المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع) - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

(1)؟ .

اختيار الشيخ: اختار عدم اشتراط المسجد الجامع لصحة الاعتكاف، فقال:"قلت: الراجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد؛ لحديث الباب (2) "(3).

ثم قال: "فيصحّ الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، ولا يجوز في غيره، ولا يشترط مسجد الجمعة، وإن كان هو أفضل، ويجب الخروج إلى الجُمعة، ولا يبطُل اعتكافه بالخروج إليها"(4).

اختلف الفقهاء في اشتراط المسجد الجامع لصحة الاعتكاف على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد الجامع.

وهو قول: الزهري (5)، ورواية: ابن عبد الحَكَم (6) عن الإمام مالك (7).

القول الثاني: يشترط المسجد الجامع إذا تخلل الاعتكاف يوم جمعة، وإلا فلا يشترط.

وهو المشهور من: مذهب المالكية (8).

القول الثالث: لا يشترط المسجد الجامع لصحة الاعتكاف، وإن تخلل اعتكافه يوم جمعة وعليه الخروج لشهودها.

وهو قول: الحنفية (9) ، والشافعية (10) ، والحنابلة (11).

(1) هو: الْمَسْجِد الَّذِي تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة، سُمِّي بِهِ لجمعه النَّاس. وَيُقَال لَهُ: الْمَسْجِد الْجَامِع، وَمَسْجِد الْجَامِع. ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 131، تاج العروس 20/ 453.

(2)

يعني حديث عائشة الذي سيأتي ذكره صفحة (677).

(3)

مرعاة المفاتيح 7/ 165.

(4)

مرعاة المفاتيح 7/ 166.

(5)

مصنف ابن أبي شيبة رقم 9673، الاستذكار 3/ 385، شرح مسلم للنووي 8/ 68.

(6)

هو: عبد الله بن عبد الحكم بن أعين، أبو محمد الفقيه المالكي، انتهت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب، وكان صديقا للشافعي وروى عنه، من مصنفاته: المختصر الكبير؛ والمناسك، توفي سنة 214 هـ. ينظر: ترتيب المدارك 3/ 363، شجرة النور الزكية ص 89، الديباج المذهب 1/ 419.

(7)

المقدمات الممهدات 1/ 256، الاستذكار 3/ 385، المسالك 4/ 255، إكمال المعلم 4/ 151.

(8)

الرسالة ص 63، الكافي 1/ 353، الذخيرة 2/ 535، جامع الأمهات ص 180.

(9)

بدائع الصنائع 2/ 114، تحفة الفقهاء 1/ 373، الهداية 1/ 129، درر الحكام 1/ 213.

(10)

الحاوي 3/ 485، المهذب 1/ 354، البيان 3/ 589، العزيز 3/ 262، روضة الطالبين 2/ 398.

(11)

الهداية ص 166، مختصر الخرقي ص 52، الكافي 1/ 455، الإنصاف 3/ 366.

ص: 676

وقول: الظاهرية (1)، وهو اختيار الشيخ رحمه الله.

سبب الخلاف: قال ابن رشد: "وأما سبب اختلافهم في تخصيص بعض المساجد أو تعميمها: فمعارضة العموم للقياس المخصص له. فمن رجح العموم قال: في كل مسجد على ظاهر الآية، ومن انقدح له تخصيص بعض المساجد من ذلك العموم بقياس اشترط أن يكون مسجدا فيه جمعة لئلا ينقطع عمل المعتكف بالخروج إلى الجمعة"(2).

أدلة القول الأول: القائلين بأنه لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد الجامع.

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (3).

وجه الاستدلال: أن الآية أشارت أنه لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة؛ لأن المقصود بالمساجد في الآية جنس معين منها، وهو المسجد الجامع (4).

وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، فلم يعتكف إلا في مسجده، وهو مسجد جامع (5).

الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «السُنَّة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع» (6).

وجه الاستدلال: أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذكرت أن من شرط الاعتكاف أن يكون في مسجد جامع تصلى فيه الجمعة.

أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يشترط المسجد الجامع إذا تخلل الاعتكاف يوم جمعة، وإلا فلا يشترط.

أ- أدلة جواز الاعتكاف في جميع المساجد إن لم يتخلل اعتكافه صلاة الجمعة:

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (7).

(1) المحلى 3/ 430.

(2)

بداية المجتهد 2/ 77، وينظر: عقد الجواهر الثمينة 1/ 262.

(3)

سورة البقرة: آية: 187.

(4)

ينظر: الاستذكار 3/ 385.

(5)

ينظر: سبل السلام 1/ 595.

(6)

سبق تخريجه صفحة (627).

(7)

سورة البقرة: آية: 187.

ص: 677

وجه الاستدلال: أن لفظ المساجد عام لجميع المساجد، وتخصيصه بالمسجد الجامع يحتاج إلى دليل (1).

قال الإمام مالك: "فعم الله المساجد كلها، ولم يخصص منها شيئا"(2).

الدليل الثاني: عن حذيفة رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح» (3).

وجه الاستدلال: أن الحديث أجاز الاعتكاف في جميع المساجد التي تؤدى فيها الصلوات، ولم يخصص المسجد الجامع.

ب- دليل بطلان اعتكافه إذا تخلل اعتكافه جمعة وخرج لها:

أن الخروج في الأصل مضاد للاعتكاف ومناف له؛ لأن الاعتكاف قرار وإقامة، والخروج انتقال وزوال؛ فكان مبطلا له إلا فيما لا يمكن التحرز عنه كحاجة الإنسان. وكان يمكنه التَحرُّز عن الخروج إلى الجمعة بأن يعتكف في المسجد الجامع (4).

أدلة القول الثالث: القائلين بأنه لا يشترط المسجد الجامع لصحة الاعتكاف وإن تخلل اعتكافه يوم جمعة، وعليه الخروج لشهودها.

أ- أدلة جواز الاعتكاف في جميع المساجد إن لم يتخلل اعتكافه صلاة الجمعة:

هي نفس أدلة القول الثاني.

ب- أدلة عدم انقطاع اعتكاف من خرج لصلاة الجمعة، إن كان المسجد لا يجمع فيه:

الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (5).

(1) ينظر: الاستذكار 3/ 385.

(2)

الموطأ 3/ 450 رقم 1113، كتاب الاعتكاف، باب ذكر الاعتكاف.

(3)

رواه الدارقطني في السنن 3/ 185 رقم 2357، كتاب الصيام، باب الاعتكاف، وقال الألباني في ضعيف الجامع رقم 4250:"موضوع".

(4)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 114.

(5)

سورة الجمعة: آية: 9.

ص: 678

وجه الاستدلال: أن إقامة الجمعة فرض؛ والأمر بالسعي إلى الجمعة أمر بالخروج من المعتكف. ولو كان الخروج إلى الجمعة مبطلا للاعتكاف؛ لَما أُمِر به؛ لأنه يكون أمرا بإبطال الاعتكاف (1).

قال ابن حزم: "وإنما يبطل الاعتكاف خروجه لما ليس فرضا عليه"(2).

الدليل الثاني: عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد» (3).

وفي رواية: «فذهب معها حتى أدخلها بيتها، وهو معتكف» (4).

وجه الاستدلال: أن للمعتكف أن يخرج من المسجد لما لا بد منه؛ كالجُمعة، ولا يؤثر ذلك في اعتكافه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج للخوف على أهله؛ فيُلحَق به كل حاجة (5).

قال ابن تيمية: "ولا يجوز أن يقال: اعتكافه كان تطوعا، وللمتطوع أن يدع الاعتكاف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ اعتكافه مما ينقصه، ولهذا كان لا يدخله إلا لحاجة، ويُصْغي رأسه إلى عائشة لتُرَجِّله ولا يدخل. ولأنه لو ترك الاعتكاف ساعة لم يكن قد اعتكف العشر الأواخر، وهو صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر. ثم إنه كان يقضي هذا الاعتكاف إذا فاته، فكيف يفسده أو يترك منه شيئا؟ ! "(6).

