المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء - الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

[موافقي الأمين]

فهرس الكتاب

- ‌ الافتتاحية

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في البحث:

- ‌الشكر وتقدير:

- ‌التمهيددراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري واختياراته

- ‌المبحث الأول: دراسة حياة الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول:‌‌ اسمه، ونسبه، و‌‌كنيته، و‌‌لقبه

- ‌ اسمه، ونسبه

- ‌كنيته

- ‌لقبه

- ‌المطلب الثاني:‌‌ مولده، و‌‌أسرته، ووفاته

- ‌ مولده

- ‌أسرته

- ‌وفاته:

- ‌المطلب الثالث: نشأته، وطلبه للعلم

- ‌المطلب الرابع:‌‌ شيوخه، وتلاميذه

- ‌ شيوخه

- ‌أولا: الشيخ أبو الهدى عبد السلام بن الشيخ خان محمد بن أمان الله المباركفوري

- ‌ثانيا: الشيخ العلامة أبو طاهر البهاري

- ‌ثالثا: الشيخ أبو العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن الشيخ بهادر المباركفوري

- ‌رابعا: الشيخ العلامة أحمد الله بن أمير الله بن فقير الله فرتاب كرهي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفور جيراجفوري

- ‌سادسا: الشيخ العلامة محمد أعظم بن فضل الدين أبو عبد الله الجوندلوي الباكستاني

- ‌تلامذته:

- ‌أولا: الشيخ عبد الجليل بن تعلقدار الرحماني البستوي

- ‌ثانيا: الشيخ محمد إدريس آزاد الرحماني الأملوي

- ‌ثالثا: الشيخ عبد المعيد بن عبد المجيد بن عبد القادر أبو عبيدة البنارسي

- ‌رابعا: الشيخ آفتاب آحمد الرحماني البنغلاديشي

- ‌خامسا: الشيخ عبد الغفار حسن بن العلامة عبد الستار بن عبد الجبار العمر فوري الرحماني

- ‌سادسا: الشيخ أحمد الله بن عبد الكريم الرحماني البنغلاديش

- ‌المطلب الخامس:‌‌ عقيدته، ومذهبه الفقهي

- ‌ عقيدته

- ‌عقيدة الشيخ في الإيمان:

- ‌عقيدة الشيخ في الأسماء والصفات:

- ‌عقيدته في التوسل ودعاء الأموات والغائبين:

- ‌مذهبه الفقهي:

- ‌المطلب السادس: ثناء العلماء عليه

- ‌المطلب السابع: آثاره العلمية

- ‌المبحث الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى

- ‌المطلب الأول: تعريف الاختيار

- ‌في اللغة:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌التعريف الأول:

- ‌التعريف الثاني:

- ‌وقد عرفه بعض الباحثين باعتبار أقسامه الثلاثة:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي والإنفراد:

- ‌تعريف الرأي:

- ‌وأما في الاصطلاح فقد عرف بعدة تعاريف منها:

- ‌تعريف الإنفراد:

- ‌وفي الاصطلاح:

- ‌الفرق بين الإختيار والرأي:

- ‌وجه التشابه بينهما:

- ‌وجه الاختلاف بينهما:

- ‌الفرق بين الإختيار والإنفراد:

- ‌الفرق بين الإنفراد والرأي:

