليل ص 61، الفواكه الدواني 1/ 316.
(7)
الهداية ص 160، الكافي 1/ 449، المغني 3/ 128، المحرر 1/ 229، المبدع 3/ 38، الإنصاف 3/ 329.
(8)
هو: عُرْوَة بن الزبير بن العَوَّام القرشي، أمه أسماء بنت أبي بكر، من كبار التابعين، أحد الفقهاء السبعة، أخذ عن: أبيه، وأمه، وخالته عائشة، وعنه خلق كثير، توفي بالمدينة سنة 94 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 5/ 178، سير أعلام النبلاء 4/ 421، تهذيب التهذيب 7/ 184.
(9)
هو: إبراهيم بن يزيد بن قَيْس بن الأَسْوَد النَّخَعِيّ، أبو عمران الكوفي، فقيه أهل العراق، من كبار التابعين، أدرك بعض متأخري الصحابة، أخذ عنه: حماد بن أبي سليمان، وخلق، توفي سنة 196 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 6/ 270، سير أعلام النبلاء 4/ 520، الأعلام 1/ 80.
(10)
تنظر أقوالهم في: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 315 - 316، مصنف عبد الرزاق 4/ 186 - 187، التمهيد 5/ 110، المحلى 4/ 343 - 344، طرح التثريب 4/ 136 - 137.
القول الرابع: القُبلة تفسد الصوم، وعلى من قَبّل قضاء يوما مكان اليوم الذي قبل فيه.
وهو المشهور عن: ابن مسعود ¢.
وبه قال: أبو قِلابَة، ومَسْرُوق، وعبد الله بن شُبْرُمة (1)(2).
القول الخامس: استحباب القبلة للصائم.
وبه قال: ابن حزم (3).
أدلة القول الأول: القائلين بجواز القبلة للصائم، إذا لم يخف منها أن تدعوه إلى غيرها، مما يمنع منه الصائم، فإن دعت إلى ذلك بأن حركت شهوته فهي مكروهة.
الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَخّص في القبلة للشيخ وهو صائم، ونهى عنها الشاب، وقال: الشيخ يملك إربه، والشاب يفسد صومه» (4).
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «رُخِّصَ للشيخ أن يُقَبِّل وهو صائم، ونُهِي الشاب» (5).
وجه الاستدلال: أن نهيه صلى الله عليه وسلم للشاب وإذنه للشيخ يدل على أنه لا تباح القُبلة لمن خشي أن تغلبه الشهوة وظن أنه لا يملك نفسه عند التقبيل (6).
(1) هو: عبد الله بن شُبْرُمَةَ بن الطفيل بن حسان، أبو شبرمة الضَّبِّيُّ، القاضي فقيه أهل الكوفة. روى عن: أنس، وإبراهيم النخعي، وغيرهما، وروى عنه: ابنه عبد الملك، وشعبة، وابن المبارك، وآخرون، توفي سنة 144 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 6/ 350، سير أعلام النبلاء 6/ 347، تهذيب التهذيب 5/ 250.
(2)
تنظر أقوالهم في: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 315، مصنف عبد الرزاق 4/ 186، الإشراف لابن المنذر 3/ 136، التمهيد 5/ 110، المحلى 4/ 343، طرح التثريب 4/ 136، نخب الأفكار 8/ 484.
(3)
المحلى 4/ 338.
(4)
رواه البيهقي 4/ 391 رقم 8084، في الصيام، باب كراهية القبلة لمن حركت القبلة شهوته، وفي السنن الصغرى 2/ 98 رقم 1340، باب القبلة للصائم، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 149:"وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد؛ فإن رجاله كلهم ثقات".
(5)
رواه الطبراني في المعجم الكبير 11/ 59 رقم 11040، وعنه الضياء في المختارة 13/ 88 رقم 147، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 166:"رجاله رجال الصحيح"، ووافقه الألباني كما في السلسلة الصحيحة 4/ 139.
(6)
ينظر: نيل الأوطار 4/ 250.
