الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان
.
اختيار الشيخ: اختار قبول شهادة الواحد على ثبوت هلال رمضان، فقال:"وفيه دليل كحديث ابن عباس على قبول خبر الواحد في رؤية هلال شهر رمضان"(1).
تحرير محل الخلاف: اتفق الفقهاء على أنه يجب صوم رمضان برؤية الهلال (2).
واتفقوا على أن الكافة إذا أخبرت برؤية الهلال، أن الصيام والإفطار بذلك واجبان (3).
واختلف العلماء في عدد الشهود الذين يثبت بهم دخول شهر رمضان على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يكتفى بشهادة عدل واحد.
وهو رواية عن: الإمام أبي حنيفة (4)(5) ، والأصح عند الشافعية (6)، والمذهب عند الحنابلة (7).
وهو قول: الظاهرية (8) ، وهو اختيار الشيخ رحمه الله.
القول الثاني: يشترط شهادة عدلين.
(1) مرعاة المفاتيح 6/ 449. يعني حديث ابن عمر الذي سيأتي في الأدلة.
(2)
ينظر: الإقناع لابن المنذر 1/ 227، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 228، بدائع الصنائع 2/ 80، بداية المجتهد 2/ 46، الحاوي الكبير 3/ 409، القوانين الفقهية ص 79، المبدع في شرح المقنع 3/ 3.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 40، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 228، بدائع الصنائع 2/ 80، القوانين الفقهية ص 79، مناهج التحصيل 2/ 66، المحلى بالآثار 4/ 375.
(4)
هو: الإمام الأكبر أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي مولاهم، الكوفي، الفقيه المجتهد، تابعي جليل، أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة من مذاهب أهل السنة، تفقه على: حماد بن أبي سليمان، من أشهر تلاميذه: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وزفر، توفي سنة 150 هـ ببغداد. له: المسند في الحديث؛ وتنسب إليه رسالة الفقه الأكبر في الاعتقاد. ينظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 15، منازل الأئمة الأربعة ص 161، مناقب الإمام أبي حنيفة ص 13.
(5)
بدائع الصنائع 2/ 80، البناية 4/ 26.
(6)
الأم 2/ 103، الحاوي 3/ 412، نهاية المطلب 4/ 12، البيان 3/ 480، المجموع 6/ 282.
(7)
المغني 3/ 164، الروض المربع 1/ 226، شرح منتهى الإرادات 1/ 472، الإنصاف 3/ 273.
(8)
المحلى 4/ 373.
وبه قال: المالكية (1)، والشافعية في قول (2)، والحنابلة في رواية (3).
وبه قال: عطاء (4) ، والأوزاعي (5) ، والليث، وإسحق بن راهويه (6).
القول الثالث: إن كان بالسماء علة يقبل شهادة الواحد، وإن لم يكن بالسماء علة فلا بد أن يكون الشهود جمعا غفيرا.
وبه قال: الحنفية في ظاهر الرواية (7).
سبب الخلاف: يرجع اختلاف العلماء في هذه المسألة إلى سببين والله أعلم:
السبب الأول: اختلاف الآثار في هذه المسألة (8).
السبب الثاني: تردد الخبر في هذه المسألة بين أن يكون من باب الشهادة أو من باب الإخبار (9).
أدلة القول الأول: القائلين بأنه يكتفى بشهادة عدل واحد.
الدليل الأول: قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (10).
وجه الاستدلال من الآية: أمر سبحانه وتعالى بالتبين عند مجيء الفاسق، ومفهومه عدم التبيّن عند مجيء العدل، فإذا رددنا شهادة الواحد العدل برؤية الهلال كنا قد تبيَّنا.
(1) المدونة 1/ 267، المقدمات الممهدات 1/ 251، المنتقى 2/ 36، مختصر خليل ص:61.
(2)
الحاوي 3/ 412، نهاية المطلب 4/ 12، المهذب 1/ 329، البيان 3/ 480، المجموع 6/ 275.
(3)
ينظر: المغني 3/ 164، الفروع 4/ 416، الإنصاف 3/ 274.