- ‌المطلب الثاني: منهج المباركفوري في اختياراته، وموقف العلماء منها

- ‌المطلب الثالث: دراسة الصيغ المعتبرة (في الاختيار) عند الشيخ المباركفوري

- ‌الباب الأول: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في الصيام

- ‌الفصل الأول: في تسمية الشهر، وفي رؤية الهلال، وفي يوم الشك

- ‌المبحث الأول: حكم قول رمضان، وفي رؤية الهلال

- ‌المطلب الثاني: اعتبار اختلاف المطالع

- ‌المطلب الثالث: هل يثبت دخول الشهر بالحساب الفلكي

- ‌المطلب الرابع: عدد الشهود في هلال شهر رمضان

- ‌المطلب الخامس: عدد الشهود لثبوت هلال شوال

- ‌المطلب السادس: هل يكفي الإخبار ممن رأى الهلال أو تشترط الشهادة

- ‌المطلب السابع: حكم صيام من رأى هلال شوال وحده فردت شهادته

- ‌المطلب الثامن: حكم من أفطر ثم تبين أن اليوم من رمضان

- ‌المبحث الثاني: في يوم الشك، والصوم بعد انتصاف شعبان

- ‌المطلب الأول: في تعيين يوم الشك

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر

- ‌المطلب الثالث: من صام يوم الشك فتبين أنه من رمضان

- ‌المطلب الرابع: حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

- ‌الفصل الثاني: في النية وصيام المسافر

- ‌المبحث الأول: في النية

- ‌المطلب الأول: في النية للفرض

- ‌المسألة الثانية: حكم النية لكل يوم من رمضان

- ‌المسألة الثالثة: حكم تعيين النية

- ‌المسألة الرابعة: حكم التَلَفُّظ بالنية

- ‌المسألة الخامسة: هل يُشترَط أن تُعقَد النية في جزء معين من الليل

- ‌المسألة السادسة: حكم ما إذا فعل بعد النية قبل الفجر ما ينافي الصوم

- ‌المطلب الثاني: في النية النفل

- ‌المسألة الأولى: حكم صيام يوم الشك بنية التطوع

- ‌المسألة الثانية: حكم نية صوم النفل من النهار

- ‌المسألة الثالثة: حكم عقد نية النفل بعد الزوال

- ‌المبحث الثاني: صوم السفر

- ‌المطلب الأول: حكم الصيام في السفر

- ‌المطلب الثاني: ما الأفضل للمسافر الصيام أو الفطر

- ‌المطلب الثالث: حد السفر المبيح للفطر

- ‌المطلب الرابع: حكم إفطار المسافر الذي استهل عليه رمضان وهو مقيم

- ‌المطلب الخامس: حكم إفطار المسافر بعد أن كان قد شرع في الصيام

- ‌المطلب السادس: حكم إفطار من سافر بعد طلوع الفجر

- ‌الفصل الثالث: في المفطرات وما يجتنبه الصائم، وفي الكفارة وخصالها

- ‌المبحث الأول: في المفطرات وما يجتنبه الصائم

- ‌المطلب الثاني: حكم الفصد للصائم

- ‌المطلب الرابع: حكم التقبيل للصائم

- ‌المطلب الخامس: حكم الاستياك للصائم

- ‌المسألة الثانية: الاستياك بالعود الرطب

- ‌المسألة الثالثة: الاستياك في صوم الفريضة

- ‌المطلب السابع: حكم الوصال في الصيام

- ‌المسألة الأولى: الوصال أكثر من يوم

- ‌المسألة الثانية: الوصال إلى السَحَر

- ‌المطلب الثامن: حكم من أكل أو شرب ناسيا وهو صائم

- ‌المطلب العاشر: حكم انغماس الصائم في الماء

- ‌المطلب الحادي عشر: في الأكل والشرب للمتسحر

- ‌المسألة الأولى: حكم من أكل أو شرب وهو شاك في الفجر

- ‌المسألة الثانية: هل المعتبر في تحريم الأكل والشرب تَبَيُّن الفجر أو طلوع الفجر

- ‌المطلب الثالث عشر: حكم صيام الحائض والنُفَساء إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل إلا بعد الفجر

- ‌المبحث الثاني: في الكفارة، وخصالها

- ‌المطلب الثاني: هل على المرأة المجامعة في رمضان كفارة

- ‌المطلب الثالث: هل على من جامع ناسيا في رمضان كفارة

- ‌المطلب الرابع: هل الأكل والشرب في رمضان عمدا يوجبان الكفارة كالجماع

- ‌المطلب السادس: هل الخصال الثلاثة في كفارة الجماع في رمضان على الترتيب أو على التخيير