وفُهِم من تعليله صلى الله عليه وسلم أن الحكم دائر مع تحريك الشهوة، والتعبير بالمعنى المذكور، أي: الشيخ والشاب، جرى على الغالب من أحوال الشيوخ في انكسار شهوتهم وأحوال الشباب في قوتها، فلو انعكس الأمر انعكس الحكم (1).
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل في شهر الصوم» (2).
وجه الاستدلال: الحديث نص في جواز التقبيل للصائم، وإنما قُيِّد بمن يملك نفسه لورود الأحاديث التي فرّقت بين من يملك نفسه ومن لا يملك نفسه كما مر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان آمِنًا على نفسه من المواقعة، وما تدعوا إليه القبلة من الشهوة، وغير ذي الشهوة يأخذ حكمه (3).
أدلة القول الثاني: القائلين بأن القُبلة مباحة للصائم، لا تكره له مطلقا.
الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّلها وهو صائم» (4).
وعنها أيضا: قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلني وهو صائم وأنا صائمة» (5).
وجه الاستدلال: الحديث دليل على إباحة القبلة للصائم، ولا فرق بين أن يكون الصائم شابا أو شيخا؛ لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت شابة، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم عنها وهي ابنت 18 سنة، فالتفريق بين الشاب والشيخ لا وجه له (6).
(1) ينظر: شرح الزرقاني للموطأ 2/ 245، وطرح التثريب 4/ 137، وإرشاد الساري 3/ 368، والمجموع 6/ 355. تنبيه: لا فرق بين مذهب الذين فرقوا بين من حركت القبلة شهوته وبين من لم تحركها، فأجازوها للثاني دون الأول، وبين من فرق بين الشاب والشيخ، فأجازوها للثاني دون الأول، لأن الغالب من شأن الشيخ انكسار شهوته، بخلاف الشاب، فإن الغالب قوتها، فالتعبير جرى على الأغلب من حاليهما، فلو انعكس الأمر، لانعكس الحكم. فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما. ينظر: مرعاة المفاتيح 6/ 484.
(2)
رواه مسلم 2/ 778 رقم 1106، كتاب الصيام، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.
(3)
ينظر: طرح التثريب 4/ 138، والمغني: 3/ 128.
(4)
رواه مسلم 2/ 778 رقم 1106، كتاب الصيام، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.
(5)
رواه أبو داود 2/ 311 رقم 2384، في الصوم، باب القبلة للصائم، وأحمد 42/ 287 رقم 25456، وقال محققه شعيب الأرنؤوط:"إسناده صحيح على شرط البخاري"، ووافقه الألباني كما في صحيح أبي داود 7/ 146.
(6)
ينظر: المحلى 4/ 341، فتح الباري 4/ 152، طرح التثريب 4/ 138، نيل الأوطار 4/ 250.
الدليل الثاني: عن عمر بن أبي سَلَمة (1) رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُقَبِّل الصائم؟ » ، فقال:«سل هذه» ؛ لأم سلمة؛ فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما والله إني لاتقاكم لله وأخشاكم له» (2).
وجه الاستدلال: الحديث صريح الدلالة في أن الشاب والشيخ سواء؛ لأن عمر حينئذ كان شابا، ولعله كان أول ما بلغ. وفيه دلالة أيضا على أنه ليس من خصائصه صلى الله عليه وسلم (3).
الدليل الثالث: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: هَشِشْت (4) فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟ » ، قلت: لا بأس به، قال:«فَفِيمَ (5)؟ » (6).
وجه الاستدلال: في الحديث الإشارة إلى فقه بديع: "وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم، وهي أول الشرب ومفتاحه، كما أن القُبلة من دواعي الجماع ومفتاحه. والشرب يفسد
(1) هو: عمر بن أبي سلمة، عبد الله بن عبد الأسد القرشي المخزومي، أبو حفص المدني، الحبشي المولد، ربيب النبي; أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، روى: عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمه، وعنه: ثابت البناني، وعروة، وعطاء، وغيرهم، استعمله علي رضي الله عنه على فارس وعلى البحرين، توفي سنة 83 هـ بالمدينة. ينظر: معرفة الصحابة 4/ 1939، سير أعلام النبلاء 3/ 406، تهذيب الكمال 21/ 372.
