الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك
.
اختيار الشيخ: اختار قول الجمهور القائلين بأنه لا شيء على الميت الذي لم يمكنه التدارك، فقال:"تنبيه: هذا الاختلاف والتفصيل الذي سبق في الصوم عن الميت إذا فاته شيء بعد إمكان قضائه، وأما من فاته شيء من رمضان قبل إمكان القضاء فلا تدارك ولا إثم"(1).
تحرير المسألة: قد مرّ في المسألتين السابقتين حكم من كان عليه صيام وأمكنه التدارك ثم قَصَّر في ذلك إلى أن مات.
وأما هذه المسألة فهي عن الذي مات قبل أن يمكنه التدارك، كمن اتصل مرضه بموته أو مات في سفره، فماذا على أوليائه؟ . فاختلف فيها العلماء على قولين:
القول الأول: أن من مات قبل إمكان التدارك فليس عليه ولا على أوليائه شيء.
وبه قال: الحنفية (2) ، والشافعية (3) ، والمالكية (4) ، والحنابلة في المذهب (5)، والظاهرية (6)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: من مات قبل إمكان التدارك أطعم عنه أولياؤه.
وبه قال: طاوس، وقتادة (7) ، ورواية عن أحمد (8).
أدلة القول الأول: القائلين بأن من مات قبل إمكان التدارك فليس عليه ولا على أوليائه شيء.
الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال -في الرجل المريض في رمضان فلا يزال مريضا حتى يموت-:«ليس عليه شيء فإن صح فلم يصم حتى مات أطعم عنه كل يوم نصف صاع من حنطة» (9).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 34.
(2)
المبسوط 3/ 89، مختصر القدوري ص 63، بدائع الصنائع 2/ 103، الهداية 1/ 124.
(3)
معالم السنن 2/ 122، العزيز 3/ 238، روضة الطالبين 2/ 382، مغني المحتاج 2/ 172.
(4)
الذخيرة 2/ 524، تفسير القرطبي 2/ 285، المسالك 4/ 222.
(5)
المغني 3/ 152، المحرر 1/ 231، الفروع 5/ 65، الإنصاف 3/ 334.
(6)
المحلى 4/ 427.
(7)
معالم السنن 2/ 123، تفسير القرطبي 2/ 285، المغني 3/ 152.
(8)
شرح الزركشي 2/ 607، الفروع مع تصحيح الفروع 5/ 65، المبدع 3/ 44، الإنصاف 3/ 334.
(9)
رواه عبد الرزاق 4/ 236 رقم 7630، في الصيام باب المريض في رمضان وقضائه.
وجه الاستدلال: دل هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه أن من مات قبل أن يمكنه التدارك لم يجب على أوليائه شيء.
الدليل الثاني: ولأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت، فسقط حكمه كالحج (1).
قال ابن قدامة: "ولنا: أنه حق لله تعالى، وجب بالشرع، مات من يجب عليه قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدل كالحج"(2).
الدليل الثالث: ولأن وقت أداء الصوم في حقه عدة من أيام أخر بالنص، ولم يدركه؛ فلا يجب عليه شيء (3).
الدليل الرابع: ولأن المرض لما كان عذرا في إسقاط أداء الصوم في وقته لدفع الحرج، فلأن يكون عذرا في إسقاط القضاء أولى (4).
الدليل الخامس: ولأنه لم يجب عليه الصوم لا قضاءً ولا أداءً، فلم تجب عليه الكفارة؛ كالمجنون والصبي (5).
الدليل السادس: وقياسا على من وجبت عليه الزكاة، فتَلِف المال بعد أن حال الحول وقبل التَمَكُّن من الأداء، فلا زكاة عليه (6).
أدلة القول الثاني: القائلين بأن من مات قبل إمكان التدارك أطعم عنه أولياؤه.
الدليل الأول: لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه، فوجب الإطعام عنه؛ كالشيخ الكبير إذا ترك الصيام لعجزه عنه (7).
الدليل الثاني: وقياسا على المريض الذي لا يرجى برؤه، فإنه يُطعِم؛ والميت الذي لم يمكنه التدارك في معناه (8).
(1) ينظر: المهذب 1/ 343، وأسنى المطالب 1/ 427، ومغني المحتاج 2/ 172.
(2)
المغني 3/ 152، وينظر: شرح الزركشي 2/ 607، والمبدع 3/ 44.
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 89.
(4)
المصدر السابق.
(5)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 363.
(6)
ينظر: العزيز 3/ 238، أسنى المطالب 1/ 427.
(7)
ينظر: المغني 3/ 152، شرح الزركشي 2/ 607.
(8)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 363.
الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الأول: أن من مات قبل إمكان التدارك فليس عليه ولا على أوليائه شيء؛ لصحة أدلته ولوضوحها ولدلالتها على المطلوب.
ولأن تكليف ما لا يطيقه العبد الطاقة المعروفة غير واقع في الشرائع، فالتكليف في العبادة لا بد فيه من القدرة في الحال والمآل، وأما مع انتفائهما فمحال (1).
وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنهبما يلي:
أولا: أما قولهم: إنه صوم واجب سقط بالعجز عنه، فوجب الإطعام عنه؛ كالشيخ الكبير إذا ترك الصيام لعجزه عنه، فيجاب عنه:
بأنه قياس مع الفارق؛ فإن الشيخ الكبير حيٌّ مِن أهل التكليف، وقد تَوجَّه إليه الإطعام ابتداءً عوضا عن الصوم؛ لمّا لم يَقدِر عليه، فذِمَّتُه مشغولة به، بخلاف الميت، فإنه لا يصح ابتداء الوجوب عليه (2).
ثانيا: وأما قولهم: قياسا على المريض الذي لا يرجى برؤه، فإنه يطعم والميت الذي لم يمكنه التدارك في معناه، فيجاب عنه:
أن المريض الميئوس منه قد عزم على الفطر في الحال والمآل، ولهذا لم يجب الصوم في ذمته، ولا يجب عليه القضاء البتة، ولا بد من البدل، وهو الفدية. وأما المريض المَرجوّ برؤه، والمسافر، والحائض، -ممن فَجَأَهم الموت قبل التدارك- فقد كانوا قد عزموا على القضاء بشرط القدرة، فلا يُجمَع عليهم واجبان على سبيل البدل (3). والله أعلم.
(1) ينظر: المصدر السابق.
(2)
ينظر: المغني 3/ 152، الشرح الكبير على المقنع 3/ 82.
(3)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 363.