المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

.

اختيار الشيخ: اختار أن الفصد لا يُفسد الصيام، لكن يستحب تركه من أجل أن لا يضعف البدن، فقال:"وحينئذ فيندب تركها (أي الحجامة) كالفصد ونحوه؛ تحرزا عن إضعاف البدن"(1).

اختلف أهل العلم في حكم الفصد للصائم على قولين:

القول الأول: الفصد لا يفسد الصيام.

وبه قال جمهور أهل العلم من: الحنفية (2) ، والمالكية (3) ، والشافعية (4) ، والحنابلة في المذهب (5)، وهو اختيار الشيخ.

القول الثاني: أن الفصد يفسد الصوم.

وهو وجه عند: الحنابلة (6) ، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (7).

سبب الخلاف: اختلافهم في قياس الفصد على الحجامة، وهل هي بمعناه أم لا؟ .

أدلة الجمهور: القائلين بأن الفصد لا يفسد الصيام.

أما أدلة الجمهور القائلين بأن الفصد لا يُفطِّر، فهي نفس أدلة الحجامة التي مرت معنا في المسألة السابقة صفحة (246 وما بعدها)، فلا حاجة لإعادتها؛ وقاسوا الفصد عليها.

قال العيْني (8): "فإن الحجامة كالفصد في خروج الدم من العِرْق، والفصد لا يفسد، وكذا الحجامة"(9).

(1) مرعاة المفاتيح 6/ 533.

(2)

تحفة الملوك 1/ 145، البناية 4/ 50، مراقي الفلاح ص 256، رد المحتار 2/ 419.

(3)

إرشاد السالك ص 39، الفواكه الدواني 1/ 308، مواهب الجليل 2/ 416، منح الجليل 2/ 124.

(4)

البيان 3/ 533، المجموع 6/ 349، أسنى المطالب 1/ 416، المنهاج القويم ص 254.

(5)

المغني 3/ 120، المبدع 3/ 24، مطالب أولي النهى 2/ 124، الإنصاف 3/ 303.

(6)

شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 452، شرح الزركشي 2/ 579، المبدع 3/ 24، الإنصاف 3/ 303.

(7)

الفتاوى الكبرى لابن تيمية 5/ 376، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 453، والإنصاف 3/ 303.

(8)

هو: بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى العينتابي المصري الحنفي. برع في الفقه والتفسير والحديث واللغة، ولي قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية، توفي سنة 855 هـ، من مؤلفاته: عمدة القارئ شرح البخاري؛ والبناية في شرح الهداية. ينظر: الضوء اللامع 10/ 131، البدر الطالع 2/ 294.

(9)

البناية شرح الهداية 4/ 109.

ص: 253

وقال النووي: "قال أصحابنا والفصد كالحجامة"(1).

وقال الحطاب (2) -بعد قول المصنف (3): "وحجامة مريض فقط"-: "ومثلها الفصادة"(4).

وأما أدلة الحنابلة التي جعلتهم يفرقون بين الحجامة والفصد فهي:

أولا: لأن الحجامة ورد فيها النص بأنها تُفطِّر، وأما الفصد فلا نص فيه.

ثانيا: ولأنه لا يمكن إثبات قياس الفصد على الحجامة في الإفطار؛ لجواز أن يكون في الحجامة معنى اختصها دون غيرها.

ثالثا: ولأن الدم الخارج من البدن، منه ما يُفطِّر؛ كدم الحيض والنفاس، ومنه ما لا يُفطِّر؛ كدم الاستحاضة. ومنه ما يُستخرَج كدم الحجامة والفصد، فيجوز أن يكون دم الحجامة مُفطِّرا، ودمُ الفصد غير مُفطِّر.

قال ابن تيمية -مُقَرِّرا لهذا الكلام-: "لأنه لا نص فيه (أي الفصد) ، ولا يمكن إثبات الحكم فيه قياسا؛ لجواز أن يكون في الحجامة معنى يَختَصُّه، ولأن الدم منه ما يخرج بنفسه وهو دم الحيض والاستحاضة والنِفاس، ومنه ما يخرج بالإخراج. ثم الأول يُفطِّر بعضُه دون بعض، فيجوز أن يكون الثاني كذلك"(5).