(2)
رواه مسلم 2/ 779 رقم 1108، كتاب الصيام، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.
(3)
ينظر: فتح الباري 4/ 151، وتحفة الأحوذي 3/ 350.
(4)
هَشِشْت، معناه: ارتحت وخففت لهذا الأمر واستبشرت، والهشاش في الأصل الارتياح والخفة والنشاط. ينظر: النهاية في غريب الحديث 5/ 263، وسبل السلام 2/ 158، وعون المعبود 7/ 9.
(5)
وفي لفظ أبي داود (فمَهْ)، أي: فماذا، للاستفهام، فأبدل الألف هاء للوقف والسكت، أي فلماذا السؤال إذا لم يكن به بأس، ينظر: عون المعبود 7/ 9.
(6)
رواه أحمد في المسند 1/ 286 رقم 139، وقال محققه شعيب الأرنؤوط:"إسناده صحيح على شرط مسلم"، واللفظ له، وأبو داود 2/ 311 رقم 2385، في الصوم، باب القبلة للصائم، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 147:"إسناده جيد على شرط مسلم، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان".
الصوم كما يفسده الجماع. وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام، فكذلك أوائل الجماع" (1).
الدليل الرابع: عن عَطاء بن يَسار (2) أن رجلا قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وَجْدا شديدا، فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم» ، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك؛ فزاده ذلك شرا؛ وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله يحل لرسول الله ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة، فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«ما لهذه المرأة» ، فأخبرته أم سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك» ، فقالت: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فأخبرته، فزاده ذلك شرا؛ وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحل الله لرسوله ما شاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:«والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده» (3).
وجه الاستدلال: في هذا الحديث من الفقه: أن القُبلة للصائم جائزة في رمضان وغيره، شابا كان أو شيخا؛ أخذا بظاهر الحديث وعمومه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للمرأة: هل زوجك شاب أم شيخ؟ ، ولو ورد الشرع بالفرق بينهما لما سكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المبيِّن عن الله مراده (4).
الدليل الخامس: عن عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها زوجها هنالك؛ وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق؛ وهو صائم، فقالت له عائشة:«ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها» ، فقال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: «نعم» (5).
(1) ينظر: فتح الباري 4/ 152، المغني 3/ 127، شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 243.
(2)
هو: عطاء بن يسار الهلالي، أبو محمد المدني القاص، مولى أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، من كبار التابعين وعلمائهم، روى عن: معاذ بن جبل، وابن عمر، وابن عباس، وغيرهم، وعنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وزيد بن أسلم، وعمرو بن دينار، وغيرهما، توفي سنة 103 هـ. ينظر: طبقات ابن سعد 5/ 173، وسير أعلام النبلاء 4/ 448، وتهذيب الكمال 20/ 125.
(3)
رواه مالك في الموطأ ص/291، في الصيام باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم، وعنه الشافعي في المسند 2/ 116 رقم 644، في الصيام باب قبلة الرجل امرأته وهو صائم.
(4)
الاستذكار 3/ 294، وينظر: نخب الأفكار للعيني 8/ 514.
(5)
سبق تخريجه صفحة (261).
وجه الاستدلال: هذا الحديث دليل على أن أم المؤمنين عائشة لا ترى تحريم القبلة والمباشرة للصائم، ولا أنها من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أنها تفرق بين الشاب والشيخ في ذلك، بل الكل عندها سواء؛ لأن عبد الله زوج عائشة بنت طلحة كان وقتها شابا (1).
الدليل السادس: عن أبي سعيد ¢ قال: «رخص النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للصائم، ورخص في الحجامة للصائم» (2).
وجه الاستدلال: الحديث دل على إباحة القبلة للصائم مطلقا، ولم يقيدها بذي شهوة ولا بغيره.
الدليل السابع: عن مسروق، سألت عائشة: ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت: «كل شيء إلا الجماع» (3).
وجه الاستدلال: فهذه عائشة رضي الله عنها تقول فيما يحرم على الصائم من امرأته وما يحل له منها ما قد ذُكِر، فدل ذلك على أن القبلة كانت مباحة عندها للصائم الذي يأمن على نفسه ومكروهة لغيره، ليس لأنها حرام عليه؛ ولكنه لا يأمن إذا فعلها من أن تغلبه شهوته فيقع فيما يحرم عليه (4).
