المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

؟ .

اختيار الشيخ: اختار أن الصيام ليس شرطا في الاعتكاف، فقال:"فعدم اشتراط الصوم هو الحق"(1).

اختلف أهل العلم في صحة الاعتكاف بغير صوم على قولين:

القول الأول: لا يصح الاعتكاف بغير صوم.

وهو قول: الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية في قول (4)، والحنابلة في رواية (5).

القول الثاني: يصح الاعتكاف بغير صوم.

وبه قال: الشافعية في المذهب (6) ، والحنابلة في المذهب (7)، والظاهرية (8)، وهو اختيار الشيخ.

سبب الخلاف: قال ابن رشد: "والسبب في اختلافهم: أن اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وقع في رمضان، فمن رأى أن الصوم المقترن باعتكافه هو شرط في الاعتكاف -وإن لم يكن الصوم للاعتكاف نفسه- قال: لا بد من الصوم مع الاعتكاف، ومن رأى أنه إنما اتفق ذلك اتفاقا لا على أن ذلك كان مقصودا له صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف، قال: ليس الصوم من شرطه. ولذلك سبب آخر وهو اقترانه مع الصوم في آية واحدة"(9).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه لا يصح الاعتكاف بغير صوم.

الدليل الأول: قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (10).

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 154.

(2)

الأصل 2/ 268، المبسوط 3/ 115، فتح القدير 2/ 390، رد المحتار 2/ 442.

(3)

النوادر والزيادات 2/ 89، الكافي 1/ 352، المعونة 1/ 491، مواهب الجليل 2/ 454.

(4)

وهو قول: الإمام الشافعي في القديم، العزيز 3/ 256، المجموع 6/ 485، روضة الطالبين 2/ 393، كفاية النبيه 6/ 429.

(5)

الهداية ص 167، المغني 3/ 188، الكافي 1/ 455، شرح الزركشي 3/ 5، الإنصاف 3/ 358.

(6)

وهو قول: الإمام الشافعي في الجديد، الأم 2/ 118، العزيز 3/ 256، المهذب 1/ 350، روضة الطالبين 2/ 393، كفاية النبيه 6/ 429.

(7)

الهداية ص 167، الكافي 1/ 455، المغني 3/ 188، منتهى الإرادات 2/ 43، الإنصاف 3/ 358.

(8)

المحلى 3/ 413.

(9)

بداية المجتهد 2/ 79.

(10)

سورة البقرة: آية: 187.

ص: 629

وجه الاستدلال: أن الله تعالى إنما ذكر الاعتكاف مع الصيام، فدل على أنه مقصور على الصائمين دون غيرهم، فيفيد أنه لا اعتكاف إلا به، وأنه شرط لصحته (1).

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا اعتكاف إلا بصيام» (2).

وجه الاستدلال: في الحديث نفي لوجود اعتكاف شرعي دون صيام، فيكون الصيام شرطا لصحة الاعتكاف (3).

الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع» (4).

وفي رواية: «والسنة في المعتكف أن لا يخرج إلا للحاجة التي لا بد منها، ولا يعود مريضا، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم» (5).

وجه الاستدلال: دل الحديث على اشتراط الصوم للاعتكاف (6)؛ وذلك في قولها: «السنة على المعتكف» ، أن معناه: الدين والشرع والطريقة اللازمة للمعتكف (7) هو ما ذُكر في الحديث،

(1) ينظر: شرح الموطأ للزرقاني 2/ 309، الاستذكار 3/ 392، فتح الباري 4/ 275، تفسير القرطبي 2/ 334، المنتقى 2/ 81، المعونة 1/ 491.

(2)

رواه الدارقطني في السنن 3/ 184 رقم 2356، في الصيام، باب الاعتكاف، والحاكم 1/ 606 رقم 1605، وعنه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 521 رقم 8580، في الصيام، باب المعتكف يصوم. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 10/ 310 رقم 4768.

(3)

ينظر: المنتقى للباجي 2/ 81، التنوير شرح الجامع الصغير 11/ 71.

(4)

رواه أبو داود 2/ 333 رقم 2473، في الصوم باب المعتكف يعود المريض، وعنه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 526 رقم 8594، في الصيام، باب المعتكف يخرج من المسجد. وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 235 رقم 2135:"إسناده حسن صحيح".

