الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف
؟ .
اختيار الشيخ: اختار أن الصيام ليس شرطا في الاعتكاف، فقال:"فعدم اشتراط الصوم هو الحق"(1).
اختلف أهل العلم في صحة الاعتكاف بغير صوم على قولين:
القول الأول: لا يصح الاعتكاف بغير صوم.
وهو قول: الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية في قول (4)، والحنابلة في رواية (5).
القول الثاني: يصح الاعتكاف بغير صوم.
وبه قال: الشافعية في المذهب (6) ، والحنابلة في المذهب (7)، والظاهرية (8)، وهو اختيار الشيخ.
سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم: أن اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وقع في رمضان، فمن رأى أن الصوم المقترن باعتكافه هو شرط في الاعتكاف -وإن لم يكن الصوم للاعتكاف نفسه- قال: لا بد من الصوم مع الاعتكاف، ومن رأى أنه إنما اتفق ذلك اتفاقا لا على أن ذلك كان مقصودا له صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف، قال: ليس الصوم من شرطه. ولذلك سبب آخر وهو اقترانه مع الصوم في آية واحدة"(9).
أدلة القول الأول: القائلين بأنه لا يصح الاعتكاف بغير صوم.
الدليل الأول: قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (10).
(1) مرعاة المفاتيح 7/ 154.
(2)
الأصل 2/ 268، المبسوط 3/ 115، فتح القدير 2/ 390، رد المحتار 2/ 442.
(3)
النوادر والزيادات 2/ 89، الكافي 1/ 352، المعونة 1/ 491، مواهب الجليل 2/ 454.
(4)
وهو قول: الإمام الشافعي في القديم، العزيز 3/ 256، المجموع 6/ 485، روضة الطالبين 2/ 393، كفاية النبيه 6/ 429.
(5)
الهداية ص 167، المغني 3/ 188، الكافي 1/ 455، شرح الزركشي 3/ 5، الإنصاف 3/ 358.
(6)
وهو قول: الإمام الشافعي في الجديد، الأم 2/ 118، العزيز 3/ 256، المهذب 1/ 350، روضة الطالبين 2/ 393، كفاية النبيه 6/ 429.
(7)
الهداية ص 167، الكافي 1/ 455، المغني 3/ 188، منتهى الإرادات 2/ 43، الإنصاف 3/ 358.
(8)
المحلى 3/ 413.
(9)
بداية المجتهد 2/ 79.
(10)
سورة البقرة: آية: 187.
وجه الاستدلال: أن الله تعالى إنما ذكر الاعتكاف مع الصيام، فدل على أنه مقصور على الصائمين دون غيرهم، فيفيد أنه لا اعتكاف إلا به، وأنه شرط لصحته (1).
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا اعتكاف إلا بصيام» (2).
وجه الاستدلال: في الحديث نفي لوجود اعتكاف شرعي دون صيام، فيكون الصيام شرطا لصحة الاعتكاف (3).
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع» (4).
وجه الاستدلال: دل الحديث على اشتراط الصوم للاعتكاف (6)؛ وذلك في قولها: «السنة على المعتكف» ، أن معناه: الدين والشرع والطريقة اللازمة للمعتكف (7) هو ما ذُكر في الحديث،
(1) ينظر: شرح الموطأ للزرقاني 2/ 309، الاستذكار 3/ 392، فتح الباري 4/ 275، تفسير القرطبي 2/ 334، المنتقى 2/ 81، المعونة 1/ 491.
(2)
رواه الدارقطني في السنن 3/ 184 رقم 2356، في الصيام، باب الاعتكاف، والحاكم 1/ 606 رقم 1605، وعنه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 521 رقم 8580، في الصيام، باب المعتكف يصوم. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 10/ 310 رقم 4768.
(3)
ينظر: المنتقى للباجي 2/ 81، التنوير شرح الجامع الصغير 11/ 71.
(4)
رواه أبو داود 2/ 333 رقم 2473، في الصوم باب المعتكف يعود المريض، وعنه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 526 رقم 8594، في الصيام، باب المعتكف يخرج من المسجد. وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 235 رقم 2135:"إسناده حسن صحيح".
