الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر
؟ .
اختيار الشيخ: اختار ترجيح الإفطار للمسافر مطلقا فقال: "قلت ظاهر الحديث ترجيح الإفطار في السفر مطلقاً كما هو مذهب أحمد"(1).
اختلف الفقهاء في من يطيق الصوم في السفر بلا ضرر، أيهما أفضل له: الصيام أم الفطر؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الصيام أفضل.
وبه قال: الحنفية (2) ، والمالكية في المشهور (3) ، والشافعية (4).
القول الثاني: الفطر أفضل.
وبه قال: الحنابلة (5) ، وإسحاق (6) ، وابن المَاجِشُون (7) من المالكية (8)، وهو اختيار الشيخ عبيد الله المباركفوري.
القول الثالث: الأفضل منهما الأسهل والأيسر على المكلف.
وقد روي عن: مجاهد، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز (9)، واختاره: ابن المنذر (10).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 20. ويقصد بظاهر الحديث: حديث حمزة بن عمرو الأسلمي ص (212).
(2)
الحجة على أهل المدينة 1/ 378، المبسوط 3/ 92، بدائع الصنائع 2/ 96، رد المحتار 2/ 423.
(3)
المدونة 1/ 272، الكافي 1/ 337، الذخيرة 2/ 512، التوضيح 2/ 444، مواهب الجليل 2/ 401.
(4)
البيان 3/ 469، المجموع 6/ 265، كفاية النبيه 6/ 287، فتح الوهاب 1/ 142.
(5)
مسائل أحمد وإسحاق 3/ 1214، الكافي 1/ 435، الفروع 4/ 44، المبدع 3/ 13.
(6)
مسائل أحمد وإسحاق 3/ 1214، الإشراف لابن المنذر 3/ 142، المجموع 6/ 265.
(7)
هو: عبد الملك بن عبد العزيز ابن المَاجِشُون التيمي مولاهم، أبو مروان المدني الفقيه، مفتي المدينة، تفقه على: الإمام مالك، وعلى أبيه، وتفقه عليه: سحْنون، وابن حَبِيب، توفي سنة 213 هـ، وقيل غيرها. ينظر: ترتيب المدارك 3/ 136، سير أعلام النبلاء 10/ 359، الديباج 2/ 6.
(8)
المنتقى 2/ 48، الذخيرة 2/ 512، التوضيح لخليل 2/ 444، مواهب الجليل 2/ 401.
(9)
الإشراف لابن المنذر 3/ 142، والمجموع 6/ 266، والمغني 3/ 158.
(10)
الإقناع 1/ 19، والإشراف 3/ 142.
سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم: معارضة المفهوم من ذلك لظاهر بعض المنقول، ومعارضة المنقول بعضه لبعض"(1).
أدلة القول الأول: القائلين بأن الصيام أفضل.
الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، إلى قوله:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2).
وجه الاستدلال: فقد دلت الآيات على أن الصوم (عزيمة)(3)، والإفطار رخصة، ولا شك في أن العزيمة أفضل، كما تقرر في الأصول (4).
الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5).
وجه الاستدلال: عموم الآية يدل على أن الصيام أفضل.
الدليل الثالث: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة» (6).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صام هذا اليوم وهو مسافر، وفعله صلى الله عليه وسلم هو الأفضل (7).
(1) بداية المجتهد 2/ 58، وينظر: التنبيه لابن بشير 2/ 727، ومناهج التحصيل 2/ 80.
(2)
سورة البقرة: آية: 183 - 185.
(3)
العزيمة: في اللغة: من العزم وهو الأمر الجازم الذي لا تردد فيه. ينظر النهاية 3/ 460. وفي الشرع: عبارة عن ما لزم المكلفين من حقوق الله تعالى بأسبابها من العبادات، والحل والحرمة، أصلاً؛ بحق أنه إلهنا ونحن عبيده. ينظر: تقويم الأدلة ص 81، والمستصفى ص 78.
(4)
ينظر: المبسوط 3/ 92، والإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 443، وبداية المجتهد 2/ 58، وكفاية النبيه 6/ 287، وتقويم الأدلة ص 81.
(5)
سورة البقرة: آية: 184.
(6)
سبق تخريجه صفحة (197).
(7)
ينظر: التوضيح لابن الملقن 13/ 335.
ولو كان الفطر عزمة من الله تعالى، لم يتحمل النبي صلى الله عليه وسلم مشقة الصيام في شدة الحر، وإنما أراد أن يسن لأمته ليقتدوا به (1).