وقال ابن عثيمين: "فالمذهب لا يُلحق (أي الفصد) بالحجامة؛ لأن الأحكام التَعبُّدية لا يقاس عليها"(6).

أدلة القول الثاني: القائلين بأن الفصد يفسد الصوم.

(1) المجموع 6/ 349.

(2)

هو: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي الرُّعيني، المعروف بالحطاب، الفقيه المالكي، أصله من المغرب، ولد واشتهر بمكة، ومات في طرابلس الغرب سنة 954 هـ، من مصنفاته: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل؛ وشرح نظم نظائر رسالة القيرواني. ينظر: شجرة النور الزكية 1/ 389، معجم المؤلفين 11/ 230، والأعلام 7/ 58.

(3)

المقصود بالمصنف هو خليل صاحب المختصر في الفقه المالكي.

(4)

مواهب الجليل في شرح خليل 2/ 416.

(5)

شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 452.

(6)

الشرح الممتع 6/ 383. وينظر كلام الشاطبي عن القاعدة في الموافقات 2/ 539.

ص: 254

الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» (1).

وجه الاستدلال: لأن احتجامه صلى الله عليه وسلم كان لحاجته إلى إخراج الدم الفاسد، والمقصود هو إخراج الدم على الوجه النافع؛ سواء كان ذلك بالحجامة أو بالفصد، فإذا كان البلد حارا يخرج فيه الدم إلى الجلد، كانت الحجامة هي المصلحة. وإن كان البلد باردا يغور فيه الدم إلى العروق، كان إخراجه بالفصد هو المصلحة (2).

قال ابن القيم: "قلت: والتحقيق في أمرها (يعني الحجامة) وأمر الفصد، أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والأسنان والأمزجة: فالبلاد الحارة، والأزمنة الحارة، والأمزجة الحارة، -التي دم أصحابها في غاية النضج-، الحجامة فيها أنفع من الفصد بكثير، فإن الدم ينضج ويرِقّ ويخرج إلى سطح الجسد الداخل، فتُخرِج الحجامة ما لا يخرجه الفصد"(3).

الدليل الثاني: أن "المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصد شرعا وطبعا"(4).

الدليل الثالث: أن الفطر بالحجامة من جنس الفطر بدم الحيض والاستقاءة والاستمناء، وإذا كان كذلك فبأي وجه أراد إخراج الدم أفطر، كما أنه بأي وجه أخرج القيء أفطر سواء جَذَب القيء بإدخال يده أو شَمّ شيئا تسبب في قَيئه، أو وضعَ يده تحت بطنه واستخرج القيء. فتلك طرق لإخراج القيء، وهذه طرق لإخراج الدم (5).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو قول الجمهور القائلين بأن الفصد لا يُفطِّر؛ وذلك بناءً على أن الحجامة لا تفطر كما مرَّ في المسألة السابقة (6)، والله أعلم.

(1) سبق تخريجه صفحة (248).

(2)

ينظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية 2/ 156 - 157، واختيارات شيخ الإسلام 177.

(3)

الطب النبوي ص 42 - 43، وزاد المعاد 4/ 49.

(4)

مجموع الفتاوى لابن تيمية 25/ 256.

(5)

ينظر المصدر السابق 25 - 257.

(6)

ينظر الترجيح في صفحة (250 وما بعدها).

ص: 255

المطلب الثالث: حكم المباشرة (1) للصائم.

اختيار الشيخ: اختار أن المباشرة تجوز لمن يملك نفسه، وتُكره لمن لا يملك نفسه، فقال:"وقد ظهر مما ذكرنا أن أعدل الأقوال وأقواها هو ما ذهب إليه الشافعي (2) ومن وافقه، من التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث المختلفة"(3).

تحرير المسألة: نحا المصنفون والفقهاء في مسألة المباشرة والقبلة للصائم منحيين: فمنهم من أدرجهما تحت باب واحد، ومنهم من أفرد كل واحدة منهما بباب مستقل (4).

والأدلة في المسألتين بعضها خاص بكل مسألة، وبعضها مشترك. وظهر لي أن من المناسب إفراد كل مسألة على حدة وذكر الأقوال والنصوص التي تخص كل مسألة.