الدليل الثامن: «سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن القُبلة للصائم؟ ، فرخص فيها» (5).
أدلة القول الثالث: القائلين بأنه تكره القبلة للصائم مطلقا.
الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها؛ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه» (6).
وجه الاستدلال: فمعنى كلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة، ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثله صلى الله عليه وسلم في استباحتها؛ لأنه يملك نفسه ويأمن الوقوع في قبلة
(1) ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 242، وفتح الباري 4/ 150، وإرشاد الساري 5/ 368، وينظر: المحلى 4/ 345.
(2)
سبق تخريجه صفحة (247).
(3)
سبق تخريجه صفحة (262).
(4)
نخب الأفكار للعيني 8/ 515.
(5)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 314 رقم 9401، في الصيام، باب من رخص في القبلة للصائم.
(6)
سبق تخريجه صفحة (260).
يتولد منها إنزال أو شهوة أو هيجان نفس ونحو ذلك، وأنتم لا تأمنون ذلك، فطريقكم الانكفاف عنها (1).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقَبِّل الرجل وهو صائم» (2).
وجه الاستدلال: الحديث دل على تحريم القبلة للصائم، ولكن لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قبل وهو صائم حملنا النهي على الكراهة جمعا بين الأدلة.
الدليل الثالث: عن عبد الله بن ثعلبة (3) -وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح على وجهه وأدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كانوا ينهوني عن القبلة، تخوفا أن أتقرب لأكثر منها، ثم إن المسلمين اليوم ينهوني عنها، ويقول قائلهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له من الحفظ ما ليس لأحد» (4).
الدليل الرابع: عن سعيد بن المُسَيِّب (5): «أن عمر رضي الله عنه نهى عن القُبلة للصائم» (6).
الدليل الخامس: عن ابن عمر رضي الله عنه في الذي يقبل وهو صائم: «ألا يُقَبِّل جمرة» (7).
(1) ينظر: شرح مسلم للنووي 7/ 217، وشرح الزرقاني للموطأ 2/ 244، وعون المعبود 7/ 8، وطرح التثريب 4/ 138.
(2)
رواه الطبراني في المعجم الأوسط 8/ 181 رقم 8337، وقال الهيثمي في المجمع 3/ 165:" وفيه الحارث بن نبهان قال ابن عدي: له أحاديث حسان، وهو ممن يكتب حديثه، وضعفه الأئمة".
(3)
هو: عبد الله بن ثَعْلَبَةَ بن صُعَيْر العُذْري، أبو محمد المدني الشاعر النسَّابة، له رؤية، حدث عن: أبيه، وعمر بن الخطاب، وجابر، وعنه: الزهري، وأخوه؛ عبد الله، توفي سنة 89 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 3/ 1602، سير أعلام النبلاء 3/ 503، تهذيب الكمال 14/ 353.
(4)
رواه الإمام أحمد 39/ 72 رقم 23669، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 95 رقم 3401، في الصيام، باب القبلة للصائم، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 165:"رجاله رجال الصحيح"، وقال محقق المسند الأرنؤوط:"إسناده صحيح على شرط البخاري".
(5)
هو: سعيد بن المُسَيِّبِ بن حَزْن بن أبي وهب، أبو محمد القرشي المخزومي، من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، وكان أحفظ الناس لأقضية عمر بن الخطاب وأحكامه حتى سمي راوية عمر، توفي بالمدينة سنة 94 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 5/ 119، سير أعلام النبلاء 4/ 217، تهذيب التهذيب 4/ 87.
(6)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 315 رقم 9410، في الصيام، باب من كره القبلة للصائم ولم يرخص فيها.
(7)
المصدر السابق، رقم 9413.
أدلة القول الرابع: القائلين بأن القبلة تفسد الصوم، وعلى من قبل قضاء يوما مكان اليوم الذي قبل فيه.
الدليل الأول: قول الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1).