- ‌المطلب السابع: حكم اشتراط التتابع في صيام كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب الثامن: ما هو الحد الواجب في الإطعام في كفارة الجماع في رمضان

- ‌المطلب التاسع: هل يشترط في الرقبة المعتقة في كفارة الجماع في رمضان أن تكون مؤمنة

- ‌الفصل الرابع: في صوم التطوع، والأيام التي نهي عن الصوم فيها، وفي النذر، وصوم عاشوراء

- ‌المبحث الأول: في صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها

- ‌المطلب الأول: حكم إفراد يوم الجمعة بصيام

- ‌المطلب الثاني: حكم صيام يوم السبت

- ‌المطلب الثالث: حكم صيام يوم عرفة للحاج

- ‌المطلب الخامس: حكم صيام عشر ذي الحِجَّة

- ‌المطلب السادس: حكم صيام الدهر

- ‌المطلب السابع: حكم صيام الست من شوال

- ‌المطلب الثامن: ما هو أفضل الصيام بعد رمضان صيام شعبان أو المحرم

- ‌المطلب التاسع: حكم الإفطار في صوم النافلة

- ‌المطلب العاشر: تعيين الأفضل في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

- ‌المطلب الحادي عشر: ما هي أيام البيض

- ‌المطلب الثاني عشر: معنى صيام يوم في سبيل الله

- ‌المبحث الثاني: في النذر، وفي أعذار الفطر

- ‌المطلب الأول: حكم من نذر صوم العيدين متعمدا لعينيهما

- ‌المطلب الثاني: حكم من نذر صوم يوم قدوم فلان مثلا فوافق يوم عيد

- ‌المطلب الثالث: هل الضيافة عذر للإفطار من صوم النفل

- ‌المطلب الرابع: هل يستحب لمن كان صائما صيام نفل أن يفطر إذا دُعي

- ‌المبحث الثالث: في صوم عاشوراء

- ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

- ‌المطلب الثاني: هل عاشوراء هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر

- ‌المطلب الثالث: ما الأفضل في صيام عاشوراء

- ‌المطلب الرابع: هل صيام يوم مع عاشوراء لاحتمال الشك أو لمخالفة أهل الكتاب

- ‌المطلب الخامس: هل الأفضل صيام يوم عاشوراء أو يوم عرفة

- ‌الباب الثاني: اختيارات الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر، وفي الاعتكاف

- ‌الفصل الأول: في قضاء الصوم، وفي ليلة القدر

- ‌المبحث الأول: في قضاء الصوم

- ‌المطلب الأول: هل يجب قضاء رمضان على الفور؟ ، وهل يجب التتابع

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز التطوع قبل القضاء

- ‌المطلب الثالث: هل يقضي من أفطر في صيام النفل

- ‌المطلب الرابع: حكم صيام المرأة النفل وقضاء الواجب بغير إذن زوجها

- ‌المطلب الخامس: هل يقضي المجامع في رمضان اليوم الذي جامع فيه

- ‌المطلب السادس: حكم القضاء على من ذرعه القيء

- ‌المطلب السابع: هل يقضي من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌المطلب الثامن: هل يقضي الصوم من تمضمض أو استنشق فغلبه الماء

- ‌المطلب التاسع: حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر

- ‌المطلب العاشر: ما الواجب على المُرضع والحامل إذا خافتا على ولدهما فقط

- ‌المبحث الثاني: في القضاء عن الميت

- ‌المطلب الأول: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي أمكنه التدارك

- ‌المطلب الثاني: ما الصوم الذي يصام عن الميت

- ‌المطلب الثالث: حكم قضاء الصوم عن الميت الذي لم يمكنه التدارك

- ‌المبحث الثالث: في ليلة القدر

- ‌المطلب الأول: في تعيين ليلة القَدْر

- ‌المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة

- ‌الفصل الثاني: في الاعتكاف

- ‌المبحث الأول: في حكمه، واشتراط الصوم له، وغير ذلك

- ‌المطلب الأول: حكم (الاعتكاف)