(5)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 519 رقم 8571، في الصيام، باب الاعتكاف في المسجد، وفي الشعب 5/ 433 رقم 3676.
(6)
ينظر: سبل السلام 1/ 595.
(7)
ينظر: شرح المشكاة للطيبي 5/ 1631، مرقاة المفاتيح 4/ 1450.
فأرادت عائشة رضي الله عنها بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا، فهي نصوص لا يجوز خلافها (1).
ومما ذُكِر في الحديث: «ولا اعتكاف إلا بصوم» .
الدليل الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا وهو صائم، فدل هذا من فعله على أن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم (2).
قال ابن القيم: "ولم يُنقَل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرا قط، ولم يذكر الله سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم"(3).
الدليل الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «من اعتكف فعليه الصوم» (4).
الدليل السادس: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من اعتكف فعليه الصوم» (5).
وفي رواية: «لا اعتكاف إلا بصوم» (6).
الدليل السابع: عن علي رضي الله عنه قال: «لا اعتكاف إلا بصوم» (7).
أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يصح الاعتكاف بغير صوم.
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (8).
(1) ينظر: شرح المشكاة للطيبي 5/ 1632.
(2)
ينظر: الحاوي 3/ 486، التوضيح 13/ 639، سبل السلام 1/ 595، مرقاة المفاتيح 4/ 1450.
(3)
زاد المعاد 2/ 83.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 4/ 354 رقم 8037، في الاعتكاف، باب لا اعتكاف إلا بصيام، وابن أبي شيبة في المصنف 2/ 334 رقم 9623، في الصيام، باب من قال لا اعتكاف إلا بصوم، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 521 رقم 8581، في الصيام، باب المعتكف يصوم، والطحاوي في مشكل الآثار 10/ 347.
(5)
رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 354 رقم 8036، في الاعتكاف، باب لا اعتكاف إلا بصيام.
(6)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 333 رقم 9621، في الصيام، باب من قال لا اعتكاف إلا بصوم، والطحاوي في مشكل الآثار 10/ 347 رقم 4185.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 333 رقم 9620، في الصيام، من قال لا اعتكاف إلا بصوم.
(8)
سورة البقرة: آية: 125.
وجه الاستدلال: دلت الآية على أن المُقام في بيت الله، هو العُكوف فيه، من غير شرط، وأن العُكوف عبادة بنفسه؛ كما أنَّ الطواف والركوع والسجود عبادات بنفسها (1).
الدليل الثاني: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أوف نَذرَك» ، فاعتكَفَ ليلة (2).
وجه الاستدلال: في الحديث جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر ¢ بأن يفيَ بنذره وهو اعتكاف ليلةٍ؛ والليل ليس ظرفا للصوم، فدل على أن الصوم ليس شرطا لصحته. ولو كان الصوم شرطا فيه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر ¢ به (3).
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خِباء (4) فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جَحْش (5) ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال: «ما هذا؟ » ، فأُخبِر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«آلْبِرَّ (6) تُرَوْنَ (7) بهن؟ » ، فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرا من شوال» (8).
(1) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 755.
(2)
رواه البخاري 3/ 51 رقم 2042 كتاب الاعتكاف، باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف.
(3)
ينظر: المغني 3/ 188، معالم السنن 4/ 62، التمهيد 11/ 200، بداية المجتهد 2/ 79، فتح الباري 4/ 274.
(4)
الخِباء: من الأبنية، واحد الأخبية، وهو ما كان من وبر أو صوف، وقد يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. لسان العرب 14/ 223 مادة: خبأ.
(5)
هي: زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، أم المؤمنين، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، تزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها زيد بن حارثة، روى عنها: ابن أخيها محمد بن عبد الرحمن، وأم حبيبة أم المؤمنين، وزينب بنت أبي سلمة، وغيرهم، توفيت سنة 20، وهي أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به. ينظر: معرفة الصحابة 6/ 3222، الإصابة 8/ 153، سير أعلام النبلاء 2/ 211.
(6)
آلبر: بهمزة استفهام ممدودة، وبغير مدة، وبالنصب، أي: الطاعة. ينظر: فتح الباري 4/ 276، شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 312، تنوير الحوالك 1/ 234.