وجه الاستدلال: أن الله عز وجل منع المباشرة في هذه الآية في نهار رمضان، والقُبلة من المباشرة المنهي عنها (2).
الدليل الثاني: عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم (3) قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قَبَّل امرأته وهما صائمان، فقال:«قد أفطرا» (4).
وجه الاستدلال: الحديث نص في فساد صوم من قبل وهو صائم.
الدليل الثالث: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظرني، فقلت: يا رسول الله، ما شأني؟ ، قال:«ألست الذي تُقَبِّل وأنت صائم» ؟ فقلت: والذي بعثك بالحق إني لا أُقَبِّل بعد هذا وأنا صائم، فأَقْرَبه، ثم قال:«نعم» (5).
(1) سورة البقرة: آية: 187.
(2)
ينظر: فتح الباري 4/ 150، ونيل الأوطار 4/ 251.
(3)
هي: ميمونة بنت سعد، أو سعيد، كانت تخدم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروت عنه، روى عنها: زياد، وعثمان ابنا أبي سودة، وهلال بن أبي هلال، وأبو يزيد الضّبي، وغيرهم، روى لها أصحاب السّنن الأربعة. ينظر: الاستيعاب 4/ 1918، الإصابة 8/ 324، تهذيب الكمال 35/ 313.
(4)
رواه ابن ماجة 1/ 538 رقم 1686، في الصيام، باب ما جاء في القبلة للصائم، والدارقطني في السنن 3/ 152 رقم 2270، في الصيام، باب القبلة للصائم، وقال:"لا يثبت هذا". وقال الألباني في ضعيف ابن ماجه رقم 1686: "ضعيف جدا".
(5)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 316 رقم 9423، في الصيام باب من كره القبلة للصائم ولم يرخص فيها، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 88 رقم 3358، في الصيام باب القبلة للصائم، واللفظ له، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 392 رقم 8092، وقال البوصيري في إتحاف المهرة 3/ 106 رقم 2303:"رواه إسحاق وأبو بكر بن أبي شيبة والبزار بسند ضعيف".
وجه الاستدلال: أن إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر وتعليل ذلك بأنه يُقَبِّل وهو صائم، دليل على أن القُبلة في حال الصيام مما يكرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لما كان أعرض عنه، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق؛ لأن الشيطان لا يتمثل به.
الدليل الرابع: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ «سئل عن الرجل يُقبِّل وهو صائم قال: يقضي يوما مكانه» (1).
أدلة القول الخامس: القائلين باستحباب القبلة للصائم.
الدليل الأول: قول الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (2).
وجه الاستدلال: أن الآية نصت أن المؤمن الحق هو من جعل النبي صلى الله عليه وسلم أسوته وقدوته في أفعاله وأقواله، ومما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم تقبيله زوجاته في يوم الصيام؛ فكان من السنة فعل ذلك.
الدليل الثاني: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «أهوى إلي (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُقَبِّلني، فقلت: إني صائمة، فقال: «وأنا صائم» ، فقَبَّلني» (4).
الدليل الثالث: واستدل ابن حزم بالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الثاني القائلين بإباحة القبلة مطلقا، كحديث الأنصاري الذي قبل امرأته، وحديث عمر بن أبي سلمة، وحديث عمر بن الخطاب، وحديث عائشة بنت طلحة.
وجه الاستدلال من تلك الأحاديث: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وإفتاءه من سأله بفعل ذلك دليل على أن القُبلة مستحبة.
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 186 رقم 7426، في الصيام باب القبلة للصائم، وابن أبي شيبة في المصنف 2/ 315 رقم 9425، من كره القبلة للصائم ولم يرخص فيها، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 314 رقم 9572، وقال الهيثمي في المجمع 3/ 166 رقم 4960:"رجاله ثقات".
(2)
سورة الأحزاب: آية: 21.
(3)
أي مالَ إلي ينظر: مشارق الأنوار 2/ 273
(4)
رواه الإمام أحمد 41/ 477 رقم 25022، وقال محققه الأرنؤوط:"إسناده صحيح على شرط البخاري"، والنسائي في السنن الكبرى 3/ 293 رقم 3038، في الصيام باب قبلة الصائمين، وابن خزيمة في صحيحه 3/ 246 رقم 2004، في الصيام، باب الرخصة في قبلة الصائم المرأة الصائمة، وقال محققه الأعظمي:"إسناده صحيح"، وينظر: صحيح أبي داود للألباني 7/ 146.