(5)

رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 519 رقم 8571، في الصيام، باب الاعتكاف في المسجد، وفي الشعب 5/ 433 رقم 3676.

(6)

ينظر: سبل السلام 1/ 595.

(7)

ينظر: شرح المشكاة للطيبي 5/ 1631، مرقاة المفاتيح 4/ 1450.

ص: 630

فأرادت عائشة رضي الله عنها بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا، فهي نصوص لا يجوز خلافها (1).

ومما ذُكِر في الحديث: «ولا اعتكاف إلا بصوم» .

الدليل الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا وهو صائم، فدل هذا من فعله على أن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم (2).

قال ابن القيم: "ولم يُنقَل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرا قط، ولم يذكر الله سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم"(3).

الدليل الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «من اعتكف فعليه الصوم» (4).

الدليل السادس: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من اعتكف فعليه الصوم» (5).

وفي رواية: «لا اعتكاف إلا بصوم» (6).

الدليل السابع: عن علي رضي الله عنه قال: «لا اعتكاف إلا بصوم» (7).

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يصح الاعتكاف بغير صوم.

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (8).

(1) ينظر: شرح المشكاة للطيبي 5/ 1632.

(2)

ينظر: الحاوي 3/ 486، التوضيح 13/ 639، سبل السلام 1/ 595، مرقاة المفاتيح 4/ 1450.

(3)

زاد المعاد 2/ 83.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف 4/ 354 رقم 8037، في الاعتكاف، باب لا اعتكاف إلا بصيام، وابن أبي شيبة في المصنف 2/ 334 رقم 9623، في الصيام، باب من قال لا اعتكاف إلا بصوم، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 521 رقم 8581، في الصيام، باب المعتكف يصوم، والطحاوي في مشكل الآثار 10/ 347.

(5)

رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 354 رقم 8036، في الاعتكاف، باب لا اعتكاف إلا بصيام.

(6)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 333 رقم 9621، في الصيام، باب من قال لا اعتكاف إلا بصوم، والطحاوي في مشكل الآثار 10/ 347 رقم 4185.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 333 رقم 9620، في الصيام، من قال لا اعتكاف إلا بصوم.

(8)

سورة البقرة: آية: 125.

ص: 631

وجه الاستدلال: دلت الآية على أن المُقام في بيت الله، هو العُكوف فيه، من غير شرط، وأن العُكوف عبادة بنفسه؛ كما أنَّ الطواف والركوع والسجود عبادات بنفسها (1).

الدليل الثاني: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أوف نَذرَك» ، فاعتكَفَ ليلة (2).

وجه الاستدلال: في الحديث جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر ¢ بأن يفيَ بنذره وهو اعتكاف ليلةٍ؛ والليل ليس ظرفا للصوم، فدل على أن الصوم ليس شرطا لصحته. ولو كان الصوم شرطا فيه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر ¢ به (3).

الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خِباء (4) فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جَحْش (5) ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال: «ما هذا؟ » ، فأُخبِر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«آلْبِرَّ (6) تُرَوْنَ (7) بهن؟ » ، فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرا من شوال» (8).

(1) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 755.

(2)

رواه البخاري 3/ 51 رقم 2042 كتاب الاعتكاف، باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف.

(3)

ينظر: المغني 3/ 188، معالم السنن 4/ 62، التمهيد 11/ 200، بداية المجتهد 2/ 79، فتح الباري 4/ 274.

(4)

الخِباء: من الأبنية، واحد الأخبية، وهو ما كان من وبر أو صوف، وقد يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. لسان العرب 14/ 223 مادة: خبأ.

(5)

هي: زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية، أم المؤمنين، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، تزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها زيد بن حارثة، روى عنها: ابن أخيها محمد بن عبد الرحمن، وأم حبيبة أم المؤمنين، وزينب بنت أبي سلمة، وغيرهم، توفيت سنة 20، وهي أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به. ينظر: معرفة الصحابة 6/ 3222، الإصابة 8/ 153، سير أعلام النبلاء 2/ 211.

