المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

.

اختيار الشيخ: اختار أن الناسي ليس عليه كفارة فقال: "وإذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي"(1).

وأما إسقاط القضاء فلاستدلاله بحديث: «من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة» (2)(3).

تحرير محل الخلاف: قد مر معنا مسألة: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم، وعرفنا أن العلماء قد اختلفوا في ذلك على قولين.

ومما اختلفوا فيه أيضا حكم من جامع وهو ناسي لصومه، على ثلاثة أقوال:

القول الأول: من جامع ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة.

وبه قال: الحنفية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة في رواية (6) ، والحسن البصري، والثوري، وإسحاق ابن راهويه (7) ، والظاهرية (8)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: عليه القضاء دون الكفارة.

وبه قال: المالكية في المشهور (9)، والحنابلة في رواية (10) ، ورَبِيعة (11)(12).

(1) مرعاة المفاتيح 6/ 497. أي في حديث أبي هريرة الآتي صفحة (375).

(2)

سبق تخريجه صفحة (320).

(3)

مرعاة المفاتيح 6/ 494.

(4)

بدائع الصنائع 2/ 90، تبيين الحقائق 1/ 322، البناية 4/ 36، البحر الرائق 2/ 291.

(5)

مختصر المزني 8/ 152، الحاوي الكبير 3/ 430، المهذب 1/ 335، المجموع 6/ 324.

(6)

الهداية ص 159، المغني 3/ 135، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 316، الإنصاف 3/ 311.

(7)

تنظر أقوالهم في: الإشراف لابن المنذر 3/ 127، التمهيد 7/ 178، المجموع 6/ 324، المغني 3/ 135.

(8)

ينظر: المحلى 4/ 335.

(9)

المدونة 1/ 277، الكافي 1/ 341، المعونة 1/ 475، التاج والإكليل 3/ 350.

(10)

شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 314، الإنصاف 3/ 311، حاشية الروض المربع 3/ 410.

(11)

هو: رَبِيْعَة بن أبي عبد الرحمن: فَرُّوْخ، القرشي التيمي بالولاء؛ أبو عثمان، إمام حافظ فقيه مجتهد، قيل له: ربيعة الرَّأْي، لقوله بالرأي فيما لا يجد فيه حديثا أو أثرا، كان صاحب الفتيا بالمدينة، وعليه تفقه الإمام مالك، توفي سنة 136 هـ. ينظر: السير 6/ 89، تهذيب الكمال 9/ 123، وتاريخ بغداد 9/ 414.

(12)

ينظر: التمهيد 7/ 179، الحاوي الكبير 3/ 430، المجموع 6/ 324، البيان 3/ 509.

ص: 373

وهو قول: الأوزاعي، والليث، وعطاء في رواية (1).

القول الثالث: عليه القضاء والكفارة.

وبه قال: الحنابلة في المذهب (2) ، وابن الماجشون من المالكية (3) ، وعطاء في رواية (4).

سبب الخلاف: قال ابن رشد: "وسبب اختلافهم: معارضة ظاهر الأثر في ذلك للقياس، أما القياس: فهو تشبيه ناسي الصوم بناسي الصلاة، وأما الأثر المعارض بظاهره لهذا القياس: فهو ما جاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» (5) "(6).

أدلة القول الأول: القائلين بأن من جامع ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة.

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» (7).

وجه الاستدلال: أن الحديث ورد في من أكل أو شرب ناسيا، لكنه معلول بعلة موجودة في الجماع ناسيا، وهي: أن هذا الفعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيص، بقوله صلى الله عليه وسلم:«فإنما أطعمه الله وسقاه» ، فقطع إضافته عن العبد؛ لوقوعه فيه من غير قصده واختياره، وهذا المعنى يوجد في الكل، والعلة إذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه (8)، ويتعمم الحكم بمعموم العلة، وكذا معنى الحرج يوجد في الكل (9).

(1) ينظر: التمهيد 7/ 179، المجموع 6/ 324.

(2)

المغني 3/ 135، الهداية ص 159، كشاف القناع 2/ 324، الإنصاف 3/ 311.

(3)

الكافي 1/ 341، القوانين الفقهية ص 83، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 432. ووصفه: ابن بشير بالشذوذ. ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه 2/ 719.

(4)

ينظر: التمهيد 7/ 179، المغني 3/ 135.

(5)

سبق تخريجه صفحة (320).

(6)

ينظر: بداية المجتهد 2/ 65 - 66.

(7)

سبق تخريجه صفحة (319).

(8)

ينظر: الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب 2/ 284، العدة لأبي يعلى 4/ 1372.