تحرير محل الخلاف: أجمع العلماء أن المباشرة التي هي الجماع، محرمة على الصائم، مفسدة للصيام (5).

واختلفوا في المباشرة التي هي دون الجماع على أربعة أقوال:

القول الأول: جواز المباشرة للصائم، إذا لم يخف منها أن تدعوه إلى غيرها، مما يمنع منه الصائم، فإن دعت إلى ذلك بأن حركت شهوته فهي مكروهة.

وهو قول: الحنفية في ظاهر الرواية (6) ، والشافعية (7).

(1) المُباشرة: الملامسة، وأصله من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد يرِد بمعنى الوطء في الفرج، والمقصود هنا الأول. ينظر: النهاية 1/ 129، لسان العرب 4/ 61، تاج العروس 10/ 192.

(2)

هو: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، أبو عبد الله القرشيّ المُطَّلِبِيّ، أحد أئمة المذاهب الأربعة، وإليه ينتسب الشافعية، جامع لعلوم الفقه والأصول والحديث واللغة، نشر مذهبه بالحجاز والعراق، ثم انتقل إلى مصر ونشر بها مذهبه، وبها توفي سنة 204 هـ. من تصانيفه: الأم في الفقه؛ والرسالة في أصول الفقه. ينظر: تاريخ بغداد 2/ 392؛ سير أعلام النبلاء 10/ 5؛ الأعلام 6/ 26.

(3)

مرعاة المفاتيح 6/ 484.

(4)

من الذين أفردوا كل واحدة منهما بباب مستقل: البخاري، وابن خزيمة في صحيحيهما، والدارمي، وابن ماجة في سننهما، وابن أبي شيبة في مصنفه.

(5)

ينظر: الإقناع لابن المنذر 1/ 193، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 235، مراتب الإجماع ص 39.

(6)

المبسوط 3/ 58، بدائع الصنائع 2/ 106، الجوهرة النيرة 1/ 139، تحفة الفقهاء 1/ 367. قال في البحر الرائق 2/ 293:"والمباشرة كالقبلة في ظاهر الرواية".

(7)

المهذب 1/ 335، فتح العزيز 6/ 425، المجموع 6/ 355، نهاية المحتاج 3/ 174.

ص: 256

وهو قول: الحنابلة في المذهب (1)، وهو اختيار الشيخ.

وبه قال: ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما (في رواية عنهما)(2).

القول الثاني: تكره المباشرة للصائم.

وهو: مذهب المالكية (3) ، ورواية عن أبي حنيفة (4) ، ورواية عن أحمد (5).

وقال به: ابن عباس، وابن عمر (في الرواية الأخرى عنهما) ، وعبد الله بن مغفل (6) رضي الله عنهم ، والزهري، وسعيد ابن المسيب، وعطاء (7).

القول الثالث: تباح المباشرة مطلقا.

وروي ذلك عن: عائشة، وابن عباس في رواية، وسعد بن أبي وقاص (8)، وابن مسعود، وحذيفة رضي الله عنهم، وعكرمة (9)، والحسن البصري (10).

(1) الكافي 1/ 449، المبدع 3/ 38، الإنصاف 3/ 329.

(2)

تنظر أقوالهم في: المحلى 4/ 344، ومصنف ابن أبي شيبة 2/ 317.

(3)

المدونة 1/ 268، الذخيرة 2/ 504، التاج والإكليل 3/ 332، الفواكه الدواني 1/ 316.

(4)

المبسوط 3/ 59، بدائع الصنائع 2/ 107، البناية 4/ 47، رد المحتار 2/ 417.

(5)

رواية أحمد وإسحاق 3/ 1240، شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 487.

(6)

هو: عبد الله بن مغفل بن عبد نهم المزني، من مشاهير الصحابة، شهد بيعة الشجرة، سكن المدينة، وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر ليفقهوا الناس بالبصرة، توفي سنة 57 هـ وقيل بعدها. ينظر: معرفة الصحابة 4/ 1780، سير أعلام النبلاء 2/ 483، وتهذيب التهذيب 6/ 42.

(7)

تنظر أقوالهم في: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 317، مصنف عبد الرزاق 4/ 189، الإشراف لابن المنذر 3/ 136، المحلى 4/ 344.