الدليل الثالث: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم» ، فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال:«إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» ، وكانت عزمة، فأفطرنا، ثم قال:«ولقد رأيتنا نصوم، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، في السفر» (2).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصيام فدل على أنه الأفضل، وإنما أفطر صلى الله عليه وسلم ليقتدي به الصحابة، وأمرهم بذلك بقصد التقوي على لقاء العدو (3).
الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرب» (4).
وفي رواية: فقيل له: «إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر» (5).
وجه الاستدلال: أن النبي بدأ صلى الله عليه وسلم بالصوم فلما شكا الناس إليه أفطر، فذلك دليل على أن الصوم هو الأفضل (6).
(1) ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 87.
(2)
سبق تخريجه صفحة (204).
(3)
ينظر: التنبيه على مبادئ التوجيه 2/ 727 - 728.
(4)
سبق تخريجه صفحة (200).
(5)
رواه مسلم 2/ 786 رقم 1114 في الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان.
(6)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 92.
الدليل الخامس: عن سَلَمة بن المُحَبِّق الهذلي (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له حُمولة تأوي إلى شبع (2)، فليصم رمضان حيث أدركه» (3).
الدليل السادس: ولأن الصوم في رمضان أكثر أجرا؛ لأنه أشد حرمة، بدليل: أن من أفطر في رمضان عليه الكفارة، ولا كفارة على من أفطر في قضاء رمضان (4).
الدليل السابع: ولأن صومه مع الناس أسهل من الانفراد في صومه (5).
أدلة القول الثاني: القائلين بأن الفطر أفضل.
الدليل الأول: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (6).
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى جعل الفطر مرادا له في السفر إذ هو المقصود باليسر (7).
الدليل الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم، ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلا في يوم حار، وأكثرنا ظلا صاحب الكساء (8). ومنا من يتقي
(1) هو: سلمة بن المُحَبِّق (صخر) بن عتبة الهذلي، أبو سنان سكن البصرة، شهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد أَيضًا فتح المدائن مع سعد بن أَبي وقاص، روى عنه: قبيصَة بن حُريث، وابنه سنان، والحسن البصري. ينظر: الإصابة 3/ 128، معرفة الصحابة 3/ 1344، تهذيب التهذيب 4/ 158.
(2)
الحُمولة: هي الأحمال، يعني أنه يكون صاحب أحمال يسافر بها. تأوي إلى شبع: أي إلى مقام يشبع فيه، بأن يكون معه زاد، يريد من لا يلحقه مشقة وعناء فليصم، وإن كان سفره طويلاً. ينظر: النهاية 1/ 444، ولسان العرب 11/ 179، ومجمع بحار الأنوار 1/ 584.
(3)
رواه أبو داود 2/ 318 رقم 2410، كتاب الصوم، باب من اختار الصيام، وأحمد 25/ 252 رقم 15911، وقال محققه شعيب الأرنؤوط:"إسناده ضعيف"، قال المناوي في تخريج أحاديث المصباح 2/ 181:" في سنده عبد الصمد بن حبيب ضعفه أحمد، وقال البخاري منكر الحديث"، وقال الألباني في ضعيف أبي داود 2/ 278:"إسناد ضعيف".
(4)
ينظر: مواهب الجليل 2/ 401، وكفاية النبيه 6/ 287.
(5)
ينظر: مواهب الجليل 2/ 401، والمبسوط للسرخسي 3/ 92.
(6)
سورة البقرة: آية: 185.
(7)
ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام لابن تيمية 1/ 230.
(8)
أي: من يتقي الشمس بما يلبسه من كساء، يعني: لم يكن لهم أخبية، وذلك لما كانوا عليه من القلة. ينظر: عمدة القاري 14/ 174، وفتح الباري 6/ 84.
الشمس بيده. قال: فسقط الصُوّام، وقام المفطرون فضربوا الأبْنيَة (1) ، وسَقَوا الرِّكاب (2)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ذهب المفطرون اليوم بالأجر» (3).
وجه الاستدلال: أن معنى الحديث: أن أجر المفطرين قد بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصوم مبلغا ينغمر فيه أجر الصوم، وكأن الأجر كله للمفطر. فيكون المقصود: التشبيه في أن ما قَلّ جدا قد يُجعل كالمعدوم مبالغة (4).
فإذا كان هذا هو ما للمفطرين من كثرة الأجور، دل على أن الإفطار في السفر أفضل.
الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام، حتى بلغ الكَديد أفطر، فأفطر الناس» (5).