قال ابن حزم: "وصَحّ أنها -أي القبلة- حسنة مستحبة، سُنَّة من السُنَن، وقُربة إلى الله تعالى، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووقوفا عند فتياه بذلك"(1).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك نفسه؛ وذلك أن كثيرا من الأحاديث التي ذُكِرت هي موضع اشتراك في الاحتجاج بها بين أصحاب الأقوال المذكورة، إلا أن التفصيل المذكور في حديث عائشة، وابن عباس رضي الله عنهما، يقوي دلالتها على أن المقصود ما رآه أصحاب القول الأول من التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك، وكذا التفريق بين الشاب والشيخ.
وتحمل الأحاديث التي فيها النهي -إن صحت- على من لا يملك نفسه، وأما الأحاديث التي فيها جواز التقبيل فتحمل على من ملك إربه والله أعلم.
وأما الجواب عما استدل به الآخرون فيكون بما يلي:
أولا: يجاب عن أدلة المبيحين للقبلة مطلقا، بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فصل في الحكم، فلا معنى لإبقاء الأحاديث على عمومها بعد تفصيله صلى الله عليه وسلم والتفصيل المذكور هو ما جاء في أدلة القول الذي ترجح من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، من إباحة القبلة لمن ملك إربه، وهو ما عُبِّر عنه بالشيخ، ومنع من لم يملك إربه، وهو المُعبَّر عنه بالشاب؛ جريا على الأغلب من حاليهما.
وأيضا: فالأحاديث التي استدلوا بها في إباحة التقبيل للصائم عامة، والأحاديث القاضية بالتفصيل أخص منها، فيبنى العام على الخاص (2).
ثانيا: وأما استدلال أصحاب القول الثالث بحديث عائشة رضي الله عنها على كراهة التقبيل مطلقا والذي فيه قولها: «وأيكم أملك لإربه» ، فيجاب عنه:
أن كلام عائشة رضي الله عنها هذا محمول على من تحركت شهوته؛ لأن فيه تَعرُّضا لإفساد العبادة، كما أشعَر به قولها:«كان أملككم لإربه» . فحاصل ما أشارت إليه رضي الله عنها إباحة القبلة والمباشرة بغير جماع لمن ملك إربه دون من لا يملكه (3).
(1) المحلى 4/ 341.
(2)
ينظر: نيل الأوطار 4/ 251.
(3)
ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 242.
ثالثا: وأما استدلالهم بحديث أبي هريرة ¢ قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقبِّل الرجل وهو صائم» ، فيجاب عنه:
أن الحديث ضعيف ولا يصلح للاحتجاج به (1).
رابعا: وأما استدلالهم بحديث عبد الله بن ثعلبة ¢؛ فيجاب عنه:
أن سبب نهي الصحابة له عن التقبيل مُبيَّن في نفس الحديث، وهو خشية الوقوع فيما هو أكثر من القبلة، أي مما يفسد الصوم من جماع أو أنزال ونحوهما.
وقد اتفق العلماء على منع القبلة إذا دعت إلى ما يفسد الصوم كما ذُكِر في بداية المسألة.
قال العيني: "فقد بين في هذا الحديث المعنى الذي من أجله كرهها من كرهها للصائم، وأنه إنما هو خوفهم عليه منها أن تجره إلى ما هو أكثر منها. فذلك دليل على أنه إذا ارتفع ذلك المعنى الذي من أجله منعوه منها؛ أنها له مباحة"(2).
خامسا: وأما استدلالهم بأثر عمر أنه نهى عن القبلة، وعن ابن عمر رضي الله عنهما في الذي يقبل وهو صائم:«ألا يقبل جمرة» ، فيجاب عنه: أن هذا محمول على ما إذا لم يأمن على نفسه (3).