(8)

هو: سعد بن مالك، واسم مالك أهيب بن عبد مناف بن زهرة، أبو إسحاق القرشي، من كبار الصحابة، أسلم قديما وهاجر، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى. تولى قتال جيوش الفرس وفتح الله على يديه العراق. توفي بالمدينة سنة: 55 هـ. ينظر: أسد الغابة 2/ 214، الإصابة 3/ 62، تهذيب التهذيب 3/ 484.

(9)

هو: عِكْرِمة أبو عبد الله القرشي مولى ابن عباس، المدني أصله من البربر من أهل المغرب، الحبر العالم من علماء التابعين، ومن المتبحرين بالتفسير، روى عن ابن عباس وعائشة وغيرهما، وعنه إبراهيم النخعي والشعبي وغيرهما، توفي سنة 105 هـ. ينظر: السير 5/ 12، تهذيب التهذيب 7/ 271.

(10)

تنظر أقوالهم في: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 317، مصنف عبد الرزاق 4/ 188، 191، الإشراف لابن المنذر 3/ 136، المحلى 4/ 345 - 346.

ص: 257

القول الرابع: أن المباشرة سنة مستحبة.

وبه قال: ابن حزم الظاهري (1).

أدلة القول الأول: القائلين تجوز المباشرة للصائم، إذا لم يخف منها أن تدعوه إلى غيرها، مما يمنع منه الصائم، فإن دعت إلى ذلك بأن حركت شهوته فهي مكروهة.

الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم، ولكنه كان أَمْلَكُكُم لِإِرْبِهِ (2)» (3).

وجه الاستدلال: لمّا كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم، وكان أملك الناس لإربه، فغير ذي الشهوة يأخذ حكمه (4).

الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب» (5).

وجه الاستدلال: أن نهيه صلى الله عليه وسلم للشاب وإذنه للشيخ يدل على أنه لا تُباح المباشرة لمن خشي أن تغلبه الشهوة، وظن أنه لا يملك نفسه عند المباشرة (6).

(1) المحلى 4/ 338.

(2)

يقال: إِرْبه، وأَرَبه، واختُلف في الأشهر منهما: فرجح النووي الأول، ورجح ابن الأثير الثاني. واختلف في معناه، فقيل: معناهما واحد وهو حاجة النفس، وقيل: بالفتح الحاجة، وبالكسر فيه وجهان: الأول الحاجة أيضا، والثاني العضو، ويقصد به من الأعضاء الذَكَر خاصة. ينظر: النهاية في الغريب 1/ 36، وشرح مسلم للنووي 7/ 216، ومعالم السنن 2/ 113. والمقصود في الحديث: حاجة النفس؛ كما جاء ذلك صريحا في رواية الموطأ ص 293.

(3)

رواه البخاري 2/ 680 رقم 1826، في الصيام، باب المباشرة للصائم، ومسلم 2/ 777 رقم 1106، في الصيام باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، واللفظ له.

(4)

ينظر: المغني 3/ 128، وطرح التثريب 4/ 138.

(5)

رواه أبو داود 1/ 726 رقم 2387، في الصوم، باب كراهيته للشاب، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 231 رقم 7872، في الصيام، باب كراهية القبلة لمن حركت القبلة شهوته، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود 7/ 148 رقم 2065:"إسناده حسن صحيح".

(6)

ينظر: نيل الأوطار 4/ 250.

ص: 258

وفُهِم من تعليله صلى الله عليه وسلم أن الحكم دائر مع تحريك الشهوة، والتعبير بالمعنى المذكور، أي: بالشيخ والشاب، جرى على الغالب من أحوال الشيوخ في انكسار شهوتهم، وأحوال الشباب في قوتها، فلو انعكس الأمر انعكس الحكم (1).

الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لا بأس للشيخ أن يباشر» ، يعني: وهو صائم (2).

الدليل الرابع: عن وَبَرة (3)، قال:«جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنه قال: أباشر امرأتي وأنا صائم؟ فقال: لا، ثم جاءه آخر، فقال: أباشر امرأتي وأنا صائم؟ قال: نعم، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، قلتَ لهذا: نعم، وقلت لهذا: لا، فقال: إن هذا شيخ، وهذا شاب» (4).