(9)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 90، وينظر: المهذب 1/ 335، والبيان 3/ 509، والمجموع 6/ 323.

ص: 374

وإنما ورد الحديث في الأكل والشرب؛ لأن الشارع علق الحكم بالغالب، وذلك لأن نسيان الجماع نادر بالنسبة إلى الأكل والشرب، والقاعدة:(أن الوصف إذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجة)(1)(2).

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة» (3).

وجه الاستدلال: أن في الحديث دليل على عدم وجوب القضاء عن المجامع؛ وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من أفطر في شهر رمضان» ؛ لأن الفطر أعم من أن يكون بأكل أو شرب أو جماع، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر في الطريق الأخرى لكونهما أغلب وقوعا، ولعدم الاستغناء عنهما غالبا (4).

الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه احترق، قال:«ما لك؟ » ، قال: أصبت أهلي في رمضان، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل يدعى العرق، فقال:«أين المحترق» قال: أنا، قال:«تصدق بهذا» (5).

وجه الاستدلال: في الحديث أن المجامع كان عامدا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «أين المحترق» ، فأثبت له حكم العمد، فلا يلحق به الناسي (6).

الدليل الرابع: ولأن النسيان في باب الصوم مما يغلب وجوده ولا يمكن دفعه إلا بحرج، فجُعِل عذرا؛ دفعا للحرج (7).

أدلة القول الثاني: القائلين بأن عليه القضاء دون الكفارة.

الدليل الأول: استدلوا على وجوب القضاء بأمرين:

(1) ينظر: الفروق 3/ 172، وموسوعة القواعد الفقهية 12/ 203.

(2)

ينظر: إحكام الأحكام 2/ 12.

(3)

سبق تخريجه صفحة (320).

(4)

ينظر: فتح الباري 4/ 156.

(5)

سبق تخريجه صفحة (364).

(6)

ينظر: الكواكب الدراري 9/ 110، التوضيح 13/ 257، شرح البخاري لابن بطال 4/ 62.

(7)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 90.

ص: 375

الأول: القياس على ناسي الصلاة: فإن من نسي صلاته قضاها؛ فكذلك من أفسد صومه ناسيا يقضيه (1).

الثاني: أنه جامع ناسيا، فيفطر؛ كمن أكل أو شرب ناسيا (2).

الثالث: ولأن القياس يقتضي الفساد في الكل؛ لفوات ركن الصوم في الكل، إلا أننا تركنا القياس بالخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم (3)، وأنه ورد في الأكل والشرب فقط، فبقي الجماع على أصل القياس (4).

الدليل الثاني: واستدلوا لعدم إيجاب الكفارة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (5).

وجه الاستدلال: أن الحديث نص على أن الإثم موضوع عن الناسي، والكفارة في الفطر تتبع الإثم، وهو موضوع في الناسي، فلا إثم، وبالتالي فلا كفارة (6).

أدلة القول الثالث: القائلين بأن عليه القضاء والكفارة.

الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت! قال:«ما لك؟ » . قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟ » . قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ » . قال: لا. قال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ » . قال: لا

(7).

(1) ينظر: بداية المجتهد 2/ 65.

(2)

ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 432. وهذا الدليل مبني على ما مر معنا في مسألة: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم، أن من أكل أو شرب ناسيا يفسد صومه عند المالكية. ينظر: صفحة 318.

(3)

أي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم ص 319: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه

).

(4)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 90.

(5)

سبق تخريجه صفحة (116).

(6)

ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 432. وينظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 1/ 260.

(7)

سبق تخريجه صفحة (363).

ص: 376

وأما وجوب القضاء: فحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه أمر الذي واقع أهله في رمضان أن يقضي يوما مكانه» (1).

وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفسر من الرجل هل كان جماعه عن عمد أو نسيان، ولو افترق الحال لسأل واستفصل (2)، والحكم من الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ورد عَقِب ذكر واقعة محتملة لأحوال مختلفة الحكم من غير استفصال، يتنزل منزلة العموم (3)، وهي القاعدة التي يعبر عنها بعض أهل العلم بقولهم:"ترك الاستفصال في حكايات الأحوال مع الاحتمال، يتنزل منزلة العموم في المَقال"(4).

الدليل الثاني: ولأن الصوم عبادة تُحرِّم الجِماع، فاستوى فيها عَمده وسَهوه كالحج (5).

الدليل الثالث: ولأنه جِماعٌ تامٌ صادفَ صوما، فوجب أن يفطر به كالعامد (6).