(4)
هو: عطاء بن أبي رباح بن أسلم، أبو محمد القرشي المكي، مولاهم، ولد في خلافة عثمان، أدرك مائتي صحابي، انتهت إليه فتوى أهل مكة، مات سنة 114 هـ، وقيل غير ذلك. ينظر: سير أعلام النبلاء 5/ 79 - 88، طبقات الحفاظ ص 45، تهذيب التهذيب 7/ 199 - 203.
(5)
هو: عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، أبو عمرو، إمام أهل الشام في زمانه في الحديث والفقه، سمع من: عطاء، والزهري ونافع، وغيرهم، وروى عنه: مالك، وشعبة، وخلق كثير، توفي سنة 157 هـ. ينظر: حلية الأولياء 6/ 135، سير أعلام النبلاء 7/ 107، تهذيب التهذيب 6/ 240.
(6)
تنظر أقوالهم في: الإشراف لابن المنذر 3/ 112 - 113، المجموع 6/ 282، المغني 3/ 164.
(7)
بدائع الصنائع 2/ 80، الاختيار 1/ 129، تبيين الحقائق 1/ 319، البناية 4/ 25.
(8)
ينظر: بداية المجتهد 2/ 48.
(9)
ينظر: بداية المجتهد 2/ 48، وإكمال المعلم 4/ 12، ومناهج التحصيل 2/ 64.
(10)
سورة الحجرات: من الآية رقم 6.
وإنما لم يُكتفى بشهادة الواحد في سائر الحقوق، لمَعاني أخرى غير موجودة هنا: كالتُهْمَة، وغير ذلك (1).
الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تَراءى (2) الناس الهلال، «فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته؛ فصام وأمر الناس بصيامه» (3).
وجه الاستدلال من الحديث: أن ابن عمر أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالصيام بسبب رؤيته؛ لأنه ذكر ذلك بحرف الفاء، التي تفيد السببية، ولأنه لم يذكر شيئا غير رؤيته؛ والأصل عدمه، ولأنه ذكر سببا وحُكْما؛ فيجب تعليقه به دون غيره (4).
الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال؛ يعني رمضان، فقال:«أتشهد أن لا إله إلا الله؟ » قال: نعم. قال: «أتشهد أن محمدا رسول الله؟ » قال: نعم. قال: «يا بلال، أَذِّن في الناس فليصوموا غدا» (5).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بشهادة الأعرابي وابن عمر كل على انفراده فدل على أن شهادة الواحد مقبولة في إثبات هلال رمضان (6).
(1) ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 138، والكواكب الدراري 25/ 15.
(2)
أي: تكلفوا النظر إليه هل يرونه أم لا؟ . ينظر: النهاية 2/ 177، وتاج العروس 38/ 114.
(3)
رواه أبو داوود 4/ 29 رقم 2342، كتاب الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤيا هلال رمضان، وقال شعيب الأرنؤوط:"إسناده صحيح"، والدارمي 2/ 1052 رقم 1733، كتاب الصوم باب الشهادة على رؤية هلال رمضان، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 357 رقم 7978، في الصيام باب الشهادة على رؤية هلال رمضان، وصححه الألباني إرواء الغليل 4/ 16 رقم 908.
(4)
ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 139، وينظر: شرح الزركشي على الخرقي 2/ 626، ومعالم السنن 2/ 102.
(5)
أخرجه أبو داود 2/ 302 رقم 2340، كتاب الصوم، باب في شهادة الوافد على رؤية هلال رمضان؛ والترمذي 3/ 65 رقم 691، أبواب الصيام، باب ما جاء في الصوم بالشهادة؛ والنسائي 4/ 132 رقم 2112، كتاب الصيام، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان؛ وابن ماجه 1/ 529 رقم 1652، في الصيام، باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال، وضعفه الألباني في الإرواء 4/ 15 رقم 907.
(6)
ينظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح 5/ 1582، وينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 141، سبل السلام 1/ 561، نيل الأوطار 4/ 222.