وجه الاستدلال: أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قد أباحا المباشرة للشيخ؛ وذلك لما عَلِما من أن الشيخ يملك نفسه عند المباشرة بعكس الشاب.

الدليل الخامس: ولأنها مباشرة لغير شهوة؛ فأشبهت لَمْس اليد لحاجة (5).

أدلة القول الثاني: القائلين تكره المباشرة للصائم.

الدليل الأول: قول الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (6).

وجه الاستدلال: أن الله عز وجل منع المباشرة في هذه الآية في نهار رمضان. والمباشرة أن تلاقي البشَرَةُ البشرةَ على وجه الاستمتاع، وهو أعم من الجماع (7).

(1) ينظر: شرح الزرقاني للموطأ 2/ 245، وطرح التثريب 4/ 137، وإرشاد الساري 3/ 368.

(2)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 317 رقم 9432، كتاب الصيام باب ما ذكر في المباشرة للصائم.

(3)

هو: وَبَرة بن عبد الرحمن المُسليُّ، أبو خزيمة الكوفي الثقة، سمع: ابن عمر، وسعيد بن جبير، وروى عنه: بيان بن بشر، ومسعر، توفي سنة 116 هـ. ينظر: تاريخ الإسلام 3/ 333، تهذيب الكمال 30/ 426، تهذيب التهذيب 11/ 111.

(4)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 317 رقم 9432، كتاب الصيام، باب ما ذكر في المباشرة للصائم.

(5)

ينظر: المغني 3/ 128.

(6)

سورة البقرة: آية: 187.

(7)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 487، فتح الباري 4/ 150، ونيل الأوطار 4/ 251.

ص: 259

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه» (1).

وجه الاستدلال: فمعنى كلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القُبلة والمباشرة، ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثله صلى الله عليه وسلم في استباحتها؛ لأنه يملك نفسه ويأمن الوقوع في قُبلةٍ أو مباشرة يتولد منها إنزال أو شهوة أو هيجان نفس ونحو ذلك، وأنتم لا تأمنون ذلك فطريقكم الانكفاف عنها (2).

قال العراقي (3): "واحتج من كره مطلقا: بأن غيره? لا يساويه في حفظ نفسه عن المواقعة بعد ميله إليها، فكان ذلك أمرا خاصا به"(4).

الدليل الثالث: عن الأسود (5)، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: أيباشر الصائم؟ ، يعني امرأته، ؟ قالت: لا، قلت: أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يباشر وهو صائم؟ قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أملكُكُم لإِرْبه» (6).

(1) رواه البخاري 2/ 680 رقم 1826، في الصوم باب المباشرة للصائم، ومسلم 2/ 776 رقم 1106، في الصيام باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، واللفظ له.

(2)

ينظر: شرح مسلم النووي 7/ 217، وشرح الزرقاني للموطأ 2/ 244، وعون المعبود 7/ 8.

(3)

هو: زين الدين عبد الرحيم بن حسين، أبو الفضل العراقي الكردي، المحدث الشافعي. طلب العلم عن جماعة منهم: العز بن جماعة، وابن التركماني، وغيرهما. تتلمذ عليه: ابنه أبو زرعة، والهيثمي، وابن حجر، وغيرهم. توفي بالقاهرة 806 هـ، من مؤلفاته: الألفية في علوم الحديث، تخريج أحاديث إحياء علوم الدين. ينظر: طبقات الشافعية 4/ 29، وحسن المحاضرة 1/ 360، الأعلام 3/ 344.

(4)

طرح التثريب 4/ 138.

(5)

هو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، أبو عمرو الفقيه الحافظ المخضرم، كان عالم الكوفة في عصره، روى عن: أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وغيرهم. وعنه ابنه: عبد الرحمن، وأخوه عبد الرحمن، وابن أخته إبراهيم بن يزيد النخعي، وغيرهم، توفي سنة 75 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 6/ 70، سير أعلام النبلاء /50، تهذيب التهذيب 1/ 343.