وجه الاستدلال: أن الفطر كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أفطر في أثناء غزوة الفتح، ثم لم يزل مفطرا، ثم لم يسافر بعدها في رمضان، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا كانت الأحوال التي في آخر عمره أفضل من الأحوال التي في أول عمره (6).
الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال:«ما هذا» ؟ ، فقالوا: صائم، فقال:«ليس من البر الصوم في السفر» (7).
(1) الأبْنيَة: هي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء، فمنها الطراف، والخباء، والبناء، والقبة، والمضرب. ينظر: النهاية 1/ 158، وتاج العروس 37/ 218.
(2)
الرِّكَاب: الإبل التي يسار عليها، الواحدة راحلة، ولا واحدة لها من لفظها. ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 69، تهذيب اللغة 10/ 123، والنهاية في غريب الحديث 1/ 127.
(3)
رواه البخاري 4/ 35 برقم 2890، كتاب الجهاد والسير باب فضل الخدمة في الغزو، ومسلم 2/ 788 برقم 1119، كتاب الصيام، باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل.
(4)
ينظر: إحكام الأحكام 2/ 22.
(5)
سبق تخريجه صفحة (200).
(6)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 214.
(7)
سبق تخريجه صفحة (201).
وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: البر هو العمل الصالح، فقد بين صلى الله عليه وسلم أن الصوم في السفر ليس بعمل صالح، بل هو من المباح؛ فلا حاجة بالإنسان إلى أن يجهد نفسه به (1).
الوجه الثاني: ولأنه لمّا كان الصوم في الجملة مظنة المشقة، بيّن صلى الله عليه وسلم أنه لا بر في الصوم؛ لإفضائه إلى هذا الضرر، وإن كان قد يتخلّف عنه في بعض الصور (2).
الدليل الخامس: عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله، أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جُناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هي رخصة من الله، فمن أخذ بها، فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» (3).
وجه الاستدلال: أن حمزة ¢ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه به قوة على الصوم، وأنه أيسر عليه من الفطر، فخَيَّره النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر له أن الفطر في السفر رخصة من الله من أخذ بها فحسن، والحسن هو المستحب، وأما من أحب أن يصوم؛ فلا جُناح عليه، ورفع الجُناح إنما يقتضي الإباحة فقط (4) ، وهذه إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى تفضيل الفطر على الصوم (5).
الدليل السادس: عن أنس بن مالك الكعبي ¢ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتغدى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«هلم إلى الغداء» ، فقال: إني صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله عز وجل وضع للمسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع» (6).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبره أن الصوم موضوع عنه؛ استدعاءً منه للفطر بعد أن أخبره أنه صائم، ودعاه بعد أن أخبره أنهه صائم (7)؛ فدل ذلك على أفضلية الفطر في السفر.
(1) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 218.
(2)
المصدر السابق 1/ 219.
(3)
سبق تخريجه صفحة (196).
(4)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 216، المحلى 4/ 392، وسبل السلام 1/ 574.
(5)
ينظر: المسالك لابن العربي 4/ 190.
(6)
سبق تخريجه صفحة (201).
(7)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 226.
الدليل السابع: ولأن قصر الصلاة في السفر أفضل، فوجب أن يكون الإفطار فيه أفضل (1).
الدليل الثامن: ولأن الصوم في السفر مظنة سوء الخُلق والعجز عن مصالح السفر، أما الفطر فهو بكل حال أعون له على السفر، وسعة الخُلق، وإعانة الرفقاء، وغير ذلك من المصالح التي هي أفضل من الصوم (2).
أدلة القول الثالث: القائلين بأن الأفضل منهما الأسهل والأيسر على المكلف.
الدليل الأول: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (3).
وجه الاستدلال: مقتضى الآية أنه إن كان الصوم أيسر عليه صام، وإن كان الفطر أيسر أفطر (4).
قال عمر بن عبد العزيز: «إذا كان يسرا فصوموا، وإذا كان عسرا فأفطروا» (5).
الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام، فإن ذلك حسن ويرون أن من وجد ضعفا فأفطر، فإن ذلك حسن» (6).
وجه الاستدلال: أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يرون أن الأفضل للمسافر الأيسر.
الدليل الثالث: عن أبي سعيد رضي الله عنه أيضا قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر من ماء السماء والناس صيام في يوم صائف مشاة ونبي الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، فقال: «اشربوا أيها الناس» ،
(1) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 235، ومفاتيح الغيب 5/ 247.