(7)
تُرَوْن: بضم أوله، أي: تظنون. ينظر: فتح الباري 4/ 276.
(8)
أخرجه البخاري 4/ 323 رقم 2033 كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف النساء.
وفي رواية: «فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال» (1).
وجه الاستدلال: أن في اعتكافه في أول شوال دليل على أن الصوم ليس شرطا لصحة الاعتكاف؛ لأن يوم العيد داخل في جملة العشر، وليس محلا للصوم (2).
قال ابن تيمية: "فقد بينت عائشة أنه اعتكف العشر الأول من شوال؛ وهذا إنما يكون إذا اعتكف يوم العيد، لا سيما ومقصوده عشر مكان عشر"(3).
الدليل الرابع: عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى» (4).
وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف ليلا أيضا مع كونه فيه غير صائم (5)؛ ولو كان الاعتكاف لا يجوز إلا مقارنا للصوم لخرج منه الصائم بالليل؛ لخروجه فيه من الصوم، فلما لم يخرج منه من الاعتكاف بالليل وخرج فيه من الصوم ثبت منفردا بغير الصوم (6).
الوجه الثاني: أن اعتكافه صلى الله عليه وسلم في رمضان دليل على أنه لم يصم للاعتكاف؛ لأن صومه في شهر رمضان إنما كان للشهر؛ لأن الوقت مستحق له ولم يكن للاعتكاف (7).
قال الخطابي: "وفيه مستدل لمن أجاز الاعتكاف بغير صوم يُنشؤه له: وذلك أن صومه في شهر رمضان إنما كان للشهر؛ لأن الوقت مستحق له"(8).
(1) رواه مسلم 2/ 831 رقم 1172، في الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه.
(2)
ينظر: تهذيب السنن 7/ 106، الحاوي الكبير 3/ 487، شرح السنة للبغوي 6/ 395.
(3)
شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 761.
(4)
أخرجه البخاري 3/ 47 رقم 2026، في الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، ومسلم 2/ 831 رقم 1172، في الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.
(5)
ينظر: طرح التثريب 4/ 171، وينظر: الاستذكار 3/ 393.
(6)
ينظر: مختصر المزني 8/ 157، الحاوي الكبير 3/ 486.
(7)
ينظر: مختصر المزني 8/ 157، المجموع 6/ 488، طرح التثريب 4/ 171، عون المعبود 7/ 98.
(8)
معالم السنن 2/ 137، وينظر: المحلى 3/ 419.
الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» (1).
الدليل السادس: قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما: «المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه» (2).
الراجح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يصح الاعتكاف بغير صوم؛ لحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرا من شوال» ؛ ولحديث عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال:«أوف بنذرك» ؛ ولأنه ليس في اشتراط الصوم كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح، والحكم إنما يثبت بواحدة من هذه الجهات؛ بخلاف نفي الاشتراط؛ فإنه ثابت بالنفي الأصلي وعدم الدليل الدال على الإيجاب (3).
وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، فيجاب عنه بما قاله ابن العربي:
فقال: "وهذا لا حجة فيه؛ لأنه خطاب خرج عن حالٍ، فلا يلزم أن يكون شرطا في جميع الأحوال"(4).
وقال أيضا: "أما اشتراط الصوم فيه -بخطابه تعالى لمن صام-، فلا يلزم بظاهره ولا باطنه؛ لأنها حال واقِعة لا مشترِطة"(5).
ثانيا: وأما استدلالهم بحديث: «لا اعتكاف إلا بصيام» ، فيجاب عنه من وجهين:
(1) رواه الدارقطني في السنن 3/ 183 رقم 2355، في الصيام، باب الاعتكاف، والحاكم 1/ 605 رقم 1603، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 523 رقم 8587 كتاب الصيام، باب من رأى الاعتكاف بغير صوم، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 9/ 366 رقم 4378.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 334 رقم 9624، في الصيام باب من قال لا اعتكاف إلا بصوم.
(3)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 761.
(4)
القبس 1/ 531.
(5)
أحكام القرآن 1/ 135.