- ‌المطلب الثاني: هل يشترط الصوم لصحة الاعتكاف

- ‌المطلب الثالث: هل لأقل الاعتكاف حدّ

- ‌المطلب الرابع: هل ينقطع اعتكاف من عاد مريضا أو صلى على جنازة

- ‌المطلب الخامس: هل يجوز (الاشتراط في الاعتكاف)

- ‌المطلب السادس: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

- ‌المطلب السابع: متى يدخل المعتكِف معتكَفه

- ‌المطلب الثامن: حكم قضاء الاعتكاف

- ‌المبحث الثاني: في مكان الاعتكاف

- ‌المطلب الأول: أين تعتكف المرأة

- ‌المطلب الثاني: هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

- ‌المطلب الثالث: هل يجوز الاعتكاف في غير (المسجد الجامع)

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

‌المطلب الأول: نسخ وجوب صيام يوم عاشوراء

.

اختيار الشيخ: اختار أن صوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ، فقال:"واستدل من قال بوجوب صوم عاشوراء في أول الإسلام بأحاديث كثيرة". ثم قال: "وهذا القول هو الراجح عندنا"(1).

تحرير محل الخلاف: لا يختلف أهل العلم أن عاشوراء يوم من أيام شهر الله المحرم (2)، وأن صيامه مرغب فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكَفِّر السنة التي قبله» (3). واتفقوا أيضا على أن صوم يوم عاشوراء الآن سنة وليس بواجب (4).

واختلفوا في حكمه أول الإسلام، على قولين:

القول الأول: أن صيامه كان واجبا ثم نسخ وجوبه وصار سنة مؤكدة بعد فرض صيام رمضان.

وهو قول: الحنفية (5) ، والمالكية (6) ، وقول عند الشافعية (7) ، ورواية عند الحنابلة (8)، وهو اختيار الشيخ رحمه الله.

القول الثاني: أن صيامه كان سنة مؤكدة، ثم صار دون ذلك بعد فرض رمضان.

وهو الأصح عند الشافعية (9) ، والمذهب عند الحنابلة (10).

سبب الخلاف: والسبب في اختلافهم -والله أعلم-: ما المقصود بترك صيام عاشوراء بعد فرض صيام رمضان الوارد في الحديث: أهو ترك فرضيته، أو ترك تأكد سُنِّيته؟ .

أدلة القول الأول: القائلين بأن صيامه كان واجبا، ثم نسخ وجوبه.

(1) مرعاة المفاتيح 7/ 98.

(2)

ينظر: رد المحتار 6/ 429، الدر الثمين ص 452، العزيز 3/ 246، الكافي لابن قدامة 1/ 450.

(3)

سبق تخريجه صفحة (420).

(4)

الاستذكار 3/ 327، المجموع 6/ 383، المغني 3/ 178، عمدة القاري 11/ 118.

(5)

المبسوط 3/ 67، بدائع الصنائع 2/ 103، البناية 4/ 9، البحر الرائق 2/ 279.

(6)

المقدمات 1/ 242، المنتقى 2/ 35، الذخيرة 1/ 110، مواهب الجليل 2/ 378.

(7)

المجموع 6/ 383، الشافي في شرح مسند الشافعي 3/ 245، كفاية النبيه 6/ 228، النجم الوهاج 3/ 272.

(8)

المغني 3/ 178، الفروع 5/ 92، المقنع 1/ 318، الإنصاف 3/ 346.

(9)

الحاوي الكبير 3/ 473، المجموع 6/ 383، أسنى المطالب 1/ 431، نهاية المحتاج 3/ 207.

(10)

المغني 3/ 178، الفروع 5/ 91، المقنع 1/ 318، الإنصاف 3/ 346.