الدليل الرابع: عن طَاوُوس (1)، قال: شَهِدتُ المدينة وبها ابن عمر، وابن عباس، فجاء رجل إلى واليها فشهد عنده على رؤية الهلال هلال رمضان، فسأل ابن عمر، وابن عباس عن شهادته؟ فأمره أن يجيزه، وقالا:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل واحد على رؤية الهلال هلال رمضان» ، قالا:«وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين» (2).
وجه الاستدلال: أن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أخبرا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبل شهادة الواحد على هلال رمضان، فيكون نصا في المسألة.
الدليل الخامس: عن عبد الملك بن مَيْسرة (3)، قال:«شَهَدتُ المدينة في هلال صوم أو إفطار، فلم يشهد على الهلال إلا رجل، فأمرهم ابن عمر رضي الله عنهم، فقبلوا شهادته» (4).
وجه الاستدلال: أن مثل هذا يشتهر، ولم ينكره أحد، فصار إجماعا (5).
الدليل السادس: ولأنه حال يستوي فيه المُخبِر والمُخبَر، فوجب أن يُحكم فيه بقول الواحد (6).
الدليل السابع: ولأن العدد ليس بشرط في الإخبار عن الديانات، وإنما تشترط العدالة فقط؛ كما في رواية الحديث، والإخبار عن طهارة الماء ونجاسته، ونحو ذلك (7).
(1) هو: طاوُوس بن كَيْسان، أبو عبد الرحمن الفارسي ثم اليمني، سمع من: أبي هريرة، وابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم ، وعنه: ابنه عبد الله، ومجاهد، والزهري، وغيرهم، وهو حجة باتفاق، توفي بمكة سنة 106 هـ. ينظر: الطبقات 5/ 537، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 251، سير أعلام النبلاء 5/ 38.
(2)
رواه الدارقطني في السنن 3/ 97 رقم 2148، كتاب الصيام وقال:"تفرد به حفص بن عمر الأبلي أبو إسماعيل، وهو ضعيف الحديث"، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 358 رقم 7979، في الصيام باب الشهادة على رؤية هلال رمضان، وقال:"وهذا مما لا ينبغي أن يحتج به".
(3)
هو: عبد الملك بن ميسرة الهلالي العامري، أبو زيد الكوفي الزراد، روى عن: ابن عمر، وأبي الطفيل، وغيرهما، وعنه: زيد بن أبي أنيسة، ومسعر، وشعبة، وغيرهم، وكان ثقة نبيلا، توفي سنة 120 هـ. ينظر: الطبقات 6/ 319، تاريخ الإسلام 3/ 274، تهذيب الكمال 18/ 421.
(4)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 320 رقم 9466، في الصيام باب من كان يجيز شهادة شاهد على رؤية الهلال، والطبري في تهذيب الآثار 2/ 762 رقم 1128.
(5)
ينظر: شرح عمدة الفقه كتاب الصيام 1/ 143.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير 3/ 413، وينظر: المغني 3/ 164، وبدائع الصنائع 2/ 80.
(7)
ينظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 1/ 257، والمغني 3/ 164.
أدلة القول الثاني: القائلين يشترط شهادة عدلين.
الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (1).
وجه الاستدلال: أن الشاهدين العدلين هو العدد الذي تثبت به الحقوق، فوجب أن يكون هو العدد الذي تثبت به الرؤيا (2).
الدليل الثاني: عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (3) قال: إنا صحبنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلمنا منهم، وإنهم حدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم فعدوا ثلاثين، فإن شهد ذوا عدل فصوموا وأفطروا وانسكوا (4)» (5).
الدليل الثالث: وعن أمير مكة الحارث بن حاطب (6) رضي الله عنهم قال: «عَهِد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما» (7).
(1) سورة البقرة: الآية: 282
(2)
ينظر: المسالك لابن العربي 4/ 153، طرح التثريب 4/ 114.
(3)
هو: عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي، وهو ابن أخي عمر بن الخطاب، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من أتم الرجال خلقة، روى الحديث عن: أبيه وعمه عمر، وغيرهما، وروى عنه: ابنه عبد الحميد، وسالم بن عبد الله، وآخرون، توفي سنة 65 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 4/ 1817، الإصابة 5/ 29، تاريخ الإسلام 2/ 673.