الوجه الأول: أن الحديث ضعيف بالاتفاق (1).
الوجه الثاني: وعلى التسليم بصحته فيكون معناه: لا اعتكاف كاملا أو فاضلا إلا بصوم (2).
قال ابن قدامة: "ولو صح فالمراد به الاستحباب، فإن الصوم فيه أفضل"(3).
ثالثا: وأما استدلالهم بحديث: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة» الحديث، فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن قوله: «السنة في المعتكف
…
» مُدْرَج في الحديث، ليس هو من كلام عائشة رضي الله عنها، والصواب أنه ممن دونها (4).
قال ابن عبد البر: "لم يقُل أحد في حديث عائشة هذا «السُنَّة» إلا عبد الرحمن بن إسحاق (5)، ولا يصح الكلام عندهم إلا من قول الزُهري، وبعضه من كلام عُروة"(6).
فإذا تقرر هذا فيكون معنى كلام الزُهري: «السُنَّة» أي: السُنَّة في اعتقادِهِ؛ كما يقول الفقيه: حكم الله في هذه المسألة كذا وكذا، والسُنَّة أن يفعل كذا، وحكم الشريعة كذا؛ يعني به: فيما عَلِمتُه وأَدرَكتُه (7).
الوجه الثاني: أن غاية هذا الأثر الدلالة على استحباب الصوم في الاعتكاف؛ فإن قولها رضي الله عنها: «السُنَّة» إنما يفيد الاستحباب. وقولها: «لا اعتكاف إلا بصوم» : نفي للكمال (8).
(1) ينظر: المجموع 6/ 488، والحاوي الكبير 3/ 487.
(2)
ينظر: شرح المشكاة للطيبي 5/ 1632، والتنوير شرح الجامع الصغير 11/ 71، والحاوي الكبير 3/ 487، وكفاية النبيه 6/ 430.
(3)
المغني 3/ 188، وينظر: المجموع 6/ 488.
(4)
ينظر: التوضيح لابن الملقن 13/ 635، وفتح الباري 4/ 273.
(5)
هو: عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث القرشي العامري المدني، نزيل البصرة، ويقال له: عباد بن إسحاق، من الذين عاصروا صغار التابعين، قال أبو داود: قدري ثقة، وقال البخاري: ليس ممن يعتمد على حفظه. ينظر: تهذيب الكمال 16/ 519، تهذيب التهذيب 6/ 139.
(6)
الاستذكار 3/ 389، والتمهيد 8/ 330، وينظر: معالم السنن 2/ 141، شرح المشكاة للطيبي 5/ 1632.
(7)
ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 762.
(8)
حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود 7/ 108، شرح الزركشي 3/ 6.
رابعا: وأما قولهم: إنه صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا وهو صائم، فيجاب عنه:
بأن فعله صلى الله عليه وسلم محمول على الاستحباب لا على الاشتراط، ولهذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في شوال، فوجب حمل اعتكافه صلى الله عليه وسلم وهو صائم على الاستحباب؛ جمعا بين الأحاديث. مع أنه لا يلزم من مجرد الاعتكاف في رمضان اشتراط الصوم (1).
قال صِدِّيق حسن خان (2): "وأما اعتكافه صلى الله عليه وسلم في صومه، فلا يستلزم أن يكون الاعتكاف كذلك؛ لأنه أَمرٌ اتفاقيٌ، ولو كان ذلك مُعتَبَرا لكان اعتكافُه في مسجده مُعتبَرا؛ فلا يصح من أحد الاعتكاف في غيره وأنه باطل"(3). والله أعلم.
(1) ينظر: المجموع 6/ 488، والحاوي الكبير 3/ 487.
(2)
هو: محمد صديق خان بن حسن بن علي، أبو الطيب الحسيني البخاري القَنُّوجي، عالم أمير شارك في أنواع من العلوم، وألف وصنف بالعربية والفارسية والهندية، من تصانيفه: فتح البيان في مقاصد القرآن، وعون الباري، توفي سنة 1307 هـ. ينظر: حلية البشر ص 738، أبجد العلوم ص 725، والأعلام 6/ 167.
(3)
الروضة الندية 1/ 239.