(6)

آلبر: بهمزة استفهام ممدودة، وبغير مدة، وبالنصب، أي: الطاعة. ينظر: فتح الباري 4/ 276، شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 312، تنوير الحوالك 1/ 234.

(7)

تُرَوْن: بضم أوله، أي: تظنون. ينظر: فتح الباري 4/ 276.

(8)

أخرجه البخاري 4/ 323 رقم 2033 كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف النساء.

ص: 632

وفي رواية: «فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال» (1).

وجه الاستدلال: أن في اعتكافه في أول شوال دليل على أن الصوم ليس شرطا لصحة الاعتكاف؛ لأن يوم العيد داخل في جملة العشر، وليس محلا للصوم (2).

قال ابن تيمية: "فقد بينت عائشة أنه اعتكف العشر الأول من شوال؛ وهذا إنما يكون إذا اعتكف يوم العيد، لا سيما ومقصوده عشر مكان عشر"(3).

الدليل الرابع: عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى» (4).

وجه الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف ليلا أيضا مع كونه فيه غير صائم (5)؛ ولو كان الاعتكاف لا يجوز إلا مقارنا للصوم لخرج منه الصائم بالليل؛ لخروجه فيه من الصوم، فلما لم يخرج منه من الاعتكاف بالليل وخرج فيه من الصوم ثبت منفردا بغير الصوم (6).

الوجه الثاني: أن اعتكافه صلى الله عليه وسلم في رمضان دليل على أنه لم يصم للاعتكاف؛ لأن صومه في شهر رمضان إنما كان للشهر؛ لأن الوقت مستحق له ولم يكن للاعتكاف (7).

قال الخطابي: "وفيه مستدل لمن أجاز الاعتكاف بغير صوم يُنشؤه له: وذلك أن صومه في شهر رمضان إنما كان للشهر؛ لأن الوقت مستحق له"(8).

(1) رواه مسلم 2/ 831 رقم 1172، في الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه.

(2)

ينظر: تهذيب السنن 7/ 106، الحاوي الكبير 3/ 487، شرح السنة للبغوي 6/ 395.

(3)

شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 761.

(4)

أخرجه البخاري 3/ 47 رقم 2026، في الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، ومسلم 2/ 831 رقم 1172، في الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.

(5)

ينظر: طرح التثريب 4/ 171، وينظر: الاستذكار 3/ 393.

(6)

ينظر: مختصر المزني 8/ 157، الحاوي الكبير 3/ 486.

(7)

ينظر: مختصر المزني 8/ 157، المجموع 6/ 488، طرح التثريب 4/ 171، عون المعبود 7/ 98.

(8)

معالم السنن 2/ 137، وينظر: المحلى 3/ 419.

ص: 633

الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» (1).

الدليل السادس: قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما: «المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه» (2).

الراجح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الثاني: أنه يصح الاعتكاف بغير صوم؛ لحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرا من شوال» ؛ ولحديث عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال:«أوف بنذرك» ؛ ولأنه ليس في اشتراط الصوم كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح، والحكم إنما يثبت بواحدة من هذه الجهات؛ بخلاف نفي الاشتراط؛ فإنه ثابت بالنفي الأصلي وعدم الدليل الدال على الإيجاب (3).

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} ، فيجاب عنه بما قاله ابن العربي:

فقال: "وهذا لا حجة فيه؛ لأنه خطاب خرج عن حالٍ، فلا يلزم أن يكون شرطا في جميع الأحوال"(4).

وقال أيضا: "أما اشتراط الصوم فيه -بخطابه تعالى لمن صام-، فلا يلزم بظاهره ولا باطنه؛ لأنها حال واقِعة لا مشترِطة"(5).

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث: «لا اعتكاف إلا بصيام» ، فيجاب عنه من وجهين:

(1) رواه الدارقطني في السنن 3/ 183 رقم 2355، في الصيام، باب الاعتكاف، والحاكم 1/ 605 رقم 1603، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 523 رقم 8587 كتاب الصيام، باب من رأى الاعتكاف بغير صوم، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 9/ 366 رقم 4378.

(2)

رواه ابن أبي شيبة 2/ 334 رقم 9624، في الصيام باب من قال لا اعتكاف إلا بصوم.

(3)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 761.

(4)

القبس 1/ 531.