(4)
النُسُك: هو الطاعة والعبادة، وما يتقرب به إلى الله، والمراد في الحديث النُسُك في الحج أي الأضحية. ينظر: النهاية 5/ 48، حاشية السندي على النسائي 4/ 133.
(5)
رواه النسائي 4/ 132 رقم 2116، كتاب الصيام، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، وأحمد 31/ 190 رقم 18895، والدارقطني في السنن 3/ 120 رقم 2193، في الصيام باب الشهادة على رؤية الهلال، وقال شعيب الأرنؤوط:"صحيح لغيره".
(6)
هو: الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة القرشي الجمحي، صحابي صغير، ولد بأرض الحبشة، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروايته في: أبي داود، والنسائي، توفي بعد 66 هـ. ينظر: معرفة الصحابة 2/ 765، أسد الغابة 1/ 597، الإصابة 1/ 663.
(7)
رواه أبوداود 2/ 301 رقم 2338، كتاب الصوم، باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال، والبيهقي في الكبرى 4/ 415 رقم 8185، في الصيام، باب من لم يقبل على رؤية هلال الفطر إلا شاهدين عدلين، والدارقطني في السنن 3/ 118 رقم 2191، كتاب الصيام، باب الشهادة على رؤية الهلال، وقال:"هذا إسناد متصل صحيح"، ووافقه الألباني في صحيح أبي داود 7/ 103.
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم علق حكم الشهادة بعدلين؛ فعُلِم أن حكم الواحد مخالف لحكمهما (1). (فمنطوق)(2) الحديث قبول شهادة العدلين على الصوم، و (مفهومه)(3) أنه إذا لم يشهد عدلان، فلا صوم (4).
الدليل الرابع: عن رِبْعِيّ بنُ حِرَاش، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان، فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم لأهلا الهلال أمس عشية، «فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا» (5).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة الرجلين على الهلال، فدل ذلك على أن شهادة الواحد غير مقبولة.
الدليل الخامس: "ولأنه حكم شرعي متعلق برؤية الهلال، فوجب أن يكون حكم الإخبار به حكم الشهادات؛ أصله هلال شوال"(6).
الدليل السادس: لا يُسَلَّم أن ابن عمر والأعرابي قد شهد كل واحد منهما وحده، بل احتمال أن يكون قد شهد عند النبي صلى الله عليه وسلم مع كل واحد منهما آخرون (7).
أدلة القول الثالث: القائلين بأنه إن كان في السماء علة تقبل شهادة الواحد، وإن لم يكن في السماء علة فلا بد أن يكون الشهود جمعا غفيرا.
أدلتهم على قبول شهادة الواحد العدل إن كان في السماء علة هي أدلة القول الأول، إلا أنهم حمَلوها على وجود علة بالسماء (8).
(1) ينظر: المعونة 1/ 455، الحاوي الكبير 3/ 412.
(2)
المنطوق: هو المعنى المستفاد من صريح اللفظ. وقد يقال: ما دل عليه اللفظ في محل النطق، أي: يكون حكما للمذكور، وحالا من أحواله. ينظر: إرشاد الفحول 2/ 36، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص 374.
(3)
المفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، أي: يكون حكما لغير المذكور، وحالا من أحواله. ينظر: إرشاد الفحول 2/ 36، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص 374.
(4)
ينظر: التوضيح لخليل 2/ 379.
(5)
سبق تخريجه ص (72).
(6)
ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/ 427.
(7)
ينظر: نيل الأوطار 4/ 222، ومناهج التحصيل 2/ 65، وكفاية النبيه 6/ 252.
(8)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 80.
أما دليلهم على أنه لا تقبل شهادة الواحد إن كانت السماء مصحية فهو:
أن التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية -مع توجههم طالبين لِما تَوجَّه هو إليه، مع فرض عدم المانع وسلامة الأبصار، وإن تفاوتت الأبصار في الحِدَّة-، ظاهر في غَلَطِه؛ قياسا على تَفرّد ناقل زيادة من بين سائر أهلِ مجلسٍ مشاركين له في السماع؛ فإن هذه الزيادة تُردّ، وإن كان ثقة (1).