الراجح: الذي يترجح -والله أعلم- ما ذهب إليه أصحاب القول الأول: أن الصائم إذا جامع ناسيا لصومه فصومه صحيح ولا قضاء عليه ولا كفارة؛ لعموم حديث أبي هريرة المستدل به. وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما قياسهم ناسي الصيام على ناسي الصلاة، فيجاب عنه:

أن هذا قياس مع الفارق؛ لأن القياس كان قد يصح لو أنه كان عليه صيام فنسي ولم يصمه، فهنا يقال له: صم يوما بدلا عن اليوم الذي نسيته، كالصلاة، ولكن النسيان هنا وقع داخل العبادة التي هي الصيام، فيقاس على النسيان داخل الصلاة.

(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 381 رقم 8057، في الصيام، باب رواية من روى الأمر بقضاء يوم مكانه، وأبو عوانة في المستخرج 2/ 206 رقم 2859، واللفظ له، والطحاوي في شرح المشكل الآثار 4/ 173 رقم 1518، وقال الحافظ في الفتح 4/ 172:"وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلا"، وقال الألباني في الإرواء 4/ 93:"صحيح. بمجموع طرقه وشواهده".

(2)

ينظر: المغني 3/ 136، وكشاف القناع 2/ 324، والتنبيه لابن بشير 719.

(3)

ينظر: إحكام الأحكام 2/ 14.

(4)

هذه قاعدة أصولية من كلام الشافعي، وقد جزم فيها بترك الاستفصال. ينظر: البرهان في أصول الفقه 1/ 122، ونفائس الأصول في شرح المحصول 4/ 1788، وقواطع الأدلة 1/ 225.

(5)

ينظر: المغني 3/ 136، وشرح العمدة كتاب الصيام 1/ 318، وكشاف القناع 2/ 324.

(6)

ينظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 1/ 259 - 260، والحاوي الكبير 3/ 430.

ص: 377

ثانيا: وأما قولهم: إنه جامع ناسيا فيفطر كمن أكل أو شرب ناسيا، فيجاب عنه:

أن هذا القياس مبني على أن الأكل والشرب ناسيا مفسد للصيام، وهذا غير صحيح، كما مر معنا في مسألة: حكم من أكل أو شرب ناسيا (1).

ثالثا: وأما قولهم: إن القياس يقتضي الفساد في الكل؛ لفوات ركن الصوم في الكل، إلا أننا تركنا القياس بالخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فبقي الجماع على أصل القياس، فيجاب عنه:

أن الحديث وإن كان قد ورد في الأكل والشرب، لكنه معلول بمعنى يوجد في الكل، وهو: أنه فعل مضاف إلى الله تعالى على طريق التمحيص، بقوله:«فإنما أطعمه الله وسقاه» فقطع إضافته عن العبد لوقوعه فيه من غير قصده واختياره، وهذا المعنى يوجد في الكل، والعلة إذا كانت منصوصا عليها كان الحكم منصوصا عليه ويتعمم الحكم بعموم العلة (2).

رابعا: وأما استدلالهم بحديث المجامع في يوم رمضان وأنه لم يستفصل هل هو متعمد أو ناسي، فيجاب عنه: أنه قد تبين حاله بقوله: «هلكتُ» ، و «احترقتُ» ؛ فدل على أنه كان عامدا عارفا بالتحريم (3).

خامسا: وأما قياسهم الصيام على الحج، فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أنه قد لا يُسلَّم لكم أن من جامع ناسيا يفسد حجّه (4).

الثاني: وعلى التسليم بأن حج الناسي يفسد: فإنه لا يستقيم قياس الصيام على الحج؛ لأن النواهي في الحج نوعان: نوع استوى الحكم في عَمْده وسهوه كالحلق وقتل الصيد. ونوع فُرِّق بين عمده وسهوه كاللباس والطيب. فأُلحِق الجماع بالنوع الأول؛ لأنه إتلاف.

أما الصيام فإن النواهي فيه نوع واحد، وقد وقع التفريق فيه بين العمد والنسيان، وذلك في القيء، فوجب إلحاق الجماع به (5).

قال ابن رشد: "وأما من أوجب القضاء والكفارة على المجامع ناسيا، فضعيف؛ فإن تأثير النسيان في إسقاط العقوبات بَيِّنٌ في الشرع، والكفارة من أنواع العقوبات"(6). والله أعلم.

(1) ينظر الترجيح في المسألة صفحة (323).

(2)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 90.

(3)

ينظر: فتح الباري 4/ 164، نيل الأوطار 4/ 254، إحكام الأحكام 2/ 14.

(4)

ينظر: الحاوي الكبير 3/ 431.

(5)

المصدر السابق.

(6)

بداية المجتهد 2/ 66.

ص: 378

-

ص: 379