(2)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام لابن تيمية 1/ 235.
(3)
سورة البقرة: آية: 185.
(4)
ينظر: مفاتيح الغيب للرازي 5/ 247.
(5)
تفسير الطبري 3/ 465 برقم 2869، الكشف والبيان 2/ 72، زاد المسير 1/ 144.
(6)
سبق تخريجه صفحة (198).
قال: فأبوا، قال:«إني لست مثلكم، إني أيسركم، إني راكب» ، فأبوا، فثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه فنزل فشرب وشرب الناس، وما كان يريد أن يشرب» (1).
وجه الاستدلال: دل الحديث على أن الأيسر هو الأفضل؛ وبيانه: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صام وأمر الناس بالفطر في الابتداء؛ لكون الصوم لا يشق عليه ، إذ إنه كان راكبا لا يحتاج إلى المشي ، وأمرهم بالفطر ، إذ كانوا مشاة يشتد عليهم الصوم، ويحتاجون إلى الفطر (2).
الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «إنما أراد الله بالفطر في السفر التيسير عليكم فمن يسر الله عليه الصيام فليصم، ومن يسر عليه الفطر فليفطر» (3).
وجه الاستدلال: فهذا ابن عباس رضي الله عنهما جعل الصيام والفطر على جهة التيسير (4).
الدليل الخامس: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين؛ إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما؛ كان أبعد الناس منه» (5).
الدليل السادس: قوله صلى الله عليه وسلم في وصيته إلى معاذ وأبي موسى (6) رضي الله عنهما: «يَسِّرا ولا تُعَسِّرا» (7).
(1) رواه أحمد 18/ 18 رقم 11423، وقال محققه شعيب الأرنؤوط:"إسناده صحيح على شرط مسلم"، وأبو يعلى في المسند 2/ 337 رقم 1080، وابن خزيمة في صحيحه 3/ 228 رقم 1966، وقال الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة 3/ 256:"إسناده صحيح على شرط مسلم".
(2)
ينظر: صحيح ابن خزيمة 2/ 972.
(3)
سبق تخريجه صفحة (204).
(4)
ينظر: التوضيح لابن الملقن 13/ 335.
(5)
رواه البخاري 8/ 160 رقم 6786، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، ومسلم 4/ 1813 رقم 2327، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح أسهله.
(6)
هو: عبد الله بن قيس الأشعري، أبو موسى، من أهل زبيد باليمن، صحابي من الفاتحين الولاة، قدم مكة عند ظهور الإسلام فأسلم، وهاجر إلى الحبشة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن، ولي البصرة في عهد عمر بن الخطاب وعثمان، وافتتح أصبهان والأهواز، والكوفة في عهد علي، توفي بالكوفة سنة 44 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 4/ 1749، والإصابة 4/ 181، السير 2/ 380.
(7)
رواه البخاري 4/ 65 رقم 3038، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه، ومسلم 3/ 1359 رقم 1733، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير، وترك التنفير.
وجه الاستدلال: أن الشرع الحنيف حث على اتباع الأيسر، فقد يكون الصيام في حق البعض هو الأيسر؛ وذلك في من شق عليه القضاء وحده، وقد يكون الفطر أيسر في حق آخرين، ممن يشق عليهم الصوم في السفر. فالقول بفعل الأيسر للمكلف من صوم أو فطر هو المتماشي مع قواعد الشرع.
الترجيح: الذي يترجح والله أعلم هو القول الثالث: أن الأفضل منهما الأسهل والأيسر على المكلف؛ لأنه جمع بين الأدلة، وإعمال لها جميعها.
وهو المتماشي مع قواعد الشرع، وقد يظهر جليا في هذه الأزمنة المتأخرة، التي أصبح السفر فيها متيسرا جدا، بل قد لا يشعر المسافر بأي تعب، وقد يجد المشقة في إفطار ذلك اليوم ثم قضائه. بينما نجد البعض الآخر لا يتحمل الصيام في السفر، وقد يسوء خُلقه إذا صام، ويضعف عن القيام بشؤونه، فضلا عن خدمة الآخرين.
فيكون الصوم في حق الأول أفضل، ويكون الفطر في حق الثاني أفضل.
وبهذا نكون قد جمعنا بين النصوص، فتكون النصوص التي دلت على أفضلية الصوم في السفر، محمولة على من كان الصوم في حقه أفضل، وتكون النصوص التي دلت على أفضلية الفطر، محمولة على من كان الفطر في حقه أفضل.
والله أعلم.