قال الكاساني (2): "أن خبر الواحد العدل إنما يقبل فيما لا يكذبه الظاهر، وههنا الظاهر يكذبه؛ لأن تفرده بالرؤية مع مساواة جماعة -لا يحصون- إياه في الأسباب الموصلة إلى الرؤية، وارتفاع الموانع، دليل كذبه، أو غلطه في الرؤية. وليس كذلك إذا كان بالسماء علة؛ لأن ذلك يمنع التساوي في الرؤية؛ لجواز أن قطعة من الغيم انشقت فظهر الهلال فرآه واحد ثم استتر بالغيم من ساعته قبل أن يراه غيره"(3).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن شهادة الواحد العدل في رؤية هلال رمضان مقبولة؛ وذلك لقوة أدلة هذا القول، ولأن حديث عبد الله بن عمر والأعرابي رضي الله عنهم، دلّا على قبول شهادة الواحد في هلال رمضان.
وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:
أولا: أما استدلالهم بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} ، فيجاب عنه:
أن الشارع اشترط شهادة عدلين في الحقوق؛ وذلك لحكمة واضحة وهي: أنَّ إلزام المُعَيَّن تتوقع فيه عداوة باطنية لم يَطَّلِع عليها الحاكم، فتبعث العدو على إلزام عدوه ما لم يكن لازما له، فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه شاهدا آخر؛ إبعادا لهذا الاحتمال، فإذا اتفقا في المَقال قَرُب الصِدق جدا، بخلاف الشاهد الواحد (4).
(1) ينظر: البحر الرائق 2/ 288.
(2)
هو: أبو بكر بن مسعود بن أحمد، علاء الدين الكاساني، من أئمة الحنفية، كان يسمى ملك العلماء، أخذ عن: علاء الدين السمرقندي، وشرح كتابه المشهور (تحفة الفقهاء) ، توفي بحلب سنة 587 هـ، من تصانيفه: بدائع الصنائع وهو شرح تحفة الفقهاء، والسلطان المبين في أصول الدين. ينظر: بغية الطلب 10/ 4347، الجواهر المضية 2/ 244؛ الأعلام 2/ 70.
(3)
بدائع الصنائع 2/ 80.
(4)
ينظر: الفروق 1/ 6.
أما من شهد على رؤية هلال رمضان، فإنه غير متهَم؛ إذ الإنسان لا يُتَّهَم في الإضرار بنفسه بالتزام الصوم؛ ولأنه مُلزَم بما يلزم غيره (1).
ثانيا: وأما استدلالهم بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن زيادة: «فإن شهد ذوا عدل فصوموا وأفطروا وانسكوا» غير محفوظة (2).
الوجه الثاني: وعلى فرض صحة هذه الزيادة: فإنما دل الحديث بمفهومه على عدم الاكتفاء بالواحد في الشهادة على هلال رمضان، بينما حديث ابن عمر وحديث ابن عباس في قصة الأعرابي السابقين، يدلان بمنطوقهما على الاكتفاء بالواحد؛ والمنطوق يقدم على المفهوم (3).
ثالثا: وأما استدلالهم بحديث أمير مكة، فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن نسلك بالحديث مَسْلك الجمع (4) ، فيكون النسك هو عيد الفطر، أو أن الحديث محمول على الاستحباب و (الاحتياط)(5)(6).
الوجه الثاني: أن نسلك به مَسْلك الترجيح (7)، فيقال: إن التصريح بالاثنين غاية ما فيه المنع من قبول الواحد بالمفهوم، وحديثا ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يدلان على قبوله بالمنطوق، ودلالة المنطوق أرجح من دلالة المفهوم، فيجب تقديمهما" (8).
رابعا: وأما استدلالهم بحديث ربعي بن حراش، فيجاب عنه من وجهين:
(1) ينظر: بدائع الصنائع 2/ 81
(2)
لأنها لم تأت من طريق صحيحة؛ في سندها: حجاج ابن أَرْطاة، وهو كثير الخطأ والتدليس ولم يصرح بالتحديث. ينظر: تقريب التهذيب ص 152، وتهذيب الكمال 17/ 123.