(5)

أحكام القرآن 1/ 135.

ص: 634

الوجه الأول: أن الحديث ضعيف بالاتفاق (1).

الوجه الثاني: وعلى التسليم بصحته فيكون معناه: لا اعتكاف كاملا أو فاضلا إلا بصوم (2).

قال ابن قدامة: "ولو صح فالمراد به الاستحباب، فإن الصوم فيه أفضل"(3).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة» الحديث، فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن قوله: «السنة في المعتكف

» مُدْرَج في الحديث، ليس هو من كلام عائشة رضي الله عنها، والصواب أنه ممن دونها (4).

قال ابن عبد البر: "لم يقُل أحد في حديث عائشة هذا «السُنَّة» إلا عبد الرحمن بن إسحاق (5)، ولا يصح الكلام عندهم إلا من قول الزُهري، وبعضه من كلام عُروة"(6).

فإذا تقرر هذا فيكون معنى كلام الزُهري: «السُنَّة» أي: السُنَّة في اعتقادِهِ؛ كما يقول الفقيه: حكم الله في هذه المسألة كذا وكذا، والسُنَّة أن يفعل كذا، وحكم الشريعة كذا؛ يعني به: فيما عَلِمتُه وأَدرَكتُه (7).

الوجه الثاني: أن غاية هذا الأثر الدلالة على استحباب الصوم في الاعتكاف؛ فإن قولها رضي الله عنها: «السُنَّة» إنما يفيد الاستحباب. وقولها: «لا اعتكاف إلا بصوم» : نفي للكمال (8).

(1) ينظر: المجموع 6/ 488، والحاوي الكبير 3/ 487.

(2)

ينظر: شرح المشكاة للطيبي 5/ 1632، والتنوير شرح الجامع الصغير 11/ 71، والحاوي الكبير 3/ 487، وكفاية النبيه 6/ 430.

(3)

المغني 3/ 188، وينظر: المجموع 6/ 488.

(4)

ينظر: التوضيح لابن الملقن 13/ 635، وفتح الباري 4/ 273.

(5)

هو: عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث القرشي العامري المدني، نزيل البصرة، ويقال له: عباد بن إسحاق، من الذين عاصروا صغار التابعين، قال أبو داود: قدري ثقة، وقال البخاري: ليس ممن يعتمد على حفظه. ينظر: تهذيب الكمال 16/ 519، تهذيب التهذيب 6/ 139.

(6)

الاستذكار 3/ 389، والتمهيد 8/ 330، وينظر: معالم السنن 2/ 141، شرح المشكاة للطيبي 5/ 1632.

(7)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 762.

(8)

حاشية ابن القيم على سنن أبي داوود 7/ 108، شرح الزركشي 3/ 6.

ص: 635

رابعا: وأما قولهم: إنه صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا وهو صائم، فيجاب عنه:

بأن فعله صلى الله عليه وسلم محمول على الاستحباب لا على الاشتراط، ولهذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في شوال، فوجب حمل اعتكافه صلى الله عليه وسلم وهو صائم على الاستحباب؛ جمعا بين الأحاديث. مع أنه لا يلزم من مجرد الاعتكاف في رمضان اشتراط الصوم (1).

قال صِدِّيق حسن خان (2): "وأما اعتكافه صلى الله عليه وسلم في صومه، فلا يستلزم أن يكون الاعتكاف كذلك؛ لأنه أَمرٌ اتفاقيٌ، ولو كان ذلك مُعتَبَرا لكان اعتكافُه في مسجده مُعتبَرا؛ فلا يصح من أحد الاعتكاف في غيره وأنه باطل"(3). والله أعلم.

(1) ينظر: المجموع 6/ 488، والحاوي الكبير 3/ 487.

(2)

هو: محمد صديق خان بن حسن بن علي، أبو الطيب الحسيني البخاري القَنُّوجي، عالم أمير شارك في أنواع من العلوم، وألف وصنف بالعربية والفارسية والهندية، من تصانيفه: فتح البيان في مقاصد القرآن، وعون الباري، توفي سنة 1307 هـ. ينظر: حلية البشر ص 738، أبجد العلوم ص 725، والأعلام 6/ 167.

(3)

الروضة الندية 1/ 239.

ص: 636