الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: هل ليلة القدر خاصة بهذه الأمة
؟ .
اختيار الشيخ: اختار قول الجمهور القائلين بأن ليلة القدر اختص الله بها هذه الأمة دون باقي الأمم، فقال:"قلت: وأثر الموطأ المذكور (1) يدل على أن إعطاء ليلة القدر كان تسلية لهذه الأمة القصيرة الأعمار، ويشهد لذلك روايات أخرى مرسلة"(2).
اختلف أهل العلم هل ليلة القدر ليلة اختص الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو كانت في الأمم السابقة، على قولين:
القول الأول: هي مختصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وبه قال جمهور أهل العلم من: الحنفية (3)، والمالكية (4) ، والشافعية (5) ، والحنابلة (6)، وهو اختيار الشيخ.
القول الثاني: أن ليلة القدر ليست مختصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم بل كانت في الأمم قبلنا.
وبه قال: بعض أهل العلم (7)، وبدر الدين العيني من الحنفية (8) ،والحافظ ابن كثير (9) ، وابن حجر العسقلاني (10) ، وأحمد القسطلاني (11) من الشافعية.
أدلة القول الأول: القائلين هي مختصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الدليل الأول: عن الإمام مالك، أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك. فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا
(1) أي الآتي ذكره في الأدلة بلاغًا عن الإمام مالك نفس الصفحة (693).
(2)
مرعاة المفاتيح 7/ 118.
(3)
التعليق الممجد على موطأ محمد 2/ 223، مرقاة المفاتيح 4/ 1436، التفسير المظهر 10/ 310.
(4)
المدونة 1/ 301، الاستذكار 3/ 417، المقدمات 1/ 264، المنتقى 2/ 89.
(5)
نهاية المطلب 4/ 77، العزيز 3/ 250، المجموع 6/ 448، روضة الطالبين 2/ 389.
(6)
مطالب أولي النهى 2/ 225، حاشية الروض المربع 3/ 469، زاد المسير 4/ 473، تيسير الكريم الرحمن ص 931.
(7)
لم أقف على من قال بهذا من المتقدمين؛ ولكن حكى الخلاف كثير من أهل العلم، كأبي المعالي الجويني في نهاية المطلب 4/ 77، والنووي في المجموع 6/ 448، والعراقي في طرح التثريب 4/ 150، وغيرهم.
(8)
عمدة القاري 11/ 132.
(9)
تفسير ابن كثير 8/ 446.
(10)
فتح الباري 4/ 263.
(11)
إرشاد الساري 3/ 437.
يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر، خير من ألف شهر» (1).
وجه الاستدلال: أن الحديث صريح في أن ليلة القدر قد أُعطيَها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
قال ابن عبد البر: "وفيه من وجوه العلم: أن ليلة القدر لم يُعْطَها إلا محمد وأمته صلى الله عليه وسلم "(2).
وقال الباجي: "فتفضل الله تبارك وتعالى على هذه الأمة بليلة القدر، وهي تقتضي اختصاص هذه الأمة بهذه الليلة"(3).
وجه الاستدلال: في هذا الأثر دلالة على أن ليلة القدر خاصة بهذه الأمة ولم تكن لمن كان قبلهم؛ ويؤيده سبب نزول سورة ليلة القدر حيث كانت تسلية لهذه الأمة القصيرة العمر (5).
الدليل الثالث: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر، ولم يعطها من كان قبلهم» (6).
(1) رواه مالك في الموطأ 3/ 462 رقم 1145، كتاب ليلة القدر، ومن طريقه البيهقي في فضائل الأوقات رقم 78، باب في فضل ليلة القدر، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 307 رقم 308:"ضعيف معضل".
(2)
الاستذكار 3/ 417.
(3)
المنتقى 2/ 89.
(4)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 4/ 504 رقم 8522، في الصيام باب فضل ليلة القدر، ومجاهد في التفسير ص 740، وابن كثير في التفسير 8/ 426، وقال البيهقي:"وهذا مرسل".
(5)
ينظر: شرح الزرقاني للموطأ 2/ 325، تفسير القرطبي 20/ 132، مرقاة المفاتيح 4/ 1436.