(3)
ينظر: شرح الزركشي على الخرقي 2/ 627، والسيل الجرار 1/ 281، والمحلى 4/ 375.
(4)
المقصود الجمع بين النصين وإعمالهما؛ لأنه إن أمكن الجمع بينهما تعين، احترازا من تعطيلهما أو أحدهما. ينظر: شرح مختصر الروضة 3/ 732.
(5)
الاحتياط: لغة: من حاطه يَحوطه حَوْطاً، إذا حفِظَه ورَعاه. واصطلاحا: طلب الأَحَظّ والأَخذ بأوثق الوجوه. ينظر: النهاية 1/ 461، المصباح المنير 1/ 156.
(6)
ينظر: المجموع 6/ 283.
(7)
الترجيح: في اللغة: هو إثبات الفضل في أحد جانبي المتقابلين فهي من رجَحَ أي مال. وفي الاصطلاح: تقوية أحد الطرفين على الآخر، فيعلم الأقوى فيعمل به، ويطرح الآخر. ينظر: لسان العرب 2/ 445، نفائس الأصول في شرح المحصول 8/ 3667، إرشاد الفحول 2/ 257.
(8)
ينظر: نيل الأوطار 4/ 222، تحفة الأحوذي 3/ 304.
الوجه الأول: أن هذا الحديث في هلال شوال ونحن كلامنا في هلال رمضان.
الوجه الثاني: أن مجرد قبول شهادة الاثنين في واقعة لا يدل على عدم قبول الواحد، بل لو شهد أربعة، أو عشرة، لقبل صلى الله عليه وسلم شهادتهم، ولكن الكلام فيما لو شهد واحد هل كان سيرد شهادته؟ .
خامسا: وأما قياسهم هلال رمضان على هلال شوال، فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن قياس هلال رمضان على هلال شوال لا يستقيم، وذلك أن هلال شوال خروج من عبادة، وهلال رمضان دخول فيها (1).
الوجه الثاني: أن هلال شوال يخالف هلال رمضان وذلك: لأنه لا يلزم الشاهد شيء بشهادته على هلال شوال بل له فيها نفع، وهو إسقاط الصوم عن نفسه، فكان متهَما، فيشترط فيه العدد؛ نفيا للتهمة، بخلاف هلال رمضان، هناك لا تهمة؛ إذ الإنسان لا يتهَم في الإضرار بنفسه بالتزام الصوم (2).
سادسا: وأما عدم تسليمهم بأن ابن عمر والأعرابي رضي الله عنهم قد شهد كل واحد منهما وحده، فيجاب عنه: أن التأويل بالاحتمال المذكور تعسف وتجويز، لو صح اعتبار مثله لكان مفضيا إلى طرح أكثر الشريعة (3).
ثم إنه لو شهد غيرهما لنُقِل، ولأن الحكم إذا نقل معه السبب كان بمنزلة العلة للحكم، ثم ثبت أن العلة لا يجوز الزيادة فيها، فكذلك السبب (4).
سابعا: وأما الجواب عن من فرق بين الغيم والصحو، فقَبِل شهادة الواحد في الغيم واشترط شهادة الجم الغفير في الصحو، فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن النصوص جاءت صحيحة صريحة في قبول شهادة الواحد على هلال رمضان، ولم تفرق بين الصحو والغيم.
(1) ينظر: المغني 3/ 164.
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 81، وشرح الزركشي على الخرقي 2/ 626.
(3)
ينظر: نيل الأوطار 4/ 222.
(4)
ينظر: كفاية النبيه 6/ 253، أصول السرخسي 1/ 271.
الوجه الثاني: أنه لا مانع من أن يرى الهلال واحد دون غيره في حال الصحو؛ لحُسن نظره، أو لمعرفته بالمطالع، أو غير ذلك، وليس هذا ممتنعا. ولهذا لو شهد برؤيته اثنان أو واحد وحَكَم به حاكم، لم يُنقَض حُكمُه بالإجماع، ووجب الصوم بالإجماع، ولو كان مستحيلا لم يَنفُذ حكمُه، ولَوَجَب نقضه (1). والله أعلم.
(1) ينظر: المجموع 6/ 283، والمغني 3/ 165.