ص: 511

الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة، وتُرِك عاشوراء، فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه» (1).

وجه الاستدلال من أربعة وجوه:

الوجه الأول: في قولها رضي الله عنها: «صامه وأمر بصيامه» ، دليل على أنه كان واجبا؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيامه، والأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب (2).

الوجه الثاني: في قولها رضي الله عنها: «كان رمضان الفريضة» ، وهذا اللفظ مشير إلى فرضية عاشوراء قبل رمضان، فمعنى كلامها: صار رمضان هو الفريضة، بعد أن كان عاشوراء هو الفريضة (3)؛ فيكون معنى (كان) هنا بمعنى:(صار)(4).

الوجه الثالث: في قولها رضي الله عنها: «وتُرِك عاشوراء» ، فهذا لا يمكن التخلص منه إلا بأن صيامه كان فرضا قبل رمضان، وحينئذ فيكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه، ويتعين هذا ولا بد؛ لأنه عليه السلام قال قبل وفاته بعام كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» (5)، أي: معه، فعُلِم أن استحبابه لم يترك (6).

الوجه الرابع: في قولها رضي الله عنها: «فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه» : دليل على التخيير في صيامه، مع أنه سنة اليوم؛ فلو لم يكن قبل ذلك واجبا لم يصح التخيير (7).

(1) رواه البخاري 6/ 24 رقم 4504، كتاب تفسير القرآن، باب {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} ، واللفظ له، ومسلم 2/ 792 رقم 1125، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء.

(2)

ينظر عمدة القاري 11/ 122، والكواكب الدراري 9/ 77، والمنتقى 2/ 58.

(3)

ينظر: فيض الباري 5/ 204، وينظر: البيان والتحصيل 17/ 324.

(4)

كقوله تعالى: {إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} سورة ص: الآية: 74. أي: صار.

(5)

رواه مسلم 2/ 798 رقم 1134، كتاب الصيام باب أي يوم يصام في عاشوراء.

(6)

ينظر: زاد المعاد 2/ 68.

(7)

ينظر: المجموع 6/ 384.

ص: 512

الدليل الثاني: عن الرُبَيِّع بنت مُعَوّذ ابن عَفْراء (1) رضي الله عنها، قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، التي حول المدينة:«من كان أصبح صائما، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه» . فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العِهْن (2)، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار (3).

وجه الاستدلال من الحديث على أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا من وجهين:

الأول: لأنه عليه السلام أمرهم بإتمام بقية يومهم ذلك بعد أن تَغَدَّوا في أول يومهم، وهذا لا يكون إلا في الواجب؛ وذلك كرمضان إذا أفطروا في أول يوم منه عند عدم ثبوت الرؤية، ثم ثبت في أثناء النهار، فإن الواجب عليهم إمساك بقية يومهم (4).

الثاني: في قولها: «ونصوم صبياننا الصغار» وهذا غاية تأكيد من كون صوم يوم عاشوراء كان فرضا (5)؛ إذ لم يرد عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم حَثَّ صبيانهم على صيام يوم عرفة الذي هو أعظم أجرا من صيام عاشورا.

الدليل الثالث: أن أسْلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «صمتم يومكم هذا» ؟ قالوا: لا، قال:«فأتموا بقية يومكم، واقضوه» (6).

(1) هي: الرُّبَيّع بنت مُعوّذ بن عفراء النجارية الأنصارية، صحابية من ذوات الشأن في الإسلام، بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يغشى بيتها فيتوضأ ويصلي ويأكل عندها، عاشت إلى أيام معاوية. ينظر: الاستيعاب 4/ 1837، الطبقات 8/ 447، الإصابة 8/ 132.

(2)

العِهْن: هو الصوف مطلقا، وقيل الصوف المصبوغ ألوانا، وجمعه عهون. ينظر: تهذيب اللغة 1/ 104، الصحاح 6/ 2169، معجم مقاييس اللغة 4/ 177.