(6)

رواه أحمد 41/ 434 رقم 24965، واللفظ له، وقال محققه الأرنؤوط:"صحيح"، والنسائي في السنن الكبرى 3/ 309 رقم 3096، في المباشرة للصائم، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 392 رقم 8091، في الصيام باب كراهية القبلة لمن حركت شهوته، وينظر إرواء الغليل 4/ 80 رقم 934.

ص: 260

وجه الاستدلال: أن عائشة رضي الله عنها منعت من مباشرة الصائم مطلقا، وعللت أن مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من خصائصه.

الدليل الرابع: عن عطاء، قال: قيل لابن عباس رضي الله عنهما: المباشرة، قال:«أَعِفّوا صومَكم» (1).

الدليل الخامس: عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه كان يكره القُبلة والمباشرة للصائم» (2).

الدليل السادس: ولأن المباشرة من دواعي الجماع؛ فلا يُؤمَن أن يقترن بها إنزال مَنِيّ، أو مَذِيّ، أو أن تدعو إلى الازدياد والإكثار، فيفضي إلى الجِماع (3).

أدلة القول الثالث: القائلين بأن المباشرة تباح للصائم مطلقا.

الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم، ثم يجعل بينه وبينها ثوبا» ، يعني الفَرْج (4).

الدليل الثاني: عن عائشة بنت طلْحة (5) أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها زوجها هنالك؛ وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (6)؛ وهو صائم، فقالت له

(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 317 رقم 9435، كتاب الصيام، باب ما ذكر في المباشرة للصائم.

(2)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 317 رقم 9436، في الصيام، باب ما ذكر في المباشرة للصائم، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 391 رقم 8089، في الصيام، باب كراهية القبلة لمن حركت شهوته.

(3)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 1/ 487.

(4)

رواه أحمد في المسند 40/ 364 رقم 24314، وقال شعيب الأرنؤوط:"حديث صحيح"، وقال الألباني في الإرواء 4/ 83:"سند جيد وهو على شرط مسلم".

(5)

هي: عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية، بنت أخت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أم كلثوم، روت عن: خالتها عائشة، وعنها: حبيب بن أبي عمرة، وابن أخيها طلحة بن يحيى، وغيرهما، توفيت بعد 100 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 4/ 369، تهذيب الكمال 35/ 237، الأعلام 3/ 240.

(6)

هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، القرشي التيمي المدني، ابن أخت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمته عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، روى: عن أبيه، وخالته أم سلمة، وعنه: ابنه طلحة، وابن عمه القاسم بن محمد، وأخته أسماء، وغيرهم، توفي بعد 70 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 5/ 194، تهذيب التهذيب 5/ 291.

ص: 261

عائشة: «ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقَبِّلها وتلاعبها؟ » ، فقال: أقبلها وأنا صائم؟ ! ، قالت:«نعم» (1).

وجه الاستدلال: هذا الحديث دليل على أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لا ترى تحريم القبلة والمباشرة للصائم ولا أنها من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أنها تفرق بين الشاب والشيخ في ذلك، بل الكل عندها سواء (2).

ولأن عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها، وكانت أيام أم المؤممين عائشة رضي الله عنها هي وزوجها عبد الله فتيين في عنفوان الشباب (3).

الدليل الثالث: عن مَسْرُوق (4) قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت: «كل شيء إلا الجماع» (5).

وجه الاستدلال: فهذه عائشة رضي الله عنها تقول فيما يَحرُم على الصائم من امرأته وما يحل له منها ما قد ذُكِر، فدل ذلك على أن المباشرة كانت مباحة عندها للصائم الذي يأمن على نفسه ومكروهة لغيره، ليس لأنها حرام عليه، ولكنه لا يأمن إذا فعلها من أن تغلبه شهوته فيقع فيما يَحرُم عليه (6).

(1) أخرجه مالك في الموطأ ص/292 رقم 16، في الصيام باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 95 رقم 3399، في الصيام باب القبلة للصائم، وصححه الألباني في الصحيحة 1/ 432.

(2)

ينظر: شرح الزرقاني على الموطأ 2/ 242، وفتح الباري 4/ 150، وإرشاد الساري 5/ 368.

(3)

ينظر: المحلى 4/ 345.