سادسا: وأما ما استدل به أصحاب القول الرابع من أن القبلة تفسد الصوم:
الأول: أما استدلالهم بالآية، فيجاب عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى وقد أباح القبلة نهارا، فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها (4).
الثاني: وأما استدلالهم بحديث ميمونة فيجاب عنه من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن الحديث ضعيف لا تقوم به الحجة (5).
(1) وسبب ضعفه أن في سنده الحارث بن نبهان، ضعفه الأئمة. ينظر: مجمع الزوائد 3/ 166.
(2)
نخب الأفكار 8/ 517.
(3)
ينظر: نخب الأفكار 8/ 488.
(4)
ينظر: فتح الباري 4/ 150، ونيل الأوطار 4/ 251.
(5)
في سنده: أبو يزيد الضبي، وهو ضعيف، ينظر: سنن الدارقطني 3/ 152، معرفة السنن والآثار 6/ 281. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة 10/ 226:"باطل".
الوجه الثاني: وعلى فرض صحته؛ فإنما يُفسَر بأنه صلى الله عليه وسلم قد أجاب عن صائمَين بأعيانهما، وعَلِمَ صلى الله عليه وسلم أنهما لا يملكان أنفسهما، فقال ذلك فيهما، أي أنه إذا كانت القبلة منهما، فقد كان معها غيرها مما يضرهما (1).
الوجه الثالث: أن حديث أبي سعيد الخدري ¢ في ترخيصه صلى الله عليه وسلم في القبلة للصائم ناسخ لهذا الحديث -وإن صح-؛ لأن الرخصة تأتي بعد المنع (2).
الثالث: وأما استدلالهم برؤية عمر ¢ للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن الحديث انفرد به راوي ضعيف فلا تقوم به الحجة (3).
الوجه الثاني: وعلى التسليم بصحة الحديث؛ فإن الشرائع لا تؤخذ من المنامات؛ لا سيما وقد افتى النبي صلى الله عليه وسلم عمر في اليقظة بإباحة القبلة، وهو في ذلك الوقت أشد وأقوى منه حين رأى هذا المنام، فمن المحال أن ينسخ صلى الله عليه وسلم تلك الإباحة بعد موته حين كان عمر أسن وأضعف من ذلك الوقت (4).
الرابع: وأما استدلالهم بأثر ابن مسعود ¢ فيجاب عنه:
أن هذا محمول على ما إذا قبل فأنزل، والتفسير الذي جاء في الأثر هو من بعض الرواة وليس من كلام ابن مسعود (5).
والدليل: أنه قد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ «أنه كان يباشر امرأته بنصف النهار، وهو صائم» (6).
سابعا: وأما ما استدل به ابن حزم من استحباب القبلة حتى وإن أفضت إلى الإنزال فيجاب عنه:
بأن القول بالاستحباب فيه شيء من المجازفة، وذلك لأمور:
الأمر الأول: أن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت في واحد منها بيان استحباب القبلة للصائم.
الأمر الثاني: أن هذا القول لم يقل به أحد من السلف.
(1) ينظر: شرح معاني الآثار 2/ 89.
(2)
ينظر: المحلى 4/ 343.
(3)
انفرد به عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف. ينظر: الجوهر النقي 4/ 232، وتقريب التهذيب 1/ 411.
(4)
ينظر الجوهر النقي 4/ 232.
(5)
ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 4/ 395، حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود 7/ 11.
(6)
سبق تخريجه صفحة (263).
الأمر الثالث: أن من مقاصد الصيام ترك الشهوة، ولا شك أن الإنزال هو الغاية من الشهوة، فكيف يقال تستحب القبلة وإن أنزل؟ ! . والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول:«قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي» (1).
والأصل أن ترك الشهوة من موجبات الصيام كترك الأكل والشرب، إلا أن النصوص استثنت القبلة والمباشرة للصائم، وبقي الجماع وما في معناه من الإنزال داخلا في هذا العموم.
والله أعلم.
(1) متفق عليه: رواه البخاري 3/ 26 رقم 1904، في الصيام، باب هل يقول إني صائم إذا شُتِم، ومسلم 2/ 807 رقم 1151، في الصيام، باب فضل الصيام، واللفظ له.