الدليل الثالث: عن علي رضي الله عنه ، قال:«المُعتكِف يشهد الجمعة، ويتبع الجنازة، ويعود المريض» (7).

وجه الاستدلال: أن عليا رضي الله عنه سمى من خرج لشهود الجمعة معتكفا، فدل على أن خروجه إليها لا يقطع اعتكافه.

(1) ينظر: بدائع الصنائع 2/ 114.

(2)

المحلى 3/ 422.

(3)

سبق تخريجه صفحة (641).

(4)

رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 360 رقم 8066، كتاب الاعتكاف، باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه.

(5)

ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 804، والمغني 3/ 192.

(6)

شرح العمدة كتاب الصيام 2/ 804.

(7)

سبق تخريجه صفحة (627).

ص: 679

الدليل الرابع: ولأنه لا مانع من إقامة الجمعة في سائر المساجد، فكذا لا مانع من الاعتكاف في سائر المساجد.

قال الجصاص: "وكما لا تُمنع صلاة الجمعة في سائر المساجد، كذلك لا يمتنع الاعتكاف فيها. فكيف صار الاعتكاف مخصوصا بمساجد الجُمُعات دون مساجد الجَماعات؟ ! "(1).

الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الثالث: أنه لا يشترط لصحة الاعتكاف المسجد الجامع وإن تخلل اعتكافه يوم جمعة، وعليه الخروج لشهود صلاة الجمعة؛ وذلك لصحة ما استدلوا به، ولعدم وجود نص صريح يشترط المسجد الجامع لصحة الاعتكاف، ولأن خروج المعتكف إلى الجمعة ضرورة من الضرورات لا يبطل بها الاعتكاف.

وأما ما استدل به أصحاب القولين الآخرين فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما قولهم: إن الآية أشارت إلى جنس معين من المساجد وهو ما يجمع فيه، فيجاب عنه:

أنها دعوا بلا بينة، بل إن (ال) في المساجد للعموم، وتخصيص مساجد الجُمَع دون غيرها لا دليل عليه، ولقائل أن يقول: بل إن الآية أشارت إلى جنس من المساجد وهو ما بناه نبي! (2).

ثانيا: وأما قولهم: وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله فلم يعتكف إلا في مسجده وهو مسجد جامع، فيجاب عنه:

وأيضا لم يعتكف إلا صائما، ولا يشترط الصيام على الراجح، ولم يعتكف إلا في رمضان وشوال، والاعتكاف جائز في السنة كلها، فمجرد الفعل لا يستلزم الشرطية (3).

ثالثا: وأما استدلالهم بحديث عائشة والذي فيه: «ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع» ، فيجاب عنه من وجهين:

الأول: أن المقصود المسجد الذي تقام فيه صلاة الجماعة، والدليل الرواية الثانية وفيها:«ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة» (4).

(1) أحكام القرآن 1/ 302 - 303.

(2)

ينظر: الاستذكار 3/ 385.

(3)

ينظر: المحلى 3/ 413.

(4)

سبق تخريجه صفحة (627).

ص: 680

الثاني: وعلى التسليم بأن المقصود هنا المسجد الذي تقام فيه الجمعة: فقد مر معنا أن الراجح أن قوله: «والسنة

» مُدْرَج في الحديث، من قول الزهري فمن دونه (1) ، فلا حجة فيه؛ لأنه اجتهاد لا دليل عليه.

ثالثا: وأما من اشترط المسجد الجامع إذا تخلل الاعتكاف يوم جمعة، فيجاب عنه: أن خروج المعتكف إلى الجمعة ضرورة من الضرورات، لا يبطل بها الاعتكاف، فيكون خروجه لها كالمستثنى باللفظ؛ لوجوبها عليه (2). والله أعلم.

(1) ينظر: الاستذكار 3/ 389، معالم السنن 2/ 141، شرح المشكاة للطيبي 5/ 1632.

(2)

ينظر: شرح الزركشي 3/ 9.

ص: 681