(6)
ذكره في الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير برقم 3499، وقال السيوطي في تنوير الحوالك 1/ 237:"هو في فوائد أبي طالب المزكي"، وقال المناوي في التنوير 3/ 352:"ضعيف لضعف إسماعيل بن أبي زياد"، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة 7/ 106:"موضوع".
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى قد وهب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ليلة القدر المذكورة في القرآن، ولم يعطها من كان قبلهم من الأمم المتقدمة، فهذا صريح في أنها من خصوصياتها (1).
أدلة القول الثاني: القائلين أن ليلة القدر ليست مختصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم بل كانت في الأمم قبلنا.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن ليلة القدر، أفي رمضان هي، أو في غيره؟ قال:«بل هي في رمضان» قال: قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت، أم هي إلى يوم القيامة؟ قال:«بل هي إلى يوم القيامة» (2).
وفي لفظ: قلت: يا رسول الله ليلة القدر أنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها، ثم ترجع؟ فقال:«بل هي إلى يوم القيامة» (3).
وجه الاستدلال: أن وجود ليلة القدر مع الأنبياء -كما جاء في الحديث- صريح في أنها غير مختصة بهذه الأمة، وأنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا (4).
الترجيح: بعد عرض أدلة القولين يظهر جليا أنه ليس في أدلة القولين دليل صحيح من جهة الإسناد، لكن ما استدل به أصحاب القول الأول أن ليلة القدر خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو بَلَاغ (5) الإمام مالك الذي رواه عن الثقات من أهل العلم، مع مُرْسَل (6) مجاهد، يجعل لهذا القول قوة.
(1) ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير 3/ 352، والتيسير بشرح الجامع الصغير 1/ 263.
(2)
رواه أحمد 35/ 393 رقم 21499، والنسائي في السنن الكبرى 3/ 407 رقم 3413، في الاعتكاف، باب: ليلة القدر في كل رمضان، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 505 رقم 8525، في الصيام، باب الدليل على أنها في كل رمضان، وقال شعيب الأرناؤوط:"إسناده ضعيف".
(3)
رواه ابن خزيمة 3/ 320 رقم 2169، في الصيام، باب ذكر دوام ليلة القدر في كل رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة 7/ 99 رقم 3100:"إسناده ضعيف".
(4)
ينظر: تفسير ابن كثير 8/ 445، فتح الباري 4/ 263، عمدة القاري 11/ 132، إرشاد الساري 3/ 437.
(5)
البلاغات: هي ما قال فيها الراوي: بلغني. وهي من قَبيل الأحاديث المرسلة. وهي حجة عند الإمام مالك. ينظر: مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح ص 202
(6)
المرسل: في اللغة: المطلق وفي الاصطلاح: ما أضافه التابعي إلى النبي من قول أو فعل. ينظر: لسان العرب 14/ 26، الباعث الحثيث ص 47.
أضف إلى ذلك ضعف ما استدل به أصحاب القول الثاني. وعلى التسليم بصحة ما استدلوا به فهو لا يدل على أن ليلة القدر كانت في الأمم السابقة، بل كان مراد أبي ذر رضي الله عنه والله أعلم- السؤال: هل تختص ليلة القدر بزمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ترفع بعد موته، أم هي باقية؟ . لقرينة مقابلته ذلك بقوله:«أم هي إلى يوم القيامة» (1).
ولعل ذلك لأن بعض الناس زعم أن ليلة القدر سترفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل لأبي هريرة رضي الله عنه: زعموا أن ليلة القدر قد رُفِعت، قال رضي الله عنه:«كَذَبَ من قال كذلك؟ » ، فقيل له: فهي في كل شهر رمضان أستقبِله؟ قال ¢: «نعم» (2).
وبهذا فلا معارضة بين حديث أبي ذر ¢ وبين حديث الموطأ. والله أعلم.
(1) ينظر: تنوير الحوالك 1/ 237.
(2)
رواه عبد الرزاق في المصنف 4/ 255 رقم 7707، في الصيام، باب ليلة القدر.