(4)

هو: مَسْرُوْق بنُ الأَجْدَع بن مَالِك الوَادِعِيّ الهَمْدَانِيّ، أبو عائشة، تابعي ثقة من أهل اليمن، قدم المدينة في أيام أبي بكر رضي الله عنه، وسكن الكوفة، روى عن: أبي بكر، وعمر، وعائشة، وغيرهم، وعنه: الشعبي، والنخعي، وأبو الضحى، وغيرهم، توفي سنة 63 وقيل 62 هـ. ينظر: الطبقات الكبرى 6/ 76، سير أعلام النبلاء 4/ 63، تهذيب التهذيب 10/ 111.

(5)

رواه عبد الرزاق 4/ 189 رقم 7439، في الصيام، باب مباشرة الصائم، والدارمي في السنن 1/ 695 رقم 1079، كتاب الطهارة، باب مباشرة الحائض، بسند صحيح كما ذكر الحافظ في الفتح 4/ 149، والألباني كما في الصحيحة 1/ 435.

(6)

ينظر: نخب الأفكار للعيني 8/ 515.

ص: 262

الدليل الرابع: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سئل: أتباشر وأنت صائم؟ قال: «نعم، وآخذ بجهازها» (1).

الدليل الخامس: عن ابن مسعود رضي الله عنه: «أنه كان يباشر امرأته بنصف النهار، وهو صائم» (2).

أدلة القول الرابع: القائلين تستحب المباشرة للصائم.

الدليل الأول: قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (3).

وجه الاستدلال: أن الآية نصت أن المؤمن الحق هو من جعل النبي صلى الله عليه وسلم أسوته وقدوته في أفعاله وأقواله، ومما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم مباشرته زوجاته في يوم الصيام؛ فكان من السنة فعل ذلك.

الدليل الثالث: واستدل ابن حزم بالأحاديث والآثار التي استدل بها أصحاب القول الثالث القائلين بإباحة المباشرة مطلقا، وحملها على الاستحباب.

قال ابن حزم: "وإذ قد صَحَّ أن القُبلة والمباشرة مستحبتان في الصوم، وأنه لم ينه الصائم في امرأته عن شيء إلا الجماع: فسواء تعمد الإمناء في المباشرة، أو لم يتعمد، كل ذلك مباح لا كراهة في شيء من ذلك؛ إذ لم يأت بكراهيته نص ولا إجماع، فكيف إبطال الصوم به! "(4).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: التفريق بين من يملك نفسه، ومن لا يملك نفسه؛ وذلك أن كثيرا من الأحاديث التي ذكرت هي موضع اشتراك في الاحتجاج بها بين أصحاب الأقوال المذكورة، إلا أن التفصيل المذكور في أدلة القول الأول يقوي دلالتها

(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 317 رقم 9429، في الصيام باب ما ذكر في المباشرة للصائم، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 95 رقم 3397، في الصيام باب القبلة للصائم، وذكره ابن حزم في المحلى 4/ 346، وصححه، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 437:"سنده صحيح على شرط مسلم".

(2)

رواه عبد الرزاق في مصنفه 4/ 190 رقم 7442، في الصيام، باب مباشرة الصائم، وابن أبي شيبة 2/ 317 رقم 9430، في الصيام، باب ما ذكر في المباشرة للصائم، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 395 رقم 8107، في الصيام، باب وجوب القضاء على من قبل فأنزل، وقال ابن حزم في المحلى 4/ 346:"وهذه أصح طريق عن ابن مسعود"، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 1/ 436:"سند صحيح على شرطهما".

(3)

سورة الأحزاب: آية: 21.

(4)

المحلى 4/ 347.

ص: 263

على أن المقصود ما رآه أصحاب القول الأول من التفريق بين من يملك نفسه ومن لا يملك، وكذا التفريق بين الشاب والشيخ.

وتحمل الأحاديث التي فيها النهي -إن صحت- على من لا يملك نفسه، وأما الأحاديث التي فيها جواز المباشرة فتحمل على من ملك إربه والله أعلم.

وأما الجواب عما استدل به الآخرون فقد أرجأته إلى المسألة التالية، وهي حكم القبلة للصائم؛ لأن ما يجاب به هنا يجاب به هناك (1). والله أعلم.

(1) ينظر الترجيح في صفحة (275 - 278).

ص: 264