(3)

رواه البخاري 3/ 37 رقم 1960، كتاب الصوم باب صوم الصبيان، ومسلم 2/ 798 رقم 1136، كتاب الصيام باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه، واللفظ له.

(4)

ينظر: نخب الأفكار 8/ 391، وعمدة القاري 11/ 119.

(5)

ينظر: نخب الأفكار 8/ 393.

(6)

سبق تخريجه صفحة (115).

ص: 513

وجه الاستدلال: في قوله: «فأتموا بقية يومكم، واقضوه» صريح في دلالته على الفرضية؛ لأن القضاء لا يكون إلا في الواجبات، فصار كرمضان إذا أفطروا في أول يوم منه عند عدم ثبوت الرؤية، ثم ثبت في أثناء النهار، فإن الواجب عليهم إمساك بقية يومهم ثم قضاء يوم آخر (1).

الدليل الرابع: حديث الأشْعَث بن قَيْس (2) ¢ أنه دخل على ابن مسعود رضي الله عنه وهو يأكل يوم عاشوراء، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن اليوم يوم عاشوراء، فقال:«قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك، فإن كنت مفطرا فاطْعَم» (3).

وجه الاستدلال: في هذا الحديث دليل على أن صيام يوم عاشوراء كان فرضا ثم ترك؛ وذلك أن ابن مسعود رضي الله عنه أخبرَ مَن أنكر عليه الأكل في يوم عاشوراء، بأن لزوم صيامه قد تُرك لمّا فُرض صيام شهر رمضان (4).

أدلة القول الثاني: القائلين بأن صيامه كان سنة مؤكدة، ثم صار دون ذلك بعد فرض رمضان.

الدليل الأول: عن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر» (5).

وجه الاستدلال: "قوله: «لم يكتب عليكم صيامه» يدل على أنه لم يكن واجبا قط؛ لأن (لم) لنفي الماضي"(6).

(1) ينظر: نخب الأفكار 8/ 391، وعمدة القاري 11/ 119.

(2)

هو: الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي، أبو محمد، له صحبة. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ظهور الإسلام، فأسلم، وشهد اليرموك فأصيبت عينه. كان من ذوي الرأي والإقدام. توفي سنة 40 هـ. ينظر: أسد الغابة 1/ 118، تهذيب الكمال 3/ 286، الأعلام 1/ 332

(3)

رواه البخاري 6/ 24 رقم 4503، في التفسير، باب {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} ، ومسلم 2/ 794 رقم 1127، في الصيام، باب صوم يوم عاشوراء، واللفظ له.

(4)

ينظر: إكمال المعلم 4/ 81، الإفصاح عن معاني الصحاح 2/ 18، زاد المعاد 2/ 71.

(5)

سبق تخريجه صفحة (153).

(6)

ينظر: المجموع 6/ 384.

ص: 514

الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى، وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيما له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«نحن أولى بموسى منكم، فأَمَر بصومه» (1).

وجه الاستدلال: في الحديث دليل على أن المسلمين كانوا يصومون يوم عاشوراء للشكر؛ وما كان صيامه للشكر يكون اختيارا لا فرضا (2).

قال ابن بطال: "وذلك أنه أخبر بالعلة التي من أجلها صامه النبي عليه السلام ، وأنه إنما صامه شكرا لله في إظهاره موسى على فرعون؛ فدل ذلك على الاختيار لا على الفرض"(3).

الترجيح: بعد عرض الأدلة ووجوه الاستدلال منها، الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول: أن صيام يوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه وصار سنة مؤكدة بعد فرض صيام رمضان؛ لقوة أدلتهم، وحديث عائشة رضي الله عنها واضح الدلالة في أن عاشوراء كان فرضا قبل فرض صيام رمضان ثم خُيِّر في صيامه بعد ذلك.

وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:

أولا: أما استدلالهم بقول معاوية رضي الله عنه: «لم يكتب عليكم صيامه» ؛ وأنه يدل على أنه لم يكن واجبا قط لأن (لم) لنفي الماضي، فيجاب عنه:

أن المراد من قوله: «ولم يكتب عليكم صيامه» أي: صيام ذلك اليوم في ذلك العام، وليس في هذا نفي أن يكون قد كان كتب ذلك عليهم فيما تقدم ذلك العام من الأعوام ثم نسخ بعد ذلك، على ما تقدم من الأحاديث (4).

والظاهر أن معاوية رضي الله عنه إنما قال هذا الكلام لأنه سمع من يوجب صيام يوم عاشوراء، أو يحرمه، أو يكرهه؛ فأراد إعلامهم بحكم صيامه، وأنه ليس بواجب، ولا محرم، ولا مكروه (5).

(1) رواه البخاري 3/ 44 رقم 2004، في الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، ومسلم 2/ 795 رقم 1130، في الصيام، باب صوم يوم عاشوراء، واللفظ له.

(2)

ينظر: شرح مشكل الآثار 6/ 44، ونخب الأفكار 8/ 410.

(3)

شرح البخاري 4/ 141.

(4)

ينظر: المغني 3/ 178، وكشاف القناع 2/ 339.

(5)

ينظر: شرح النووي على مسلم 8/ 8، والكواكب الدراري 9/ 150، وإكمال المعلم 4/ 81.

ص: 515

فيكون المعنى: لم يفرض الله عليكم صيام عاشوراء بعد فرض رمضان (1).

ولم يكن القصد من كلامه رضي الله عنه والله أعلم- الحديث عن كونه كان فرضا في أول الإسلام أو لم يكن، فيجمع بهذا بين قوله هذا، وبين الأدلة الصريحة التي دلت على وجوبه قبل فرض رمضان.

ثانيا: وأما استدلالهم بحديث ابن عباس رضي الله عنه وأن المسلمين كانوا يصومون يوم عاشوراء للشكر لا لفرض. فيجاب عنه من وجهين:

الوجه الأول: "يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب صيامه بعد أن لم يكن واجبا"(2).

الوجه الثاني -وهو الأولى-: أن يتأول قوله صلى الله عليه وسلم: «فصوموه» على أنه أراد: فصوموه واجبا كما كنتم تصومونه (3).

وليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ الأمر بصيامه بقول اليهود، حتى يقال إنه صلى الله عليه وسلم صامه شكرا فيكون مستحبا، بل في حديث عائشة رضي الله عنها السابق التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك، فغاية ما في القصة أنه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم (4).

ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة رضي الله عنها: أن أهل الجاهلية كانوا يصومونه كما تقدم؛ إذ لا مانع من تَوارُد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك (5).

وقال ابن القيم -رادا على من أنكر وجوب صيام عاشوراء في أول الإسلام قبل فرض صيام رمضان-: "ويلزم من قال: إن صومه لم يكن واجبا، أحد الأمرين: إما أن يقول بترك استحبابه، فلم يبق مستحبا، أو يقول: هذا قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه برأيه وخفي عليه استحباب صومه، وهذا بعيد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حثهم على صيامه، وأخبر أن صومه يكفر السنة الماضية، واستمر الصحابة على صيامه إلى حين وفاته، ولم يُروَ عنه حرف واحد بالنهي عنه وكراهة صومه، فعُلِم أن الذي تُرِك وجوبه لا استحبابه"(6). والله أعلم.

(1) ينظر: إرشاد الساري 3/ 422.

(2)

ينظر: البيان والتحصيل 17/ 324، وشرح مشكل الآثار 6/ 44.

(3)

ينظر: البيان والتحصيل 17/ 325.

(4)

ينظر: فتح الباري 4/ 248.

(5)

ينظر: نيل الأوطار 4/ 288 - 289.

(6)

زاد المعاد 2/ 68.

ص: 516